أفلام عن الأزمة الاقتصادية العالمية

في هجاء الرأسمالية الطفيلية: أفلام عن الأزمة المالية العالمية 2008

تصميم محمد شحادة

في هجاء الرأسمالية الطفيلية: أفلام عن الأزمة المالية العالمية 2008

الأربعاء 12 نيسان 2023

في شتاء العام 2009 نشر أستاذ القانون بجامعة إلينوي، لاري إي ريبستين، مقالةً في مجلة ولاية ميشيغان للقانون، بعنوان «كيف خلقت الأفلام الأزمة المالية؟»، حول الإنتاجات السينمائية التي ظهرت في أعقاب أزمة 2008 لتحليل الأزمة أو نقدها، ذهب فيها إلى أن صانعي الأفلام جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي، وأن صناعة السينما من غير المرجح أن تعض اليد التي تطعمها، مشيرًا إلى ظهور المصرفيين على أنهم الطرف المذنب. حيث بدا أن إلقاء اللوم عليهم يشبع تعطش الجمهور للتفسير واللوم دون الإشارة إلى ديناميكيات هيكلية أخرى، مثل سياسة التحرير أو الدول التي تنقذ البنوك بأموال دافعي الضرائب. يملك تحليل ريبستين الكثير من الوجاهة والمعقولية، لكنه يتجاهل الدور الذي يمكن أن تلعبه الإنتاجات الثقافية الجماهيرية داخل النيوليبرالية، حتى وإن كانت هذه الإنتاجات حصيلة النظام الرأسمالي. فقد ساهمت هذه الأفلام بشقيها الروائي والوثائقي في تداول وجهات نظر متنوعة حول الأزمة، وكشفت مدى الكارثة الاجتماعية التي تسببت فيها، وجعلت آلياتها في متناول الجمهور العادي، عبر تسليح مشاهديها بالمعرفة التقنية حول التمويل، مع أنها في الغالب لم تشجع المشاهدين على التشكيك في الرأسمالية؛ جوهر هذه المشكلة.

لكن هذا الدور الذي تلعبه الإنتاجات السينمائية، وإن بدا جزئيًا لا يطال الرأسمالية كمنظومة، إلا أنه يقوم بتشكيل التمثيل الشعبي للأزمة، بدءًا من إلقاء اللوم على المصرفيين الفاسدين والجشعين، من خلال إعادة استخدام وتطوير الشخصية المالية للمصرفي الاستثماري الشرير. وهذا وحده كافٍ كمدخل للعديد من المشاهدين كي ينطلقوا من مجرد فيلم نحو تطوير وعيهم النقدي تجاه الرأسمالية، لاسيما في طورها المالي الطفيلي، ذلك أن الثقل الجماهيري والدعائي الذي تملكه السينما، لا يمكن تجاوزه بدعوى ارتباط هذا القطاع الصناعي الثقافي بالرأسمالية نفسها.

هنا قائمة بخمسة أفلامٍ، الأساس المشترك بينها هو التوجه النقدي الذي يتراوح بين التحليل والهجاء الكوميدي للأزمة المالية العالمية بين عامي 2007 و2008.

العجز الكبير (2015) (The Big Short)

«كانوا يعلمون أن دافعي الضرائب سوف ينقذونهم. لم يكونوا أغبياء، لم يهتموا».

يقوم الفيلم الذي أخرجه، آدم مكاي، على كتاب الصحفي الأمريكي، مايكل لويس، «The Big Short: Inside the Doomsday Machine»، والذي يتتبع عمل الأشخاص الذين اعتقدوا أن فقاعة الرهن العقاري على وشك الانفجار، سنوات قليلة قبل حدوثها فعلًا. يحكي الفيلم قصة ثلاثة من الممولين الشباب الذين لعب أدوارهم كل من براد بيت وكريستيان بيل وريان جوسلينج، يكتشفون ضعف نظام التمويل العقاري في الولايات المتحدة. وسيراهن هؤلاء على إفلاس النظام على المدى الطويل إلى حد ما وسيجمعون ثروة، عندما كان العالم بصدد الإفلاس. يوجه فريق التمثيل الفيلم نحو أفلام سرقة البنوك، وهو النوع الذي يعد براد بيت شخصية بارعةً فيه، حيث يلعب بيت دور بن ريكرت، تاجر الأوراق المالية الأسطوري المتقاعد.

حصل الفيلم على جائزة الأوسكار لأفضل سيناريو مقتبس في عام 2016. لكن إغراقه في القول إن هؤلاء الرجال كان لديهم ذكاء خارق في توقع الانهيار العام قبل أي شخص آخر، يبدو غير دقيق، لأن جميع المؤشرات كانت واضحة حول الوضع المالي منذ عام 2005 فصاعدًا، ويبدو أن هذا الإغراق يساهم بوعي أو دون وعي في إعادة إنتاج صورة البطل الاستثماري، الذي يملأ محفظته عندما تكون محافظ الناس خاويةً، وهي خاصية أمريكية متخيلة تحظى بالإعجاب في ثقافة نيوليبرالية مهيمنة. كما يقدم المخرج آدم مكاي صورة المستثمر الذي تشقه التناقضات بين الوازع الأخلاقي والخشية من النظام، فيظهر كل من مارك باوم وبن ريكيرت، اللذين يؤيدان موقفًا أخلاقيًا ويظهران الاشمئزاز من الانحرافات العديدة للنظام المالي ككل، في موقف الخائف الوجل، حيث لا يتخذان أي إجراء ضده. 

كما يشير المخرج في نهاية الفيلم إلى حالة من فقدان الأمل وعدم جدوى خطة الإنقاذ والإنشاء المستمر لمشتقات مالية أخرى تحت مصطلحات غامضة جديدة ستقود إلى كوارث جديدة.

عمل داخلي (2010) (Inside Job)

فيلم «عمل داخلي» هو وثائقي أمريكي من إنتاج وكتابة وإخراج تشارلز إتش فيرغسون، حصد جائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي عام 2011. يسعى فيرغسون، المتخصص في موضوعات العلوم السياسية، إلى إجراء تحليل شامل للأزمة المالية العالمية، من خلال التركيز على الدور الذي لعبته البنوك الأربعة الكبرى في الولايات المتحدة. يعتقد فيرغسون أنه كان من الممكن تفادي الأزمة، لولا التحرير التدريجي للقطاع المالي، فقد شهدت الثمانينيات ظهور صناعة إجرامية بشكل متزايد، أثارت «ابتكاراتها» سلسلة من الأزمات المالية. مشيرًا إلى أنه رغم عمليات الاحتيال التي تسببت في خسائر بمليارات الدولارات، لم يُسجن أحد. يعطي الفيلم الكلمة للخبراء الذين حذروا من الأزمة، والذين لم يجري الاستماع لهم في ذلك الوقت.

  

يعطي فيرغسون رؤية أكثر شمولًا من خلال الحديث عن البعد العالمي للأزمة. يشرح حالة أيسلندا بالتفصيل ويوضح تداعيات الأزمة في الصين وسنغافورة. لكنه يلفت النظر أيضًا إلى السلوك المَرضي للممولين رفيعي المستوى. حيث يكشف تعاطيهم المنتظم للمخدرات والدعارة من أجل توضيح كيف يضع هؤلاء المجرمون ذوو الياقات البيضاء أنفسهم فوق القانون. كما يلفت النظر إلى جماعات الضغط القوية وما يترتب على ذلك من سيطرة البنوك على الحكومات.

لكن النقطة الأكثر قوةً في هذا الفيلم هي إدانة الدور الذي لعبه الأكاديميون والخبراء في المساعدة على ترويج المنتجات المالية السامة والاستثمارات غير المعقولة، حيث يصور المخرج علاقات تضارب المصالح بين مجتمع الأكاديميا والخبراء من جهة ومجتمع المال والسلطة من جهة أخرى. مسلطًا الضوء على شخصيات مثل غلين هوبارد، المستشار الاقتصادي للرئيس لجورج دبليو بوش، المؤيد لإلغاء الضوابط التنظيمية وعميد كلية كولومبيا للأعمال. فقد استغل هؤلاء الأكاديميون رأسمالهم الثقافي والعلمي لإعطاء شرعية لسياسات مالية سامة، وحصلوا مقابل ذلك على المال، وأصبحوا جزءًا من مجالس إدارة الشركات المالية.

نداء الهامش (2011) (Margin Call)

«هناك ثلاثة طرق لكسب المال في هذه الصناعة : كن أولًا، أو كن أكثر ذكاءً، أو غِشّ»

فيلم من إخراج الأمريكي، جي سي تشاندور، الذي ينحدر من عائلة مصرفية، يروي بكثافة شعور الشجع. يقدم هذا الفيلم مثالًا واضحًا على سوء الممارسة المالية داخل جدران مبنى أحد المصارف. تدور الأحداث في وول ستريت وحوله خلال الـ24 ساعة التي سبقت انهيار سوق الأسهم في عام 2008. كثافة الأحداث قياسًا للزمن تجعل من الفيلم سباقًا دراميًا ونفسيًا لا يتوقف، في الركض وراء خطة ينفذها مجموعة من السماسرة الرجال، معهم امرأة واحدة، لعبت دورها ديمي مور، يحاولون من خلالها إنقاذ أنفسهم من كارثة عالمية من صنعهم.

بدلًا من شيطنة هذه الشخصيات بشكل متوقع، يقوم المخرج بالإشارة إلى سماتهم البشرية داخل عالمهم اللاإنساني. وسط حفلة من الجشع هناك أحيانًا نبرة متعاطفة مع أدائهم، أو على الأقل شفقة تجعلك تتساءل في أي مرحلة من حياتهم المهنية فقدوا فيها إنسانيتهم، وكيف غرقوا في بحر المال والسلطة، لكن بقايا الإنسانية التي مازالت بداخلهم لا تسعفهم كي يخرجوا من بركة الشجع التي وقعوا فيها.

في نهاية الفيلم، يرثي سام روجرز (كيفين سبيسي)، موت كلبه مثل موت أوهامه حول عالم المال، لكن شعور الخيبة ذاك، لن يمنعه من قبول نصيبه من المسروقات. ومع ذلك سوف يتعين على سام أن يدفن كلبه، وهو يبكي لأنه سيتخلى عن شيء امتلكه لفترة طويلة، وهي بمثابة استعارة مذهلة لإقامة وجه المقارنة بين الجشعّ وحب التملك وألم التخليّ.

كليفلاند ضد وول ستريت (2010) (Cleveland Versus Wall Street)

فيلم وثائقي فرنسي-سويسري، من إخراج جان ستيفان برون. يحكي الفيلم قصةً من تداعيات الأزمة المالية لعام 2008 حدثت في مدينة كليفلاند الشرقية بالولايات المتحدة. في مدينة يبلغ عدد سكانها 440 ألف نسمة، سيتم طرد ما يقرب من 100 ألف شخص من منازلهم في أعقاب أزمة الرهن العقاري. يتابع الوثائقي الدعوى الوهمية التي رفعتها المدينة ضد 21 مصرفًا. يتحول المخرج إلى قاضٍ، حيث يختار شكلًا فنيًا أقرب للمحاكمة للعثور على الحقيقة حتى لو كان نسبيًا ومتحركًا، ولنقل هذه القصة، حيث يحل محل ما كان يجب أن يحدث في الواقع. وبهذا المعنى تكاد السينما تلعب دورًا في تحقيق العدالة. 

يقوم السيناريو على شخصيات حقيقية. كما أن أعمال التصوير قد جرت في مدينة كليفلاند وفي محكمة حقيقية بحضور محلفين حقيقيين وقاض محترف. يقوم عمدة كليفلاند وبعض السكان بمقاضاة بنوك وول ستريت، متهمين إياها بالمسؤولية عن مصادرة ممتلكاتهم. يلتقي الطرفان داخل المحكمة. من جهة، سكان كليفلاند يمثلهم المحامي جوش كوهين والناشطة باربرا أندرسون، وفي الجهة المقابلة، 21 مصرفًا في وول ستريت يمثلها المحامي كيث فيشر. وضمن مسار سجالي، تتقارع فيه الحجج يمضي الوثائقي حتى نهايته.

الرأسمالية: قصة حب (Capitalism: A Love Story) (2009)

وثائقي من إخراج اليساري مايكل مور. كحال أغلب أفلام مور، تبدو نبرة النقد أكثر قوةً، ترفدها نبرة السخرية السوداء اللاذعة. يقدم الفيلم، انطلاقًا من الأزمة المالية، لائحة اتهام ضد النظام الرأسمالي السائد في الولايات المتحدة، من خلال توجيه النقد نحو شيوع عقلية القمار في وول ستريت، وهيمنة المصارف الكبرى، لاسيما غولدمان ساكس. 

يعود المخرج إلى القاع مستكشفًا النتائج التي خلفتها الأزمة ومن ورائها الرأسمالية، عبر تصوير أحوال العائلات الأمريكية المتأثرة بالأزمة وفي سيره من الأسفل إلى الأعلى، لا ينسى توجيه هجاء اجتماعي كوميدي شرس لمقرضي الأموال وشركات الرهن العقاري، فاضحًا التواطؤ بين وول ستريت والحكومة.

خلافًا لبقية الأفلام أعلاه، لا يتحدث مور عن الجزء الظاهر من الأزمة فقط، بل ينطلق منه لإدانة الرأسمالية وطبيعتها البنيوية القائمة على النزوع للأزمات. ومع ذلك لا يقدم المخرج نقدًا علميًا للرأسمالية في طورها النيوليبرالي، بقدر ما يسخر منها. يثير المخرج في الفيلم حركات غريبة، على عادته في الكوميديا، ساعيًا إلى الوصول إلى جمهور شعبي، يريد أن يفهم جوهر الأزمة دون الغرق في تفاصيلها التقنية والعلمية شديدة التعقيد. ربما هو في ذلك يسعى إلى نوع من التثقيف الشعبي لشعب لا يعاني فقط من سيطرة رأسمالية محروسة بقوة الدولة، بل هيمنة ثقافية أشد رسوخًا وقوةً.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية