صحفيون يعيدون نشر تغطياتهم القديمة أو ينتحلون تغطيات غيرهم

عندما تصبح التقارير الصحفية «قطع غيار» للمناسبات

الخميس 30 نيسان 2015
newspapers jordan

(نشر هذا التقرير في موقع أكيد في 27 نيسان).

في آب (أغسطس) الماضي، أثناء إضراب المعلمين، ثارت ضجة كبيرة بسبب تقرير نشرته صحيفة «الرأي»،  ونقل معارضة أولياء أمور طلبة مدارس للإضراب، بعدما تبيّن أن التقرير المفترض – الذي يغُطي موقف الأهالي من الإضراب القائم – كان قد نُشر بنصّه الحرفي، للصحفي نفسه، في إضراب سابق للمعلمين، قبلها بسنتين. وتناقل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صورتين للتقريرين، أظهرتا أن الفرق الوحيد بينهما كان في تاريخ النشر. ونقل موقع «حبر» الإلكتروني عن رئيس تحرير «الرأي» اعتذاره للقراء، وتأكيده «أن إدارة الصحيفة ستتخذ أشد الإجراءات القانونية والإدارية بحق الصحفي كاتب التقرير». لكن «الرأي»، لم تنشر، مع ذلك، اعتذارا للقرّاء على صفحاتها.

لقد أوحى التعامل مع الحادثة السابقة بأنها فردية، في حين أن إعادة نشر تغطية لحدث أو مناسبة سابقة، بوصفها تغطية حديثة للحدث أو المناسبة المشابهة، هي في الحقيقة، ممارسة كرّرها، قبل هذه الحادثة وبعدها، كثير من الصحفيين، في مختلف الصحف، وهناك شواهد عديدة على تقارير أعاد الصحفيون نشرها بكاملها، أو نسخوا أجزاء كبيرة منها، بعضها كان لهم، ومعظمها كان لغيرهم.

مرصد مصداقية الإعلام الأردني «أكيد» ينبه إلى سلبية هذه الممارسة، ويبحث فيها من باب توضيحها، وتأكيد أنها تمثّل اعتداء على حقوق الآخرين، كما تشكّل مخالفة لـمعيار الدقة؛ الذي ينص على إسناد الآراء إلى مصادرها، إضافة إلى أنها ليست عملا فرديا، كما تشير المتابعة والملاحظة، ومن ثم فإنها تضر بمصلحة المتلقي من الجمهور، الذي هو هدف الإعلام ومبتغاه، وتدخل في باب التضليل المعرفي، حيث سيكون لها عواقب وخيمة في المستقبل على الأطراف كافة.

في البداية نشير إلى أن كل الشواهد في هذا التقرير هي لتغطيات تتعلق بقضايا اجتماعية، أو مزيج من الاجتماعي والاقتصادي، وتخص تفاعل الناس مع أحداث أومناسبات متكررة، أو تغطيات لقضايا اجتماعية، غير مرتبطة بزمن محدد، مثل قضايا الزواج والطلاق وقضايا المرأة، والعلاقات الاجتماعية بشكل عام.

واللافت، كما سيتضح لاحقًا، أن إعادة الصحفي نشر تقارير سابقة له، أو انتحاله تقارير غيره، لا يقتصر على ما نشرته الصحف المحلية، إذ انتُحلت تقارير أو أجزاء كبيرة من تقارير منشورة في صحف سعودية وإماراتية، مضى على نشر النصوص الأصلية لبعضها تسع سنوات، فغُيّرت أسماء المدن فيها إلى أسماء مدن أردنية، كما غُيّرت أسماء الأشخاص، ومُنح كثير منهم أسماء عائلات أردنية معروفة. أما الأكثر غرابة، فهو استخدام الاقتباسات نفسها التي وردت في التقارير العربية، منسوبة لخبراء عرب، ونسبتها في التقارير المنتَحلة إلى خبراء أردنيين معروفين.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن المعيار الذي استُنِد إليه للحكم على نص بأنه منتَحل، هو أن يكون ما لا يقل عن 50% من مضمونه منسوخًا حرفيًا من تقرير سابق أو أكثر، علما  بأن النسب المتعارف عليها عالميا في البحث العلمي – مثلًا-  تقع بين 20-30%، مع ضرورة نسبة الأفكار والأقوال إلى أصحابها.

كما تجدر الإشارة إلى أن الشواهد المذكورة هنا، هي مجرد أمثلة، ولا تمثل إلا جزءًا من الشواهد التي عُثر عليها أثناء البحث، والتي يمكن أن تكون موضوع دراسة مستفيضة مستقبلًا، أما في هذا التقرير، فقد اختيرت أكثر الشواهد تمثيلًا لهذه الممارسة، خلال مدة زمنية لا تتجاوز عامًا ونصف.

وقد حُصِرت الأمثلة بمواد صحفية نُشرت خلال عامي 2014 و2015، أي مواد حديثة نسبيًا، إذ إن أحد النقاط التي يلفت إليها هذا التقرير هو أن ممارسة كهذه تعيق الإعلام عن التقاط التحولات المجتمعية، التي تتغير مع الزمن.

تتخذ هذه الممارسة صورًا عدّة، من أهمها:

أولًأ: أن يعيد الصحفي نشر تقرير سابق له، أو أجزاء كبيرة من هذا التقرير*، تتجاوز 60% من التقرير الجديد. ومن الأمثلة على ذلك:

–  تقرير نُشر في «الرأي»، عن سير قطف الزيتون في إربد، الموسم الماضي، وهو منسوخ بنسبة 100% تقريبا، عن تقرير سابق للصحفي نفسه، نشر عن موسم زيتون عام 2011، وتغيرت فقط أسماء الأشخاص.

تقرير يناقش تشتت المرأة بين عملها خارج المنزل، ومسؤولياتها داخله، نشر في «الدستور» الشهر الجاري، نيسان 2015، وهو منسوخ بنسبة 90% من تقرير سابق، نشر عام 2013.

تقرير نشر في «الدستور» الشهر الجاري، نيسان 2015، عن ثقة المجتمع بالمرأة العاملة من ناحية مهنية، منسوخ بنسبة 70% عن تقرير سابق منشور عام 2011.

تقرير عن سلوك «النميمة» عند الرجال، منشور في «الدستور» في كانون الثاني (يناير) الماضي، منسوخ بنسبة 63% عن تقرير آخر، منشور عام 2009.

ثانيًا: أن يعيد الصحفي نشر تقارير غيره، من الصحف المحلية.  ومن الأمثلة على ذلك:

– تقرير نشر في «الرأي» في تموز (يوليو) الماضي، وعرض لمعاناة المواطنين نتيجة العبء المادي لتزامن بدء العام الدراسي الحالي مع شهر رمضان والعيد، وهو منسوخ بنسبة 100% تقريبًا، من تقرير لصحفي آخر نشر في «الدستور»، عام 2010.

تقرير نشر في السبيل في كانون الثاني 2014، عن استخدام الفقراء للجفت من أجل التدفئة، منسوخ بنسبة 100% من تقرير نشره عام 2013، موقع «عمان نت».

تقرير نشر في «الغد»، في آذار الماضي، عن العلاقة بين الآباء والأبناء، وهو منسوخ بنسبة 65%، من تقرير لصحفي آخر في الصحيفة نفسها، نشر عام 2007.

تقرير في «الغد» في كانون الثاني 2014، عن تحول العلاقات الاجتماعية بين الجيران، وهو منسوخ في معظمه من تقرير آخر، نشر قبل ثلاث سنوات للصحفي نفسه، لكن هذا التقرير الآخر منسوخ بدوره، بنسبة 82% من تقرير ثالث لمجلة «لها» السعودية، كانت قد نشرته العام 2010،  فغُيّرت تغيرت أسماء المدن، والأشخاص، الذين رووا تجاربهم، كما غُيّرت أسماء الخبراء النفسيين والاجتماعيين الذين أدلوا بآرائهم في القضية.

ثالثًا: أن يعيد الصحفي نشر تقارير غيره، من الصحف العربية، إذ لا يقف الانتحال عند ما تنشره الصحف المحلية، بل يتعدى ذلك إلى الصحافة العربية. ومن الأمثلة على ذلك:

تقرير عن الطلاق في شهر العسل، نشر في «الدستور» الشهر الجاري، منسوخ بنسبة 95% من تقرير آخر، نُشر عام 2010 في صحيفة «عكاظ» السعودية.

تقرير منشور في «الدستور» 11/2014 عن الطلاق، منسوخ بنسبة 93% عن تقرير آخر، نشر قبل أربع سنوات، في صحيفة «الرياض» السعودية.

تقرير منشور في الدستور في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عن تقييد الزواج لحرية الزوجين، منسوخ بنسبة 93% من تقرير، نشر في أيار الماضي، في مجلة «لها» السعودية.

تقرير يناقش اقتران الفتاة برجل يعمل خارج البلاد، نشر في «الدستور» في آذار (مارس) الماضي، وهو منسوخ بنسبة 100%، عن تقرير منشور في مجلة «سيدتي» السعودية في كانون الثاني الماضي.

تقرير منشور في «الغد»، في نيسان (أبريل) الماضي، عن الطلاق قبل الدخول، منسوخ بنسبة 68% من تقريرين، أحدهما في الاتحاد الإماراتية، نُشر العام 2013، والتقرير الآخر نُشر عام 2011 في «الرياض» السعودية.

«تدوير الاقتباسات»

في التقارير السابقة، وفي أمثلة أخرى ستُعرض في السياق، كان هناك ما يمكن تسميته «تدوير الاقتباسات»، أي استخدام الفقرة نفسها المنسوبة لشخص ما، ونسبتها لآخر، سواء كان هذا شخصًا يروي تجربته في قضية معينة، أو خبيرًا يدلي برأيه في هذه القضية، وقد يحدث هذا «التدوير» للاقتباسات تلقائيًا، في سياق النسخ الكامل للتقرير، عند تغيير أسماء المصادر في النص، ولكنه في حالات أخرى، يحدث بشكل قصدي، عندما يكتفي الصحفي بنقل اقتباسات محددة، يرى أنها تخدم تقريره، وتكون هذه الاقتباسات في العادة لنماذج اجتماعية ممثلة للقضية في التقرير الأصلي، أو لخبراء أدلوا برأيهم فيه. وفي حالات عدّة، كما سنرى، نسخ صحفيون الاقتباسات، وغيّروا جنس أصحابها.

127

ومن الأمثلة على ذلك، ما يأتي:

تقرير خاص بظاهرة التحرش الجنسي بالنساء، والمركّب من تقريرين لـ«العرب اليوم» و«الدستور»، حيث نجد أن هناك فقرات بأكملها كانت منسوبة في تقرير «العرب اليوم» لسامر ملكاوي وسمر حداد، وفقرات أخرى، كانت منسوبة في تقرير «الدستور» لرئيس مركز الجسر العربي، الدكتور أمجد شموط، وللدكتور عايد الخولي، نٌسبت جميعها في التقرير المنتُحل لرئيس جمعية حماية الأسرة في إربد، كاظم الكفيري. كما نُسبت في التقرير ذاته، فقرات للمحامي حاتم بني حمد، كانت ذاتها، منسوبة في تقرير «الدستور» للمحامي زهير كريشان. والحديث هنا ليس عن استشهادات بنصوص قانونية موحدة، بل عن نص مكون من 230 كلمة، يتضمن رؤية تحليلية خاصة، ومصوغ بلغة خاصة. وعندما نتتبع الاقتباسات السابقة في تقرير «الدستور»، سنجدها أيضا منتحلة من تقارير سابقة، وذلك على النحو الآتي:

– معظم ما هو منسوب لشموط، منسوب حرفيًا للمحامية عزة كامل، في تقرير نشره موقع «عين نيوز»عام 2010.

– ما هو منسوب لكريشان، جزء منه كان منسوبا في تقرير «عين نيوز»، للمحامي عاكف المعايطة، والبقية كان منسوبا للمحامي الجزائري، أكديف إلياس، في تقرير نشره موقع إيلاف عام 2012 ، عن التحرش الجنسي في الجزائر.

– الجزء المنسوب لـ«أستاذ الشريعة»، أحمد الرحاحلة،  نصفه هو اقتباس منسوب للدكتور حامد أبو طالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر، في تقرير نشره موقع صحيفة «الأهرام» المصرية عام 2012، ، والنصف الآخر من مقال لأستاذ الفقة في جامعة الأزهر، الدكتور عبد الفتاح إدريس،  منشور على منتدى، في نيسان 2007.

– هناك أربع من أصل ثماني حالات عرضها تقرير «الدستور»، بوصفها نماذج لفتيات تعرضن لتحرش جنسي في الأردن، هي في لحالات في مصر والكويت والإمارات، منشورة على موقع (BBC) العربي عام 2005، في مساحة خُصصت لكي يعرض فيها القراء تجاربهم مع التحرش، وثلاث من هذه الحالات الأربع، هي في الأصل لرجال، تحدثوا عن تعرضهم لتحرش في طفولتهم، والصحفي حوّل الضمائر في الاقتباسات إلى مؤنثة.

ولو تتبعنا هذه القضية على مجال أوسع لوجدنا مزيدًا من «تدوير» الاقتباسات.

ومن الأمثلة على ذلك:

– في تقريرعن تحول العلاقة بين الجيران، نجد أن الاقتباس المنسوب للدكتور النفسي، محمد حباشنة، هو أصلًا للدكتور محمد خليل، أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس في القاهرة، في تقرير «لها» السعودية. وما نسب للدكتور محمد الجريبيع، كان نصفه للدكتور جمال الطويرقي، والنصف الآخر لاختصاصي علم النفس الاجتماعي السوري، علي مصطفى، في التقرير نفسه.

– في تقريرعن الطلاق قبل الدخول، نجد أن «أحمد عبد الله» الذي طلبت خطيبته الانفصال عنه، بسبب تدخلات والدته، كان «عبد الرحمن. خ»، في تقرير سابق لـ«الاتحاد» الإماراتية. و«سلوى» التي فسخت خطبتها بسبب بخل خطيبها وقسوته، وهو صديق أخيها ومديره في العمل، هي «هنادي» في تقرير سابق لصحيفة «الرياض» السعودية. وما نُسب إلى المختص النفسي، خليل أبو زناد، مركب من اقتباسات للاختصاصيتين، مضاوي العتيبي، ونور العلي في تقرير «الرياض» السابق الذكر.

– في تقرير عن «زواج العوض»، وهو زواج الأرمل من شقيقة زوجته المتوفاة، أو الأرملة من شقيق زوجها، فإن «مجد طايل»، التي أجبرت على الزواج من أرمل شقيقتها، بعد أن وقف أخوها ثالث أيام عزاء، وقال له أمام جمع المعزين: «ابشر بالعوض»، هي «ليلى.ر»، في تقرير «الوطن» السعودية. وما نُسب للمختص النفسي، محمد الدباس، منسوب في التقرير السابق للمختصة، هدى الحسن.

في تقرير في «الدستور»الذي يعرض معاناة الفقراء في كانون الثاني 2015، فإن «أم أحمد»، التي تضع الأحذية والملابس القديمة والبلاستيك في مدفأة الحطب، لتوفر الدفء لعائلتها، هي «أم عبد الله»، في تقرير «الغد»، الذي يعرض المعاناة ذاتها في كانون الثاني 2012.

في تقرير«الغد» الذي يعرض معاناة طلبة المدارس من البرد داخل مدارسهم، في كانون الأول 2014، فإن «أم أمجد» هي ذاتها «أم خالد» في تقرير، في الصحيفة نفسها، عن الموضوع ذاته في كانون الأول 2011 .

في تقرير «الدستور» الذي يناقش اقتران الفتاة بشخص يعمل في الخارج، فإن «سهام أحمد» هي الأديبة السعودية، زكية القرشي، تروي تجربتها الخاصة، في تقرير «سيدتي».

لقد ناقشت التقارير السابقة، قضايا مجتمعية، وعرضت من خلال هذا النقاش شهادات لأشخاص رووا تجاربهم ورؤاهم في القضية موضوع البحث، كما عرضت تحليلات علمية لمختصين. وهذه الشهادات والتحليلات، تسهم في النهاية في تشكيل صورة للواقع، ينقلها الإعلام للجمهور، لكن هذه الشهادات والتحليلات العلمية إذا كانت تخص مرحلة زمنية سابقة، أو كانت «مستعارة» من بيئة مختلفة، أو الاثنين معا، فإن المرء يتساءل عن صدق صورة الواقع التي ساهمت هذه الشهادات في تشكيله، ويتساءل، من ثم:

هل سيكون الإعلام، مع ممارسة كهذه، قادرًا على التقاط التحولات الاجتماعية، وعلى النهوض بدوره في التنبيه المبكر لها، قبل خروجها إلى السطح؟

* أحيانًا يعيد الصحفيون نشر فقرات من تقرير سابق بوصفها خلفية للتقرير الجديد، ليس هذا هو المقصود بإعادة النشر في هذا التقرير.
** الصورة أعلاه من موقع Shutterstock.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية