«ألست امرأة؟» بيل هوكس والنسوية الثورية التقاطعية

الإثنين 27 كانون الأول 2021
المصدر: مؤسسة بيل هوكس.

فقدت الحركة النسوية في 15 كانون الأول واحدة من أكثر مفكراتها راديكالية وثورية؛ مفكرة وناشطة نسوية أضافت إسهامات جوهرية وهامة للفكر والممارسة النسويَّين، وأعطتها زخمًا ثوريًا كان مفتقدًا قبلها. بيل هوكس نسوية وكاتبة وناقدة ثقافية، كتبت وناضلت من أجل حركات نسوية شاملة ترفض الطابع الإقصائي النخبوي للنسوية المركزية، وتؤسس لتاريخ نسوي جديد يضع النساء التي همشتهنّ هذه المركزية في صلب الحركة. كان فكرها تحرريًا ذي طابع مادي نقدي، ملتزمًا ببرنامج نسوي تقاطعي واعٍ للاختلافات العرقية والطبقية والجنسانية بين النساء.

أعطى مشروعها الفكري النقدي الكثير من نساء الهامش المساحة واللغة للتعبير عن تقاطعية منظومات الهيمنة في حياتهن اليومية. كما رفضت التنظير النسوي المكتوب بلغة نخبوية مجردة منفصلة عن لغة النساء اليومية. عكست كتابتها هذا الرفض؛ فكانت تكتب عن النسوية بلغة سهلة، قادرة أن تصل للقواعد الشعبية المختلفة دون أن تلغي تعقيدات الأفكار التي تكتب عنها. لامست كتاباتها العديد من النساء وأمدّتهن بالأدوات النقدية لفهم حياتهنّ وألمهنّ ونضالهنّ الجمعي. 

ولدت بيل هوكس في 25 أيلول عام 1952 في ولاية كنتاكي بالولايات المتحدة، والتي كانت تقبع حينها تحت نظام الفصل العنصري. اختارت غلوريا جين واتكنز، وهو اسمها الحقيقي، اسم جدتها الكبرى بيل هوكس كاسم مستعار في كتابتها الأكاديمية والأدبية، تكريمًا لها ولإرث أجدادها الذين عانوا من ظلم العبودية وقاوموها. نشرت هوكس ما يقارب الثلاثين كتابًا وألقت العديد من المحاضرات حول النسوية، والجندر، والعرق، والطبقة، والعلاقة بينها. كما كتبت عن التربية النقدية، والحب، والذكورية، وغيرها. 

مركزية التقاطعية

كانت هوكس تؤمن بأن النساء لا يشكلن فئة اجتماعية متماثلة؛ فموقعهنّ العرقي والطبقي ينتج تجارب حياتية مختلفة بحسب تموضعهنّ في منظومات القوى تلك. اهتمت بشكل خاص بغياب التحليل العرقي من التنظير النسوي، الأمر الذي لطالما همش خصوصية صراع النساء السوداوات في الحركات النسوية، والتي كانت تقودها بالأساس النساء البيضاوات من الطبقات الوسطى في الولايات المتحدة. أعطت هوكس النساء السوداوات صوتًا ومساحة داخل الحركات النسوية، من خلال تسليط الضوء على حياتهنّ اليومية التي يتقاطع فيها موقعهنّ الاجتماعي كنساء مع موقعهنّ العرقيّ كسوداوات في مجتمعات تسيطر عليها أيدولوجية بيضاء. فقد كان تضمين العرق كأداة تحليلية داخل التفكير النسوي جانبًا هامًا للغاية في المشروع الفكري لهوكس.

كانت بيل هوكس نسوية ثورية بامتياز؛ ففهمها للنسوية كان قائمًا على ضرورة الوعي النقدي السياسي، وعلى هدم منظومات الهيمنة الرأسمالية والإمبريالية والعرقية، لا المنظومة الأبوية الذكورية فقط. النسوية الثورية، بالنسبة لهوكس، هي حركة سياسية اجتماعية شاملة تسعى نحو التحرير الفعلي للإنسان من كل أشكال العنف السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والجنسي. وهي كذلك حركة هدفها التحول الثوري والعدالة الاجتماعية التي من شأنها ضمان حياة كريمة لكل الطبقات المهمشة.

كان فهم بيل هوكس للنسوية قائمًا على ضرورة الوعي النقدي السياسي، وعلى هدم منظومات الهيمنة الرأسمالية والإمبريالية والعرقية، لا المنظومة الأبوية الذكورية فقط.

في صميم تفكيرها حول معنى النسوية، كان مفهوم التقاطعية، قبل أن يتبلور كمفهوم سائد كما هو الآن، أساسي لتنظيرها النسوي. ترفض هوكس إسقاط التقاطعية على أنطولوجيا سياسية ثابتة، بل تدفعنا نحو فهمها كأداة تحليلية ديناميكية قادرة على شرح تعقيدات العالم الذي نعيشه من أجل تغييره للأفضل. مقاربتها المهمة هذه للتقاطعية تعني أن نسأل كيف تتمفصل التناقضات المختلفة مع بعضها البعض في ظروف تاريخية واقتصادية محددة. بناءً على ذلك، لم تر هوكس الأبوية كمنظومة عنف قمعية بمعزل عن منظومات العنف الأخرى التي تفرض هيمنتها على عالمنا الحالي. فلطالما اعتبرت المنظومة الأبوية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمنظومات الرأسمالية والإمبريالية وتفوق العرق الأبيض المهيمنة. وانتقدت بشدة النسوية الليبرالية التي يتجلى سقف مطالبها في تحقيق المساواة مع الرجل دون أي تغيير حقيقي في الوضع الاجتماعي والسياسي القائم أو تحديه. ففهم هوكس للنسوية يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. فالمطالبة بالمساواة مع الرجل لوحدها لن تكون كفيلة بإنهاء هيمنة الرجل والنظام الأبوي في المجتمع. وبالتالي، النسوية، كما تخبرنا هوكس، «هي بالضرورة صراع للقضاء على أيديولوجية الهيمنة التي تتغلغل في الثقافة الغربية على مستويات عدة، وهي أيضًا التزام بإعادة تنظيم المجتمع بحيث يأخذ التطور الذاتي للأفراد الأولوية فوق الإمبريالية، والتوسع الاقتصادي، والرغبات».

اعتبرت هوكس أن النسوية الليبرالية تستغل «الظلم المشترك» الذي تتعرض له النساء على أساس هويتهنّ الاجتماعية كنساء. فتقول إنّ إصرار النسويات الليبراليات على لغة «الظلم المشترك» لم يكن بدافع تسيس الحركة، بل بدافع تفريغها من اللغة الراديكالية السياسية، وخدمة مصالحهن الطبقية. غياب التحليل الطبقي والعرقي من النسوية الليبرالية يقوض لغة «الظلم المشترك» بتهميشه للنساء السوداوات والملونات ونساء الطبقة العاملة اللاتي يتقاطع الظلم الطبقي، والعرقي، والجندري في تشكيل حياتهن اليومية.

دعت هوكس النسويات كذلك للحذر من استخدام خطاب الضحية في نضالهنّ ضد التحيز الجنسي، والأنظمة الأبوية، والثقافة الذكورية. فكانت ترى أن خطاب الضحية يسلب النساء قوتهنّ وقدرتهنّ على المقاومة، وشجعت النسويات على اتخاذ «التضامن السياسي» كأساس للرابط النسوي فيما بينهن. تقول هوكس في كتابها «النظرية النسوية: من الهامش إلى المركز» إن «النساء اللاتي يُستغللن ويُقمعن بشكل يومي ليس باستطاعتهنّ التخلي عن كونهن يمتلكن نوعًا ما من السيطرة على حياتهن، مهما كانت قليلة. ليس باستطاعتهنّ أن ينظرن إلى أنفسهن كمجرد «ضحايا»، لأن نجاتهنّ تعتمد على ممارستهن المستمرة لأي مقدار يمتلكنه من القوة الشخصية». تجادل هوكس بأن خطاب الضحية هو خطاب النسوية الليبرالية، وبأن التضامن السياسي المبني على رفض الشروط التي يحددها النظام الأبوي المهيمن يجب أن يكون القاعدة التي تبني عليها الحركة النسوية التزامها السياسي بإنهاء العنف ضد النساء. 

كما أن فهمها للأبوية، كنظام سياسي- اجتماعي يمأسس لهيمنة الرجال، لا يقتصر على العنف الذي يسببه للنساء فحسب. بل اعتبرت أن الأبوية تؤذي الرجال كذلك، رغم الامتيازات التي يمنحها لهم هذا النظام، حيث يجعلهم متفوقين على النساء ويخولهم لممارسة سيطرتهم عليهن. تجادل هوكس أن الأبوية تعمل على غسل عقول الرجال بحيث تجعلهم يصدقون أن ثمة فائدة في ممارسة سلطتهم على النساء، وهو أمر واهم. تحبس الأبوية الرجال في أدوار جندرية متزمتة، وتعلمهم، منذ الصغر، أن يكبتوا أي مشاعر لا تتوافق مع التصرفات المقبولة التي يحددها لهم النظام الأبوي الذكوري. 

تمنع بذلك الأبوية الرجال من معرفة أنفسهم، ومن التواصل مع مشاعرهم. كما تمنعهم من الشعور بالحب. فمن أجل أن يعرف الرجال الحب، تقول هوكس، «عليهم التخلي عن إراداتهم في فرض هيمنتهم، واختيار الحياة فوق الموت». أي، ببساطة، عليهم أن يكونوا عازمين على التغيير. وعندما تتقاطع الأبوية مع العرق والطبقة، فإن الرجال السود والملونون والرجال من الطبقات العاملة هم من يتعرضون بشكل أكبر لعنف أبوية التفوق الأبيض. فالأخيرة تربط مفاهيم الإرهاب والعنف بالرجال السود والملونين، وتخفي بالتالي العنف الذي ينتجه الرجل الأبيض، ذلك الذي تحميه أبوية الدولة ذات أيدولوجية تفوق العرق الأبيض. 

التنظير والتعليم كممارسة تحررية

كانت هوكس ملتزمة بشكل كبير بسد الفجوة بين النظرية والممارسة، وتحقيق وحدة عضوية بينهما. كتاباتها عن التنظير المعرفي النقدي كممارسة ضرورية ضمن أي حركة تحررية يعدّ من أهم الإنجازات الفكرية التي قدمتها، ليس فقط للحركات النسوية، بل للحركات التي تسعى نحو العدالة الاجتماعية بشكل عام. لا تحمل النظرية، كما تجادل هوكس، مضامين تحررية أو ثورية بطبيعتها. بل تصبح كذلك عندما نوجّهها لهذا الغرض. ففعل التسمية وإطلاق المصطلحات هو امتياز، غالبًا ما يعطي للأفراد في مواقع القوة الوسيلة لإسقاط فهمهم وتحليلهم الخاص الذي يمكن أن يخفي ما هو قائمًا على أرض الواقع.

تدعو الكاتبة الحركات النسوية الثورية على فعل ما هو أكثر من مجرد لفت الانتباه للطرق التي يتم عبرها استغلال النظرية لتدعيم منظومات الهيمنة. فهي تحثّ بالمقابل على خلق نظرية قادرة على تعزيز الحركات والممارسة النسويَّين؛ أي نظرية تحمل وظيفة تحررية وتخلق مساحات للشفاء، ولا تكون محصورة على النخب الأكاديمية والثقافية. تقول هوكس في مقالها المهم «النظرية بوصفها ممارسة تحررية»: «لجأت للنظرية لأني كنت أتألم (..) لجأت لها يائسة، راغبةً بالفهم، فهم ما يحدث حولي وبداخلي. وفوق هذا كله، أردت للألم أن يختفي. لقد رأيت في النظرية مساحةً للشفاء». يجب أن تنطلق النظرية، كما تخبرنا هوكس، من الواقع المعاش، وأن تكون مرتبطة بشكل جوهري بالتعافي الذاتي والتحرر الجمعي، على الممارسة والنظرية أن يكونا في علاقةٍ تبادلية، يدعم كلًا منهما الآخر. 

انتقدت هوكس بشدة التنظير النسوي النخبوي، المعزول ضمن المؤسسات الأكاديمية، والمنفصل عن حيوات النساء اليومية ولغتهنّ المحكية. أي التنظير النسوي الذي يعطي امتيازًا للتفكير النسوي المكتوب فوق الخطابات الشفوية. وتضيف بأن الكتابات النسوية، خاصة تلك التي تنتجها النسويات السوداوات والملونات، غالبًا ما يتم نزع الشرعية عنها وتقويضها في المؤسسات الأكاديمية إذا كانت مكتوبة بلغة تحاول التواصل مع الجمهور العام وتحاول تدعيم الممارسة النسوية. تُوصف هذه الكتابات بأنها ليست نظرية أو أكاديمية بما يكفي؛ فواحدة من وظائف النظرية في الأكاديميا خلق تراتبية فكرية، بحيث تعد الكتابات الأكاديمية المجردة، صعبة الفهم، هي الكتابات النظرية بحق. أما التنظير النقدي النسوي الذي يهدف نحو إغناء ممارسات سياسية تقدمية ويبتعد عن استخدام اللغة النخبوية المجردة يحال لأسفل هذه التراتبية الفكرية. 

جسدت هوكس وتفكيرها النقدي امتدادًا للمنهج الفكري التحرري للسود؛ ذلك المنهج الذي ناضل، وما زال، من موقعه الهامشي والمقاوم، الهيمنة الغربية وعنصريتها المتجذرة.

التنظير النسوي، كما تكتب المفكرة، يكتسب معناه الحقيقي عندما يدعو القراء للتفكير النقدي والممارسة النسوية. ولذلك، عليه أن ينطلق من واقع النساء اليومي وشهاداتهنّ الشخصية، وأن يشتبك في نقد حقيقي لمنظومات القوى المختلفة التي تؤثر على حياتهنّ. هذا النوع من التنظير هو ما سيكفل تحقيق التحول الذي تصبو له النسوية الثورية، أي التحول الذي يعطي النساء اللغة للمقاومة والتقويض، ويعزز الممارسة النسوية. انتهجت هوكس هذه الطريقة في التنظير في كتابتها الأكاديمية. فدائمًا ما كانت تستخدم حياتها الشخصية وحياة من حولها من أجل إنتاج نظرية تحاول فهم هذه التجارب. تطرح الكاتبة الكثير من التساؤلات حول وظيفة التنظير النسوي. فإن لم تكن النظريات التي تنتجها النسويات متجذرة في التزام سياسي نحو الحركات النسوية الجماهيرية، فذلك سيجعلها عرضة للاستحواذ من قبل المنظومات المهيمنة، ونزع الطابع السياسي الثوري عنها. إذ ترى هوكس أن التفكير النسوي أصبح مسلعًا ضمن المنظومة الأبوية الرأسمالية الإمبريالية. ومن أجل أن نحارب هذا التسليع الذي يتعرض له التفكير النسوي، على النسويات الالتزام بحركة نسوية ثورية تكون العدالة الاجتماعية والتحول الراديكالي مركزية لها. يعني التنظير النسوي رفض التماهي مع منظومات الهيمنة، وبالأخص، رفض استغلال النظام النيوليبرالي الحالي للخطاب النسوي النقدي الذي يحاول عزل قضايا النساء عن قضايا التحرر السياسي والعدالة الاقتصادية. 

كتبت هوكس أيضًا عن دور التعليم والتربية النقدية كممارسة تحررية، متأثرةً بكتابات المفكر البرازيلي باولو فريري، وبالتعليم الذي حصلت عليه في مدارس السود في الجنوب. رفضت هوكس الطرق التقليدية المحافظة للتعليم، التي تخلق تراتبية هرمية بين المعلم والطالب، ولا تشجع على التفكير النقدي. بل أصرت، بالمقابل، على أن يكون أسلوبها التربوي قائم على الحوار، وعلى خلق بيئة تعليمية نقدية تستجوب تماهي المناهج الدراسية والجامعات مع منظومات الهيمنة. تأثر الأسلوب التربوي لهوكس بالأساليب التربوية النسوية، والنقدية، والأساليب التربوية المناهضة للاستعمار. وآمنت أن التعليم ليس محايدًا سياسيًا، بل يرتبط بعلاقات قوى تفرض أيديولوجياتها السياسية وسرديتها التاريخية. ولكي يكون التعليم ممارسة تحررية، عليه أن يكون تعليمًا نقديًا، يوضح بنى الهيمنة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتأثيرها على حياتنا اليومية، ويشجع الطلاب على نقد هذه البنى ودحضها، والتنظيم السياسي لمقاومتها.

تكتب هوكس في كتابها الثمين «التعليم من أجل النقض» بأسلوب شخصي تأملي حول تجربتها الشخصية مع التعليم، وعن رفضها لمفهوم الحيادية، وعن أهمية التجارب الشخصية كمساحة للمعرفة، والدور الذي يجب أن تلعبه الجامعة في تحدي أشكال الهيمنة والظلم الاجتماعي، ونقد هياكل الاستعمار والنيوليبرالية والإمبريالية والعنصرية. تحدثت كذلك عن التعليم النقدي كوسيلة لتخيل طرق أخرى للعيش المشترك؛ خارج هياكل الهيمنة التي تحصر تفكيرنا ضمن الحدود التي تضعنا في داخلها. أعطى كتاب هوكس الكثير من النسويات النقديات اللاتي يعملن في الجامعات الغربية أساليب ومهارات تربوية تعزز مشاركة الطلاب في غرفة الفصل، وتشجع الطلاب على الحوار النقدي الهادف، وتتحدى أساليب التعليم التقليدية التي تعكس مصالح الطبقات البرجوازية والسياسية المهيمنة. 

خاتمة

كنسويات عربيات، نتعلم الكثير من المشروع الفكري النسوي لهوكس. تعطينا هذه المفكرة العظيمة اللغة والأدوات التحليلية للتعبير عن قضايانا بشكل تقاطعي راديكالي. جسدت هوكس وتفكيرها النقدي امتدادًا للمنهج الفكري التحرري للسود؛ ذلك المنهج الذي ناضل، وما زال، من موقعه الهامشي والمقاوم، الهيمنة الغربية وعنصريتها المتجذرة. كانت هوكس واضحة في مواقفها؛ فلم تتهاون في نقد بنى الهيمنة الأبوية، والرأسمالية، والإمبريالية، والتفوق الأبيض. وناضلت من أجل حركات نسوية شمولية، تحررية، لا تقصى أي امرأة، وتجعل العرق والطبقة في صلب برنامجها الثوري. عندما نفهم نضالنا النسوي من منظور تقاطعي، كما فهمت هوكس النضال النسوي للنساء السوداوات، نبتعد عن الخطاب الليبرالي النخبوي الذي يرى أن نضال النساء محصورًا بالمساواة مع الرجل. بل نفهم نضالنا بكونه نضالًا ضد الأبوية والثقافة الذكورية، وضد الأنظمة الرجعية العربية البرجوازية، والسياسات النيوليبرالية التي تنتج فقرًا ممنهجًا، وضد الهيمنة الإمبريالية على بلادنا وأجسادنا.

نتعلم من هوكس معنى الحب الراديكالي، الذي يربطنا ببعضنا البعض، ويوجه رؤيتنا وتطلعاتنا السياسية للتغيير. أي الحب الذي يوسّع مداركنا حول عنف سياسات الهيمنة، ومسؤوليتنا الأخلاقية تجاه الآخرين الذين يتعرضون للاستغلال والقمع. فثقافة الهيمنة هي ثقافة معادية للحب؛ تستلزم العنف من أجل المحافظة على هيمنتها وفرض سيطرتها. اختيارنا للحب كممارسة تحررية يعني أن نرفض أشكال التفرقة والتشتيت الممنهج الذي تحاول بنى الهيمنة فرضه علينا. ويعنى أن نرى قضايانا العربية كقضايا جمعية تهمنا جميعًا. الحب الراديكالي يدعونا لرؤية مصائرنا كشعوب عربية بكونها مصائر مشتركة، وتضامننا الشعبي كخيارنا الوحيد للمقاومة. ويدعونا لفهم القضية الفلسطينية كقضية يتجلى فيها تقاطع منظومات الاستعمار والإمبريالية والرأسمالية والأبوية الذي تحدثت عنه هوكس.

نرثي هذه النسوية الثورية ونعلم أن فقدها سيترك فراغًا كبيرًا، ولكن نعلم أيضًا أن إرثها الفكري والنضالي سيظل يلهم الكثير من النساء اللاتي يبحثن عن لغة يتحدثن بها عن آلامهن، وسيظل يلهم الحركات النسوية التحررية في نضالها التقاطعي ضد أشكال الاضطهاد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية