مع تحوّل شهر رمضان إلى موسم يُقدّم فيه صناع المحتوى التلفزيوني أفضل ما لديهم، بات لدى المشاهدين في العالم العربي خيارات كثيرة جدًا للانتقاء بينها. لكن هذه الوفرة من المحتوى تجعل من العسير على أيٍ منّا الإحاطة بما يُنتج، وربما يفوت الكثير منّا مشاهدة ما قد يكون ضمن خانة المحتوى الذي يحبون مشاهدته، ولذا طلبنا هذا العام من مجموعة من كتاب حبر أن يقترحوا علينا مسلسلات يتابعونها ويرون فيها ما هو جدير باقتراحه على الجمهور مع بيان سبب هذا التفضيل.
حرصنا في القائمة على أن يكون في القائمة مقدار من التنوع، رغم أن المسلسلات المصرية حظيت بنصيب وافر من المقترحات، إلّا أن مقترحات من السعودية وسوريا قد أسعفت القائمة. كما يلاحظ في القائمة تواجد مسلسلات تنتمي لنوع برز حضوره في الموسم الرمضاني في السنوات الأخيرة، وهي المسلسلات المكوّنة من 15 حلقة، والتي كان نصيبها من مجمل إنتاج هذا العام لافتًا.
يلاحظ أيضًا أن القائمة المقترحة شهدت العديد من المسلسلات التي تسلّط الضوء على قضايا اجتماعية، وكان للنساء حضور بارز فيها. كما أن الكوميديا حضرت بقوة في المقترحات، وإن لم تكن المسلسلات كوميدية بالضرورة.
قلبي ومفتاحه
تامر محسن، 15 حلقة
أحمد عبد المنعم
قبل أربعة أعوام عُرض المسلسل المصري (لعبة نيوتن) للمخرج تامر محسن ضمن أعمال الموسم الرمضاني وأثار حينها الكثير من الاهتمام والجدل، وهي سمة جمعت أغلب أعمال تامر محسن بداية من مسلسله الأول (بدون ذكر أسماء). يعود تامر إلى الموسم الرمضاني هذا العام عبر مسلسل (قلبي ومفتاحه)، وكعادته كتب تامر المسلسل بنفسه، وبمشاركة مها الوزير.
رغم طبيعة العملين شديدة الاختلاف، حيث كان (لعبة نيوتن) مفعمًا بالإثارة والدراما، بخلاف (قلبي ومفتاحه) الذي يبدو أكثر خفة ورومانسية، إلا أن ثمة ما يجمع العملين، فكلاهما يدور حول صراع بين رجلين وبينهما امرأة هي محور الصراع، وتظهر في خلفية الأحداث بعض الأفكار الدينية والقضايا المجتمعية -الخاصة بمنظومة الزواج تحديدًا- التي يعيد العمل طرحها للتساؤل والنقاش بشكل ما.
في المسلسل الجديد يعرض تامر محسن رؤية جديدة لفكرة قديمة، فكرة الطلاق المتكرر واللجوء للمحلل، وهي ثيمة دأبت السينما المصرية وكذلك المسرح على تقديمها، وربما أول تناول شهير لها كان في فيلم (طلاق سعاد هانم) لأنور وجدي، إلا أن تامر يحاول في عمله أن يتجاوز المفارقة الكوميدية والرومانسية المعتادة للوصول إلى ما هو أبعد، من خلال عرض عصري وغرائبي للفكرة، على خلفية تحوّلات المجتمع. البطل في (قلبي ومفتاحه) من سكان وسط المدينة القدامى، مستواه المادي لا يتناسب مع مستواه الاجتماعي، في مقابل البطلة التي تُمثّل نموذجًا عكسيًا، ولكنها كعادة الكثير من نساء أعمال تامر محسن تقع فى مأزق لأسباب اجتماعية فتلجأ إلى الحيلة والتلاعب في محاولة الخروج منه.
يحرص المسلسل على التنقل بين وسط المدينة التقليدي وشارع اللبيني على أطراف الجيزة. وعبر هذا التنقل نستطيع تتبع التغيرات الاجتماعية -والفكرية أيضًا- التي طرأت على العديد من شخصيات المسلسل، خصوصًا الأقل سنًا، وأغلبهم ينتمي إلى الطبقة المتوسطة أو فوق المتوسطة، ولكن باختلافات وتناقضات واضحة فيما بينهم، فماذا سيصنع تامر محسن بهذه التركيبة الثرية؟ وهل يستطيع أن يرسم لوحة أكثر عمقّا لتلك الفكرة المعتادة؟
يتمتع هذا العمل بطاقم تمثيلي مثير للاهتمام، حيث يقدم لنا آسر ياسين في دور شاب بسيط، ولذا يضطر أن يُنحّيَ طلته البراقة جانبًا ليبدو أكثر عادية، كما تظهر مي عز الدين في دور امرأة تأرجحت اجتماعيًا بين طبقتين وتركت هذه الرحلة آثارها على شخصيتها وسلوكها. هذا بالإضافة إلى اثنين من أصحاب المواهب اللامعة وهما أشرف عبد الباقي ودياب، كما يشهد المسلسل عودة محمود عزب الذي يمثل جزءًا أساسيًا من الإرث الكوميدي لأبناء جيلي.
ظلم المصطبة
هاني خليفة، 15 حلقة
أحمد عبد المنعم
بما أن المسلسل السابق سيُعرض في النصف الأول من شهر رمضان، فلقد اخترت مسلسلًا آخر من الأعمال التي ستعرض في نصفه الثاني، وهو ( ظلم المصطبة) للمخرج صاحب البصمة المميزة هاني خليفة، والذي عاد فى السنوات الأخيرة إلى نشاطه وإبداعه سواء فى السينما أو التليفزيون حيث قدم في العام السابق فيلم (رحلة 404) ومسلسل ( بدون سابق إنذار).
لجأ هاني هذا العام إلى مؤلفي العملين السابقين، محمد رجاء وإسلام حافظ، ليتعاونا في كتابة سيناريو وحوار المسلسل الجديد. لا أعرف هل هي مصادفة أم لا أن اختياري الثاني أيضًا يستعرض صراعًا بين رجلين وبينهما امرأة، ولكن بنكهة مختلفة، أكثر درامية وربما أكثر قتامة، كما أن طاقم العمل يبشر بعمل يجنح إلى واقعية دون غرابة، سواء من معرفتنا بأعمال هاني خليفة السابقة، أو صاحب القصة المخرج والمؤلف أحمد فوزي صالح.
يقوم بالأدوار الثلاثة الأساسية كل من إياد نصار وفتحي عبد الوهاب وريهام عبد الغفور، في تركيبة تبشر بمباراة تمثيلية بين ثلاثة من أبرز المواهب في جيلهم، مباراة تستحق المشاهدة وتنبئ بمتعة تتبعها.
وبخلاف المسلسل الأول تدور أحداث هذا العمل خارج حدود العاصمة، في مجتمعات أكثر ريفية، حيث تبدأ القصة من إيتاي البارود في البحيرة ثم ينتقل الأبطال في رحلة عبر عدة محافظات سواء فى الدلتا أو الصعيد المصري، ويعرض من خلال هذا الصراع وتلك الرحلة نظرة إلى هذه المجتمعات وتقاليدها، بما في ذلك ما يسيطر عليها من أحكام عرفية تفوق في قوة حضورها القانون وربما الشريعة نفسها، إضافة إلى سطوة الشيوخ وكبار العائلات، وما تتعرض له النساء من قهر في ظل هذه البيئة.
استوحى صُنّاع العمل اسمه من المثل الشعبي (ظلم المصطبة ولا عدل المحكمة)، ولكنني لم أحب اسم المسلسل ولم أستسغه كثيرًا، غير أن معرفتي بتاريخ صانعيه يزيد من أملي في مشاهدة عمل يخوض في أغوار المجتمع مستندًا إلى نظرة واقعية، بكل ما في الواقع من قسوة، دون رومانسية زائفة، ولكنها نظرة لا تخلو من لمسات فنية لافتة، أو هكذا أتوقع وأنتظر.
أهل الخطايا
رؤوف عبد العزيز، 15 حلقة
أفنان أبو يحيى
ليس مسلسل (أهل الخطايا) أحد المسلسلات الأكثر شهرة، إلا أن الحلقات الأولى منه والتي تتناول أحداثُها عالم السحر والجن كانت كفيلة بلفت الأنظار إليه. يلعب الممثل السوري جمال سليمان دور البطولة في المسلسل، وسبق له أن مثّل من قبل باللهجة المصرية، وكان أول حضور له في الدراما المصرية عام 2006 في مسلسل حدائق الشيطان.
شكّل هذا المسلسل ثاني تعاون لسليمان مع المخرج رؤوف عبد العزيز بعد مسلسل الطاووس في موسم دراما رمضان 2021، وإلى جانبه، تشارك في البطولة كل من سوسن بدر ورانيا يوسف ومحمد ثروت وأحمد فهيم ومغني المهرجانات إسلام كابونجا وغيرهم. فاجأ المخرج عبد العزيز متابعي المسلسل باختيار ابتهال «سال دمعي» للشيخ نصر الدين طوبار كشارة للمسلسل، تماشيًا مع الأجواء الإيمانية في شهر رمضان من ناحية، ومع أحداث المسلسل التي تبدأ من صبيحة يوم عيد الأضحى من ناحية أخرى.
يشهد هذا اليوم أولى جرائم القتل التي تحدث تباعًا، وهي جرائم ذُكِر في بداية المسلسل أنها مستوحاة من قصص حقيقية هزت الرأي العام، أبرزها جريمة سفاح التجمع وجريمة الدارك ويب وغيرها من الجرائم التي ستكشف عنها الحلقات التالية. تدور القصة حول مواجهة محتدمة بين الأخ الأكبر للعائلة «نوح» والذي يجسده جمال سليمان و«ضرغام» الذي يجسده محمود السراج، وبعد أن يقرر الأول قتل الثاني لاتهامه بذبح الطفل يوسف ابن أخيه، تبدأ شياطين ضرغام الذي يتعامل مع الجن بالانتقام عبر ملاحقة عائلة نوح واستهدافهم.
يعكس المسلسل أزمات إنسانية مؤثرة حول حلم الأمومة أو السعي للخروج من حالة الفقر أو البحث عن شريك الحياة، إلا أن هذه القضايا تزداد تعقيدًا عندما تترافق مع تورط الشخصيات في خطايا كبيرة ظنوا أنها ستغير حالهم للأفضل لكنها تمهد طريقهم نحو حتفهم، في حين تتقاطع هذه الجرائم جميعها مع قصة الكنز المدفون أسفل بيت العائلة والذي يشكل نبشه نقطة خلاف بين الإخوة.
يعيد هذا المسلسل للذاكرة مسلسل (السبع وصايا) والذي عرض في رمضان 2014 وتدور أحداثه حول ثيمات متشابهة عولجت في قصة سبعة أشقاء اتفقوا على قتل والدهم واختفت جثته ثم تعيّن عليهم تنفيذ سبع وصايا لكي تظهر جثته ويحصلوا على الورثة، إلا أن (أهل الخطايا) أراد أن يحكي كثيرًا من القصص ضمن قصة واحدة وفي 15 حلقة قدمت كل منها أحداثًا متسارعة للغاية، وهو ما وجده البعض غاية في الإثارة والتشويق، في حين أفقد المسلسل كثيرًا من التفاصيل وجعل حبكته غير متينة نسبيًا.
يا أنا يا هي
فادي وفائي، 30 حلقة
أفنان أبو يحيى
بدأت قناة رؤيا بعرض مسلسل (يا أنا يا هي) ضمن فترتها اليومية ساعة كوميديا. العمل من بطولة الممثلة الأردنية أمل الدباس والممثلين السوريين أمل عرفة وعاصم حواط، بمشاركة ضيوف الشرف، جمال العلي وعبدالمنعم عمايري وغادة بشور وغيرهم. أخرج المسلسل السوري فادي وفائي والذي عرف بأعماله في مسلسل الاجتياح (2007) وأبو الطيب المتنبي (2002).
يروي المسلسل قصة عاملة المنزل ناديا (أمل عرفة) المقيمة في سوريا والتي تخشى خسارة عملها وامتيازاته بعد وفاة صاحب المنزل الأردني وظهور ابنته سوزان (أمل الدباس) التي تعود من عمّان وتنوي بيع المنزل. تجد نادية نفسها في مواجهة مع سوزان التي تعاملها باستعلاء إلا أن الأمور تتعقد عندما تتعرض سوزان لحادث يفقدها ذاكرتها وهو موقف تستغله ناديا لتقنعها بأنها هي عاملة المنزل وتنقلب الأدوار.
لم يكن مسلسل (يا أنا يا هي) الأول من نوعه الذي يتمحور حول فقدان أحد الشخصيات لذاكرته ومحاولة شخصية أخرى استغلال الوضع، إذ يحكي المسلسل السوري (برزخ) قصة طبيب اسمه نبيل يتعرض لحادث سير يفقد فيه ذاكرته وعائلته، وتستغل والدته الظروف لإخفاء تفاصيل حياته عنه، إلا أن هذا المسلسل يأتي في إطار كوميدي يجعل الأحداث الدرامية أكثر متعة ويعفي المشاهد من التفكير الجاد الباحث عن المنطقية أو الواقعية في التفاصيل.
تتوالى الأحداث مع تدخل فراس، ناطور المنزل، الذي يسعى بدوره للتقرّب من ناديا، والتي تورطه بدورها بضرورة تقمص دور أخ سوزان سعيًا لتقديم بعض الاجابات عن تساؤلات الأخيرة حول ماضيها وعائلتها. ومع مرور الحلقات، تتعاظم الكذبات التي تؤلفها ناديا لتحيك قصصًا مغايرة تتلاءم مع الوقائع المحيطة بهم، وتصطدم بين الحين والآخر بمواقف تكاد تنكشف فيها الحقيقة.
إضافة لهذا التعاون الأردني السوري، هناك مسلسل آخر شهد تعاونًا إماراتيًا سوريًا وهو مسلسل كذب أبيض. وقد عزت بعض التحليلات هذه التعاونات للظروف التي مرّت بها الدراما السورية خلال السنوات الماضية والمستويات الاقتصادية التي يمر بها الفنانون السوريون، إلا أنها اعتبرت أن «الكوميديا المشتركة كتوجه لن تستمر طويلًا، إذ إن الكوميديا لا بد أن تكون محلية خالصة حتى تنجح».
البطل
الليث حجو، 30 حلقة
يزن ملحم
«سيعرف الناس أن البطل الذي يتفاخر الجميع به هو إنسان عادي. لماذا تريدون أن تُوهموا الناس أن البطل شيء من طينة غير طينتهم؟ دعوه يظهر كما هو، إنسانًا عاديًا. أتعرف ماذا تستفيد؟ يكتشف الناس جميعًا أنهم يستطيعون أن يكونوا أبطالًا».
ممدوح عدوان
قليلة هي المسلسلات والأفلام التي تقدم لك تأكيدًا على قوتها منذ المشهد الأول. أشخاص بسلاسل يقادون خلف بعضهم فيما يبدو أنه سجن، يرافقهم شخص على كرسي متحرك، في صورة مكثفة لما آل إليه الواقع السوري بعد سنوات طويلة من الحرب؛ سجن كبير وعجز ذاتي عن الحركة، حيث تصبح كل خطوة للأمام أمنية صعبة التحقق.
استند مسلسل البطل في قصته الأصلية لمسرحية زيارة الملكة لممدوح عدوان التي كتبها منتصف الثمانينيات وبدأ العمل عليها مع المخرج الليث حجو لتحويلها إلى عمل تلفزيوني بعنوان حكاية بطل في 2003 إلا أن وفاة عدوان بعدها بعام أوقفت العمل، قبل أن يعود الليث حجو ويحوّله مع الكاتب رامي كوسا إلى عمل درامي.
تدور أحداث المسلسل في قرية تحيطها أصوات المعارك، وتغرقها أثار الحرب، يحاول أهلها الاستمرار على أمل أن تصبح الأوضاع أفضل غدًا «إن شاء الله». وسط هذه المحاولات يجد الأستاذ يوسف مدير مدرسة القرية، والذي يلعب دوره الممثل بسام كوسا، نفسَه أمام صراعات جديدة يفرضها عليه واقع اشتداد الحرب، ونزوح سكان قرية مجاورة لقريتهم حيث يصر على إيوائهم في المدرسة رغم رفض ممثل الشرطة في القرية هذه الخطوة دون الحصول على موافقة الدولة.
يقدم المسلسل فكرة البطولة في زمن تهرّب الجميع من تحمل مسؤولياته وغياب الدولة وتفكك المجتمع، حين يصبح تأمين زجاجة حليب أطفال فعلًا استثنائيًا، وتصبح ما تمليه علينا البديهة موضع استهجان واتهام واحتفال. (البطل) مسلسل عن الحرب في المجتمع وكيف يبدو الصمود اليومي والاستمرار بحد ذاته بطولة لا يستطيع الجميع خوض غمارها والانتصار فيها.
إضافة إلى غنى القصة والسيناريو وبناء الشخصيات يسجل للمسلسل المستوى الإنتاجي العالي الظاهر في معظم التفاصيل من الموسيقى إلى الإضاءة والتلوين وصورة «اللقطة الواحدة» التي استطاع مخرج الصورة البولندي زبيغنيو ريبسينسكي إخراجها بشكل مميز رغم صعوبة المهمة فنيًا وتقنيًا.
كما أن ما يجعل المسلسل عملًا دراميًا مميزًا هو القدرة الهائلة على تتبع واقع التفاصيل التي خلقتها الحرب -وتصويرها- من البحث عن الكهرباء والخبز والمازوت والدفاع عن الحب والقيم التي ألفناها إلى سؤال المغادرة والهجرة والنجاة الفردية من كابوس طال.
شارع الأعشى
أحمد كاتيكسيز، 30 حلقة
صفاء الزرقان
شارع الأعشى مسلسل سعودي مأخوذ عن رواية غراميات شارع الأعشى للروائية السعودية بدرية البشر، والتي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر قبل تحويلها عملًا تلفزيونيًا. من أين جاءت التسمية؟ تحصل أحداث المسلسل في جنبات شارع الأعشى، والذي يحمل اسم الشاعر ميمون بن قيس بن جندل الملقب بـ«الأعشى» الذي ولد فيه.
يرصد المسلسل التحولات الاجتماعية التي حصلت في السعودية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الفائت، والتغيرات الكبيرة التي حصلت فيها، عبر قصة ثلاث نساء، تحلم كلٌ منهنّ بحياة وحرية تتجاوز حدود أسوار الحيّ الضيقة، ولكلٍّ منهنّ صوت داخلي نسمعه عبر الحلقات معبرًا عن تلك الأحلام والطموحات، ما يمنح شخصياتهنّ عمقًا أكبر.
يبدأ المسلسل بدخول التلفاز الملون إلى حي المنفوحة في الرياض في سبعينيات القرن الماضي. تتحرك الكاميرا بهدوء في بيئة شديدة البساطة والحميمية مما يثير شعورًا بالنوستالجيا ويشد المشاهد أكثر للعمل. منذ الحلقة الأولى نرى حضورًا نسائيًا قويًا وبالغ الأثر، سواء في الأحداث أو حتى على المشاهد. وجوه النساء حادة حدة جميلة لا مساحيق ولا مبالغات، عيون مُكحلة تغزل حديثًا وألسنة تتحدث بلغة فيها دفء وقوة. أول ما تُستهل به الأحداث هو حدث اجتماعي كبير يتمثل بقدوم امرأة بدوية جامحة وصلبة معتدة بنفسها رغم عوزها، تدخل المسجد على الرجال في حدث درامي له ما بعده، وهو أساس العمل. نرى امرأة ذات لهجة قوية قد لا يفهم المشاهد بعض جملها (وقد تعرضت الممثلة للانتقاد بأنها لا تتحدث اللهجة البدوية بشكل سليم)، لكن لغة جسدها وتعابيرها توصِل المعنى. جاءت من الصحراء رفقة بناتها للعيش في المدينة، وهناك تبدأ رحلة الترويض والتأقلم.
يوميات رجل عانس
عبد الرحمن السلمان، 30 حلقة
صفاء الزرقان
منذ انتشار مقاطع الريلز، التفت الجمهور العربي للفكاهة الخليجية وخفة الظل التي لم تكن معروفة لكثيرين من دولٍ أخرى، ممن لا يعرفون مسلسلات طاش ما طاش وخالتي قماشة وغيرها. وقد نالت السعودية هذا العام حصة لا بأس بها من الإقبال على ما أنتجته من كوميديا وبالأخص مسلسل يوميات رجل عانس، والذي يقع ضمن قالب الكوميديا الشبابية.
المسلسل مقتبس عن كتاب مذكرات رجل سعودي عانس للكاتب وليد خليل، وعنوانه يختصر حكايته، فنحن أمام شابٍ أعزب تجاوز الثلاثين ولم يتزوج. عادةً ما ارتبط وصف العنوسة بالنساء في مجتمعاتنا، وأُنتجت مسلسلات استعرضت وطأة وحمولة الوصف على النساء سواء كان ذلك ضمن إطار دراميّ أو كوميدي، غير أن العمل هنا كسر القاعدة ونعت به رجلًا.
تدور أحداث العمل في قالب كوميدي ساخر يجمع بين الواقع بمرارته وسخريته والضغوطات الاجتماعية المترتبة على عنوسة رجل. الجميع هنا يضغط على ذلك الرجل للزواج، لأسبابٍ اجتماعية وشخصية تخصهم هم، لكنه تحت وطأتها يؤثِر مجاراتهم ويبدأ رحلة البحث عن العروس. وما إن تبدأ الرحلة حتى يصطدم بأسئلة لم يسبق له التفكير بها من قبل، فمثلًا ما هي مواصفات الفتاة التي يريد أن يتزوجها، وماذا يفعل في «الشوفة الشرعية»؟ يترافق كل هذا مع جرعة ساخرة لطيفة ومضحكة وواقعية في آن. تسير رفقة هذه الأحداث حياة المتزوجين من حوله سواء والديه أو أخته أو الأصدقاء، وما يعتري تلك العلاقات من مشاكل وإخفاقات وجمال كذلك. واقعية المسلسل سببٌ كبير في زيادة جرعته الكوميدية.
80 باكو
كوثر يونس، 15 حلقة
عبد الله محمد
بعد تلقي مجموعة ترشيحات من أصدقاء مختلفين، ومحاولة مشاهد بعض المسلسلات، المصرية تحديدًا، وقع الاختيار على مسلسل (80 باكو) ليكون نصيبي من المسلسلات الرمضانية هذا العام. وبعد مشاهدة حلقات منه، سألت اليوتيوب عنه، فوجدت عددًا من المراجعات التي قدّمت نقدًا له ولباقي المسلسلات التي تعرض في الشهر الفضيل. وكان مثيرًا للاهتمام أن أكثر ما أعجبني في المسلسل هو ذاته ما دفع مُعلّقين لعدم إكمال الفرجة. وهنا الحديث عن شعور عدد من المعلقين -الذكور تحديدًا- بعدم الراحة وأنهم خلال مشاهدة هذا المسلسل أحسّوا وكأنهم يتلصصون على مساحة لا حق لهم بالتواجد فيها، ولا في رؤية ما يحصل في قلبها.
في مسلسل (80 باكو) تأخذنا الكاتبة غادة عبد العال والمخرجة كوثر يونس إلى عالم صالونات الحلاقة النسائية في واحد من الأحياء الفقيرة في القاهرة. هناك نتعرّف على قصة الكوافيرة بسملة (بوسي)، والتي لعبت دورها الفنانة الشابة هدى المفتي، وسعيها الحثيث رفقة خطيبها، أو هكذا بدا من شكل علاقتهما، مختار، الملقب بتيخا، والذي لعب دوره الفنان خالد مختار، والذي لا تكف العقبات عن الوقوف في وجهه، لتجميع مبلغ 80 ألف جنيه مصري (أي حوالي 1500 دولار أمريكي)، كي يتمكنا من استعادة منزلٍ يملكه تيخا ليتزوجا فيه.
ورغم أن بوسي هي الشخصية الرئيسة في المسلسل، إلّا أن حضورها ليس طاغيًا، أو بالأحرى كان للشخصيات الأخرى، ولا أقول الثانوية، حضور مهم فيه، لا لتدعيم قصة بوسي فقط وإنما لعرض المقولة الرئيسية في المسلسل، وهي أننا جميعًا «طلعان عينّا»، وأننا في الشقاء سواء، وإن كان بعضنا أكثر شقاء من الآخرين. هنا يركز المسلسل أكثر على النساء وشقائهنّ عبر منحهنّ المساحة الأكبر من الحكي، من خلال اختيار أن يكون صالون الحلاقة النسائي خشبة المسرح التي نرى تفاعلات الشخصيات المتعبة عليها، والصراعات اليومية بينها، وإن كانت هذه الشخصيات وقت الضيق تكون لبعضها الكتف الذي يُسنِد، بل ويحمي.
ربما تكون مهمة وضع هذا المسلسل ضمن تصنيف جامع مانع مهمة عسيرة، بمعنى أنه ليس مسلسلًا دراميًا، ولا اجتماعيًا بحتًا، وبالتأكيد ليس تراجيديًا، ويكفي أن نشاهد الحلقة الرابعة منه، وهي الحلقة غزيرة الكوميديا، لنرتبك أكثر في اختيار وصف له. وربما جاءت هذه الكوميديا لتتناسب مع ما يُظنّ أن الجمهور يحتاجه من مسلسل يعرض في شهر رمضان، حتى لا يخسر السباق مع أقرانه المعروضين في الشهر ذاته، وإن كان رأيي أن هذا القدر، المبالغ فيه أحيانًا، قد أسهم في كسر جدية المسلسل بعض الشيء، وجعله في بعض المواضع أخفّ مما يجب، ولكن ماذا نقول و«السوق عايز كده».
