طلاب عرب يواجهون صعوبات كثيرة تحول دون وصولهم لجامعتهم وإكمال تعليمهم

كيف يعيق ضعف المواصلات تعليم الطلاب في المنطقة؟

الأربعاء 16 أيلول 2015

( تم نشر هذا التقرير ضمن سلسلة من القصص حول الصعوبات التي يواجهها طلاب الجامعات مع وسائل المواصلات في المنطقة العربية بالتعاون مع الفنار للإعلام).

مع بدء العام الدراسي الجديد، تتجدد معاناة ملايين الطلاب في العديد من الدول العربية مع وسائل النقل التي تقلهم إلى جامعاتهم. إذ لا تقدم غالبية الجامعات الحكومية في المنطقة خدمات النقل لطلابها، الأمر الذي يؤخر وصولهم لصفوفهم وربما يبعدهم –الفتيات منهم على وجه الخصوص- عن مواصلة تعليمهم العالي. في المقابل، تقدم بعض الجامعات الخاصة خدمة النقل للطلاب بأسعار باهظة. بكل الأحوال، يقضي الطلاب ساعات طويلة للوصول إلى محاضراتهم دون تأخير،  كما يصرفون جزءًا كبيرًا من مصروفهم الشخصي، المتواضع غالبًا، من أجل ذلك.

في مصر، يعتبر موسم الدراسة موعدًا سنويًا لحوادث مأساوية لطلاب مدارس أو جامعات. ففي العام الماضي، لقيت 12 طالبة بجامعة سوهاج الجديدة، والتي تبعد 470 كم جنوب القاهرة، مصرعهن غرقا إثر اصطدام حافلة ميكروباص، استقلوها من أمام الجامعة عبر طريق غير ممهد، بسيارة نقل مما تسبب في انقلابها في ترعة مجاورة.  توفي سائق السيارة و12 طالبة وأصيبت خمس طالبات اخريات. وتم تصنيف الحادث ضمن حوادث الإهمال المروري باعتبار أن حمولة السيارة هي 14 راكبًا لكنها كانت محملة بـ17 طالبة.

قالت ندى صلاح، طالبة بكلية التجارة جامعة سوهاج، إن «مجلس الجامعة اتخذ قرارًا بتعليق الدراسة بعد تظاهر الطلاب مطالبين برحيل رئيس الجامعة ومحافظ الإقليم»، مضيفةً أن طريق الجامعة التي تم إنشائها قبل 15 عامًا بتكلفة تزيد عن مليار جنيه (نحو 150 مليون دولار) مازال غير ممهدٍ حتى الآن. «لم تجد اعتراضاتنا ومطالبنا بتأمين أبسط وسائل الأمان آذانًا صاغية».

وفي الوقت الذي يعاني فيه طلاب العاصمة من الازدحام المروري الخانق، يعاني طلاب الصعيد من وعورة الطرقات التي تقلهم لجامعاتهم وقلة وسائل المواصلات.

Upper Egyptأقام عمرو طه، طالب بكلية الحقوق جامعة أسيوط، في السكن الجامعي في سنته الدراسية الأولى نظرًا لبعد مدينته عن الجامعة  بحوالي 45 كم. لكنه اضطر لمغادرة السكن الجامعي في العام التالي. قال «اضطّرُ إلى السفر يوميًا عبر قطار الركاب، لا يأتي في موعده غالبًا، بجانب الأعطال المتكررة»، موضحًا أنه لم يحصل على تقدير مناسب في العام الأول حيث يشترط للإقامة في المدينة الجامعية الحصول على تقدير جيد على الأقل. قال «أدرس جيدًا هذا الفصل للحصول على تقدير جيد والعودة للمدينة الجامعية».

أما هبة بكر، الطالبة بكلية الآداب جامعة القاهرة، فلم تعد ترغب بالذهاب للجامعة بسبب المواصلات. «عدد حافلات النقل العام قليل جدًا كما أنها لا تقف عند أبواب كلياتنا». وتوضح هبة أن المشكلة الأكبر تكمن عند العودة من الجامعة مساءً. قالت «تنتهي محاضراتي عند السابعة مساء لكنني لا أصل لمنزلي قبل العاشرة ليلًا بسبب قلة وسائل النقل والازدحام الشديد. أفكر جديًا بالتوقف عن الدراسة».

في السودان، لا يبدو الحال أفضل.

إذ يقطع عبد العزيز محمد، الطالب في جامعة العلوم والذي يسكن جنوب الخرطوم، 25 كم يوميًا ذهابًا وإيابًا للوصول إلى جامعته بتكلفة شهرية تصل إلى نحو 325 جنيه شهريًا (55 دولار أميركي). قال «يستغرق الطريق ساعة ونصف، يمكنني استخدام حافلات أرخص لكنها تستغرق زمنًا أطول».

إلى جانب الوقت والتكلفة، يعاني محمد وغيره من الطلاب من قلة وسائل النقل. قال «تكاد الحافلات أن تختفي تماما عند المساء».

Sudan 1ليس الطلاب وحدهم من يعانون، الأساتذة أيضًا. حيث تستقل مروة بشير، أستاذة في كلية الخرطوم للعلوم التطبيقية الخاصة في اليوم الواحد أربع وسائل مواصلات حتى تصل إلى مقر عملها.

قالت «إذا كانت محاضرتي الصباحية الأولى تبدأ الساعة العاشرة علي أن أخرج من منزلي قبل حوالي ساعتين لأكون في الموعد تمامًا».

أما بنسبة لطلابها، فتقول «يبرر نصف الطلاب تأخرهم عن المحاضرات بسبب المواصلات، أعرف أنه عذر غير مقبول لكنني شخصيًا أعاني من قلة المواصلات وازدحام الطرق».

وفي تونس، يواجه الطلاب مشاكل مماثلة.

قالت وداد النايلي، طالبة في كلية الصيانة بجامعة برج السدرية، «تسبب إضراب عمال القطارات في حرماني من التقدم للامتحان».

تقضي النايلي ما يقارب الساعتين يوميًا للوصول إلى جامعتها، تركب خلالها القطار ومن ثم المترو.« فوجئت بإضراب عمال القطارات يوم الامتحان، لم أتمكن من ركوب سيارة أجرة بسبب ارتفاع تكلفتها لنحو 15 دولار أمريكي تقريبًا وفاتني الامتحان».

على الرغم  من تأمين وزارة النقل التونسية 113 حافلة لنقل الطلاب خلال العام الدراسي، هي نفسها الحافلات المستعملة في النقل العمومي لكن يتم تحويل وجهتها لصالح الطلاب خلال أوقات محددة وبتعرفة مخفضة لا تتجاوز 10 في المئة من قيمة التعرفة كاملة، فإن الطلاب يتذمرون من سوء الخدمة.

أحمد الذوادي، طالب جامعي وعضو اتحاد طلبة تونس، قال: «تعتبر المواصلات مشكلة أبدية بالنسبة للطلبة. إذ يمضي الطالب ما بين الساعة والثلاث ساعات في المواصلات يوميًا قبل التحاقه بمحاضراته. أما الحافلات الخاصة بنقل الطلبة فهي قليلة ومحدودة العدد، كما أن أوقات توفرها قليلة جدًا».

من جهة أخرى، يعتبر موضوع الاحتجاجات والإضرابات الرسمية والعشوائية من الإشكاليات الأخرى التي تجعل الطلبة يعانون من مشاكل النقل. قال أحمد «كثيرًا ما يضطر الطلبة للسير لساعات على الأقدام خلال تنفيذ إضراب في النقل. كما قد يقتسمون سعر سيارات الأجرة. أما خلال الامتحانات والتي قد تتزامن مع بعض الإضرابات، فغالبًا ما يتم الاتفاق على اتخاذ إجراءات استثنائية بتأجيل الامتحانات».

وبحسب دراسة أنجزها معهد الإحصاء مؤخرا فإن 49.6 بالمئة من العاملين والطلبة يستعملون الأقدام للتنقل. و5.8 بالمئة يستعملون الدراجات العادية والنارية و16.3 بالمئة يستعملون النقل العمومي من حافلات ومترو وقطار، فيما لا يحتاج 2.3 بالمئة لوسائل النقل.

يمتلك حسين بوجرة كاتب عام الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي، سيارة خاصة. لكنه يدرك حجم الصعوبات التي يلاقيها الاساتذة الأخرين. قال «هناك أساتذة يصرفون ما يعادل 400 دولار  للمواصلات شهريًا، وهو ما يجعل الكثير منهم يرفضون مؤخرًا التدريس في الجامعات».

بدوره، يعتقد حبيب تريعة، عالم الاجتماع، أن ظروف النقل تؤثر في التحصيل الدراسي للطلاب. قال «بالتأكيد تؤثر ظروف التنقل في مدى تركيز الطالب في الدروس واستيعابه للمعلومات. كما تؤثر عدد الساعات التي يخصصها في الحافلات ووسائل النقل في توزيع ساعات يومه، بحيث يتراجع وقت دراسته وبالتالي درجاته العلمية».

في الجزائر، يعتبر النقل الجامعي واحدًا من الخدمات التي تقدمها مديرية الخدمات الجامعية للطلاب إضافة إلى المنحة والطعام والإقامة الجامعية.

Algeria 2بوكليخة فاروق، مدير الخدمات الجامعية لولاية تلمسان، يقول: «تجتمع الأطراف المعنية في بداية كل سنة دراسية لوضع مخطط سير جديد تتخذ من خلاله نقاط توقف تسمح لجميع الطلبة الاستفادة من الخدمة».

مع ذلك، لا يبدو الطلاب راضين تمامًا عن الخدمة.

قال عبد الله، وهو طالب ماجستير في كلية علوم الطبيعة والحياة، «لا تتوفر الحافلات طوال الوقت. غالبًا لا أجد حافلة تعيدني إلى سكني بعد الرابعة عصرًا».

بينما قال بوعلام هواري، طالب السنة الثالثة بقسم الآداب واللغة الفرنسية، إن «الباصات تتأخر كثيرًا في التحرك من المحطة، تأخرت يوم امتحاني 20 دقيقة وتعرضت للتوبيخ من قبل أستاذي».

بدورها، قالت قداسي خيرة، أستاذة اللغة العربية بكلية الآداب واللغة العربية في المنصورة، إن الكثير من طلابها طلبوا منها تغيير موعد محاضرتها المسائية بسبب عدم توفر حافلات للنقل في ذلك الوقت.

يبلغ عدد الطلاب في ولاية تلمسان حوالي 42 ألف طالب، بينما لا يتجاوز عدد الحافلات المتوفرة 120 حافلة. قال فاروق «يبدو العدد غير كاف، لكن 70 في المئة من الطلاب يقطنون في المدينة الجامعية».

تعزو بوزار حبيبة، أستاذة الفنون التشكيلية، مشكلة النقل الجامعي إلى أسلوب تنظيم عمله وغياب احترام الوقت لا إلى ندرة وسائل النقل.  قالت «يتوجب على الإدارة إعلام سائقي الباصات بأوقات خروج الطلبة ودخولهم، خاصة في أيام الامتحانات».

وتعتبِر الطالباتُ النقلَ الجامعي بصفة عامة غير آمن، إذ تتعرض أغلبهن إلى مضايقات فيه. قالت إحدى الطالبات «على الرغم من كون النقل الجامعي مخصصًا للطلبة فقط، لكن من هب ودب يستطيع الركوب فيه، وتضيف «لطالما تعرضت إلى مشاكل ومضايقات داخل النقل الجامعي، فالناس لم تعد تحترم بعضها».

لا تبدو مشكلة المواصلات للجامعات في العديد من الدول العربية قابلة للحل بسهولة قريبًا. إذ تستدعي تعاون العديد من الجهات الحكومية وليس فقط إدارة الجامعات.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية