عن عمر ناهز الثمانين عامًا، توفي الفنان التشكيلي محمود صادق في 20 كانون الثاني الماضي، تاركًا وراءه أكثر من بصمة في المشهد الثقافي والفني الأردني. فإلى جانب منجزه كفنان تشكيلي من الجيل الثاني لفناني الأردن، والذي يقدر بأربعين معرضًا شخصيًا لأعماله، فضلًا عن عشرات أخرى من المشاركات في المعارض الجماعية، عرف أيضًا بمساهماته الطويلة في حقل التربية الفنية، بداية في معاهد المعلمين، ثم أستاذًا للفن في جامعة اليرموك وعميدًا لكلية الفنون فيها، وفي الجامعة الأردنية. وخلال ذلك وضع العديد من المؤلفات والأبحاث العلمية في تاريخ الفن التشكيلي وفلسفة الفن والتربية الفنية وغيرها.
يمكن تلخيص إرث الفنان محمود صادق في عبارة «الفن حلم حياة»، التي اختارها عنوانًا لمعرضه الأخير، في صالة الأورفلي، عام 2022، وقبل ذلك عنوانًا للكتاب الذي وثق فيه سيرته وأعماله، والصادر عام 2013.[1] فقد مارس محمود صادق الفن، كما لو كان حلمًا جميلًا، وليس باعتباره مجرد مهنة. يفسر د. خالد الحمزة، معد الكتاب المذكور، أن العنوان المشار إليه يلخص «طموح الفنان وعمله الرؤيوي واستغراقه في الفن، الذي استحوذ عليه دون غيره من المشاغل».
فما الذي حاول صادق أن يقوله خلال مسيرته الفنية الحافلة، وكيف صاغ لوحته الخاصة؟

محمود صادق في افتتاح أحد معارضه.
ولد محمود صادق في 15 أيلول 1945 في قرية «مجدل الصادق» أو «مجدل يافا»، كما سماها ياقوت الحموي، وهي قرية تقع على مسافة 13 كيلومترًا شرق مدينة يافا. وحرص فناننا، وهو يروي سيرة حياته، على التنويه بدور والده وأفراد أسرته في الدفاع عن قريتهم في وجه العصابات الصهيونية عام 1948، وكيف بقوا فيها حتى بعد تفريغ المجدل من سكانها، وكيف أن والده غادرها فقط بعد استشهاد أخيه وابن عمه، ليتولى مسؤولية رعاية أسرتيهما وأسرته، حيث انتقل بهم إلى قرية دير غسانة، بالقرب من رام الله.
توزعت طفولة صادق ما بين دير غسانة وعمّان التي حلت بها أسرته. وفي مدرسة رغدان بعمان حظي برعاية مدرس الرسم، الذي شجعه على الرسم الحر. ويروي كيف تعلم الرسم بالألوان المائية مبكرًا، وكيف درب نفسه على نسخ الرسوم من مجلتي «روز اليوسف» و «المصور» المصريتين، خلال المرحلتين الإعدادية والثانوية، حيث كانت تلك بداية ممارسته لرسم الكاريكاتير الذي سوف يمتهنه في سنوات لاحقة.[2]
بعد تخرجه من الثانوية، حصل على وظيفته الأولى كمعلم في مدرسة رغدان، وفي الوقت نفسه انتسب إلى كلية الحقوق في جامعة دمشق، على غرار المئات من أبناء جيله الذين جمعوا ما بين العمل والدراسة الجامعية بالانتساب. لكن مصيره تغير حين سنحت له فرصة دراسة الفن التشكيلي في جامعة بغداد، إذ كان واحدًا من أربعة مبعوثين أردنيين حصلوا على منحة وزارة التربية والتعليم، من أصل 112 معلمًا، تقدموا لهذه المنحة.

محمود صادق في كلية الفنون ببغداد، 1966.
كان من حظ محمود صادق أن تعرف خلال دراسته في كلية الفنون ببغداد على عمالقة الفن العراقي، مثل الفنان فائق حسن،[3] الذي تأثر بأسلوبه «الواقعي الرومانسي»، حسب تعبير الناقد الأردني محمد أبو زريق، وقد اكتسب خلال سنواته البغدادية رؤية أفضل لفنون بلاد الرافدين و«المدرسة البغدادية». وفوق مهارته في الرسم، تعلم تقنيات التصوير بالفريسكو والموزاييك على يد الفنان العراقي غازي السعودي، الذي كان قد دَرَسَ هذه التقنيات في إيطاليا، حتى إن محمود صادق نفذ لوحة جدارية كبيرة بالفريسكو بعنوان «النكسة» كأحد متطلبات التخرج.
بعد تخرجه عام 1970، عين صادق مدرسًا في معهد حوارة للمعلمين، بالقرب من إربد، وهناك قضى أفضل سنوات حياته، إذ وجد فيها امتدادًا لقرية دير غسانة التي أمضى فيها بعض سنوات طفولته، فكانت بيوت حوارة وحاراتها ونمط حياتها الريفي موضوعًا رئيسيًا لرسومه ولوحاته.



لوحات لمحمود صادق مستمدة من العمارة المحلية في بغداد ودمشق والقدس.
أقام عام 1971 معرضه الفردي الأول، حيث عكست أعماله تأثره القوي بالمدرستين الواقعية والانطباعية. وفي عمان تعاون محمود صادق مع الفنان الكبير مهنا الدرة وفنانين آخرين على تأسيس معهد الفنون الجميلة، وساهم أيضًا في تدريس طلابه.
بعد سنوات حافلة قضاها في معهد حوارة، انتقل صادق للتدريس في معهد المعلمين في عمان. وفي الأثناء اختير عضوًا في قسم الإشراف التربوي على مادة التربية الفنية في وزارة التربية والتعليم، وقد شكلت هذه المحطة نقلة مهمة أكسبت محمود صادق خبرة إدارية ومعارف جديدة في مجال التربية الفنية.
ولم يلبث أن حصل في عام 1978 على بعثة من جامعة اليرموك للحصول على درجة الماجستير في الفن، من جامعة جنوب ولاية كارولينا بالولايات المتحدة. ثم تابع بين عامي 1980 و1983 دراسته لدرجة الدكتوراه في جامعة فلوريدا، في فلسفة الفن والتربية الفنية، حيث تخرج منها بمرتبة الشرف الأولى.
خلال دراسته هذه في الولايات المتحدة، اكتسب مهارات جديدة في تقنيات الرسم بالألوان الزيتية والشمعية والفحم، وكذلك في أعمال الجرافيك، وخاصة الحفر على الحجر والزنك. كما أقام في الأثناء معرضين لأعماله، فضلًا عن مشاركته في العديد من المعارض الجماعية. وقد مكنته إقامته في الولايات المتحدة من زيارة عشرات المتاحف وقاعات العرض الهامة قبل عودته إلى الأردن.
عام 1990، عين صادق أستاذًا مساعدًا للفن في جامعة اليرموك، وساهم في تأسيس وإدارة قسم الفنون الجميلة في الجامعة المذكورة. ومنذ ذلك الحين، أمضى 26 عامًا من عمره في تدريس الفنون في جامعة اليرموك، شغل خلالها عمادة كلية الفنون في الجامعة المذكورة، فضلًا عن عمله لصالح جامعات أخرى، مثل جامعة العلوم والتكنولوجيا في إربد والجامعة الأردنية وجامعة قطر.
مسار صادق كفنان تشكيلي
تظهر الأعمال التي أنجزها محمود صادق في شبابه المبكر، والتي يعود أقدمها إلى عام 1962، بداياته كفنان واقعي الاتجاه، سواء على صعيد رسمه للمشاهد الطبيعية أو رسومه وتخطيطاته للأشخاص. وهي بمجملها تنم عن خامة فنان مقتدر. وقد زودته الدراسة الجامعية في كلية الفنون الجميلة ببغداد بمزيد من الخبرة والتمكن من أدواته الفنية، وهو ما يظهر من خلال الأعمال التي أنجزها في النصف الثاني من الستينيات، أي أثناء دراسته الجامعية الأولى، ثم الأعمال التي تعود لعقد السبعينيات، أي بعد تخرجه، عام 1971، ثم في المعارض الشخصية او الثنائية العديدة التي أقامها خلال عقد السبعينيات.

«فاطمة»، لوحة زيتية لمحمود صادق، عام 1974.
كانت أعماله المبكرة تحتفي بأحياء عمان والسلط أو بالمشاهد الطبيعية. وبشكل خاص، إبان دراسته الأكاديمية في بغداد، أنتج عددًا من الأعمال المستمدة من عمارة الأحياء القديمة في القدس وبغداد ودمشق. في هذه الأعمال، نجد فنانًا حاذقًا سواء بالنظر الى تكوينات أعماله، أو من خلال التمعن في عجينة ألوانه.
خلال الثمانينيات، انتقلت لوحة صادق أكثر نحو تجريد المشهد الحضري أو المعماري، وإلى اختزال الكثير من التفاصيل فيه إلى مساحات وسطوح لونية. ومن الملفت أن صادق لم يتوقف عن الحنين لتلك المشاهد والتكوينات المعمارية، وإن آلت إلى أشكال أكثر تجريدًا، تتألف من مساحات لونية تتقاطع عرضيًا وعموديًا في تناغم يجعلها أقرب إلى المقطوعة الموسيقية.
وإلى جانب لوحته المشهدية المستندة إلى العمارة المحلية، ظهرت في الوقت نفسه لوحته التي تحتفي بالشكل الإنساني، فيما تتوارى العمائر لتصبح مجرد خلفية للوجود البشري. يفسر د. خالد الحمزة هذه الثنائية بتأثر صادق بالحالة السياسية التي عرفتها المنطقة العربية، ولا سيما تتالي النكبات والنكسات بين عامي 1948 و1967. وينقل عنه كيف ترك دراسته في بغداد، عندما اندلعت حرب 1967، ليساهم بأي شيء في المعركة، لكن الحرب توقفت سريعًا، بعد أن التهمت ما تبقى من الأرض الفلسطينية، إضافة الى أراضٍ سورية ومصرية.[4]
يربط الحمزة في حديثه المرحلة الثانية من مسيرة صادق، والتي امتازت بتحوله إلى التجريد، بفترة إقامته في الولايات المتحدة لإكمال دراسته العليا، حيث حققت له هذه الإقامة الممتدة لمرحلتي الماجستير والدكتوراه، فرصة الاحتكاك بالفن الغربي المعاصر، ليرى أهم الأعمال الفنية المعاصرة مباشرة وليس من الكتب، من خلال زياراته للمتاحف والمعارض الفنية.
يقول الحمزة أن ذلك التلاقح المباشر أثر تأثيرًا بينًا على أعمال محمود صادق، وظل مستمرًا بعد تخرجه (عام 1983) لعقد كامل. ويضيف: «تعرف صادق في هذه الفترة بشكل مباشر على الفن التجريدي بمدارسه المتنوعة (..) ونتج عن تفاعله معها تجارب ركزت على التعامل مع السطح كسطح فقط، باعتباره مكانًا فنيًا يستدعي المعالجة (..) ونلحظ في كثير من اللوحات أنها قسمت إلى مساحات ذات زوايا قائمة، وتمت معالجتها بمجموعة ألوان تشبه تلك التي استخدمها كل من بيكاسو وبراك (..) لكن صادق ملأ بعض المساحات في لوحاته بزخارف مستمدة من التراث الشعبي الفلسطيني الحرفي، كالتطريز».
أما المرحلة الثالثة في مسار الفنان صادق، فهي، بحسب الحمزة، تلك التي جمع فيها ما بين «التشخيص والعمارة» في أعمال أكثر تجريدًا من مراحله السابقة. ويقول في هذا الصدد: «لقد قدم أشخاصًا ريفيين وعمارة ريفية أو تاريخية»، وبكلمات أخرى فقد عاد إلى موضوعاته الأولى في التشخيص الواقعي، لكنها الآن باتت أكثر بساطة وتجريدًا، كأنه كان يسعى الى التوفيق ما بين الإنسان وبيئته الأولى، وتحقيق التعايش بينهما.[5]



من أعمال الفنان محمود صادق التجريدية الأخيرة.
أخيرًا، يتحدث الحمزة عن مرحلة رابعة في مسيرة صادق، إذ يجد أن الأخير أخذ يشتغل على العمارة، محولًا إياها «إلى مساحة خالصة نقية، فلا نجد العمارة التي عرفناها عنده بنوعيها، سواء أكانت واقعية أو تلك المجردة، ففي هذه المرحلة نشهد أبنية شكلية من نوع ثالث تم تشييدها في الفراغ الذي يبدو وكأنه فضاء كوني». ويضيف الحمزة: «ما يميز هذه الأعمال عن منتجه السابق هذه الجرأة الكبيرة التي تظهر في معالجته التلوينية المرنة والحرة، والتي لم نعهدها لديه من قبل».[6]
صادق كرسام كاريكاتير
بالتوازي مع المسيرة الفنية السابقة، امتهن صادق كذلك رسم الكاريكاتير بصورة محترفة في عدة مراحل من حياته، أولها في مطلع السبعينيات، بعد تخرجه من كلية الفنون الجميلة ببغداد، حيث واظب على تزويد صحيفة «الدستور» اليومية برسومه الكاريكاتورية، والتي تتناول غالبًا الأحداث السياسية العاصفة التي عرفها عقد السبعينيات. وثانيًا في أواسط الثمانينات، حين تعاقد مع صحيفة «الشعب» اليومية على نشر رسومه الكاريكاتورية، وكان يتناوب على ذلك مع الرسام الراحل ناجي العلي، وقد استمر ذلك حتى مطلع التسعينيات. وأخيرًا حين عمل مع جامعة قطر، وزود صحيفة «الراية» القطرية برسم كاريكاتوري يومي، لمدة ثلاث سنوات متصلة، حتى توقفت مساهماته في هذا المجال عام 1998.
وعليه فإن منجزه في مجال الرسم الكاريكاتوري يُعد أحد ملامح تجربته الفنية، كما كان متنفسًا له للتعبير عن آرائه السياسية، آخذين بالاعتبار أهمية الموضوع الفلسطيني في تكوينه الوجداني، وفي ذاكرته البصرية.
وفي هذا الصدد، يعلق الحمزة فيقول إن صادق عالج في رسوماته غالبًا الموضوعات السياسية، وبدرجة أقل الموضوعات الاجتماعية، وقد تركزت رسومه على تطورات القضية الفلسطينية، ولا سيما مواقف الأنظمة العربية منها، كما تناول الانحياز الأمريكي خاصة والغربي عامة لـ«إسرائيل». وبهذا يمكن القول إن رسومه على مدار ثلاثة عقود كانت تسجيلًا متواترًا لما مرت به القضية الفلسطينية من أحداث ونكسات.[7]



بعض نماذج الرسوم الكاريكاتورية لمحمود صادق.
ويتشابه أسلوب رسومه الكاريكاتورية مع صديقه ومجايله ناجي العلي، ويميل أسلوب صادق إلى التكثيف والمبالغة في التعبير، مع تميزه بسهولة الوصول الى القارئ العادي. لكن بخلاف ناجي العلي، أو رسامي الكاريكاتير الآخرين الذين كانوا كثيرًا ما يضمنون رسومهم نصًا مكتوبًا، فإن صادق كان مقلًا في اعتماده على الكلام في رسمه الكاريكاتوري، معتمدًا بدرجة رئيسية على الخطوط والرموز لإيصال فكرته إلى القارئ.
صادق بعين النقّاد
حظيت أعمال صادق باهتمام النقاد وبقراءات عديدة لها. إذ يرى الناقد محمد أبو زريق أن هذه الأعمال «تظهر ذاكرة خصبة من طفولة رومانسية في قرية أصابها ما أصابها بفعل الاحتلال، ولذلك يتداخل الرومانسي بالتراجيدي، وتتحول اللوحة إلى سجل عاطفي لسيرة الفنان وأحلامه ورؤاه».[8]
أما إشراق سيف الدين، التي سبق وأعدت رسالة ماجستير عن أعمال الفنان محمود صادق، فقد تناولت أعماله الأخيرة بقراءة مستفيضة، أبرز ما فيها تركيزها على «استحضاره معالم حياة ريفية توسدتها طفولته»، وعلى ارتباط هذه الأعمال بذاكرة الفنان «وغرقه في تفاصيل ممحية تتشبث بمعاقل الذاكرة»، حيث يسعى لإعداد توثيق مرئي لذاكرة مؤقتة.[9]
لكن أهمية أعمال صادق لا تكمن فقط في مصادرها، وإنما أيضًا من تقنيته الخاصة وعجينة ألوانه. يقول الناقد والنحات غسان مفاضلة في هذا الصدد: «لقد وجد محمود صادق نفسه، منذ مرحلته الجامعية الأولى في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد في أواخر ستينيات القرن الماضي، يتحرك باتجاه البحث عن آفاق أسلوبية وتقنية جديدة في التعبير التشكيلي، وبعد أن أدرك أن الأسلوب ليس خيارًا مزاجيًا خاضعًا لتحولات شكلية وقصدية، بقدر ما هو سلسلة من الاستنباطات الإيقاعية بين حلقات الرؤية والتقنية والتعبير، منذ ذلك، بدأ محمود صادق انحيازه إلى استنكاه خواص تقنية التصوير الشمعي (Encaustic Painting)، وعمل على تحسين وصفتها»، معتبرًا أن أعمال صادق الأخيرة شكلت «إضافة تقنية وجمالية ووسيطًا تشكيليًا غير مطروق في العديد من بلدان العالم».[10]
وكان الحمزة قد توقف أيضًا عند هذا الجانب من تقنية محمود صادق في سنواته الأخيرة، حين أشار إلى اهتمام خاص لديه بملمس سطح اللوحة، حيث أصبحت سطوح بعض لوحاته خشنة، من خلال وضع عجينة لونية كثيفة. وقد ظهرت هذه الخامية سواء في اللوحات التي استخدم فيها الألوان الزيتية أو الإنكوستيك (الشمع الزيتي)، لكنها في الثانية أكثر شيوعًا، وقد يعود ذلك تقنيًا إلى طبيعة الخامة.[11]

زائرة في أحد معارض محمود صادق.
محمود صادق مربيًا وباحثًا
لعب محمود صادق أدوارًا هامة في مجالات التربية الفنية والتدريس والتأليف، إلى جانب دوره كفنان تشكيلي. فقد أمضى تسع سنوات، بعد تخرجه من أكاديمية الفنون ببغداد (1970-1978) في تأهيل معلمي الفن في المدارس الحكومية، من خلال عمله في معهدي المعلمين في حوارة وعمان. وفي الأثناء، أصبح عضوًا في قسم الإشراف التربوي لمادة التربية الفنية.
أما القفزة الكبرى في مجال تعليم الفن، فقد حققها بعد نيله درجة الماجستير في الفنون من جامعة جنوب كارولاينا، ثم درجة الدكتوراه في فلسفة الفن والتربية الفنية من جامعة فلوريدا، حيث أمضى نحو ثلاثة عقود من حياته في مهنة تدريس الفنون في جامعة اليرموك وجامعات أردنية وعربية أخرى.
وإلى جانب ذلك، فقد كلفته وزارة التربية والتعليم، ولعدة سنوات بقيادة فريق وطني لتطوير مناهج التربية والتعليم، كما أوكلت إليه مهمة الإشراف على الفريق المكلف بتأليف كتب التربية الفنية. ولم يلبث أن كلف من منظمة اليونسكو بتطوير المناهج التدريسية للفنون في اليمن، حيث أمضى ستة أشهر هناك، أصدر في ختامها كتابه «التربية الجمالية»، وفعل الشيء نفسه في قطر، إذ كلف من وزارة التربية القطرية بتطوير مناهج التربية لديها.
ولا يقل دور محمود صادق في مجال البحث والتأليف عن دوره في مجال تدريس الفنون. حيث نشرت له العديد من الكتب والأبحاث المحكمة في المجلات العلمية في جامعات الأردن وخارجها، كان في طليعتها كتاب «الحركة الفنية التشكيلية الأردنية، ماضيها وحاضرها»، الصادر عن مؤسسة آل البيت ضمن سلسلة تاريخ الأردن، وكتاب «الفنون الجميلة»، الصادر عن وزارة التربية والتعليم اليمنية، إضافة إلى مشاركته في مؤلف جماعي حول «التربية الفنية، أسسها وطرق تدريسها»، هذا إلى جانب عشرات الأبحاث العلمية، من بينها «المكونات الرئيسية لخبرة التذوق الفني»، و«الفن الجغرافي، جدلية التطور بين الوظيفة والتقنية»، و«نظرية تعلم الفن المفتوحة»، و«تطور الفنون بين التبسيط والتعقيد والتراكمية»، و«المعرفة والممارسة وأثرهما في السلوك الفني»، و«إشكالية البحث عن الأصالة في التعبير الفني»، وغيرها.
حظي صادق خلال حياته الحافلة بالإنجازات بعدد من الجوائز التقديرية والتكريمية، في مقدمتها جائزة الدولة التقديرية للفنون عام 1992، وقد تسلمها مباشرة من جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال، وجائزة ترينالي مصر الدولي الأول لفن الجرافيك، عام 1993. كما كرمته جامعة اليرموك عام 1990 وجامعتا فيلادلفيا وجامعة المنصورة في مصر، عام 2001. ونال كذلك جائزة الأعمال الإنشائية الدولية الثالثة عشر، في باريس، عام 2001.
رحل محمود صادق وفي رصيد أعماله التشكيلية أربعون معرضًا شخصيًا توزعت ما بين العراق، وبريطانيا، والولايات المتحدة، وبولندا، وفرنسا، وبلجيكا، ونيوزلندا، ولبنان، والأردن، إضافة إلى مشاركات في 126 معرضًا جماعيًا داخل الأردن وخارجه.[12]
-
الهوامش
[1] «محمود صادق الفن حلم حياة»، دار القدس للنشر والتوزيع، عمان، 2013، 296 صفحة من القطع الكبير (25×28 سم).
[2] المصدر نفسه. ص 288.
[3] فائق حسن (1914-1992) من رواد الفن التشكيلي في العراق، ساهم مع جواد سليم في تأسيس قسم الفن التشكيلي في معهد الفنون الجميلة ببغداد. عرف بأسلوبه الواقعي في الرسم.
[4] انظر قراءة د. خالد الحمزة لمسيرة محمود صادق الفنية في المصدر السابق، ص 254.
[5] المصدر نفسه. ص 254.
[6] المصدر نفسه. ص 224-226.
[7] المصدر نفسه، ص 168.
[8] محمد أبو زريق، فنان جرافيكي وباحث، انظر مساهماته في «محمود صادق الفن حلم حياة»، مصدر سابق، ص 210-214.
[9] إشراق سيف الدين، «صياغة تشكيلية تؤرخ ذاكرة مؤقتة»، بروشور معرض ذاكرة الروح، صالة رؤى للفنون، تشرين الثاني 2005.
[10] مساهمة غسان مفاضلة في «محمود صادق الفن حلم حياة»، مصدر سابق، ص 216-218.
[11] د. خالد الحمزة، مصدر سابق، ص 252.
[12] انظر سيرة الفنان المفصلة، في «محمود صادق الفن حلم حياة»، الصفحات 281/289.