«داعش» يكمل تاريخ القوى الرجعية بحرق الكتب

الأربعاء 04 آذار 2015

يعيدنا مشهد إحراق آلاف الكتب في مدينة الموصل العراقية إلى مشاهد أخرى قرأنا عنها ووثقها التاريخ، وشهدنا بعضها الآخر في التاريخ الحديث. ورغم التركيز الحالي على انتشار هذه الظاهرة في التاريخ العربي والإسلامي، إلا أن حرق الكتب كان حاضرًا في كل حقبة سعت فيها قوى سياسية إلى الاستئثار بالسلطة ومنع انتشار المعرفة.

ورغم أن ما حُرق ليس سوى نسخ ورقية في زمن تحتفظ فيه الحواسيب والأرشفة الإلكترونية بنسخ متعددة من الكتب، خصوصًا النادرة منها، إلا أن الفكر الذي نبعت منه أعمال الحرق عبر التاريخ دليل على ازدراء أصحابها لأي فكر يختلف أو يتعارض معهم، وكأنهم يقولون أن لا تاريخ قبلهم، وأن التاريخ سيُكتب من جديد.

يشير التاريخ إلى أن أقدم مكتبة تم تدميرها كانت مكتبة إبلا في مدينة سورية أثرية، تقع اليوم في محافظة إدلب، في العام 2240 ق. م. حادثة أخرى من أشهر حملات حرق في التاريخ القديم كانت في الصين في العام 212 ق.م على يد الإمبراطور الصيني شي هوانغ تي حين أتلف وأحرق مئات الدراسات التاريخية والأدبية والقانونية.

لكن حريق مكتبة الإسكندرية على يد يوليوس قيصر عام 48 ق. م. كان أبرز تلك الحملات في التاريخ القديم، نظرًا لقيمة الكتب التي احتوتها المكتبة التي ظلت أكبر مكتبة عرفها التاريخ لأكثر من ألف عام. تكرر المشهد مرة أخرى في الإسكندرية عام في عام 392 م حين أُحرقت مكتبة «سيرابيوم» بأمر من الإمبراطور ثيودوسيوس الأول، وفي عام 640 م حين أحرقت مكتبة الإسكندرية بأمر من عمرو بن العاص.

The_Burning_of_the_Library_at_Alexandria_in_391_AD

في عام 473 م، دُمرت آخر المكتبات الكبيرة بالعالم القديم حين نشب حريق مكتبة القسطنطينية بعاصمة الدولة البيزنطية، لتحرق المكتبة مرة أخرى عام 1204 م خلال الحملة الصليبية الرابعة، ومرة أخيرة عام 1453 حين دمّرت بالكامل عندما سقطت المدينة بيد العثمانيين.

constantinople

هذه المشاهد تكررت كثيرًا في التاريخ العربي والإسلامي، من مكتبة ابن حزم الأندلسي والغزالي وابن المقفع وأبي نصير سابور إلى ابن رشد  وابن سينا وإخوان الصفا ومكتبة الخليفة العزيز بالله الفاطمي.

وإذا تركنا العصور القديمة والوسطى جانبًا وبحثنا في العصر الحديث، نجد أن في القرن السادس عشر شهد تدمير الإسبان للآداب المتعلقة بحضارة المايا على اعتبار أن علومًا وثنية، ولم يتبق للتاريخ المعاصر سوى أربع وثائق فقط موجودة الآن في متاحف أوروبية.

أما الحربان العالميتان فكان لهما نصيبهما في حرق الكتب وتدميرها. فمن أول ما قام به هتلر حين تسلم السلطة في ألمانيا في العام 1933هو حرق الكتب التي تحمل «الروح غير الألمانية»، إذ أحرق عشرات الألوف من الكتب للكتّاب «‏المنبوذين» في نار أُشعلت مسبقًا في ميدان الأوبرا في وسط برلين، كما قامت قوات الرايخ الهتلرية بإحراق أكثر من 350 ألف كتاب ومخطوطة قديمة و200 كتاب قديم يعود للقرن الخامس عشر ولوحات فنية في المكتبة الشعبية في صربيا خلال الحرب العالمية الثانية عام 1941.

hitler-germany

بقية القرن العشرين شهدت أحداثًا حافظت على قتامة هذه الصورة، ففي العام 1992 أُحرقت مكتبة «سراييفو» على يد الجيش الصربي، وفي العام 1998 أحرقت طالبان مكتبة ناصر خسرو إحدى أكبر المكتبات العامة بأفغانستان.

sarajevo-library

وفي كانون ثاني عام 2001 حرقت وزارة الثقافة المصرية نحو 6,000 نسخة من كتاب أشعار «شبق مثلي» للشاعر أبو نواس، على الرغم من أن كتاباته تعتبر من كلاسيكيات الأدب العربي.

وفي عام 2003، أمرت محكمة كوبية بحرق عدد من الكتب في مشروع «مكتبات كوبا المستقلة»، ومن بين الكتب العديدة التي تم حرقها: «حروب فيديل كاسترو»، وكتب في الإعلام وعن الدستور الأميركي ومارتن لوثر كينج، وغيرها.

وفي العام نفسه إبان الاجتياح الأمريكي للعراق، التهمت النيران محتويات المكتبة الوطنية والمكتبة الإسلامية في العراق، وسرق ما نجا من الحريق. وكان من بين الخسائر مخطوطات ملكية تعود للفترة التي كانت فيها العراق جزءًا من الإمبراطورية العثمانية.

7707744

الكنيسة الأميركية في نيوميكسيكو وتشارلستون وكارولينا الجنوبية قامت في العام 2006 بإحراق عدد كبير من سلسلة الرواية الخيالية «هاري بوتر»، وفي حادثة مشابهة حاولت كنيسة كانتون في كارولينا الشمالية حرق عدد من نسخ الإنجيل «غير المرخصة» وكتب عن الموسيقى وكتب لمؤلفين مشهورين من بينهم بيلي غراهام وتي دي جاكس، إلا أن محاولتهم باءت بالفشل.

وفي العام 2010 اشترت وزارة الدفاع الأمريكية وأتلفت 9500 نسخة من كتاب Operation Dark Heart للكاتب أنثوني شافر، لأنه يضم معلومات «سرية» نشرها «يضر بالأمن القومي»، حسب تصريحها.

استمر مسلسل حرق الكتب والمكتبات في القرن الواحد والعشرين في العام 2013 حين أحرق المتمردون المنتمون لتنظيم القاعدة في مالي مكتبة أحمد بابا في تمبكتو في مالي، وكان هنالك مخاوف أن مئات الآلاف من المخطوطات التاريخية الهامة راحت ضحية الحريق، إلا أنه تبيّن لاحقاً أن غالبية المخطوطات نجت، وأن نسبة كبيرة منها كان قد تم تهريبها خارج المكتبة عندما سيطر المتمردون على المدينة.

MALI-CONFLICT

كما أشعل مجهولون النار العام الماضي في مكتبة «السائح» في طرابلس شمالي لبنان، حيث تم ربط الحادث بالنزاع المسلح في سوريا، وما شهدته لبنان مؤخرًا من عنف طائفي.

أما مكتبات العراق في عهد داعش فقد شهدت عمليات متكررة بقصد القضاء على المكتبات العامة، كان آخرها إحراق المكتبة المركزية بالموصل، ومكتبة جامعة الموصل، والمكتبة المركزية شمال شرق بعقوبة، وقضاء المقدادية بمحافظة ديالي الشرقية.

—-

تصحيح: النسخة السابقة من هذه المادة ذكرت أن مخطوطات تمبكتو في مالي دمّرت عندما أحرق المتمردون التابعون لتنظيم القاعدة مكتبة أحمد بابا. التقارير الأولى بعد الحريق كانت قد أشارت إلى تدمير المخطوطات، لكن تبيّن لاحقاً أنها نجت من الحريق، لذا اقتضى التصحيح.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية