نحو المزيد من الإشارات الضوئية في عمّان

الأربعاء 25 آذار 2015

قبل ما يزيد عن ثمانية أعوام، أطلق وزير النقل آنذاك في ولاية واشنطن الأمريكية تحدّياً طلب فيه إيجاد وسيلة تسويقية فعّالة لتفسير مبدأ تدفّق المرور والطاقة الاستيعابية للطرق السريعة. وتضمّن التحدّي جائزةً مالية مقدارها ألف دولار أمريكي لمن يجد الوسيلة الأفضل والأكثر فعالية.

كان الهدف من وراء «تحدّي دوغ ماكدونالد»، والذي حمل اسم الوزير المذكور، تسويق فكرة فرض رسوم عبور على الطرق السريعة (highway tolls) إلى الناخبين، حيث أنّ فرض هذه الرسوم يساهم – برأي الوزير – في تنظيم حركة المرور ونقل عدد أكبر من المركبات مقارنةً بالطرق «المجانية».

فاز بالتحدّي مواطن من نفس الولاية اسمه بول هاس، اختار استخدام كوب من الأرز وقمع مخروطي (كالذي يستخدم في المختبرات) وسيلةً لشرح مبدأ التدفق المروري. بعد ذلك، قام الوزير بعرض فكرة رسوم العبور باستخدام الوسيلة التي ابتكرها هاس، ويمكنكم مشاهدة هذا العرض في الفيديو التالي:

بعيداً عن موضوع فرض رسوم العبور، فإن الفكرة هنا هي أنّ أحد حلول مشكلة الاختناق المروري تكمن في «التحكّم» بحجم الطلب (حركة المرور) بناءً على العرض المتوفر (سعة الطريق) وذلك لضمان انسيابية الحركة ولضمان مرور أكبر عدد من المركبات (وبالتالي أكبر عدد من الأشخاص) على الطريق خلال فترة زمنية محدّدة.

يمكن لهذه الفكرة البسيطة أن تفسّر حاجتنا الماسّة في عمّان إلى المزيد من الإشارات الضوئية.

الإشارات الضوئية هي في علم هندسة المرور وسائل «تحكّم» مروري (traffic control devices) توزّع حركة المرور في تقاطع على الاتجاهات المختلفة لضمان انسيابية الحركة. وفي التقنيات الحديثة لإشارات المرور (والمتوفرة في عمّان من خلال مركز التحكّم المروري في تلاع العلي)، فإنه بالإمكان برمجة الإشارات بحيث تستجيب لحجم الطلب على كل اتجاه وتعطي الضوء الأخضر عند الحاجة للاتجاه ذي حجم المرور الأكبر. ويمكن أيضاً برمجة الإشارات المتتالية بحيث تعطي الضوء الأخضر بشكلٍ متتالٍ فلا تضطر المركبات العابرة إلى التوقف، ويسمى هذا الموجة الخضراء (green wave).

اعتمدنا في عمّان خلال العقود الماضية حلول البنية التحتية، فأزلنا عدداً كبيراً من الإشارات الضوئية واستبدلناها بالتقاطعات الضخمة والمكلفة ذات الجسور والأنفاق والدواوير. إنّ اعتماد مثل هذه الحلول هو دليل على قصر النظر وعدم فهم لمبادئ حركة المرور على الطرق، وبالأخص في شبكات الطرق المعقدّة داخل المدن.

في التقاطعات التي أنشأناها، لا يوجد أي نوع من «التحكّم»، فالمركبات المتجهة من الدوار الرابع إلى الدوار الثاني مثلاً تتحرك في نفس الوقت عبر النفق لـ«تصطدم» مرةً واحدة بالشوارع الضيقة في أحياء جبل عمّان القديمة، وهي بمثابة «عنق الزجاجة» أو عنق القمع، كما يظهر في الفيديو أعلاه.

استبدال الإشارات بالجسور والأنفاق جاء بهدف تسريع حركة المركبات خلال التقاطع فقط (أي من طرف في التقاطع إلى طرف آخر) دون الأخذ بعين الاعتبار حركة المركبات بعد مرورها بالتقاطع وخلال شبكة معقدّة من الطرق والتقاطعات الأخرى داخل المدينة. فمن غير المستغرب أن نسمع من يشتكي من تقاطع جديد يقول «حلّوا الأزمة هنا، ونقلوها إلى هناك». ومن غير المستغرب أن نشهد في بعض الأحيان اختناقاً مرورياً على مقطع من شارع ما يليه مقطع آخر لا يوجد عليه مركبة واحدة.

وعندما أدركنا حجم المشكلة، وأصبحنا بحاجة إلى «وسائل تحكّم»، لجأنا إلى وسيلة التحكم البشرية، وهي شرطي المرور، بدلاً من العودة إلى الوسيلة الذكية والأكثر فعّالية، وهي الإشارة الضوئية.

الإشارات الضوئية بالإضافة لكونها تحلّ العديد من المشاكل إذا وُضعت وبُرمجت بالشكل الصحيح، فإنها صديقة للمشاة والأرصفة ولوسائط النقل العام.

هذا الاعتماد على حلول البنية التحتية جعل البعض «يشيطن» فكرة الإشارات الضوئية ويشير إلى معلومات مغلوطة لا أساس لها من الصحة مثل «الاحتفال بإزالة آخر إشارة ضوئية في اليابان»وجعل البعض أيضاً يطالب بإزالة الإشارات الضوئية القليلة المتبقية في عمّان وتحويلها إلى تقاطعات ذات جسور وأنفاق.

لعلّنا نتريّث قليلاً ونتذكر تجربة الأرز عند البحث عن حلولٍ لأزمة السير. الأنفاق والجسور والتقاطعات الضخمة غير مجدية في العديد من الأحيان ولا تضفي أي جمالية للمدينة. أما الإشارات الضوئية، فبالإضافة إلى كونها تحلّ العديد من المشاكل إذا وُضعت وبُرمجت بالشكل الصحيح، فإنها صديقة للمشاة والأرصفة ولوسائط النقل العام وبذلك تحقّق توازناً أفضل في منظومة الحركة وفي البيئة الحضرية التي نعيش فيها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية