كيف انتقلت الموسيقى العربية الإسلامية إلى أمريكا اللاتينية والكاريبي؟

الثلاثاء 16 حزيران 2020
لوحة للرسام المكسيكي رافاييل لوبيز. ضمن كتاب الأطفال «Drum Dream Girl».

طمس المستعمر الكولونيالي وغيّب تواريخ وزيّف أخرى. وكان لإفريقيا النصيب الأكبر من سلب الثروات والتشتيت والإبادات، إلى جانب آسيا وأمريكا اللاتينية. ورغم كل الأساطير التي يسوقها الرجل الأبيض عن الحرية والمساواة، تشهد أمريكا اليوم موجة من الرفض للعنصرية المتجذرة والقمع الممنهج والاستعلاء العرقي، بحق الأفارقة والأقليات غير البيضاء الأخرى.

يعود الفضل إلى شجاعة بعض من الأكاديميين السود والبيض الذين أفلتوا من قيود المؤسسة البيضاء المسيطرة، في إعادة قراءة التاريخ بعيدًا عن المركزيّة الأوروبيّة، مفسحين المجال لأبحاث تعيد الاعتبار لثقافات وتأثيرات مسكوت عنها في شتى المجالات، بما فيها الموسيقى. 

ابتدأ الشتات الموريسكي بعد نجاح الغزوات الاستعمارية التي شنها الملوك الكاثوليك على مختلف الممالك الأندلسيّة والإسبانيّة التي سقطت تباعًا، واكتملت هذه الغزوات بسقوط غرناطة وصدور المراسيم الملكية التي أحكمت الخناق على المسلمين. كما تبع هذا الانتصار عقوبات مروّعة وإبادات شنتها محاكم التفتيش على من تبقى من عرب وبربر ويهود إسبان، لكثلكتهم في البدء، ثم طردهم لاحقًا.

انتقل معظم الموريسكيين إلى شمال إفريقيا، بينما غادر جزءٌ منهم إلى القارة الأمريكيّة الجنوبيّة، حاملين معهم الثقافة التي كانت سائدة في مدن الأندلس وعلى رأسها الموسيقى. وقد تفاعلت هذه الثقافة مع ثقافة شعوب القارة الأمريكية الجنوبية، فتأثّرت بها وأثّرت فيها.

بيد أن الموسيقى العربية الإسلامية اتخذت في طريقها إلى أمريكا مسارًا آخر. ففضلًا عن الأندلس، كان هناك مسار سلكته إليها الموسيقى من القارة الأفريقية مباشرة. وكان لهذا المسار تأثيرٌ مختلف على موسيقى أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي والولايات المتحدة بحيث أسهم في خلق موسيقى جديدة عُرِفَت بالجاز والبلوز، غزت العالم وأدهشته.

اتخذ الأفارقة طريقهم من غرب القارة نحو الأمريكتين في زمن سبق المسار الأندلسيّ كما يقدّر الباحثون المسلمون القدامى وعدد من الباحثين الجدد. إلّا أن التأثير الحقيقي الملموس في الموسيقى جاء في زمن لاحق للمسار الأندلسي ومتزامن مع إحضار الرقّ من غرب القارة الأفريقية.

الانتقال عن طريق الأندلس مع الموريسكيين المطرودين والأندلسيين المهاجرين

لا يمكن إغفال التأثير العربيّ على الموسيقى الإسبانية. حتى أن المصطلحات التي استخدمها غويدو أريزو والتي اعتبرت لاتينيّةً في حينها: «دو ري مي فا صو لا سي»، بات تشابهها بحسب عالم الموسيقى السويدي غونار ليندغرين مع الأحرف العربية «دال، راء، ميم، فاء، صاد، لام، سين» مثيرًا للشك والجدل.[1]

وقد تجلّت تأثيرات الموسيقى الأندلسية التي انتقلت إلى مختلف بلدان أمريكا اللاتينية والكاريبي بأشكال مختلفة. حيث تطوّر في منطقة خليج المكسيك نوع من الغناء يسمى «خاروكو» (Jarocho)، تأثّر إلى حدّ كبير بالزجل الأندلسي والارتجال بالغناء.[2] وقد تطور هذا الارتجال الذي نشأ في قصور الأندلس ليصبح شعبيًا في شوارع مدن كوبا وبورتوريكو وبعض أنحاء فنزويلا، حيث ترتجل الفرق الموسيقية في زوايا الشوارع أغاني المديح للمارة، التي إذا لم يكافؤوا عليها تنقلب هجاءً ساخرًا ومحرجًا للشخص المعني ومسليًا للمارة والمتفرجين.[3] 

تعود الكثير من الأغاني في أصولها إلى فن «الفاندانغو» (fandango) الأندلسيّ، الذي سمّي في كل منطقة بحسب اسمها الأندلسيّ؛ فالملاغوينا في ملقة، والغرانادينا في غرناطة، والروندينا في روندا وهكذا، مع تطور فاندانغو محلي إلى جانبه. ومن بعض أهم أغاني الفاندانغو خيروكو أغنية لابامبا (la bamba) الشهيرة. كما أن هناك الفيردياليس (verdiales) وهو نوع من الموسيقى والغناء الذي نجد جذوره في الموسيقى العربية وهو النموذج البدئيّ للفاندانغو الذي تطورت عنه المالاجوينا فيما بعد.  

كذلك نجد تقنية سيسكويلتيرا sesquialtera متعددة الإيقاعات في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، وهي مستمدة من الإيقاعات العربية التي أثرت في الموسيقى الإسبانية وانتقلت مع villancicos وtonadas، وأبلغ أمثلة عليها هي son jarocho المكسيكية، joropo الفنزويلية، polca البراغوية، cueca التشيلية، zamba وchacarera الأرجنتينية وعدد متنوع من الأساليب الأخرى في منطقة الأنديز.[4]

أمّا أشهر الأشكال الشعرية الغنائية التي انتشرت في أمريكا اللاتينية فكانت الديسيما (decimal).  والديسيما شكل كلاسيكيّ نجد جذوره في الشعر العربي الأندلسي وهو الأكثر شيوعًا، ومن الأمثلة عليه البونتو الكوبي، السوكابون البيرواني، الكانثيون المكسيكي، البندين البانامي والباليناتو الكولومبي.[5]

كذلك انتقلت من الأندلس رقصة الزاباتييدو (Zapateado) المرتبطة بالفلامنكو إلى كافة أرجاء أمريكا اللاتينية؛ من جبال الأنديز إلى كوبا فالمكسيك. وتعتمد هذه الرقصة على الإيقاعات الحيوية والضرب بكِعاب الأقدام وأطراف الأصابع، بينما تلوّح النساء بأطراف تنانيرهنّ.[6]

وبحسب غونار ليندغرين، مؤلف كتاب الجذور العربية للجاز والبلوز (The Arabic Roots of Jazz and Blues)، فإنّ الموجة الأولى من الأفارقة السود القادمين إلى أمريكا كانت من حملة الثقافة العربية الإسلامية، ممن نشؤوا وترعرعوا في شبه الجزيرة الإيبيرية؛ أي إسبانيا والبرتغال، حيث استبدلوا بثقافتهم الإفريقية على مرّ الأجيال الثقافة العربيّة الأندلسيّة.[7] ولم يكن أولئك الأفارقة عبيدًا، بل طلقاء تم تحريرهم لعدد من الأسباب على رأسها منظور العرب للموسيقى والغناء. فمَن كان يجيد العزف والغناء كان يُحرّر من العبودية، وذلك قبل أن تبدأ تجارة الرق من إفريقيا. لذلك لا نستطيع أن نجزم قطعيًا ما إذا كانت ثقافة إفريقيا الغربية والوسطى، أم الثقافة العربية الإسبانية هي التي سيطرت على تطور الثقافة الأمريكية السوداء، آخذين بالحسبان مدى تأثير الثقافة العربية الإسلامية على شعوب القارة الإفريقية عمومًا.  

عبور الأطلسي نحو أمريكا وجزر الكاريبي

كانت بدايات التواصل بين غرب القارة الأفريقية وجزر الكاريبي وما بات يسمى بالأمريكيّتين اليوم، بحسب بعض الفرضيات والأبحاث الجديدة، زمن إمبراطورية مالي العظيمة، التي ورثت إمبراطورية غينيا وحكمت ما بين بدايات القرن الثالث عشر ومنتصف القرن الخامس عشر، والتي عاصرت بدورها إمبراطورية سونغاي.

اشتهرت إمبراطورية مالي كما سابقتها بمخزون الذهب. ويقال بحسب الجغرافيين العرب ومنهم شهاب الدين العمري في كتابه «مسالك الأبصار وممالك الأمصار» إن سلطان مالي منسا موسى قد أخبر عن سلفه الذي أنشأ مئتي سفينة عبر بها بحر الظلمات أو المحيط الأطلسي نحو ضفته الأخرى وأنابه مكانه. ولمّا لم يعد فقد استلم الحكم من بعده.[8]

كما يشير المؤرخ الأندلسيّ والجغرافيّ أبو الحسن علي بن الحسن المسعوديّ، الذي وثّق في مؤلفه «مروج الذهب ومعادن الجوهر» إلى أن أول اتّصال بالأمريكيّتين قد حدث في عهد الخليفة الأموي عبدالله بن محمد، عام 898، بواسطة البحار القرطبي الخشخاش بن سعد بن الأسود.[9]

ويتفق عدد لا يستهان به من الباحثين المعاصرين بحسب زينا زيرارا[10] ومنهم تي بي إيرفينغ، كوفي فاغارا، كلايد أحمد وينترز، إيفان فان سيرتيما، فيليب كيرتن، جون رالف ويليس وجوا خوسيه رييس، على أن الموريسكيين والماندينك من الغرب الإفريقيّ قد وصلوا إلى الأمريكيّتين قبل 180 عامًا من كولومبوس على أقلّ تقدير.

انتقال الموسيقى عن طريق غرب أفريقيا مع الرقيق

يُقدّر عدد الأفارقة المستعبدين الذين جُلبوا إلى أمريكا بحوالي 10 ملايين. ويُعتقد بأن قرابة مليوني إفريقي قد فارقوا الحياة في الطريق إلى أمريكا لقسوة الظروف. وقد نقل نصف العبيد إلى الكاريبي وثلث المتبقين إلى البرازيل.

جاء جُلّ هؤلاء الأفارقة من سواحل غرب إفريقيا التي تشمل اليوم السنغال، غينيا، ساحل العاج، بنين، توغو، غانا ونيجيريا؛ ودول وسط إفريقيا التي تشمل اليوم الغابون، الكونغو، موزمبيق، زامبيا، أنغولا وزيمبابوي. وقد كانوا من إثنيات وثقافات مختلفة أهمها الإيوي، الماندينك، اليوروبا والأشانتي.[11]

إن الثقافة المؤثرة في أولئك الأفارقة هي خليط من الثقافة العربية وثقافة وسط وغرب إفريقيا.  وتجدر الإشارة إلى أن معظم دول حزام السافانا الإفريقي هي دول إسلامية، ما زالت تحمل سمات الثقافة العربية إلى يومنا هذا، وكذلك دول ما كان يسمى بساحل العبيد التي ترتبط بدورها بحزام السافانا. ولا ننسى تأثير العربية على الثقافة السواحلية التي تمتد عبر السواحل الشرقية لإفريقيا وصولًا إلى جنوب إفريقيا.

وقد سُمح باستخدام الآلات الوتريّة بين العبيد المسلمين لتشابهها مع القيثارة الأوروبية والإسبانية، في الوقت الذي اعتبر ملّاك العبيد أن الطبول تشكل تهديدًا لكونها أكثر إفريقيّة ولقدرتها على حشد الجموع.

إلّا أن الثقافة الإفريقية التي تركت أبلغ البصمات على بدايات وتطور الثقافة الموسيقية الأفروأمريكية، هي ثقافة شعب اليوروبا الذي يتمركز جلّه في نيجيريا وبنين اليوم. ويَعتبر شعب اليوروبا أن أصوله الثقافية تعود إلى الشرق الأوسط والعالم العربي على وجه التحديد. كما يعتبر العديد من الباحثين العرب والأوروبيين أن اللغة اليوروبية ذات أصول عربية أو تتفرع منها لكثرة المفردات العربية فيها مع تحريف يسير.[12] 

أما الكوبيّون من أصول إفريقية فقد جاؤوا من سواحل إفريقيا الغربية، وجلهم من قبائل اليوروبا من نيجيريا وجوارها، البانتو من الكونغو، الفون من داهومي أو بنين. وقد تطورت موسيقى (son cubano) إلى ما يعرف اليوم بالسالسا (salsa)، حيث نجد جذور موسيقى الصون محفورة في موسيقى اليوروبا المقدسة التي وصلت إلى كوبا في أواخر عام 1500 مع تجارة الرق.

وكما جلب الكولونياليون الإسبان والبرتغاليون ثقافتهم العربية معهم، فعل الأفارقة المتأثرون بالثقافة العربية الشيء نفسه. وقد استطاعت العناصر العربية في الثقافة والموسيقى الإفريقية الصمود في مواجهة ملاك العبيد الإسبان لقربها من ثقافتهم على الأرجح،[13] بعكس ما جرى في أمريكا الشمالية من قمع لثقافة الأفارقة في المستعمرات الصغيرة ومحوها بسهولة، وذلك للفروقات الجوهرية بين ثقافة المستعمر الإنجليزي وثقافة الأفارقة. وقد سُمح باستخدام الآلات الوتريّة بين العبيد المسلمين لتشابهها مع القيثارة الأوروبية والإسبانية، في الوقت الذي اعتبر ملّاك العبيد أن الطبول تشكل تهديدًا لكونها أكثر إفريقيّة ولقدرتها على حشد الجموع.

وقد نضيف بأن الدين ربما لعب دورًا في الحفاظ على ثقافة الأفارقة في أمريكا اللاتينية وجزر الهند الغربية. حيث أن الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية كانت تعتبر مؤسسة الزواج مُقدّرة من الله، لذلك لم تفرّق عائلات الأفارقة عن بعضها، في حين لم يكن مثل هذا التسامح سائدًا في أوساط المستعمر البروتستانتي الإنجليزي في الشمال الأمريكي، بل على العكس جرت عملية تفريق ممنهجة بين العبيد لمحو جذورهم الثقافية. ولم تبق إلا بعض الآثار البسيطة في بدايات القرن التاسع عشر، بدت ملامحها في الرقص والموسيقى الإفريقية في ساحة الكونغو في نيو أورلينز أيام الآحاد، والتي قد تكون أسهمت في تطور الموسيقى الأفروأمريكية في الولايات المتحدة، وفي نيو أورلينز على وجه الخصوص.[14] فضلًا عن القرب الجغرافي للمسيسيبي ونيو أورلينز من كوبا وجزر الهند الغربية والتأثير الإسباني عليها. حيث ما زالت موسيقى البلوز في دلتا المسيسبي تحمل خصائص عربية إسلامية جاءت في الغالب من مالي والنيجر وموريتانيا.[15] 

إذ لولا غناء البلوز الذي كان يعبّر عن آلام وعذابات الأفارقة، الذين عانوا من أسوأ شتات عرفه التاريخ البشري إلى يومنا هذا، وتوقهم إلى الحرية، ما وجد الجاز ولا وجد تأثير الرولنغ ستونز أو البيتلز لاحقًا.

نقلَ العبيد من غرب إفريقيا الأسلوب الصوتي في فن الغناء العربي الإسلامي، فضلًا عن الزخرفة  كما نجدها في البلوز. والبلوز ترديد لصدى الغناء العربي الإسلامي المحفور في ذاكرة الأفارقة المسلمين، وخاصة في استخدام الملزمة العربية. والملزمة هي نغمة لأكثر من نوتة تنطلق بدرجات لصوت واحد، وتحتوي تراتيل متموجة كما في صوت الآذان.[16] فضلًا عن الارتجال والسلم الخماسي العربي المغاربي.

وقد تطور البلوز في ولايات الجنوب الأمريكية مثل المسيسبي ولويزيانا وألاباما. وكما يقول عازف الترومبيت «باري دانيالين» الذي ينتمي للطريقة الصوفية التيجانية المتمركزة في المغرب وغرب إفريقيا، إنهم عندما يجتمعون منشدين بحضرة شيخ الطريقة فإنك تسمع البلوز.[17]

إذ لولا غناء البلوز الذي كان يعبّر عن آلام وعذابات الأفارقة، الذين عانوا من أسوأ شتات عرفه التاريخ البشري إلى يومنا هذا، وتوقهم إلى الحرية، ما وجد الجاز ولا وجد تأثير الرولنغ ستونز أو البيتلز لاحقًا.[18] ولكن هناك فارق بين الأسلوب الزنجي القديم والأسلوب العربي الإسلامي في موسيقى البلوز.  

الفرق بين الأسلوب الزنجي القديم والعربي الإسلامي

يروي ليندغرين بأنه لم يستمع لأسلوب البلوز الصوتي أسفل المناطق المتأثرة مباشرة بالثقافة العربية في إفريقيا. بيد أنه استشعر ملزمة المؤذن وهو يدعو للصلاة في فقرات البلوز لدى كل من أريثا فرانكلين ولويس آرمسترونغ.[19] ويضيف بأن هنالك تقسيمين للجاز الذي يعتمد على البلوز كأهم عناصره: جاز النمر وجاز الدب (Tiger Jazz & Bear Jazz)[20]فالجاز الأفرو-كوبي محلّق وخفيف مع طبقة نغم عالية وضربة مدمدمة سريعة لطبل الكونغا، ذلك أن الكوبيين يلعبون بضربات صغيرة دون رفع اليد عاليًا كما الأفارقة، وبتقنية ودمدمة أسرع، في حين أن طريقة ضرب الطبول الإفريقية لها خصائص فيزيائية مادية بطيئة وملموسة، قاعدية وليست أثيرية. ومن هنا جاء التشبيه بالنمر والدب. ويُعتبر كل من ناقري الطبل توني ويليامز وإلفين جونز مثالين حيين على النمر والدب، حيث أن ويليامز يميل أكثر إلى الإيقاع العربي، في حين أن جونز أكثر إفريقيّة.[21]

وعلى ما يبدو فإن هنالك تحولًا متزايدًا باتجاه النمط العربي الذي تأخر إلى الآن، نظرًا للتردد الأوروبي في قبول التأثيرات العربية والإسلامية في الثقافة والتاريخ الاجتماعي لأوروبا عمومًا، والموسيقى على وجه التحديد.

لم يثمر الاختلاط بين الموسيقى الإفريقية والأوروبية نتائج عامة من جنس واحد، كما تشهد على ذلك الفروقات بين السامبا (samba) البرازيلية والرومبا (rumba) الكوبية والريغي (reggae) الجامايكي وغيرها.[22]

كما أن الوجود الإفريقي لم يكن موزعًا بالتساوي على القارة الأمريكية، حيث بقي السكان المحليّون هم الأكثرية في بلدان مثل المكسيك والبيرو التي لم تشهد حملات إبادة جماعية كما باقي دول أمريكا الجنوبية، كما لم تستدع الحاجة إحضار العبيد.

لقد غيّر سقوط حضارات المايا والإنكا في أيدي المستعمر الإسباني طبيعة الموسيقى في أمريكا اللاتينية إلى أقصى الحدود. بيد أن السكان الأصليين استطاعوا التكيّف مع الواقع الجديد واستعادة ما أمكن من المخزون الذي طمس تحت أنقاض حضارتهم وتوظيفه من جديد بدرجات مختلفة. حيث استفاد سكان الأنديز من عوامل التغيير التي ظهرت مع الآلات الوترية التي دخلت وعلى رأسها الغيتار القادم من الأندلس إلى جانب الطبول الآتية من إفريقيا. وقد استطاعوا تكييف الآلات الجديدة إلى حد أنها باتت تعطي تنويعات جديدة لم تعرفها أوروبا، مثال على ذلك آلة الشارانغو وهي غيتار صغير في الأنديز يصنع من درع حيوان الأرماديلو.[23]

وكما طور السود في أمريكا آلة البانجو، أصبحت الماريمبا هي الرابط الموسيقي بين بلدان أمريكا الوسطى ومنشأها الأفريقي. وقد تبنت الشعوب الأصلية لتلك المناطق هذه الآلة الموسيقية وباتت تستخدم في طقوسها الدينية، مطورين بذلك فنًا موسيقيًا جديدًا. ويصف سكان أمريكا الوسطى صوت الماريمبا بالغ الأهمية لديهم بقولهم «الخشب يغنّي بصوت امرأة».[24] 

وما زلنا في انتظار تكشف المزيد من المصادر والمعلومات التي تعيد الاعتبار لتواريخ مغيبة، وثقافات سعى الرجل الأبيض ومؤسساته المسيطرة إلى تشويهها وتدميرها.

  • الهوامش

    [1]The Arabic Roots of Jazz and Blues, Gunnar Lindgren,      https://hsm.gu.se/digitalAssets/848/848795_The_Arabic_Roots.pdf

    [2]  Latino Music: A View of its Diversity and Strength by Robert Garfias, PPS Geocultural Baseline Essay Series, 1996.

    [3] نفس المرجع

    [4] Latin American Music an Overview: A chapter summary from Music of Latin America and the Caribbean, Mark Brill, Routledge, 2017  https://catalogue.pearsoned.ca/assets/hip/ca/hip_ca_pearsonhighered/preface/0131839446.pdf 

    [5] نفس المرجع

    [6] نفس المرجع

    [7] The Arabic Roots of Jazz and Blues, Gunnar Lindgren, https://hsm.gu.se/digitalAssets/848/848795_The_Arabic_Roots.pdf 

    [8] Ivan Van Sertima, They Came before Columbus, Random House, 1976. أنظر أيضا شهاب الدين العمري، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، في ناديا ظافر شعبان، الرحالة الأندلسيون، دار البيروني،

    [9] الخشخاش بن سعيد واكتشاف أمريكا، صالح العطوان الحيالي، جريدة العربي اليوم، نوفمبر 2017

    [10] Zina Zerara, Muslim’s Presence in Pre-Columbian America, (thesis for Master Degree, Laribi Ben M’hidi University-Oum El Bouagha, People’s Democratic Republic of Algeria, 2016-2017.

    [11] Latin American Music an Overview: A chapter summary from Music of Latin America and the Caribbean, Mark Brill, Routledge, 2017     https://catalogue.pearsoned.ca/assets/hip/ca/hip_ca_pearsonhighered/preface/0131839446.pdf 

    [12] عبد الحفيظ أحمد اديدميج، موجز تاريخ اليوروبا وعلاقتها باللغة العربية والإسلام، جامعة فونتين، نيجيريا،

    [13] The Arabic Roots of Jazz and Blues, Gunnar Lindgren,    https://hsm.gu.se/digitalAssets/848/848795_The_Arabic_Roots.pdf 

    [14] نفس المرجع

    [15] Africa and the blues: An interview with Gerhard Kubic, Banning Eyre, April 19, 2007, http://afropop.org/team/banning-eyre

    [16] الجذور الإسلامية لموسيقى البلوز من غرب إفريقيا إلى جنوب أمريكا، جوناثان كوريل، ترجمة عالية التمران، حكمة، 2018.

    [17] Muslim Roots of the Blues: The music of famous American blues singers reaches back through the south to the culture of West Africa, Jonathan Curiel, SFGate, August 2004. https://www.sfgate.com/opinion/article/Muslim-roots-of-the-blues-The-music-of-famous-2701489.php

    [18] نفس المرجع 

    [19] The Arabic Roots of Jazz and Blues, Gunnar Lindgren,    https://hsm.gu.se/digitalAssets/848/848795_The_Arabic_Roots.pdf 

    [20] نفس المرجع      

    [21] نفس المرجع

    [22] Latin American Music an Overview: A chapter summary from Music of Latin America and the Caribbean, Mark Brill, Routledge, 2017  https://catalogue.pearsoned.ca/assets/hip/ca/hip_ca_pearsonhighered/preface/0131839446.pdf 

    [23] نفس المرجع

    [24] Latino Music: A View of its Diversity and Strength by Robert Garfias, PPS Geocultural Baseline Essay Series, 1996. 

Leave a Reply

Your email address will not be published.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية