هذه القائمة جزء من سلسلة «على هامش الحرب: كتب عن فلسطين».
كيف كانت الحياة في أرض فلسطين قبل أن تطأها أقدام الصهيونية وتغيّر فيها وتشّرد أهلها؟ يمكن أن تقدّم مجموعة الكتب المقترحة هذه جوابًا على هذا السؤال.
تناول بعض هذه الكتب بالبحث أحوال البلاد الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصادية في الفترة بين القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ووقف بعضها عند الفترة التي دخل فيها الاحتلال البريطاني أو الصهيوني، فيما تعدّى ذلك بعض هذه الكتب وغطّى بالبحث ما بعد النكبة العام 1948 راصدًا ومحلّلًا التغيّر القسريّ الذي أحدثه الاحتلال الصهيوني في البنى الاجتماعيّة والاقتصادية وحتى العمرانيّة.
تشمل كتب هذه القائمة حال المدينة الفلسطينية، خاصّةً الساحليّة منها، ويتناول بعضها المنطقة الجنوبيّة الصحراوية من فلسطين الأقل دراسةً مقارنةً بباقي المناطق الفلسطينية، ويتناول كتاب واحدٌ على الأقلّ حال مدينة القدس عاصمة فلسطين لطبيعتها الفريدة بين باقي المدن الفلسطينية بما حوتهُ من حياة مدينيّة ضمّت فيها عدّة قوميّات من آسيا وإفريقيا وأوروبا، وأديان عدّة، إسلاميّة ومسيحيّة ويهودية.
المدينة الفلسطينية: قضايا في التحولات الحضرية
مجموعة مؤلفين،* تحرير: مجدي المالكي وسليم تماري
مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2021
تقدّم أبحاث هذا الكتاب سيرة تطوّر المدينة الفلسطينية وعلاقتها بأحداث سياسيّة فارقة من عمر المنطقة والعالم منذ المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر بعد تطبيق الإصلاحات في الدولة العثمانية المعروفة بالتنظيمات، وانتهاء الحرب العالميّة الأولى وحكم الدولة العثمانيّة ودخول الاحتلال البريطاني، ومن ثمّ توسّع الهجرة الصهيونية إلى فلسطين في بدايات القرن العشرين.
مثل أيّ مدينة في العالم، لم ينفصل تطوّر المدينة الفلسطينية عن سياق التحولّات الاجتماعية لسكّانها وقد برزت المدن، خاصةً الساحلية منها، بصفتها تحمل تشكيلات مدينيّة ووجهًا جديدًا لحداثة المجتمع الفلسطيني.
تربط بعض أبحاث الكتاب بين التوسّع العمرانيّ في المدينة الواحدة وشكل التنظيم داخل الدولة العثمانية، كما في مدينة القدس التي توسّعت عمرانيًا خارج أسوار المدينة القديمة مع تشكيل بلدية القدس كثاني بلدية أنشئت في الدولة العثمانية بعد إسطنبول. ويقدّم بحث آخر في الكتاب علاقة سياسة الدولة العثمانيّة في توطين البدو في فلسطين بنشوء مدينة بئر السبع كأول مدينة مخططة في فلسطين أوائل القرن العشرين. فيما توصل بحث في الكتاب إلى أن المدينة العربية الفلسطينية تميّزت بكونها نمت في حالة صراع دائم مع الاستعمار البريطاني ومن ثم الحركة الصهيونية، وقد وصل هذا الصراع ذروته سنة 1948.
لا تقف بعض أبحاث الكتاب في رصدها تحولات المدينة الفلسطينية عند النكبة؛ إنما تناول بعضها أثر كل من النكبة والنكسة على شكل المدينة والتطور الاجتماعي والثقافي فيها، يمكن اختصار سيرة هذا التحوّل في هذه الفترة بالقول إن النكبة بما رافقها من تمزيق النسيج الاجتماعي والاقتصادي وتدمير المؤسسات الفلسطينية وتحويل أكثر من نصف الفلسطينيين إلى لاجئين قد غيّر من شكل المدينة الفلسطينية، وباختصار، كما يخلص أحد أبحاث الكتاب، فقد رافقت نكبة الفلسطينيين نكبة أخرى للمدينة الفلسطينية.
موسوعة حيفا الكرملية: حيفا وقضاؤها 1750-1948
علي حسن البوّاب
دائرة المكتبة الوطنية، عمان، 2009
تكاد تكون هذه الموسوعة -التي جاءت في جزأين- أشمل كتاب يكتب عن حيفا، فقد تجاوزت كتبًا أخرى تناولت حيفا مثل كتابات مي صايغ، ومحمود يزبك، وزهير غنايم، أولًا لأنها لم تقتصر على تناول حيفا المدينة كما درجت العادة، إنما تعدّاها لتناول القرى والخرب والمزارع فيها التي بلغ عددها العشرات قبل النكبة.
وهي الأشمل كذلك لاعتماد مؤلفها على سجلات محكمة حيفا، ودفاتر الأراضي، وملفات الأوقاف، وما كتب عنها سابقًا من مصادر عثمانية، ودراسات أكاديمية، وما نشر في صحفها، بالإضافة إلى مقابلته كبار السنّ في مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن من أبناء المدينة وجوارها.
يشمل الكتاب فصلًا خاصًا بسكّان قضاء حيفا من البدو والتركمان وتعداد عشائرهم وأصولهم وعلاقتهم بالدولة العثمانية وحركتهم. وشمل كذلك فصولًا أخرى عن قطاعات المدينة: مثل القطاع الصحيّ الذي أحصى فيه المستشفيات والمستوصفات والعيادات الخاصة والصيدليات، والاقتصادي مثل إحصائه الشركات والبنوك وحركة الملاحة في مينائها، والحياة الثقافيّة من السينمات والصحف والمسارح.
تقدّم هذه الموسوعة الشكل الإداري للمدينة وعلاقتها بما حولها في الفترة العثمانية، ومكانتها الاقتصادية كمدينة ساحلية ورث مينائها مكانة ميناء ساحليْ عكّا ويافا وتحوّلها «إلى مدينةٍ مرفئيّة صناعيّة في عشرينيات القرن الماضي».
ويعتمد الكتاب على شكل السردٍ التفصيليّ بالإضافة إلى احتوائه على تحليل مبسّط في مقدمّات فصوله. ويقول البواب عن سبب هذا الاهتمام بالتفاصيل عن حيفا «أنها من المدن القليلة في العالم التي تعرضت لحملة تطهير عرقي شاملة تبعته عملية تغيير معالم المدينة بشكل كامل».
الفلسطينيون المنسيّون: عرب النقب 1906-1986
غازي فلاح
مركز إحياء التراث العربي، 1989
لم يحظَ الجزء الجنوبيّ من فلسطين التاريخية الذي يضمّ النقب وبئر السبع بالدراسة الوافية بالمقارنة مع بقية أجزاءها من المدن، مع أنه يشكّل زهاء نصف مساحتها التاريخية وحدوده تمتد بين خليج العقبة والبحر الميت وجنوب غزة والحدود الفلسطينية المصرية.
للوهلة الأولى قد يوحي الطابع البدويّ لهذه الجهة من فلسطين بأنها منطقة صحراوية تسكنها تجمعات بدويّة غير مستقرّة، لكن هذا الكتاب يذهب إلى غير ذلك ويثبت أن حياةً بدويّةً مستقرّة وتتسم بتطور اقتصادي وسياسي طبعت سكّان هذه الجهة، قبل أن تنتهي مع النكبة العام 1948.
يدحض المؤلف في هذا الكتاب كتابات كتّاب وأكاديميين إسرائيليين كُتبت قبل النكبة شكّلت مصدرًا رئيسيًا للدعاية الصهيونية في الغرب ادعت أنّ جزءًا كبيرًا من جنوب فلسطين خال من السكان أو أن سكّانه الأصليين لا يستطيعون استغلاله بسبب حياة البداوة التي تقتصر على سلسلة من النزاعات مع الفلاحين والقبائل البدوية الأخرى، مثل كتابات: إلياهو ابشتاين 1937، وأرلوزورف 1937، وروبين 1936، حيث يشير الأخير إلى أنه كان على «الطلائعيين» اليهود في استعمارهم فلسطين محاربة البدو والملاريا.
يستفيد المؤلف من كتابات سابقة مثل مثل كتاب عارف العارف «تاريخ بئر السبع وقبائلها»، وبيانات الإحصاءات في الدولة العثمانية، والحكومة البريطانية فترة الانتداب وأبحاث وكتب عبّرية، ومصادر محليّة، متخذًا منهج البحث في الجغرافيا التاريخية والجغرافيا السياسيّة ليدحض هذه الدعاية ويصل إلى نتيجة مفادها أن بدو النقب ومع أن كونهم يسكنون منطقة صحراوية فإن 90% منهم كانوا يعملون في الزراعة، في حياة تتسم بالاستقرار، وأن عشائر المنطقة لم تكن منفصلة عن النشاط السياسيّ لعشائر بقيّة مناطق فلسطين.
غزّة التاريخ الاجتماعي تحت الاستعمار البريطاني 1917-1948
أباهر السقّا
مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 2008
كانت غزة -إحدى أقدم مدن التاريخ- بوابة آسيا نحو إفريقيا وبالعكس، ومركز تجارٍ كبار من فرنسا أقاموا فيها، وضمّت قنصليات فرنسيّة ونمساوية وإيطالية وإنجليزية لرعاية مصالح التجارة وتسهيل تجارتهم بين آسيا وأوروبا في القرن السابع عشر.
ومع ذلك، لم تحظَ المدينة بالدراسات التي تتناول التاريخ الاجتماعي وتحديدًا تلك التي تعنى بعمليات التحديث في المدن الفلسطينية وأدوارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الحقبة التاريخية التي سبقت النكبة، مثل باقي المدن الساحلية الأخرى، ما دعا المؤلف إلى تأليف هذا الكتاب.
يعتمد المؤلف على أوراق عائليّة -فهو من عائلة غزّاوية- وعلى المذكرات واليوميات، ومصادر أرشيفية لبلدية غزة -التي دمرها الاحتلال مؤخرًا في حربه على المدينة- وعلى وثائق المحاكم الشرعية، وأرشيفات مكتبات فرنسية وبريطانية.
تبدأ الفترة التي يغطيها الكتاب بالبحث منذ العام 1893، وهو عام تأسيس أول مجلس بلدي في المدينة، لكنه يُركّز أكثر على دراسة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المدينة في فترة الحكم الاستعماري البريطاني 1917-1948.
يقدّم الكتاب معلومات مهمّة في بداياته عن تاريخ غزّة القديم، وفي الفترة العثمانية، ثم دور القنصليات الأجنبيّة فيها، وفترة الاحتلال البريطاني، وبدايات اهتمام الحكومة البريطانية فيها كمدينة تشكّل بوابة فلسطين، حيث عملت على دراسة المدينة عبر أدوات مثل عمليات الإحصاء، وتصويرها مبكرًا، ومن ثم محاولة السيطرة على مجالس بلديتها عبر سنّ قوانين جديدة لتعيين أعضاء المجلس.
انقلب مجتمع المدينة على هذه السُلطات من خلال إنشاء مؤسسات موازية للمؤسسات الاستعمارية، مثل إنشاء مستشفيات ومدارس وجمعيات تضامن، ليصر المجتمع في غزة «على تطوير مؤسسات أصيلة منغمسة في مجتمعها ومعبرة عن تضامنها في جسد اجتماعي موحد ضد عدو اجتماعي آخر».
القدس 1900
فانسان لومير، ترجمة غازي برو
دار الفارابي، بيروت، 2015
قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين تحت حجة الانتداب وقبل تأسيس الحركة الصهيونية نهايات القرن التاسع عشر، كانت مدينة القدس منذ مئات السنين تجمع في أحيائها المسلمين والمسيحيين واليهود يعيشون بنوع من التوازن داخل المجتمع الحضري المقدسي يتخلّله نزاعات طائفية، لكنها استفحلت منذ عشرينات القرن الماضي مع قدوم البريطانيين.
يطرح المؤلف سؤالًا: لماذا واجه هذا التوازن الهشّ بين مختلف الطوائف التي تعيش في المدينة انهيارًا سريعًا في زمن الانتداب البريطاني؟ ليجيب باختصار بأن السياسة البريطانية أدت إلى «تعطيل جميع الأنظمة الخفية للتوازنات السابقة وألحقت الضرر بلا عودة بالتماسك الحضري» وأن سبب هذا الانهيار للتوازن الخفيّ بين الطوائف يعود بشكل رئيسي إلى أسباب جيوسياسية خارجية، وبشكل أقل إلى أسباب داخليّة.
يضع المؤلف نقطة تصدّع هذا المشترك الديني بين هذه الطوائف في اللحظة التي استولى فيها الجيش البريطاني بقيادة اللنبي العام 1917 على المدينة، ومن ثم إرساء الانتداب العام 1922، فبدلًا من تشجيع التعبير عن حالة الوعي الحضري في المدينة عمل على تفتيت الهويات الطائفية فيها، مثل وضعه قواعد إدارية جديدة للتعيينات في مؤسسات المدينة مثل غرفة تجارة وصناعة القدس التي كانت قد تأسست العام 1909 من رجال أعمال ينتمون إلى الطوائف الثلاث، أو بلديّة القدس التي تضم طوائف مسيحية ومسلمة ويهودية سيّرت شؤون المدينة طوال سبعين عامًا حتى العام 1934.
تكمن أهمية الكتاب في أن مؤلفه يأتي من المؤسسة الأكاديمية الغربيّة ناقدًا لها، فهي مؤسسة اعتمدت طوال سنوات في الكتابة عن مدينة القدس في فترة نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين على مصادر مثل أدب الرحلات والحّجّاج ومحفوظات القنصليات، وهي مصادر أما تأخذ طابعًا استشراقيًا متعاطفًا أو تتجاهل للواقع المحليّ، وساعدت على إعطاء تصور مغلوط عمّا كان عليه واقع المدينة قبل الحرب العالمية الأولى، وهو تقليد اعتمده كذلك مؤرخون إسرائيليون.
يقول المؤلف: «لقد آن الأوان اليوم لرفع الحجاب عن تاريخ آخر للقدس في أوائل القرن العشرين» وهذا ما يُحاول الكتاب تقديمه.
* المؤلفون: مجدي المالكي، سليم تماري، خالد زيادة، راسم خمايسي، عادل منّاع، أحمد أمارة، همت الزعبي، ليزا تراكي. جاد ثابت، عبد الحافظ أبو سريّة، جاك برسكيان، خلدون بشارة، سليم أبو ظاهر، فرانشيسكو أموروسو، جاودة منصور، أتشاتشو دومينغيز دي أولازابال، نسرين مزاوي، باسل ريان، أحمد حنيطي، وئام حمودة.