بخلاف الازدحامات في أماكن ومساحات عامة أخرى، فإن ازدحام معرض عمان الدولي للكتاب محمّسٌ وباعث على الأمل. جموع متناثرة من الرواد الكبار والصغار يمكن رؤيتهم –خصوصًا في الفترات المسائية في معرض هذا العام– يتصفحون الكتب ويطالعون الأغلفة على الرفوف باحثين عما يشد اهتمامهم.
في المعرض المُقام لأول مرة في مركز المعارض في مكة مول، نرى رواقًا خاصًا للأطفال في الطابق الثاني من المعرض، الذي ينظمه اتحاد الناشرين الأردنيين بالتعاون مع وزارة الثقافة وأمانة عمان الكبرى والذي تستمر فعالياته حتى العاشر من أيلول الجاري. يضم الرواق عددًا من دور النشر الأردنية والعربية والأجنبية المتخصصة في كتب الأطفال واليافعين والمواد التعليمية. أجنحة بجداريات ورسومات جذّابة، وموسيقى مرحة في الخلفية، وأحواض سمك بحجارة ملونة وعصافير على مستوى نظر الأطفال، وبالونات طائرة بين أجنحة دور النشر المشاركة يتلاقفها الأطفال. كلها مظاهر تضفي جوًا احتفاليًا مُرحّبًا ومشجعًا على المطالعة والقراءة.
نرى هذا العام تنوعًا كبيرًا في الكتب المعروضة من إصدارات ناجحة مكررة من سنوات سابقة وإصدارات جديدة. تُعرض بعضها على أرفف بإشارات توضيحية للأعمار التي تناسبها تلك الكتب، وتصطف أخرى لتترك لرواد المعرض الاختيار، بينما تلتصق ببعض الأغلفة ملصقات جوائز حازت عليها تلك الأعمال. هناك تواجد مُلفت لأدب الأطفال العربي، وتتوفر الكتب المترجمة والأعمال باللغة الإنجليزية. دور النشر العريقة التي اعتدنا على تواجدها مثل دار المنهل، ودار السلوى، ودار الياسمين وغيرها حاضرة. بالإضافة إلى دور نشر مختصة بأدب الأطفال المترجم مثل دار المنى التي تنشر كتب أدب مترجمة عن السويدية. وهناك مشاركات عربية لبنانية ومصرية وسعودية، كدار الشروق، ونهضة مصر، ودار أصالة، ودار أشجار. وحضور لدور نشر حديثة العهد نسبيًا مثل أطافيل. بعض الدور لم يكن لها أجنحة خاصة، إلا أنه يمكن إيجاد منشوراتها لدى دور نشر أخرى، مثل تواجد إصدارات دار أروى ودار الحدائق لدى الأهلية. الخيارات المتاحة واسعة ومتنوعة ومناسبة لفئات عمرية مختلفة؛ ثلاث سنوات، وست سنوات، وتسع سنوات فما فوق.
تصوير روان بيبرس.
هل نشهد تطورًا في أدب الأطفال العربي؟
على مدى السنوات الماضية، كانت رفوف أدب الأطفال زاخرة بالمؤلفات المختلفة، وهو ما يُجمِع عليه رواد معارض الكتاب على مر السنين. إلا أن هناك وجهات نظر ترى تطورًا كبيرًا في المواضيع وأساليب الطرح والإخراج الفني لكتب الأطفال.
شهدت الفترة التي سبقت الجائحة حركة ثقافية لتجديد أدب الأطفال العربي تمثلّت بورشات لكتابة ورسم كتب الأطفال، وتنظيم لعديد من المسابقات وتنافس على جوائز عربيًا، الأمر الذي ساهم في إثراء إصدارات أدب الأطفال واليافعين. فظهرت مواهبة لامعة في الكتابة والرسم والإخراج الفني، أضافت لسوق كتب الأطفال مؤلفات جميلة وقيمة.
تقول، تمارا قشحة، وهي أم وكاتبة متخصصة في كتب الأطفال واليافعين وحائزة على عدة جوائز، إنها كالعديد من الكاتبات في الوسط حاليًا، دفعها للمشاركة في تلك الورشات ولكتابة قصص للأطفال إحساسها بوجود ثغرة في أدب الأطفال العربي. كأم، كانت مَعنيّة باختيار كتب جيدة لأطفالها، وكانت تريد قصصًا أعمق من كتب الأميرات الجميلات والأمير المنقذ، أو تلك الكتب التي تعالج المواضيع بشكل مسطّح وتفتقر أحيانًا للمنطق وتقفز لحلول سحرية تنتهي فيها القصة. صحيح أن كتب الأطفال يجب أن تكون بسيطة، لكن عليها أن تكون سهلًا ممتنعًا. والسهل الممتنع – كما هو معروف – ليس بالسهولة التي يبدو عليها.
ربما نشعر بالحنين إلى كتب طفولتنا، ومن الجميل أن يقرأ أطفالنا كتبًا قرأناها ونحن في أعمارهم، مثل قصص المكتبة الخضراء وسلسة الألغاز وغيرها من الإصدارات. لكن في نفس الوقت هناك حاجة لمواكبة متغيرات العصر وطرح قضايا مستوحاة من أحداث المنطقة خصوصًا في أدب اليافعين. إذا نظرنا إلى ما يلقى رواجًا عالميًا فإننا نرى ميل اليافعين لقصص المغامرة والخيال والتشويق، وهو ما يفسر شعبية سلسلة هاري بوتر، وسيد الخواتم، ومباريات الجوع.
وبالاستلهام من الواقع العربي، يمكن تقديم ومعالجة وتعزيز بعض المبادئ والقضايا، بما يتماشى مع تقبل اليافعين لقصص تتطور فيها الشخصيات وتواجه مشاكل وتحديات أكثر تعقيدًا من أدب الأطفال. وهذا ما نراه في معرض السنة الذي تشهد فيه الإصدارات العربية تطورًا موازيًا. على سبيل المثال، نرى قصة «ست الكل» لتغريد النجار الصادرة عن دار السلوى. القصة مستوحاة من قصة حقيقة عن يسرى التي تبلغ من العمر 15 عامًا. بعد الوفاة أخيها الأكبر وتعرض والدها الصياد لحادث مؤلم يجعله مقعدًا في كرسي متحرك، تقرر يسرى استلام قارب صيد والدها وبذلك تصبح الصيادة الأولى والوحيدة في غزة.
تصوير مؤمن ملكاوي.
قصة أخرى لنفس الكاتبة وصادرة عن نفس الدار اسمها «ستشرق الشمس ولو بعد حين» تتناول قصة شادن التي تعيش أحداثًا متسارعة في سوريا، تدفع عائلتها في رحلة لجوء إلى لبنان ومنها إلى السويد تواجه فيها أفراحاُ وأحزانًا، وقطارات ومطارات، وبدايات ونهايات.
قصص أخرى عن القضية الفلسطينية، ورحلات في التعافي من المرض، وتقبل الاختلافات بين الأطفال، كلها مواضيع لإصدارات يافعين ويافعات متوافرة في معرض الكتاب هذا العام.
بالإضافة إلى نجاح بعض الأعمال جماهيريًا، وحصولها على جوائز عربية وعالمية، فإن هناك حركة ترجمة من أدب الأطفال العربي إلى لغات مثل التركية والإنجليزية والإيطالية والفرنسية. بمجرد تصفح بعض الكتب وملاحظة ملصقات الجوائز، غالبًا ما سيبادر مندوبي دور النشر بإخباركم بكل فخر عن الجوائز التي حاز عليها الإصدار واللغات التي تُرجم إليها.
معضلة الأسعار: استثمار جيد أم كمالية يمكن اختصارها؟
من الملفت تفاوت أسعار كتب الأطفال، حيث هناك انطباعات لدى الكثيرين عن ارتفاع ثمن إصدارات بعض دور النشر الأردنية والعربية والعالمية مقارنة بغيرها. لشراء بضعة كتب من تلك الإصدارات، تحتاج العائلة إلى ميزانية خاصة. لذلك يتساءل البعض إن كان السعر مؤشرًا على جودة الكتب، وهل الارتفاع النسبي مبرر؟
تُجمع كثير من الأمهات على أن هناك مؤشرات على جودة أدب الأطفال، كأن يكون من إصدارات دار نشر معينة لها اسمها في السوق أو من تأليف كاتب أو كاتبة معينة. كما أنها ترتبط بدرجة كبيرة بالرسومات وجودة الإخراج الفني للكتاب.
ترى فرح وهي أم لطفلة تبلغ من العمر ست سنوات، أن نجاح القصة يعتمد اعتمادًا كبيرًا على الرسومات، فمهما كان النص جميلًا، لن تجذب القصة الأطفال إذا كانت الرسومات رديئة. وأضافت أنها تحترم مجهود الفنانين والفنانات في القصص الجميلة التي تستمتع بقراءتها هي وطفلتها على حد سواء. ففي بعض الأعمال، كل صفحة بمثابة لوحة فنية غنية بالتفاصيل وزاخرة بالعناصر والألوان والنقوش، ومن العادل أن يتقاضى الفنانون والفنانات أجرًا يعادل المجهود المبذول، والذي سينعكس على سعر الكتاب.
لدى تمارا وجهة نظر مشابهة. فمن تجربتها في كتابة قصص الأطفال تضيف أن إنتاج كتاب أطفال جيد يحتاج لفريق كامل يعمل على التحرير الأدبي، والتحرير اللغوي، ويتعاقد مع رسّامين ورسّامات، بالإضافة إلى مصممين ومصممات للإخراج الفني للكتاب، يُضاف إلى ذلك تكاليف الإنتاج والطباعة والتوزيع. كل حلقات الإنتاج تلك تزيد من الكلفة النهائية للكتاب.
اقرأ/ي أيضا:
قد لا تكون الأسعار بمتناول الجميع إلا أن هناك فئة من الأهالي ترى في شراء الكتب استثمارًا جيدًا لأطفالها. خصوصًا في الزمن الحالي حيث المغريات الاستهلاكية كثيرة من ألعاب ومطاعم ومساحات ترفيهية، يكون خيار الإنفاق على الكتب واقتطاع مخصصات لها خيارًا حكيمًا. وبما أن العديد من الآباء والأمهات يحاولون تقليص الوقت الذي يقضيه أطفالهم على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، فإن استبدالها بكتب ورقية برسوم جذابة وتفاعلية مهمٌ لجذب اهتمام الأطفال ومنافسة الألعاب الإلكترونية والشاشات.
لكن حتى مع تفهّم الدواعي المسببة لارتفاع أسعار كتب الأطفال، إلا أن هناك الكثير من الأسر التي تلجأ لخيارات مناسبة أكثر لميزانيتها وتميل إلى إصدارت بأسعار مقبولة. نور، الأم لطفلين دون السادسة من العمر، تقول إنها لا تستطيع أن تشتري كتبًا لأطفالها بالوتيرة التي ترغب بها. حتى عندما ترغب في إهداء قصص لأقاربها وأطفال أصدقاء العائلة، فإنها تتردد في اختيار الكتب كهدية، نظرًا لارتفاع الأسعار التي تتخطى إمكانيات العائلية شهريًا. وإن صادفت أي منشورات مناسبة للميزانية، فإنها مستعدة للتنازل عن الإخراج الفني وجودة الصور في سبيل السعر، حيث أن السعر عامل أساسي أيضًا في القرار الشرائي. في المقابل، على الرغم من ذهاب أمل إلى معرض الكتاب لحضور فعالية توقيع كتاب وأخذ أطفالها الأربعة كنشاط في نهاية الأسبوع، قالت أنها لم تشتر أي كتب جديدة لأطفالها، بوجود أولويات أخرى خصوصًا مع العودة للمدارس وبدء العام الدراسي.
تجدر الإشارة إلى أنه في معرض كتاب عمان هذا العام تقدّم معظم دور النشر أسعارًا تشجيعية وخصومات كبيرة على كثير من الإصدارات. عند السؤال عن الأسعار، تجيب العديد من الدور المشاركة بتقديم سعرين؛ سعر السوق الأصلي والسعر التفضيلي لمعرض الكتاب. تتراوح الخصومات بين 30-50% على السعر الأصلي، وفي بعض الأجنحة يحصل الأهالي على سعر الجُملة الذي يحصل عليه الموزعون عادة لتشجيع الأهالي والأطفال على الشراء والاقتناء.
أدب الأطفال كغيره من أنواع الأدب متفاوت ومتنوع، لذلك يُنصح الأهالي عادة بانتقاء الكتب لأطفالهن بعناية. قد يعرف البعض عن بعض القصص من «الأمهات المؤثرات» في مواقع التواصل الاجتماعي اللواتي يشاركن ما يقرأن ويشترين لأطفالهن. لكن يمكن أيضًا الاطلاع على مواقع دور النشر المتخصصة بأدب الأطفال. فالعديد لديهم مواقع إلكترونية محدّثة تحتوي على آخر الإصدارات، ومراجعات عن الأعمال، بالإضافة إلى أسئلة للمناقشة مقترحة للمدارس والأهالي ترشدهم في اختيار الأنسب لأطفالهم بما يتلاءم مع أعمارهم.