بعد مرور سنة من حرب الإبادة على قطاع غزة؛ أراد منها الاحتلال إبادة الأجساد وقتل الإرادة، يخرج من كان يفترض أنهم كُسروا بأكبر آلة تدمير في العصر الحديث ليكتبوا عمّا جرى. أرسل بعضهم خلال أشهر الحرب كتاباته إلى دور نشر فلسطينية ولبنانية لتجد طريقها إلى النشر، وساهم آخرون في شهادات ضمن كتب مشتركة، منهم كتّاب كانوا أطفالًا قبل الحرب، وصاروا بالغين بعدها، والآن تشارك هذه الكتب في معرض عمّان الدولي للكتاب.
بشكل عام، طبعت أخبار حرب الإبادة على قطاع غزّة، ومن ثم توسعها إلى لبنان، على المزاج العام في المنطقة؛ نشرات أخبار، وأخبار عاجلة، ومتابعات سريعة. كذلك الأمر، حاول كتاب وباحثون رصد أثر هذه الحرب على القطاع والمنطقة، وأصدروا كتبًا تتناول ما يجري. هذه قائمة قراءة لكتبٍ عن غزة صدرت في أشهر الحرب.
ليست كل دور النشر مشاركة في هذه الدورة، إذ يأتي المعرض بعد أيام قليلة من معرض الرياض ذي القوة الشرائيّة الكبيرة الذي يفضّله الناشرون، وقد أرسلت بعض دور النشر مؤلفاتها مع دور نشر أخرى، لهذا قد يحتاج البحث عن إصدارات دار نشر معيّنة إلى البحث كثيرًا في رفوف دور نشر أخرى.
لا سلام لفلسطين: الحرب الطويلة ضد غزة[1]
هِلغى باومغَرتن، ترجمة محمد أبو زيد
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، كانون الأول 2023
لكل كتاب قصته، وقصة هذا الكتاب وليدة التأثّر بالمقاومة الفلسطينية ضد عنف الاحتلال والتطهير العرقي شرقي القدس، وردة فعل على حرب «إسرائيل» ضد البشر في قطاع غزة، كما تقول الأكاديمية الألمانية هِلغى باومغَرتن، وهي أستاذة العلوم السياسية سابقًا في جامعة بيرزيت لأكثر من ربع قرن ومؤلفة عدة كتب عن فلسطين.[2]
أُنجز جزء من الكتاب بعد معركة سيف القدس عام 2021، وأُكملت بعض فصوله بعد السابع من أكتوبر، وهو يقدّم للقارئ الأحداث السابقة على ما يجري اليوم في غزة مع فكرة أساسية مفادها أن ما يجري لا يرتبط بوجود حكومة بنيامين نتنياهو منذ تشرين الثاني 2022 إنما هو امتداد لنهج حكومة بينيت-لابيد، أي أن ما يجري في غزة ليس حصيلةً لعدم وجود «شريك سلام» في المنطقة- كما يُروج له حتّى عربيًا- إنما هو نهج في عقيدة دولة الاحتلال.
بدأت فكرة الكتاب يوم أعطت المؤلفة مقابلة صحفيّة مدتها أربع دقائق لمجلة الظهيرة في قناة التلفزة الألمانية الثانية (ZDF) خلال أحداث معركة سيف القدس، لتنهال عليها اتصالات الشكر من المؤيدين لفلسطين في ألمانيا، ربما تفاجأوا أو لم يتوقعوا -كما تقول- أن يوجه شخص في التلفزيون الألماني مثل هذا النقد إلى الاحتلال.
تعتبر المؤلفة أن موقف ألمانيا من فلسطين موقف متكرر تاريخيًا، ليس في الجانب الرسمي الذي يلوم الضحية فحسب، إنما كذلك على مستوى النخب، مثلما حصل من اتهام فنانين فلسطينيين بمعاداة السامية ومنهم الفنان الفلسطيني محمد الحواجري صاحب لوحة «غرنيكا غزة» التي عرضت الهجمات الجوية المدمرة للجيش الإسرائيلي على القطاع في معرض دوكومنتا في مدينة كاسل.
من أجل إعطاء صورة واضحة ترجع باومغَرتن إلى الوراء لتقدم سياقًا تاريخيًا لما يجري منذ العام 1948 في فلسطين عامة، وفي غزة خاصة، معتبرة أن «إسرائيل أقامت نظامًا استعماريًا استيطيانيًا في كامل المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن»، وهذه حقيقة يعني الاقتناع بها تهمة كبيرة في ألمانيا.
غزة تروي إبادتها: قصص وشهدات
مجموعة مؤلفين، تحرير أكرم مسلّم وعبد الرحمن أبو شمالة
مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2024
في أجنحة دور النشر الفلسطينية واللبنانية يمكن العثور على مؤلفات أدبية كتبها أبناء قطاع غزة خلال هذه الحرب. في أحد الأجنحة تُعرض ثلاثة كتب أدبية، يشير الموظف في الجناح إليها قائلًا: «هذه طالعة من الخيمة».
يبدو أن شبابًا صغارًا واصلوا الكتابة في القطاع رغم القصف والنزوح وقلّة الأكل، وهذا الكتاب يجمع في جزء منه شهادات من أبناء القطاع، جزء منه نصوص أدبيّة وأخرى شهادات واقعية على ما يجري منذ سنة. يقدّم الكتاب تفاصيل لا تطالها نشرات الأخبار والعواجل، وفيه حيز متأنٍ تروى فيه تفاصيل المذبحة، مثل اللحظات السابقة على مجزرة دواري الكويتي والنابلسي حين تجمّع الناس للحصول على الطحين فقصفتهم طائرات الاحتلال، وكان بينهم روائي من شمالي قطاع غزة ومحاضر جامعي هو يسري الغول.
هناك الكثير من الشهادات التي كتبها نازحون، بعضهم صغار في سن الثامنة عشر، وبعضهم جاوز الخمسين، ومنها كذلك شهادات أسرى لدى الاحتلال مثل آلاء نصار التي تروي تفاصيل أسرها من بين أطفالها في مركز الإيواء وتفاصيل الرحلة التي قضتها معصوبة العينين ومكبلةً على ظهر آلية عسكرية إلى معسكر «عانتوت» في القدس.
يحتوي الكتاب على نصوص أدبية، من أبرزها نصّ للشاعر الشاب حيدر غزالي يقول فيه: «سيأتي موظف الإحصاء/ يكشف عن الشوارع والبيوت / وبقلم جاف/ يسجل خسائرنا ويرحل/ دون أن يرى قلبي/ سيأتي موظف الإحصاء، يكشف عن الشوارع والبيوت/ ويتركني أعد خسائري على كفين بلا أصابع».
آثار غزّة وحرب التاريخ
حسام أبو النصر
دار الفينيق للنشر والتوزيع، 2024
حسام أبو النصر هو ممثل فلسطين في اتحاد المؤرخين العرب، ويعمل منذ أكثر من عشرين عامًا في مجال توثيق الآثار والمخطوطات في قطاع غزة، وأثر الحروب عليها، مثل حربيْ العامين 2008 و2014، وها هو يواصل عمله في هذه الحرب أيضًا رغم تواجده خارج القطاع.
يقدم أبو النصر في الجزء الأول من الكتاب نبذة عن التاريخ السياسي لقطاع غزة، منذ العصر الحجري القديم الأدنى وحتى ما بعد حرب حزيران 1967، ثم يعرض المعالم الأثرية والدينية التي تركتها الحضارات في القطاع.
من ميزات الكتاب تقديمه في الجزء الأوّل كشفًا تفصيليًا بأسماء الأماكن التاريخية والأثرية المستهدفة، وتاريخ الاستهداف وشكله والضرر الحاصل عليها في الحروب السابقة، ثم يُدرج في الجزء الثاني كشفًا مشابهًا ولكنه مخصص للمواقع المستهدفة بعد السابع من أكتوبر، حيث دمّر الاحتلال 70% من المعالم الأثرية والتاريخية في القطاع بما فيها المساجد والكنائس والمكتبات التاريخية مثل مكتبة العبّاس التي تضم كتبًا حجرية وبعض المخطوطات التاريخية، و المقامات مثل مقام النبي يوسف في بيت لاهيا، والمتاحف مثل متحف قصر الباشا، والأراشيف الإدارية مثل سجلات المحاكم الشرعية.
في نهايات الكتاب الذي ربما يكون التوثيق الأبرز والأشمل لإبادة آثار وتاريخ غزة- يتحدث المؤلف عن مسألة ترميم هذه الآثار، وارتباطها بموضوع إعمار قطاع غزة، ويقدم كذلك طرق ترميم وصيانة المواقع الأثرية والتاريخية، سواء تلك المدمرة كليًا أو جزئيًا.
غزة: حرب الانتقام المسعورة
مجموعة مؤلفين
مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2024
عبر مجموعة من أوراق السياسات، وفي 900 صفحة شارك في تأليفها 65 كاتبًا وباحثًا، يحلل هذا الكتاب الحرب على قطاع غزة في سبعة محاور تناولت أثر الحرب على مرافق الحياة في غزة، ومآلات المشروع الصهيوني، والمواقف الدوليّة والإقليمية تجاه الحرب على غزة ومنها الدور اللبناني واليمني والإيراني، وعلاقة الهند و«إسرائيل»، وتأثير الحرب في موازين القوى، وعمل المنظمات الإنسانيّة، وإعادة الإعمار بعد الحرب، والكلف المستقبلية المتوقعة على الاقتصاد الإسرائيلي.
يقدم أحد محاور الكتاب تحليلًا لمواقف الدول وسياساتها إزاء حرب غزة مثل الموقف الأمريكي من فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، الذي يصل مؤلفه ماهر الشريف بالاعتماد على تحليل مواقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة إلى نتيجة مفادها أن دعوات حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية ما هي إلا مناورة أمريكية.
كما يتناول الكتاب كذلك تحليلًا للموقف الفرنسي المتخبط إزاء غزة والمنطقة، والشد والجذب التركي الإسرائيلي بين التصعيد في الإعلام والتمسك بجسور تجارية واقتصادية، ودور الولايات المتحدة إزاء ما تسميه حرية الملاحة في البحر الأحمر منذ العام 2005 بحجة محاربة القرصنة، وعلاقة «تحالف الازدهار» بموضوع التجارة.
-
الهوامش
[1] هِلغى باومغَرتن، سلسلة ترجمان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ترجمة محمد أبو زيد، مراجعة عصام سليمان، ط1، كانون الأول 2023.
[2] مثل: من التحرير إلى الدولة: الحركة الوطنية الفلسطينية 1948-1988(2006)، جمهورية ألمانيا الاتحادية والفلسطينيون والشرق الأوسط (2009) وتقيم في القدس.