«سادن المحرقة»: أن تُشرّح قاتلك

الخميس 10 نيسان 2025
تصوير مؤمن ملكاوي.

من عائلته بأكملها، لم ينج سوى يوسف هندل من معتقل أوشفيتز النازيّ في الحرب العالمية الثانية. روت برينر الناجية مع شقيقها يوري من المعتقل نفسه كيف عيّرهم بعض اليهود مع ناجين آخرين من المحرقة: «يا صابون معسكرات الإبادة» أيّها «الناجي الذي داس على الجثث، والشاة التي سيقت إلى الذبح».

هاجر الاثنان إلى فلسطين وتزوجا. ومن أجل تبديد الشعور بالعار بين قومهما أنجبا «سوبر مان» صغيرًا ألحقاه بجيش الاحتلال الإسرائيلي جنديًا وتدرج بالرتب العسكريّة حتى وصل إلى رتبة عقيد في هيئة الأركان. ومن أجل ضمان تبديد العار إلى الأبد تزوّج الابن وأنجب ولدين التحقا بالجيش، واحد في لواء جفعاتي، وآخر في وحدة المظليين.

قتلَ فيروس كورونا الجدّين الناجيّين من المحرقة، و«اتهم من بقي حيًا من العائلة الفيروس بمعاداة الساميّة» لأجل ذلك. تعدّى الابن سن السبعين وأصيب بجلطةٍ دخل على إثرها في غيبوبة وهو يقيم منذ سنة في المستشفى. قتل مقاومون أحد الحفيدين خلال خدمته العسكرية في رام الله سنة 2010. أما الحفيد الثاني فهو شاب في السابعة والثلاثين من العمر يملك سيرة عسكريّة سابقة من معركتين، الأولى ضد حزب الله في معركة بنت جبيل جنوبيْ لبنان سنة 2006، والثانية ضد فصائل المقاومة الفلسطينية في معركة جباليا في غزة بين عاميْ 2008 و2009، بالإضافة إلى معاناته من إعاقة نفسيّة تنغص عليه حياته، جعلته محسوبًا على العسكريين المعاقين النفسيين المصابين بآثار ما بعد الصدمة.

يبقى هذا العسكري السابق دائم التنقّل في السكن، بين بيت العائلة القديم الهادئ في جفعات شاؤول (المستوطنة المقامة على أطلال قرية دير ياسين) هربًا من رعب صفارات الإنذار التي تنطلق ليلًا في تل أبيب، وبين شقّة العائلة في تل أبيب هربًا من كابوس يتكرر في جفعات شاؤول تظهر فيه طفلة من قبو المنزل القديم وتلاحقه.

«أحلم بما لا أفهمه» يقول لطبيبته النفسية التي تحاول تعيين سبب الصدمة، أكانت من معركة بنت جبيل في ليلةٍ عبثت فيها رائحة لحم رفاقه المشوي أم من معركة جباليا حين دخل مع مجموعته منزلًا مقصوفًا وتفاجأ بأب غزّاوي يجمع أشلاء بناته الثلاثة، أم من حادثة بعيدة تعود لزمن أجداده في معتقلات النازية؟

تسأله الطبيبة وقد أخبرها بلغة الحلم: هل أنت خائف لأنك تحلم بالعربية؟ «خائف جدًا»، يردّ عليها، ويتساءل: مصرّح لي بوصفة طبية لتدخين الماريجوانا الطبية، ولكن هل مصرّح لي أن أحلم بالعربية؟[1]

تقترح عليه الطبيبة كجزء من خطة العلاج تعلّم اللغة العربيّة، فيذهب في رحلة للتعلّم عند مدرّسة يافاوية اسمها مريم فاطم، بالصدفة يجلس بجانبها خطّاط يعلّم على لوح الكتابة العربيّة بالخطّ الكوفيّ، يطلب منه الجندي السابق كتابة اسمه، فيكتب الخطاط: أور شابيرا.

سبق وذكر هذا الاسم في رواية قناع بلون السماء التي كتبها الأسير الفلسطيني في المعتقلات الصهيونية منذ العام 2004 والمحكوم بثلاثة مؤبدات باسم خندقجي لكن دون ملامح واضحةٍ.

تحكي تلك الرواية قصة «نور» الشاب الفلسطيني من مخيم لاجئين في رام الله وجدَ معطفًا جلديًا أسود فيه بطاقة شخصيّة تعود إلى «أور شابيرا» فانتحل شخصيّته ليشارك في بعثة آثار تنقيبيّة في جنوب فلسطين مع إسرائيليين وأمريكيين من أجل استكمال بحثه عن شخصيّة مريم المجدليّة.

الآن صاحب البطاقة المفقودة الذي ذُكر اسمه في رواية «قناع بلون السماء» بدون ملامح هو الشخصية الرئيسية في رواية خندقجي حديثة الصدور عن دار الآداب البيروتية بعنوان «سادن المحرقة». وتروي قصّة حفيد يوسف هندل وروت برينر الناجيين الوحيدين من معتقل أوشفيتز النازيّ في الحرب العالمية.

هكذا مع صدور هذه الرواية يكون لدينا روايتان من ثلاثٍ ستشكّل ثلاثية المرايا التي يعمل عليها خندقجي، الأولى تتناول صورة الفلسطيني اللاجئ الذي يختار التخاطب بلغة عدوّه ويسعى لتثبيت هويته، وجزء ثانٍ هو هذه الرواية التي تتناول هوية الفرد العسكري الإسرائيلي ومدخلات تكّونها بما فيها المكون النفسي.

ليست هناك ضرورة لقراءة الرواية الأولى من أجل فهم الرواية الثانية من السلسلة. الحكايتان مختلفتان، لكنهما مكملتان لبعضهما. والشخصيات الرئيسية مختلفة.

تشريح الجلّاد

تبدو قصة الرواية مسليّة ولا شيء غير التسلية فيها للوهلة الأولى، لكن العبارات التي صيغت منها الحوارات بين الشخصيات، والإحالات إلى الأماكن والشخوص، وبعض الأحداث التاريخيّة البعيدة، وحتّى فقرة الاستهلال المقتبسة من رواية «قلب الظلام» لجوزيف كونراد الموجودة في الصفحة الأولى، كل ذلك له دلالته ويأتي من بنية معرفيّة تقود سرد القصّة وله ظلال في الدراسات ما بعد الكولونيالية، ويسعى إلى هدف واحد: محاولة إعادة تفسير عمليات القتل اليومية التي تجري في فلسطين من منظور آخر وربطها بمفهوم الإبادة جماعيّة، لكن كيف؟

يقتل جيش الاحتلال الإسرائيلي (على الأقلّ قبل العدوان على غزّة) بشكل ممنهج المئات من الفلسطينيين سنويًا، ولا تُدرج عمليات القتل هذه تحت مصطلح «الإبادة الجماعيّة» كما جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لسنة 1948.

كان مصطلح «الإبادة الجماعيّة» قد صيغ من داخل المركزية المعرفيّة الأوروبيّة، مدفوعًا بالمجازر التي ارتكبت في القارّة في الحرب العالمية الثانية ومنها مجازر الأوروبيين أنفسهم ضد اليهود الأوروبيين، لهذا كان المصطلح على الأقلّ قانونيًا محكومًا منذ البداية بهذه النظرة، واستبعد تبعًا لذلك وقتها شمول كل الإبادات الجماعيّة التي اقترفها الأوروبيون ضدّ السكّان الأصليين في: أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبيّة والقبائل الإفريقيّة، ولاحقًا لإقراره، ضد الفلسطينيين في نكبة 1948، وما يجري من عمليات قتل بعد النكبة.

لهذا ترك خندقجي محددات الإبادة الجماعية التي وضعتها المركزية الأوروربيّة ولجأ إلى قراءة مغايرة، كانت ظهرت في أحد أبحاثه.[2] تنطلق هذه القراءة من داخل «علم نفس الإبادة الجماعية»، ويرى فيها أن القتل الفرديّ الممنهج وشبه اليومي في فلسطين هو في العمق إبادة جماعية مقنّعة بإبادة فردية لا تستهدف أجساد الفلسطينيين وحسب وإنما كيانهم وهويتهم كذلك، ولها دوافع نفسيّة وعرقية وعنصرية وثقافية.

يقوم هذا النوع من الإبادة في البداية، وفقًا لمقاربة كريستين مونرو التي يقتبسها خندقجي في أحد أبحاثه على تأسيس مسافة نفسية بين الجلاد والضحية، ثم التقسيم بين الأنا الجلّاد والآخر الضحية، ثم تجريد هذا الآخر من إنسانيته بحيث لا يعود يرى وجهه.

«أور شابيرا» الشخصية الرئيسية في رواية «سادن المحرقة» والجندي الذي ترك الجيش الإسرائيليّ هو الجلّاد «والأنا» في مقاربة كريستين مونرو، وهو كذلك مُجرِِّد الفلسطيني من إنسانيته، نقله خندقجي من حيز البحث المعرفيّ إلى حيّز التخييل الروائيّ ليقصّ على القارئ ضمن حكايةٍ كيف تتشكل دوافع هذا النوع من الإبادة.

لا يستسيغ هذا الجندي وجود الفلسطيني حتى في أشد كوابيسه مرارةً: «إنّه يحلم باللغة العربيّة منذ عامين، هو الذي لم يكن حضور العرب في حياته سوى ظلال خرساء باهتة لا وجوه لها. مجرد أهدافٍ ومخربين وإرهابيين»[3] يقول شابيرا عن نفسه في الرواية.

وهذا حوار في الرواية له نظير في مقولة للفيلسوف اليهودي إيمانويل ليفيناس: «إن (الآخر) هو الكائن الوحيد الذي بإمكانه أن يغري المرء بالقتل، إغراء القتل هذا، [أو] استحالة القتل هذه، يشكلان الرؤية الفعلية للوجه، أن ترى وجهًا هو أن تسمع بالفعل: لا تقتل». فكيف وصل «أور شابيرا» إلى ألا يرى وجه الفلسطيني؟

يطوف خندقجي في البنية النفسيّة للمجتمع اليهودي ما بعد المحرقة أفرادًا وجماعات من أجل الإجابة عن هذا السؤال في الرواية، مثلًا، ابتكر أبناء هذا المجتمع من رسّامين وكتّاب «كل الأبطال الخارقين في الرسوم الكرتونية، من شمشون الخارق وسوبرمان، و باتمان، وكابتن أمريكا، وإكس مين، لتعويض الذين حُرقوا على يد مخيلة سوبرمان آخر».[4]

ما يقدمه خندقجي في الرواية لتفسير آثار ما بعد الصدمة القاسية التي تعرّض لها «أور شابيرا» بعد حرب جنوب لبنان في 2006 ومرة أخرى في جباليا 2008 – 2009 وأدت به ليكون معاقًا نفسيًا له أثرٌ في فرضيات علم نفس المحرقة ومنها ما تشير له جانيت أطلس في كتاب «الميراث العاطفي» الذي يقول بإمكانيّة انتقال الصدمات والتجارب القاسية من جيل إلى جيل آخر عبر الوراثة، «إن الأبناء الأصحاء الناجين من الهولوكوست (..) الذين عانوا من صدمة كبرى هم أكثر عرضة للإصابة بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة بعد الأحداث المؤلمة أو بعد مشاهدة حادث عنيف».[5]

حرب على «الرواية»

لنرجع بالزمن إلى الفترة التي وصلت فيها رواية خندقجي السابقة «قناع بلون السماء» إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الماضية 2024. في تلك الأيّام، جنّ جنون الإسرائيليين بسبب وجود رواية لأسير فلسطيني على لوائح الجائزة القصيرة، وحرّضت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي الصهيونيّة عليه. علَّق أحد المستوطنين: «أسرانا بغزة لا نعرف أين هم، والإرهابي باسم خندقجي يكتب من داخل سجنه» وتساءل آخر: «هل لديه قناة يوتيوب داخل سجنه؟ ماذا يحدث داخل السجن؟»، وانتهت الحملة بفرض غرامة مالية كبيرة عليه والأهم عزله داخل زنزانة انفرادية.

في يوم 28 آذار من سنة 2024 استدعى محققو الشاباك خندقجي من عزله الانفراديّ وحققوا معه لأكثر من ثلاث ساعات عن كل تفصيل يتعلق بالرواية التي وصلت إلى القائمة القصيرة وقت كتابتها، ومن أين حصل على الكتب التي اعتمد فيها على الكتابة، وطريقة إخراجها من السجن، وعمّا ورد فيها، وماذا يقصد في كل حدث فيها.

كانت تظهر على وجه خندقجي ابتسامة خفيفة بين كل سؤال وآخر يلقيه المحققون عليه إذ عرف من حفلة التحقيق هذه أن الرواية قد فازت بالجائزة، وهو ما تأكد له في طريق عودته من غرفة التحقيق إلى الزنزانة الانفرادية إذ ألقى عليه الأسرى من غرفهم المباركات واحتفوا بفوزه بالجائزة بعدما عرفوا بالخبر من جهاز راديو مهرّب معهم.[6]

كانت هذه واحدةً من التجارب التي ظلّ خندقجي يمر فيها في سجنه منذ أكثر من عشرين سنة، وساهمت بالإضافة إلى قراءته وبحثه في الكتب إلى جعله يكتب روايةً معرفيّة تعتمد على التجربة والبحث لتفسير دوافع الجلاد الذي لا يتقبّل وجود ضحيّة تكتب رواية.

يمكن وضع طريقة كتابة خندقجي للرواية في سياق مرحلة جديدة من الكتابة عند الحركة الأسيرة تعتمد على توظيف التجربة والبحث في إنتاج المعرفة ويمكن وضع إسهامات الأسير الشهيد وليد دقّة ضمن هذه المرحلة.[7]

لقد ظهرت هذه الطريقة في الكتابة بشكل جليّ عند خندقجي في رواية «قناع بلون السماء» ومن ثم بشكل أكبر في رواية «سادن المحرقة» إذ إن كل الأفكار التي وظفها في الرواية جاءت ضمن إطار حكائيّ من غير أن يشعر القارئ أنه يقرأ بحثًا في الإبادة أو علم نفس الإبادة.

لقد فتح خندقجي صندوق عدّة الروائيّ واستخدم أساليب سردية متطورة عن أدوات رواية «قناع بلون السماء» التي شكّلت قفزة في مشروعه الروائي بالمقارنة مع الروايات التي سبقتها، كما استخدم أساليب سرديّة تتواءم مع موضوع الرواية النفسيّة إذ حضرت الحبكات التي تعتمد على توتير الحدث تدريجيًا في نفس القارئ مثل الوصول به إلى نقطة قريبة من الحل ثم الرجوع به إلى البداية أو استخدام حبكات ملتوية بين الفصول.

وعرف كيف يتخلص من الفجاجة في السرد مثل استبعاد استخدام مصطلحات الأكاديمية الجافّة ونجح في مقاومة الرغبة في استخدام الشعارات الوطنية المباشرة التي طبعت الكثير من الأعمال الأدبيّة التي تناولت القضيّة الفلسطينية في السابق. فهو يعرف الفرق بين الموقف السياسي والعمل الفني ويعرف تعبير غسّان كنفاني: «الوطنية التي هي على العين والراس ليست جواز مرور إلى عالم الفنّ إن لم تكن تعتلي صهوة موهبة أصيلة»،[8] ورواية «سادن المحرقة» في نهاية المطاف رواية جميلة مكتوبة من كاتب روائي عنده موهبة فنية.

تبقّى جزء ثالث من ثلاثيّة خندقجي الروائيّة لا يعرف أحد ماذا تتناول أو متى ستصدر كما يقول شقيقه يوسف. من يعرف هو باسم وحده، وباسم الآن موجود في زنزانته الانفرادية في سجن رامون في جنوب فلسطين حيث نقل إلى هناك مؤخرًا.

قد يكون سجن رامون آخر محطّات أسر خندقجي التي جال فيها على معظم سجون الصهيونية فقد يشهد بنفسه نشر وتوقيع الجزء الثالث من الثلاثيّة إذ كان اسمه مدرجًا على قوائم الأسرى في عمليات تبادل الأسرى بين المقاومة في غزة ودولة الاحتلال، وتأخر الإفراج عنه إلى المرحلة الثانية من التفاوض.

حينها يمكن أن يعبر خندقجي بوابة السجن ويترك وراءه الجنود المحققين يصيحون بما صاح به أور شابيرا في الرواية: «أنا جدي لأبي يوسف هندل الذي صعد إلى أرض إسرائيل معطوبًا، أنا جدي لأمي نير شاخت الذي استعاد مجد داود في حرب الاستقلال، أنا جدتي روت التي سكنها شبح جدي يوسف، لم أكن أدرك حينذاك أن حفيد الناجين من المحرقة في داخلي هو من كان يدفعني بشجاعة نحو معارك الدفاع عن حقنا بالوجود في أرض لنا، دولة لا أعلم إذا ما كانت نتاجًا للمحرقة أم هي المحرقة بحد ذاتها».[9]

  • الهوامش

    [1] باسم خندقجي، رواية «سادن المحرقة»، دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2024، ص 14

    [2] المنشورة الأعوام بين 2021-2023 مثل: «الإبادة الفردية في فلسطين المستعمرة»، و «أثر سياسات المعرفة في الخطاب البحثي الأكاديمي».

    [3] باسم خندقجي، سادن المحرقة، دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت ، ص 13.

    [4] باسم خندقجي، سادن المحرقة، دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت ، ص 30.

    [5] Dr. Galit Atlas/Emotional Inheritance: A Therapist, Her Patients, and the Legacy of Trauma/January 25, 2022 by Little, Brown Spark /Page 16

    [6] هذه التفاصيل عن يوم الفوز بالجائزة بحسب ما نقلها خندقجي إلى محاميه أو رواه بعض الأسرى المحررين حديثًا. تحدث فيها إلى حبر شقيق باسم، يوسف خندقجي.

    [7] مثل كتابه: صهر الوعي، أو في إعادة تعريف التعذيب،

    [8] غسّان كنفاني، مقالات فارس فارس، كتابات ساخرة، دار الآداب، ط1، 1996 ص 93

    [9] باسم خندقجي، سادن المحرقة، دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت ، ص 111-112

Comments are closed.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية