رأي | Opinion

حدَث غيّر دينه وآخر مُنع: إشكالية الدولة والدين والمواطنة والتواطؤ

الأحد 08 شباط 2015
amman-churchs-mosques

غطت الأيام العصيبة التي عاشها الأردنيون بعد الكشف عن جريمة داعش البربرية الهمجية بحق الشهيد الطيار معاذ الكساسبة على تداعيات قصة حدث دون سن السادسة عشرة أشهرَ إسلامه في محكمة معان الشرعية قبل أكثر من أسبوعين، وغيّر اسمه من «كاسترو» إلى «محمد»، وما زال مقيمًا في وصاية عائلته الجديدة هناك.

ولم يسمع الكثير منا عن إحباط محاولة حدث آخر سعى لتغيير ديانته في نفس المحكمة بعد أن نجح الحدث الأول في ذلك، فقط لأن قاضي القضاة أصدر تعليمات مشددة لقضاته بعد أن تحركت الحكومة وطالبت بعمل المستحيل لفسخ قرار المحكمة الأول وإعلان بطلانه لأنه يخالف القانون المدني. ووعدت الحكومة باسترجاع الحدث من العائلة التي استقبلته، لكن جريمة «داعش» بحق طيارنا كبّلت المؤسسات السيادية والأمنية.

تثير قضية الحدثين إشكاليات متعلقة بالدين والدولة والمواطنة وحرية الفرد والمعتقد، لا سيما أنها الأولى من نوعها منذ محاولة قُصّر التحول للدين الإسلامي في منتصف تسعينيات القرن الماضي، بحسب مسؤولين.

كما تؤشر انتقائية القائمين على المؤسسات الإدارية والأمنية والمحاكم الشرعية في تطبيق القوانين على تغلغل الفكر السلفي المتشدد في المجتمع والجهاز البيروقراطي وتداخل العرف العشائري بالقانون المدني مع تحدي الفقر والبطالة.

 انتقائية القائمين على المؤسسات الإدارية والأمنية والمحاكم الشرعية في تطبيق القوانين على تغلغل الفكر السلفي المتشدد في المجتمع والجهاز البيروقراطي.

أكاد أجزم بأن غالبية الأردنيين لم تسمع بهذه القصة،. أو ربما قرأوا أجزاء مبعثرة من الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل إعلام إلكترونية. والسبب واضح!

فغالبية وسائل الإعلام التقليدية تجاهلت الخبرين؛ إما من باب الضرورات الوطنية والأخلاقية في المحافظة على النسيج الاجتماعي، ومن وحي التسامح الذي يميز الأردن وسط إقليم متفجر يشهد شحنًا دينيًا وعرقيًا ومذهبيًا، أو وربما وجدت هذه الوسائل أن طرح قضية حساسة كهذه قد يثير ردود فعل صاخبة هي في غنى عنها اليوم.

في الحالة الأولى، تساهل قائمون على محكمة أحداث أربد وعناصر من الشرطة مع مسعى القاصر، وتبعهم قاضي المحكمة الشرعية في معان وقاضي القضاة في عمان، دون التفكير بتداعيات هذه العملية على مجتمع مسكون بهواجس عديدة، أو الالتفات إلى نوعية الرسائل التي يريدون إيصالها حول العيش المشترك الذي ما يزال أنموذجًا على مستوى المنطقة.

التحول الثاني لم يصل إلى نهاياته، وبذلك ظلّ الموضوع خارج إشكالية «هل أسلم أم لم يسلم؟»، بعد تدخل الحكومة لمنع القائمين على تنفيذ القانون من تفسير أحكامه وفق أهوائهم ومعاييرهم ومفاهيمهم وإسقاطاتهم المرجعية والقيمية والفكرية.

رسالة الحكومة واضحة، بحسب مسؤولين: يعد إسلام القاصر الأول «مفسوخًا» و«باطلاً»، وفق القانون المدني الذي يحدد سن الرشد بـ18 عامًا، وبخاصة أن العقيدة حق من الحقوق المدنية التي لا يستطيع أي كان تحت هذه السن الاقتراب منها. وفق هذا التفسير، يجب إرجاع الحدث إلى أسرته، بحسب ما توصلت إليه خلية وزارية بحثت عن مخارج قانونية لهذا الاجتهاد غير المسؤول.

لكن ذلك يحتاج للطعن بالقرار الصادر عن المحكمة الشرعية في معان وفسخه في قضية تحركّها وزارة التنمية الاجتماعية أو عائلته. والأمل أن تقوم الوزارة بذلك قبل أهله.

إحداثيات قصة الحدث الأول درامية. بدأت قبيل عطلة أعياد الميلاد المجيد الأخيرة عندما أبلغ الحدث المولود في إربد عام 1999 والده أنه يريد قضاء أسبوع راحة واستجمام في العقبة برفقة أصدقائه. لكنه لم يعد لأهله ولمنزله في حي التركمان في إربد، أحد بؤر نشاط التيارات الجهادية التي تستغل الفقر والعوز وحاجة المهمشين إلى دعم مادي ومعنوي.

الوالد القلق تحرك وأبلغ الشرطة عن اختفاء ابنه. بعدها بثلاثة أيام أبلغه مخفر المنطقة بأنهم عثروا على ابنه لكنه لا يريد العودة إلى منزله حتى لا يقتل لرغبته في اعتناق الإسلام. وطلبت الشرطة من الأب إحضار دفتر العائلة، لكنهم لم يسمحوا له برؤية فلذة كبده. وبعد يومين أُخذ القاصر إلى محكمة الأحداث وعقدت جلستان دون إبلاغ الأهل بذلك أو سماع موقفهم. وبعد الاستماع لإفادة مراقب السلوك التابع لوزارة التنمية الاجتماعية بأن الولد مهدد بالقتل من أهله ويحتاج إلى حماية رسمية، صدر قرار بوضعه في دار رعاية الشباب في شفا بدران. ومن هناك تواصل الفتى مع أشخاص انتظروه في سيارة وقادوه إلى القطرانة ومن هناك إلى معان، حيث وافق القاضي الشرعي على تغيير دينه واسمه وصدرت حجة إشهار الإسلام بموافقة قاضي القضاة.

وهنا الطامة الكبرى. فقاضي القضاة وافق لحدث غير مسموح له بالانتخاب أو الزواج (إلا في حالات محددة) أو شراء السجائر وقيادة السيارة، بتغيير ديانته بهذه السرعة دون سؤال أو استهجان. وبذلك خرق تعليمات كانت قد وضعتها دائرته أواخر عام 2012 تتعلق بخصوص اعتناق الإسلام في المملكة، وإن كانت في الغالب تهدف للتعامل مع قضايا الزواج والطلاق ونفقة الأولاد.

نعم، السلطات المعنية بتنفيذ أحكام القانون بما فيها تلك القائمة على خدمة الشعب «تساهلت» -بالحد الأدنى- حين سمحت لقاصر بالمعنى القانوني وبالغ بالمعنى الشرعي بأن يغير ديانته، دون التحقق والتأكد من حالة الحدث النفسية والاجتماعية والاقتصادية، أو مراجعة أهله أو كنيسته وإشعارهم برغبة هذا الحدث!

تصرف كهذا يحتاج إلى تحقيق ومساءلة المنفذّين من أجل حماية أسس دولة المؤسسات والقانون ونسيج الوطن المتمثل بالأفراد والجماعات على اختلاف أديانهم وأصولهم ومنابتهم. وكذلك صون العلاقات داخل الأسر ولحماية السلم الاجتماعي الذي يحسدنا عليه مواطنو الدول المجاورة الذين لجأوا إلينا هربًا من عواصف التطرف والعنف والكراهية المتناسلة منذ 2011.

ما حدث إساءة للطفولة واستهتار ببراءة الأطفال وعدم احترام لمشاعر جزء من الكل الأردني.

في انتظار قادم الأيام ومن سيعلق الجرس أولًا ويطالب بفسخ قرار المحكمة الشرعية، تعِد الجهات الأمنية المعنية العدة لاسترجاع القاصر الأول – من باب حملة استعادة هيبة الدولة – من عائلته الجديدة في معان. من هناك سيوضع في دار أحداث تحت حماية أمنية لحين حل قضيته عبر فسخ قرار المحكمة. أهل القاصر يرحبون بعودته ويستغربون قصة التهديدات بقتله ويتعهدون باحترام أي قرار يتخذه بعد أن يبلغ سن الرشد.

في الحالة الثانية، قرّر الحدث العودة إلى أهله في الزرقاء قبل أكثر من أسبوع تاركًا العائلة التي استضافته في معان. سلّمه نائب محافظ معان إلى شرطة الزرقاء، ومنها إلى وزارة التنمية الاجتماعية التي وضعته مؤقتًا في دار إيواء قبل أن تسلمه رسميًا لعائلته.

بانتظار نهاية قصة الحدث الأول وجمعه مع أسرته، نأمل أن نكون قد تعلمنا من هذه التجربة لكي لا تتكرر مع قصّر آخرين، قد تستغلهم تيارات أو شيوخ يبحثون عن إثارة النعرات الطائفية أو فكفكة نسيج المجتمع أو العثور على وقود بشري لنشر أهدافهم مستغلين الفقر والبطالة التي تعاني منها أسرة الحدث الأول.

وقد يكون آن الأوان لإعادة دراسة تعديل مواد الدستور التي تحصر النظر في الأحوال الشخصية بالمحاكم الشرعية والكنسية، وأيضًا سَن قانون موحد للأسرة لمنع تجاوزات القضاة الشرعيين ورجال المحاكم المسيحية باسم هذه الحصانة.

ولا بد من إعادة تنظيم العلاقة بين السلطات والمواطنين على أساس المواطنة بغض النظر عن الدين أو تغييره، على أمل وقف معاناة فئة من المواطنين والانتقاص من حقوقهم الأساسية، ومنها المتصل بقضايا حضانة الأطفال والحصول على وثائق شخصية وتوزيع الميراث، حتى لا تضيع حقوق المواطن بسبب اعتبارات تتعلق بالدين أو تغيير الدين.

فالدين مسألة شخصية بين العبد والله، أما الوطن فهو للجميع.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية