في أواخر سبعينات القرن الماضي، ومع انتشار الفرق الموسيقية التي كانت تعتبر مستقلة لأنها لا تقدم محتوى موسيقيًا سائدًا، لفت الأنظار مجموعة جديدة: أربع فتيات جميلات، أنيقات، عصريات يقدمن أغنيات تتميز بخفة الدم الشديدة واللطف المتناهي وسهولة الدخول الى القلب، ويقف خلف الفتيات الأربعة فتى طويل لا يقل وسامة ولطافة عن أخواته، الموسيقي الشاب عزت أبو عوف.
تجربة موسيقية تقدمية، وألحان يحفظها الجميع في مصر وفي دول عربية مجاورة، وأغنيات غير تقليدية وأسرة موهوبة تقدم فنًا مغايرًا، كان هذا الطريق الذي اتخذه الطبيب الشاب الذي غلبه حبه الفن فلم يستكمل مسيرته العلمية المتوقعة وقرر أن يسلك طريقًا مختلفًا ليضع بصمة حقيقية في عالم الفن سواء كموسيقي أو مؤدي أو كممثل وحتى كإداري يدير أحد أكبر المهرجانات السينمائية في العالم العربي.
تعرف جيلي – جيل الثمانينيات – على عزت أبو عوف من خلال أغاني فرقة الفور-إم، وكانت أغنية «لا عاجبه كده ولا كده» وأغنية «الولا ده» من أكثر الأغنيات المعروفة والمحبوبة بين شباب هذا الجيل. في هذا الزمن، كانت فرقة الفور-إم هي الموازي المحلي لتجارب عالمية مثل البيتلز والآبا. فحتى إن اختلف المحتوى الموسيقي كل الاختلاف، إلا إن أعضاء الفرقة كانوا يُقَابلوا باحتفاء رهيب وقدر لا يستهان به من الهوس الجماهيري. هؤلاء الفتيات الجميلات يحملن الميكروفونات في المحافل الشبابية التي يحلم الكثيرون بحضورها، مثل حفلات ملكات الجمال والحفلات على شواطئ العجمي بالإسكندرية وغيرها من أماكن يراها الشباب على شاشات التلفاز ويحسدون الذين ساقتهم حظوظهم لأن يكونوا جزءًا منها، هؤلاء الفتيات الأنيقات وأخوهم الطويل الوسيم الذي رأيناه فيما بعد يجلس على البيانو في أغنية لمطرب حقق نجومية ساحقة وهو عمرو دياب وهو يعزف نغمات أغنيته المعروفة «راجعين».
بعد سنوات من تألق ونجاح فرقة الفور-إم، ظهر عزت أبو عوف مجددًا، هذه المرة كممثل بجانب المطرب الكبير «عمرو دياب» في فيلمه «آيس كريم في جليم» عام 1992، في دور أيقوني لا يشي أبدًا بأنها تجربته الأولى في التمثيل. وعلى الرغم من بساطة الفيلم الذي أخرجه خيري بشارة وعلى الرغم أيضًا من وجود نجم مثل عمرو دياب كبطل للفيلم، إلا أن دور عزت أبو عوف يظل دورًا أيقونيًا يتذكره كل من شاهد الفيلم، ولم ينس الكثيرون كلامه مع سيمون وهو يقول لها «مافيش عيون فقيرة، فيه عيون غبية أو ذكية».
كثيرًا ما يضع عزت أبو عوف – أو يضع صناع الأفلام التي يقوم بأدوار فيه – أجزاء من حياته الحقيقية في شخصيات أفلامه. ففي «آيس كريم في جليم» هو الطبيب الذي ترك الطب من أجل حياة أكثر تحررًا وغير تقليدية. وفي «إسماعيلية رايح جاي»، يقدم قصة اكتشافه لمطرب آخر كما حدثت بالضبط في الواقع. يحكي المطرب المصري محمد فؤاد، الذي حظى بشعبية كبيرة في التسعينيات، أنه كان شابًا بسيطًا يجلس مع أصدقائه أمام بوابة أحد النوادي الرياضية ليجد عزت أبو عوف يمر بسيارته ويتوقف ليسألهم عن الطريق لبوابة النادي، وقتها هتف أحد الشباب للموسيقي المعروف أن صديقهم «صوته حلو» ويحلم بالغناء، لنعرف بعدها أنه احتضن الشاب ودعمه حتى أصبح المطرب المعروف محمد فؤاد.
ظل عزت أبو عوف رائعًا، وسيمًا، ذكيًا في انحيازاته، ولا يتذكر له جمهوره الآن موقفًا فجًا أو سخيفًا أو اختيارًا غير موفق.
شارك عزت أبو عوف في عشرات الأفلام المهمة في تاريخ السينما المصرية، فهو فاروق حسونة، بطل المشهد الافتتاحي لفيلم «طيور الظلام» الذي أخرجه شريف عرفة، وهو رجل الأعمال الغني الذي يضطر لتحمل تصرفات ابنه الذي يقع في حب فتاة فقيرة في «اضحك الصورة تطلع حلوة» أيضًا لشريف عرفة، وهو الأب الحنون الذي يواجه صدمة كبيرة عندما يكتشف حمل ابنته المراهقة في «أسرار البنات» لمخرجه مجدي أحمد علي، وغيرها من الأدوار والشخصيات المهمة وأيضًا الخفيفة والمسلية في تاريخ السينما المصرية.
ومع استكماله لمسيرته الفنية، اشتهر عزت أبو عوف أيضًا بتقديم بعض فقرات أحد البرامج المسائية الذي اشتهر كثيرًا في العالم العربي في السنوات الماضية وهو برنامج «القاهرة اليوم» لمذيعه الأساسي عمرو أديب وبالاشتراك مع مجموعة من الشخصيات العامة التي تقدم فقرات ثابتة في البرنامج على مدار الأسبوع مثل حسين الإمام ورجاء الجداوي وغيرهم. وعلى الرغم من عدم احتكاك أبو عوف بالمشهد السياسي بشكل عام، إلا في مواقف بسيطة مثل رفضه للمشاركة الإسرائيلية في مهرجان القاهرة السينمائي عندما كان يرأس إدارة المهرجان في السنوات بين 2006 و2012، إلا أنه بجانب هذا الموقف قام بتسجيل كلمة حادة وذكية في مقدمة البرنامج مع زميلته المذيعة شافكي المنيري، ليحذر الشعب المصري من أن ينجر إلى الانقلاب على حكم الإخوان المسلمين وقتها، الأمر الذي شرحه في بساطة شديدة قائلًا «اصبر تلات سنين عشان الشرعية تكون معاك، تلات سنين أحسن ما يبقوا 30 سنة»، في إشارة واضحة إلى احتمالية انتهاء تظاهرات الثلاثين من يونيو بسيناريو كابوسي، وهو بالفعل ما حدث. وبجانب وضوح أبو عوف في التخوف من الحكم العسكري، كان الفنان من الأشخاص الذين دعموا ثورة يناير بلا تحفظ، الموقف الذي لم يجده الشباب المصري عند معظم الفنانين والممثلين المصريين.
رحل عزت أبو عوف بعد كثير من الشائعات المتعلقة بمرضه والتغيير الذي لاحظه جمهوره في السنوات الأخيرة، على الرغم من ظهوره الأخير في إعلان رمضاني بجانب عمرو دياب في لقطة يظهر فيها بنفس أناقته ووسامته وإن كان الإرهاق يظهر على وجهه على الرغم من ابتسامته الظاهرية. ظل عزت أبو عوف رائعًا، وسيمًا، ذكيًا في انحيازاته، ولا يتذكر له جمهوره الآن موقفًا فجًا أو سخيفًا أو اختيارًا غير موفق، حتى وإن جاءت بعض أدواره السينمائية والتليفزيونية صغيرة في مساحتها الفنية.
وعلى الرغم من شياكة الرجل المبالغ فيها وتعليمه الراقي الذي لا يستطيع معظم المصريين من الطبقة المتوسطة أن يحلموا به لأولادهم مثلًا، وعلى الرغم من إنجليزيته السليمة وفرنسيته المضبوطة وبذلاته التي قد يساوي ثمنهم دخل موظف في عام كامل، إلا أنه لم يكن بعيدًا عن عالم المصريين بفقره وبؤسه وبساطته. يأتي أبو عوف من طبقة تثير الانبهار لدى عموم الشعب المصري، إلا أنه ظل قريبًا من قلوبهم، لا يشعرون بالغربة تجاهه، فيدعون له حيًا وميتًا. رحل عزت أبو عوف، ورحل جزء عزيز ولطيف من الفن المصري والعربي من الصعب تعويضه، ومعه جزء كبير من ذكريات هذا الجيل. ولا يسعنا الآن سوى أن نتذكر كم كان كريمًا وجميلًا وذكيًا وموهوبًا، ونتمنى أن يكون في مكان أفضل.