خلف أبواب زجاجية: «اقتصاد المرأة» في كتب الأردن المدرسية

الثلاثاء 14 نيسان 2015

ميادة أبو جابر*، ترجمة هلا أبو طالب

في حين تسعى المرأة حول العالم إلى تحطيم السقف الزجاجي الذي يمنعها من تولي المناصب الإدارية، ما زالت النساء في الأردن والمنطقة العربية يناضلن لتحقيق مستقبل اقتصادي، وهن عالقات خلف أبواب زجاجية.

إن نسبة مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل هي من الأدنى في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، والتي تمثّل بدورها أدنى النسب في العالم. وبالرغم من الجهود التي تبذل في القطاعين الخاص والعام في الأردن للتعامل مع الحواجز التي تحول دون دخول المرأة إلى سوق العمل، ما تزال «ثقافة العمل» في الأردن عائقًا مستمرًا يحول دون مشاركة المرأة في الاقتصاد، أو ما يمكن أن نسميه «اقتصاد المرأة». ضمن ثقافة العمل هذه، غالبًا ما يكون دخول المرأة عالم العمل قرارا يتخذ من قبل الذكور في العائلة. وكثيرا ما نجد تشددًا أكثر عند الرجال الأصغر سنًا في لعب دورهم كمسؤولين عن اقتصاد الأسرة وأصحاب السلطة في المنزل، وبذلك يملون على المرأة ارادتهم بشأن عملها أو عدمه.

إن تشجيع مشاركة المرأة في العمل ليس بالأمر السهل، يتطلب هذا الأمر تحولا في المعتقدات الشخصية حول المرأة والحياة الاقتصادية. بناءا على النظرية الاجتماعية لأليكساندر وولزل، في مقالهما الذي نشر في مجلة علم الاجتماع الأوروبي (2010)، بعنوان «تمكين المرأة: دور المعتقدات التحررية»، يتوجب على المجتمع لتحقيق تمكين المرأة اقتصاديا، أن يرى هذا التمكين الاقتصادي للمرأة على أنه أمر «مرغوب به» و«شرعي». في الأردن، هذا يعني أن على خدمات التوظيف الصديقة للمرأة والنظم والسياسات (أي الظروف الموضوعية) أن تقترن مع تغيير في عقلية الاشخاص في المجتمع (أي المعتقدات الذاتية) حول موضوع المرأة العاملة.

ومع ذلك، يجب علينا أولا طرح السؤال: أين تتكون هذه العقليات؟ في حين أن للعائلة والمجتمع دور في تشكيل القيم والمواقف تجاه المرأة والعمل في حياة الطفل المبكرة، فإن هذه القيم والتصورات يُعاد إحياؤها وتعزيزها عبر الأنظمة المدرسية، إضافة إلى أن المنهج التعليمي في المدارس هو وسيلة مهمة لإيصال رسائل اجتماعية وثقافية وايديولوجية حول الأدوار الجندرية والتمييز ضد المرأة.

لقد قمت على مدى خمسة أشهر في معهد بروكينغز بالبحث في المناهج الدراسية الأردنية وتحديدًا التمييز الجندري المباشر والمبطن في الكتب المدرسية كوسيلة لإدخال رسائل اجتماعية وأيديولوجية متعلقة بالمرأة والحياة الاقتصادية. تقيّم الدراسة مدى الرغبة الحالية في التمكين الاقتصادي للمرأة من خلال تحليل منهجي لأربعين كتابًا مدرسيًا أردنيًا للصفوف الرابع حتى العاشر في أربع مواد: الاجتماعيات، والتربية المهنية، والتربية المدنية والجغرافيا. تناولت طريقة المسح المستخدمة ملامح جندرية محددة (ملفات) مقسمة الى ملفات فرعية. تضمنت المراجعة مراجعة للكتب المدرسية ودليل المعلم وطرق التقييم لنرى الرسائل الموجهة من خلال المناهج المختلفة عبر الصفوف الدراسية.

ماذا بينت لنا هذه الكتب المدرسية؟

GenderArabic_Facebook-01يعرض الشكل المجاور ما مجموعه 802 مفهومًا جندريًا تم مسحها في الكتب المدرسية. من هذه، 434 مفهوما تم تقييمها كمفاهيم سلبية (54.6 %)، معظمها كان من المسح المتخصص بملف النشاط/الإنتاجية، إضافة إلى 129 مفهوما (16.2 %) تم تقييمها كمفاهيم محايدة، معظمها تم مسحها في الملف السياسي الاجتماعي. أخيرا، تم تقييم 239 مفهوما (30.1%)  كمفهوم ايجابي؛ معظمها في ملف الإنجاب (أي ملف تنظيم الأسرة).

تركز الكتب المدرسية الأردنية كثيرًا على تعليم الإناث، كما هو مبيّن من خلال الصور إضافة إلى المضمون. يجلس الأولاد بجانب البنات في المدرسة، يلعبون سويًا في الملعب ويقومون بنشاطاتهم اليومية سويًا. الرسالة هنا هي أن هنالك رغبة مجتمعية  بتعليم المرأة  وضمان مساواتها مع الرجل. وهذا أمر مشروع بدليل عدد الإناث الملتحقات بالدراسة في الأردن، اضافة إلى الفجوة الجندرية الصغيرة في وصولهن إلى المدارس الابتدائية والإعدادية.

على الرغم من ذلك، تتعرض الطالبات إلى ثلاثة رسائل بما يتعلق باقتصاد المرأة. أولى هذه الرسائل عدم وجود وظائف مهنية مناسبة لهن، وأن هنالك عددًا محدودًا من الوظائف المهنية المقبولة. الرسالة الثانية هي أن مغادرة المنزل للعمل تترك أثرًا سلبيًا على التماسك الأسري، مما يحد من حركة الاناث. فحوى الرسالة الثالثة هي أن المرأة غير قادرة على إدارة المصاريف أو اتخاذ القرارات المختلفة.

من خلال هذه الرسائل المبطنة تصبح رغبة الإناث إضافة الى شرعية خروجهن للعمل موضع شك. حيث توجه الكتب المدرسية الإناث الى سوق الزواج، بينما توجه الذكور إلى سوق العمل.

school-curricula

هناك سؤال آخر مهم هنا وهو: من يقوم بوضع هذا المحتوى؟ يظهر الشكل التالي أن هنالك 74 مؤلّفة أنثى (38.45%) للكتب المدرسية التي تناولها المسح، مقارنة مع 118 من المؤلفين الذكور (61.46%).  أظهر تعداد الإناث في اللجان الفنية التي تشرف على لجان التأليف لكل كتاب وجود فجوة جندرية أكبر، بوجود 524 من الذكور (67.6%) و13 من الإناث (2.4%).

GenderArabic-02

لتفسير أفضل لدور المؤلفين وأعضاء اللجنة الفنية في إنتاج الكتب الحساسة جندريا (التي تراعي مواضيع الجندر)، تم تصنيف الكتب المدرسية تحت مسميات عامة من إيجابية أو محايدة أو سلبية. تم تصنيف ثلاثة كتب فقط إيجابيا ضمن الـ38 كتابًا مدرسيًا التي تم مراجعتها، والتي تتعلق بملف النشاطات (خاصة بما يتعلق بموضوع التنظيم الأسري والصحة). وثلاث كتب ايجابية أيضا تتعلق بالملف الاجتماعي السياسي (خاصة في الجزء المتعلق بحقوق المرأة). لم يكن هناك أي كتاب مصنف ككتاب إيجابي بما يتعلق بملف الإنتاج، ولا في ملف الاستفادة والوصول إلى الموارد البشرية، ولا في ملف التحكم.

 GenderArabic-03يظهر الشكل المجاور أن حيادية الكتاب لم يكن لها علاقة بعدد المؤلفات الإناث ولا بعدد الإناث في اللجنة الفنية للكتاب. على سبيل المثال، تضمّن كتابان للصف السادس عدد مؤلفين ذكور أكثر من الإناث غير أن الكتابين كانا ضمن فئة الكتب الإيجابية، لذلك نرى بأن وجود مؤلفات إناث لم يؤدِّ بالضرورة إلى كتب ومواد فيها حساسية أو مراعاة لمواضيع الجندر. من الممكن تفسير ذلك بأنه بعد إضافة المحتوى الأصلي، يتم مراجعة الكتاب وتعديله من قبل أربع جهات اضافية تتضمن أعضاء لجان وموظفي وزارة التربية والتعليم. يتم مراجعة هذا المحتوى خلال هذه الفترة وتعديلها من قبل أي من أعضاء اللجنة الفنية أو مجلس التعليم العالي إن لم يتفقوا مع المحتوى الذي وصلهم. بهذه الطريقة، ولعدم وجود شخص متخصص بالجندر يمكنه أن يلقي الضوء على مدى ملاءمة المحتوى واللغة المستخدمة في الكتب المدرسية، لن يكون هذا المحتوى متماسكا أو ثابتا لعدم وجود عملية ممنهجة للموافقة على المحتوى المكتوب.

بالملخص، واستنادا إلى نظرية الكساندر وويلزل (2010) في التغيير الاجتماعي بواسطة المعتقدات، فإن المحتوى المتحيز جندريًا في الكتب المدرسية الأردنية يوجه الذكور والاناث نحو مستقبل العمل المرغوب به من قبل المجتمع وثقافة هذا المجتمع، لكن ليس بالضرورة أن يكون هذا المستقبل في العمل منطقيًا من الناحية الاقتصادية للأفراد والعائلات والمجتمعات والدولة ككل. من ثم تؤدي السياسات العامة والسياق السائد في الأردن إلى إضفاء شرعية على هذه الرغبة عبر قولبة أدوار العمل وتقسيمها: فللذكور التوجه الى مواقع القيادة، بينما تبقى الاناث في الأعمال المقبولة مجتمعيا، خلف أبواب من الزجاج. في هذه الأثناء، يتم منع المرأة من أخذ أي منصب قيادي، وبذلك تبقى تحت سقف زجاجي أيضًا.

مع هذه المناهج التي تتضمن رسائل مبطنة، إضافة الى ثقافة العمل السائدة، يصبح تمكين المرأة اقتصاديا أمرًا غير مرغوب به مجتمعيًا. إن وضع هذه القوالب للأدوار القيادية الجندرية بهذا الشكل من قبل وزارة التربية والتعليم لا يحد فقط من شرعية التمكين السياسي للمرأة، بل ويبين أن الوزارة التي يقع على عاتقها وضع مناهج تعزز فكرة تمكين المرأة والمساواة بين الرجل والمرأة في العمل، هي ذاتها لا تؤمن بشرعية هذه الفكرة.

في الختام، تقوم الكتب المدرسية في الأردن على تعزيز الصور النمطية للمرأة وتحد من قدراتها وتحصرها داخل الزجاج حيث ترى مستقبلا اقتصاديا لا تستطيع الحصول عليه.  أما اللاتي استطعن تحطيم هذه الأبواب الزجاجية، سرعان ما يواجهن أسقفًا زجاجية في المؤسسات حيث لا تعطى لهن فرص القيادة. إن الفشل في عرض ومعالجة هذا التمييز ضد المرأة في المدارس والاقتصاد يعني أن 50 بالمئة من سكان الأردن اللاتي يستطعن شغل وظائف والتميز فيها قد تم التخلي عنهن. هذه المرأة العاملة ليست فقط محفزًا للنمو الاقتصادي في البلاد ولكنها أيضا تمثل صوتًا قويًا في العائلة. هذه الأصوات بوسعها أن تربي أجيالا ليكونوا أكثر إنسانية وتسامحا وإقبالا على الحياة.

—-

* ميادة أبو جابر هي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لـ«عالم الحروف»، وهي مؤسسة اجتماعية تعمل على تعزيز جودة التعليم باللغة العربية من خلال توفير حلول مبتكرة وبرنامج خدمات استشارية لقطاع التعليم. لديها أكثر من 15 عاما من الخبرة في مجال استراتيجية التعليم وتطوير القوى العاملة ومشاريع فرص العمل للشباب. أجرت هذا البحث في عام 2014 حيث كانت  باحثة مقيمة ضمن برنامج علماء إيكيدنا العالمي، الذي استضافه مركز التعليم العالمي في معهد بروكينغز.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية