«نأسف لإخطاركم أن»: فنٌّ على هامش المؤسسة

الخميس 27 تشرين الأول 2022
نأسف لإخطاركم أن
عمل فني بعنوان «ثلاث دقائق إلى منتصف الليل» لصوفي روجرز، ضمن معرض «نأسف لإخطاركم أن». المصدر: حساب تويتر الرسمي للمعرض.

كل من عمل يومًا بالكتابة أو التأليف يعرف أن إعادة تدوير المواد المرفوضة هي واحدة من أسرار الصنعة. «بورتريه الفنان كشاب»، أحد أشهر نصوص جيمس جويس، هو إعادة تدوير لرواية من قرابة ألف صفحة، كانت بدورها إعادة تدوير لقصة قصيرة لم ينجح جويس في نشرها، كذلك سيمفونية سيرجي بروكوفييف الثالثة، وهي نسخة مصغّرة عن أوبراه «الملاك الناري» التي قوبلت برفض عدة جهات بعد سنوات عمل شاق. لكن الموضوع يتعقد مع الفنون البصرية، فاللوحات والأفلام والصور الفوتوجرافية لا تحتمل التفكيك بذات سهولة النصوص. «أين تذهب الأعمال الفنية المرفوضة؟ وماذا يعني أن يُرفض للعمل الفني أن يصير جزءًا من المجال العام للفن؟ من المستفيد من ذلك الرفض؟»، أسئلة طرحتها الباحثة والقيّمة الفنية الفلسطينية أديل جرار وجعلت منها محورًا لمعرض جماعي من تنسيقها بعنوان «نأسف لإخطاركم أن».

افتُتح المعرض في السابع من آب، بعد سبعة أشهر من العمل الطوعي، وجمع 29 فنانًا بأغلبية أردنية وفلسطينية، ومشاركات من مصر والمكسيك والدنمارك والولايات المتحدة وغيرها من الدول. القاسم المشترك الوحيد للأعمال هو أنها قد رُفضت من قبل مؤسسات فنية رسمية حول العالم. هكذا أرادت أديل للمعرض أن يكون أداة لـ«نقد فكرة الرفض في عالم الفن وإيقاع الفوضى فيها»، تصريح يستمد قوته الأساسية من قرارها بعدم عرض الأعمال في أي من دولها الأصلية، ولا حتى في أي مكان بالمعنى التقليدي، بل على الإنترنت. جاء القرار منذ البداية، من رغبة أديل بإقامة المعرض «دون تمويل من مؤسسة تمويلية»،[1] مفضلةً منصة «نيو آرت سيتي» التي تسمح بتنظيم معارض افتراضية بمساحات ثلاثية الأبعاد يمكن لأي منا التجول بداخلها والتفرد بالأعمال بل وحتى رؤية الزوار الآخرين في الغرف والتفاعل معهم عبر التشات.

ربما هناك انطباع عام بأن المعارض الافتراضية وغيرها من الممارسات التي تجمع الفن المعاصر بالإنترنت قد بدأت مؤخرًا مع استعار موضة الرموز غير القابلة للاستبدال «ن.ف.ت» (NFTs)، والتي ما هي في الحقيقة إلا لحظة تسليع تلك الممارسات التي عرفت على الأقل ثلاث مراحل تعود أولها لتسعينيات القرن الماضي. فمنذ بداية انتشار الإنترنت، ظهرت موجة طليعية عرفت بـ«فن.النيت» (net.art)، قام أفرادها باستخدام الإيميلات والمواقع بأشكالها البدائية الأولى لصناعة أعمال فنية على صورة الشبكة آنذاك: كثير من الشاشات الخضراء والنصوص والصور متدنية الجودة، عالم يبدو بعيدًا عن فنون المرحلة الثانية التي بدأت أواسط الألفينات مع انتشار «واجهات الاستخدام» التي تحتكر اليوم علاقتنا مع الشبكة مثل محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي. حاول أفراد الجيل الثاني ابتكار طرق للعبث بواجهات مثل لعبة «سيكوند لايف» (Secondlife)، ذلك الكون الموازي الذي يمكن فيه لأي منا أن يعيش فيه عبر تشخيص افتراضي، والذي استغله فنانون مثل جزيرا بابلي وتساو فاي وأيفا وفرانكو ماتيس لتقديم أعمال فنية رقمية تفاعلية بتعقيد غير مسبوق. أمّا وبعد سنتين من الحجر الصحي وتغييره لعلاقتنا بالإنترنت، فربما صار بالإمكان الحديث عن مرحلة فنية ثالثة هي مرحلة (ما بعد كورونا)، احتلت فيها اللقاءات والإذاعات والمعارض «أونلاين» مقدمة الحياة الثقافية بعد أن كانت ممارسات ثانوية، بينما بزغت جهات فنية جديدة بمعارض رقمية، منها في السياق العربي معرض «أرقام» الذي عرض أعمالًا بصيغة الرموز غير القابلة للاستبدال، أو معرض «غياب» الذي اتخذ شكل بث مباشر لطابعات موصولة على الإنترنت في غرفة فارغة في برلين، طبع من خلالها ستة فنانين سوريين أعمالهم لمدة ست دقائق كل يوم لستة أيام.

يأتي معرض «نأسف لإخطاركم أن» في استمرار لتلك التجارب التي تمزج الافتراضي بالواقعي، فبعض الأعمال المعروضة ولدت رقمية وبعضها الآخر يدوية، لم تنفذ بالأصل بغاية عرضها أونلاين، بل وجدت في الإنترنت حياة أخرى بدلًا من حياة أولى على الجدران حرمت منها. سينوچرافيا المعرض بذات أهمية الأعمال المعروضة. ففي القسم الأول مثلًا، «عن الاختفاء»، نتجول فيما يشبه لعبة فيديو متشظية المعالم: جذوع أشجار بلا رؤوس وستائر من الرماد الأسود يتقدمها النص التقديمي للمعرض مخطوطًا في الهواء، بينما يشبه القسم الثاني، «الألوان التي لم تنجح»، ورشة بناء تتخللها أسلاك لا تسوّر شيئًا على التحديد، وبضع سقالات خشبية متناثرة. أمّا الأعمال الفنية فتتناثر في الأعالي بين الضباب، بحيث يمكن للزائر الضغط على العمل لرؤيته وقراءة بعض المعلومات عنه. بعض الأعمال مبهمة أكثر من غيرها، حيث لا تخبرنا الشروحات عما إذا كانت بالأصل أعمالًا يدوية جرت رقمنتها أو أعمالًا رقمية. تتسطح الفروقات في الأحجام والوسائط، وتطفو الأعمال منزّهة عن ماديتها وأبعادها الأصلية مثل أشباح رقمية.

لقطة من القسم الأول لمعرض «نأسف لإخطاركم أن»

بدلًا من تقليد صالات العرض المعتادة بجدرانها البيضاء المعقمة، صممت أديل فضاء عرض جنوني سمح لها بعمل ما لا يمكن عمله في «المكعب الأبيض» (اللقب صار مجازًا عن المؤسسة الفنية الرسمية بكل ما فيها من رتابة ومحافظة)، وذلك بالانسجام مع فكرة المعرض:

تشكل الأعمال الفنية المرفوضة، وأعمال الفنانين الذين لا ينجحون لأسباب كثيرة ضمن النظام الفني «المادة المظلمة» للنظام الفني القائم. أي أن معظم الفنانين لا يصبحون نجومًا، ومعظم الأعمال الفنية لا تنجح في حجز فسحة في كتب تأريخ الفنون. إن نجاح هذه القلة، مبني على فشل الأكثرية، بحسب جريجوري شيلويت، في كتابه «المادة المظلمة» حول الفن. لذلك، ليس من المنطقي أو من العادل أن تبقى هذه الأعمال في محاولة دائمة ويائسة للاقتراب أكثر من مركز النظام الفني القائم، بما يمثله المركز من النجاح والشهرة والوفرة. لكن أن تتجمع هذه المواد المظلمة في بؤر مختلفة وتخلق لأنفسها مراكز بعيدة، لا تشبه هذا المركز ولا تنسخه، إنما تشكل الهوامش مراكزها الجديدة، بلغاتها ومعانيها الفريدة، لا أن تحاول الهوامش الوصول إلى مركز.

أما عن الخوف من أن تستبدل المعارض الرقمية المعارض الواقعية (وكأن بلادنا تعجّ أصلًا بالمعارض الفنية وكأن الإنترنت هو من يهدد بالقضاء عليها، لا كل المصائب الأخرى)، فيجب الإشارة إلى نقطتين. الأولى أن الفن المعاصر (على الأقل الجيد منه) يقوم على كسر روتين الحياة اليومية وتحدي جماليات المؤسسات المهيمنة، كالمنزل أو العمل أو السوق، وأن معرضًا افتراضيًا كهذا يتبع بالتالي منطقًا مماثلًا بتحديه لعلاقتنا المنمطة بالإنترنت، فلا محتواه هو المحتوى الاستهلاكي لنتفليكس، ولا منطقه هو منطق اللايكات والتعليقات لشبكات التواصل، ولا جمالياته هي الجماليات المكررة لصناع المحتوى ومؤثري يوتيوب. في لوحة الفنانة شون وانچ «المرآة السوداء» المعروضة في القسم الأول، تظهر غرفة معيشة يغرق ساكنوها في سواد شاشات الموبايلات والكومبيوترات التي تفرغ رؤوسهم وتتسلل خارجًا لتطبع الغرفة برقع سوداء تفقدها وحدة أبعادها وتفرغها من أي أثاث أو حميمية. لكن إن كان العمل تعبيرًا عن الإفقار الذي تسببه الرقميات في حياتنا، ألا يعني ذلك بأن الفنانة تناقض ذاتها بعرض عملها على منصة رقمية؟ ليس بالضرورة، فالصراع اليوم ليس بين الواقعي والافتراضي بقدر ما هو بين الممارسات المنصاعة والمكررة والممارسات الأكثر إنسانية وفاعلية، علمًا أن كلتاهما يمكن أن توجدا داخل أو خارج الشاشة، وأن الأونلاين والأوفلاين ليسا بالضرورة في صراع، بل صارا أكثر وأكثر في التحام غريب تنمحي فيه الحدود بينهما، ويصبح تأثير واحدهما على الآخر مباشرًا ومحسوسًا: الربيع العربي قد يكون أول وأكبر إثبات تاريخي.

شون وانچ، «المرآة السوداء». المصدر: الموقع الرسمي للمعرض

النقطة الثانية هي أن معرض «نأسف لإخطاركم أن» لا يستخدم الإنترنت لاستبدال المعارض الحقيقية وإنما كمساحة رديفة لمساءلة تلك المعارض وسياساتها عبر موضوع «الرفض»، وهو موضوع له تاريخه في الفن. ففي عام 1855، رد الرسام جوستاف كوربيه على رفض مجموعة من لوحاته من قبل المعرض الدولي في باريس بسحب مشاركاته وافتتاح جناح خاص على نفقته قرب المعرض الكبير، خطوة اتخذت أبعادًا تاريخية عام 1863 حين أعطى نابوليون الثالث تصريحه بافتتاح «صالون المرفوضين» الذي عرض أعمالًا لعدد من أفضل الفنانين الذين رُفضت أعمالهم من قبل الصالون الرسمي لأكاديمية الفنون الجميلة، بعض أولئك الفنانين، مثل إدوارد مانيه وجيمس ويسلر، صاروا اليوم من ألمع الأسماء في تاريخ الفن الحديث، بينما صار صالون المرفوضين يعتبر من أوائل البشارات بولادة فن حديث يكسر قيود التقاليد الرسمية.

مع استمرار تاريخ الرفض الفني في ظل سلطويات القرنين العشرين والحادي والعشرين، وفي ظل عنجهية سوق الفن الذي لا يرحم، ينتاب زائر المعرض شيئًا من الفضول لمعرفة الجهات التي رفضت تلك الأعمال وأسباب الرفض. فقط بضع فنانين أرفقوا أعمالهم بشروحات تتضمن تلك الأسباب، وحتى تلك للأسف لا تساعدنا كثيرًا كونها أسباب من قبيل «نقص المساحة على الجدار» أو «لكثرة الأعمال المتقدمة» أو «خرقها لحقوق الملكية»، أسباب مصطنعة لا تفشي عن الكثير، باستثناء عجرفة بعض المؤسسات الفنية وجبنها بالتصريح عن معاييرها الحقيقية في الاختيار. تحمل بعض الأعمال المعروضة سبب رفضها مكتوبًا على جبينها: بعضها رديء، بعضها ذو أسلوب عفا عليه الزمن، الفكرة جيدة لكن التنفيذ سيء، أو بالعكس. بالمقابل، تبدو بعض الأعمال واعدة بل وحتى مبهرة. أتكون قد رُفضت لعدم مواءمتها لسياق محدد حاولت استهدافه؟ أم لأسباب سياسية؟ تعليق أديل جاء غير متوقعًا:

الأعمال المرفوضة من العالم العربي ليست تلك السياسية تحديدًا، بل اللاسياسية. فمثلًا هنالك مشروع عملت عليه فنانة مصرية لعدد طويل من السنوات، ولم يحصل هذا المشروع على أية فرصة عرض في الوطن العربي أو خارجه. فهذا العمل الفوتوغرافي يهتم بتصوير النباتات والكائنات الحية الدقيقة وعرضها بقياس كبير. لماذا لم يحصل العمل الفوتوغرافي المثير للاهتمام هذا على أية فرصة دعم؟ لست أدري فعلًا، لكن يمكنني التخمين أن العالم الفني المعولم يتوقع من الفنان العربي أو الفنان الجنوبي مأساة سياسية ما، فإن كنت فنانا مصريًا مستجدًا على الأقل، وتكافح للوصول لنقطة أقرب للمركز من خلال العرض خارج مصر، فيُتوقع منك أن تتحدث عن الربيع العربي في مصر مثلًا، حين ذلك ستغدو عملية إدخال العمل عبر «البوابة» أسهل، وستتقدم خطوتين أمام صف المتقدمين الآخرين، وهكذا. وعلى أساس ذلك يتم اختيار الكثير من الأعمال. ومؤسسة الفنون المعاصرة في الوطن العربي إجمالًا لا تخرج عن هذا التوجه في كثير من الأحيان، فنحن نقوم معظم الوقت بالتماهي مع ما يطلبه سوق الفن المعولم أو المانح.

تنطبق تلك الملاحظة بدون شك على مشاهد فنية مغرقة بالأموال الغربية مثل فلسطين أو الأردن (الموضوع الذي عالجه تجمع «مسألة التمويل» في معرض دوكومنتا الأخير) وربما أقل على دول مثل سوريا أو مصر لا تزال فيها المؤسسات الحكومية تحتكر الإنتاج الفني. لكن المثير للاهتمام هو قرار أديل بقبول جميع الأعمال المتقدم بها دون استثناء، متبعةً منطقًا مضادًا تمامًا لمنطق المؤسسات تلك. قد يكون ذلك ضعف وقوة المعرض معًا، أن تظهر الأعمال جميعًا على قدم المساواة بحيث يتجاور الجيد مع العادي، والناقص مع المكتمل والجريء مع المكرر.

أمّا القسم الثالث والأخير من المعرض، «الوسائط المقصاة»، فقد يكون الأكثر قوة بعرضه لأعمال بوسائط رقمية وفيلمية وصوتية. نخترق جدران بيت بلا أثاث تتوسطه سماعات تبث العمل الصوتي «غير آمن. لكنك ما زلت هنا» للفنانة ملاك عبد الوهاب، نشاهد فيديو «دودة خفيفة» للفنانة ماريا موراليس آرانجو، عن دودة شبح تتلوى وسط فضاءات تتماهى فيها عناصر طبيعية كالمطر والتراب بعناصر رقمية كالبيكسلات. الكثير من الأعمال المعروضة هنا صعبة التصنيف أو الوصف، بل يبدو أن بعضها لم يتجاوز مرحلة المسودة، مثل فيديو «بوجابدا على العشب» لمحمود إسماعيل (الحوت)، وهو عبارة عن 30 ثانية من مخلوقات مقلقة تتمدد على العشب، أو نص «ليلة أخيرة»، وهو سيناريو مصوّر من تصميم جريس هيون لمشروع فيلم غير مكتمل يتحدث عن آخر ليلة يقضيها ثلاثة أصدقاء في عمّان قبل دخول البلد في حجر لأسباب مجهولة، فيلمٌ رفض بسبب «سوقيته».

لقطة من القسم الثالث لمعرض «نأسف لإخطاركم أن»

الجميل في معرض «نأسف لإخطاركم أن»، بتكويناته السريالية وجدرانه المبكسلة التي تذكر بألعاب الألفينات المنقرضة، هو استرجاعه لشيء من إنترنت ما قبل فيسبوك وجوجل، شيء من متعة الضياع من رابط إلى آخر في دهاليز الشبكة، ومن قوة الإنترنت كهامش تجريبي يجد فيه المرفوضون مساحة لهم، كما تذكرنا الفنانة والكاتبة هيتو شتيريل في نصها المهم «دفاعًا عن الصور الفقيرة»: «بعد أن طُردت هذه الأعمال من حلبة الثّقافة الوطنيّة التي لطالما كانت تحميها، ونُبذت من التّداولات التّجاريّة، أصبحت رحّالة في مشاعٍ من الحقول الرّقميّة، تُغيّر في شكلها وجودتها وسرعتها ووسائطها على الدّوام». تتساءل شتيريل عما إذا كانت الأعمال الفنية بنسخها الرقمية المتداولة تحقق حلمًا ماركسيًا قديمًا بفن متاح لكل سكان الأرض يعمل نحو «تنظيم مشاهديه» لغايات ثورية مضادة للمنظومة السائدة، تساؤلات حول أممية افتراضية جديدة تشاركها إياها أديل، حيث ترى بأن «هنالك إمكانيات عالية أيضًا للفضاءات المدارة من قبل فنانين في العالم إن شكلت شبكات أن تقوم بخلق بديل للانتاج والعرض والشرعنة ونظم المعاني»، ربما حتى بخلق «نمط إنتاجي» جديد تمامًا:

أدوات الانتاج التي يوفرها الإنترنت ستساعد الكثيرين ممن حرموا الوصول إلى أدوات الانتاج الرسمية، ومع التراكم والتشبيك يمكن أن يظهر نظام بيئي فني جديد ومستقل كليًا ولا يعتمد البتة على ما يحدث خارجًا في سوق الفن التقليدي ومؤسساته، وبخاصة أن للنظام الرقمي أيضًا عملاته وأشكال تنظيمه وعرضه وأدواته التي أثبتت حتى اللحظة قدرتها على العمل بشكل مستقل عن النظام الفني الموجود، ولكن بالطبع، فإن تفاؤلي في ذلك هو تفاؤل حذر، فالنظام الموجود أثبت مرة بعد مرة قدرته على ابتلاع كل ما يحيد.

لكن ما معنى أن يحتشد المرفوضون على الإنترنت بعد أن اعتادوا الاجتماع في «صالون المرفوضين» وفي النقابات والساحات وفي منافٍ مختلفة؟ ألا يقتضي «الاحتشاد» (كلمة من القرن الفائت تبدو بائدة اليوم) توحيد صفوف واتفاق على أسس أو أجندات؟ وفي أي مرحلة يمكن للاحتشاد عبر الإنترنت، كلٌ من غرفته، أن يتحول من هجر للفضاء العام نحو زعزعة ومحاولة لاسترداد ذلك الفضاء؟ بعيدًا عن تلك الأسئلة المعلقة في الضباب، الأكيد هو أن معرض «نأسف لإخطاركم أن» يشبه «الجارور» الذي يعرفه معظمنا، والذي يأوي كل الأغراض التي لا نريد لا رؤيتها في الغرفة ولا رميها ، أغراض مكسورة، ناقصة، عصية على التصنيف وأحيانًا جميلة وحتى مبهرة، لا نعرف تمامًا ماذا نفعل بها أو أين نضعها. إن كان عالم الفن اليوم بمعارضه ومتاحفه غرفة ناصعة كبيرة فإن معرضًا كهذا هو الجارور الذي يعرف الجميع بوجوده، والذي يغمر من يتجرأ على فتحه بالكثير من الخردة المشحونة بالمشاعر، التي ستستحضر لديه ذكريات وردود أفعال ملخبطة والكثير الكثير من الأسئلة.

  • الهوامش

    [1]  الاقتباس هذا وجميع الاقتباسات اللاحقة مأخوذة من مراسلة مكتوبة مع أديل جرار بتاريخ 13 تشرين الأول 2022.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية