حسين بيكار

حسين بيكار: فن للنخب، والريفيين، والأطفال

تصميم محمد شحادة.

حسين بيكار: فن للنخب، والريفيين، والأطفال

الثلاثاء 03 كانون الثاني 2023

لم يكن من باب المبالغة أن يطلق متحف الفن المصري الحديث على حسين بيكار (1913-2002) لقب «الفنان الشامل»،[1] فقد مارس في مسيرته الطويلة العديد من ألوان التعبير الفني، من الرسم إلى تعليم الرسم إلى النقد إلى كتابة النصوص القصصية والزجل، كما عرف منذ صغره بممارسته العزف على عدة آلات وترية. وكفنان تشكيلي، لم تقتصر أعماله على لون واحد من الرسم، فبقدر شهرته في رسم البورتريهات والمشاهد الطبيعية، احتل حسين بيكار مكانة ريادية في الرسم التوضيحي ورسم الشخصيات الكرتونية الموجهة للأطفال.

بعد عشرين عامًا على رحيله في 16 تشرين الثاني 2002، نستعيد بعض ملامح سيرة حسين بيكار ومسيرته الفنية، وكيف تحققت له تلك المكانة المميزة في الحركة التشكيلية المصرية، والتي كوفىء جراءها بعشرات الجوائز التقديرية.

بورتريه للفنان حسين بيكار بريشته.

طفولته كعازف

ولد بيكار في الثاني من كانون الثاني 1913 لأسرة تنتمي إلى أتراك قبرص، هاجرت إلى مصر بعيد سقوط الخلافة العثمانية، حيث استقرت في حي الأنفوشي على شاطئ الإسكندرية. وفي ذلك الحي تلقى حسين تعليمه الابتدائي، لكن طفولته والسنوات الأولى من يفاعته ارتبطت بموهبته المبكرة بالعزف على آلة العود، إذ لم يكن يتقن فقط العزف على هذه الآلة الوترية في سن الثامنة، وإنما عرف عنه أنه كان يعلم نساء حيه، منذ سن التاسعة، كيفية العزف على العود.

توفي أمين بيكار، والد حسين، وهو في سن مبكرة، وانتقلت والدته به إلى القاهرة، حيث التحق في سن الـ15 بالمدرسة العليا للفنون الجميلة، وهي مدرسة عريقة تعود نشأتها إلى عام 1908، على يد الأمير يوسف كمال، حفيد السلطان محمد علي باشا، لتكون على غرار مدرسة الفنون في باريس. حملت المدرسة لاحقًا اسم كلية الفنون الجميلة، ولعبت دورًا محوريًا في تخريج عشرات الفنانين المصريين الرواد،[2] في مقدمتهم النحات الكبير محمود مختار.

حسين بيكار يعزف العود في طفولته.

كان جميع أعضاء هيئة التدريس في المدرسة العليا للفنون الجميلة، حين التحق بها حسين بيكار، من الأساتذة الأجانب، فيما كانت تعتمد مناهج تدريس تركز على الفنون الغربية، كما هو حال الأكاديميات الغربية الأوروبية. إذ كان على الطالب أن يتعلم قواعد الرسم والمنظور والتجسيم والتصميم بنفس الأساليب الأكاديمية التي عرفتها، ثم تجاوزتها، حركة الفن الأوروبية منذ نصف قرن. لكن كان من حسن حظ بيكار وأقرانه من طلاب المدرسة العليا للفنون، أن ينضم إلى هيئة التدريس قبل تخرجهم منها أوائل المبعوثين المصريين إلى الأكاديميات الأوروبية، حيث زاولوا عملهم أولًا كمساعدين للأساتذة الأوروبيين، ثم كمدرسين وأساتذة فيها.[3]

وهكذا، تتلمذ حسين بيكار على يد الفنان أحمد صبري، أحد أفراد جيل الرواد، بعد عودته من فرنسا والتحاقه كمدرس في المدرسة العليا للفنون الجميلة، وهو الفنان الذي اشتهر بمهاراته الفائقة في رسم «البورتريه» و«الطبيعة الصامتة»، وظل يمارسهما طيلة حياته وفقًا لقواعد صارمة لم يتخلى عنها أبدًا.

الالتحاق بسلك التعليم

تخرج حسين بيكار في المدرسة العليا للفنون عام 1933، وكان من أوائل طلابها البارزين في ذلك العام. لكن محاولاته للعمل كفنان مستقل باءت بالفشل، حيث كانت مصر تعاني من أزمة ركود حادة خلال الثلاثينيات. وهكذا تقلب ما بين عدة أعمال ووظائف، من بينها تنفيذ ديكورات في المعرض الزراعي، كما عمل لقاء مبالغ زهيدة لصالح متحف الشمع بحلوان، قبل أن يلتحق، عام 1935، بسلك التدريس الحكومي للتربية الفنية في الأرياف المصرية. وكان من حظه أن يعين مدرسًا للفنون في قنا لثلاث سنوات، ما سمح له بزيارة المعابد الفرعونية في الأقصر، ودراسة معالم النحت والعمارة المصريين.[4]

عام 1939، أُوفد بيكار كمعلم للرسم مع عدد من المعلمين المصريين للتدريس في المغرب، حيث قضى هناك ثلاث سنوات، كانت ذات تأثير بالغ على تكوينه الفني والثقافي. ومن تطوان التي كانت تخضع للحماية الإسبانية حينذاك، تنقل بيكار في أرجاء المغرب وإسبانيا، ورسم مشاهد من الطبيعة والحياة المغربية، كما سجلت لوحاته حلبات مصارعة الثيران في إسبانيا. ويرى الناقد المصري عز الدين نجيب أن أعمال بيكار أثناء إقامته في المغرب ورحلاته إلى إسبانيا حملت نقلة نوعية في مسيرته الفنية وخلفت وراءها بعضًا من أفضل نتاجاته الفنية، سواء على صعيد المشاهد الطبيعية الغنية بالألوان أو صور الوجوه التي طالما برع فيها.[5]

فتى من المغرب، لوحة لحسين بيكار، من المرحلة المغربية.

من ناحية أخرى، تعلم حسين بيكار اللغة الإسبانية حتى أتقنها وتحدث بها بطلاقة. وفي تطوان، خاض أولى تجاربه في فن الرسم التوضيحي، حيث وضع رسومًا توضيحية لكتاب تعليم اللغة الإسبانية، بناءً على طلب مؤلفه، الذي طلب إليه ترجمة الكلمات إلى صور، وهي تجربة ستقوده لاحقًا لاحتراف هذا النوع من الرسم بقية حياته.

عاد بيكار عام 1943 إلى مصر، ليعين مساعدًا لأستاذه أحمد صبري في المدرسة العليا للفنون الجميلة، حيث عمل أولًا معلمًا في القسم الحر للكلية، ثم تولى بعد أحمد صبري رئاسة القسم، ثم انتقلت إليه رئاسة قسم التصوير بعدما أصبحت المدرسة كلية، بعد تقاعد أستاذه وصديقه أحمد صبري. وخلال السنوات التي تولى فيها التدريس في كلية الفنون، تخرج على يديه عشرات الفنانين الذين شكلوا ملامح الفن التشكيلي المصري المعاصر.[6]

من تعليم الفن إلى الصحافة

ظهرت براعة حسين بيكار في وضع الرسوم التوضيحية للنصوص الأدبية مع تصميمه لغلاف كتاب «الأيام» لطه حسين ووضعه مجموعة من الرسوم الداخلية لفصول هذا الكتاب، الذي يوثق بشكل روائي لمسيرة حياة عميد الأدب العربي.

تلى ذلك عمله كرسام لمجلة «سندباد»، أول مجلة أطفال عربية، والتي صدر عددها الأول في الثالث من كانون الثاني 1952. حيث دشن بيكار من خلالها، ومن خلال رسمه لقصص كامل الكيلاني، المداميك الأولى لفن رسم قصص الأطفال في مصر والعالم العربي.

غلاف أحد أعداد مجلة «سندباد» من رسم حسين بيكار.

عام 1959، وقعت انعطافة جوهرية أخرى في مسار حسين بيكار الفني، حين طلب منه الصحفيان الشهيران علي ومصطفى أمين التفرغ للعمل في صحيفتهما «أخبار اليوم»، ما أتاح له التحرر من ممارسة تدريس الفنون التي استمرت لمدة 17 عامًا متصلة. أما الوظيفة التي شغلها حسين بيكار فقد تمثلت في العمل كمراسل خارجي للصحيفة، عن طريق إعداد تحقيقات صحفية عن أماكن مختلفة من العالم، معززة بتخطيطاته ورسومه. وقد قادته هذه الوظيفة إلى زيارة بلدان عدة في أفريقيا وأوروبا، ولا سيما دول المغرب العربي وإسبانيا وأثيوبيا وسوريا. لكن هذه التحقيقات المصورة توقفت مع تأميم «دار أخبار اليوم»، وبقية المؤسسات الصحفية المصرية، عام 1962. مع ذلك، واصل بيكار كتابة عموده الدائم في النقد الفني في الصحيفة، كما خرج بسلسلة من الرباعيات الزجلية المشفوعة برسومه، التي كانت تنشر أسبوعيًا. ورغم تقلب الأوضاع التي عرفتها صحف دار «أخبار اليوم» على مدار العقود اللاحقة، فقد ظل مرتبطًا بها، يرسم للمجلات والكتب الصادرة عنها، حتى يقال إن عدد الكتب التي رسم أغلفتها قاربت الألف كتاب.[7]

«الأعجوبة الثامنة»

أحد الرسوم التي أنجزها حسين بيكار لفيلم «ينابيع الشمس».

في عام 1962، ومع بدء بناء السد العالي على نهر النيل في أسوان جنوب مصر، برز تحدي إنقاذ معبد أبو سمبل الفرعوني الذي باتت مياه السد تهدده بالغرق، إذا لم يتم نقله إلى مكان آخر أكثر ارتفاعًا. وقد نجحت الحكومة المصرية في استدراج الدعم الدولي لإنقاذ المعبد، الذي يعد من أبرز معالم الحضارة الفرعونية، ويعود بناؤه إلى عهد رمسيس الثاني. حيث رعت منظمة اليونسكو عملية تفكيك المعبد وإعادة تركيبه في مكان آخر، في واحدة من أعقد العمليات الهندسية التي عرفها العالم المعاصر، والتي أطلق عليها لقب «الأعجوبة الثامنة».

وبالتوازي مع هذه العملية ظهرت فكرة إنتاج فيلم سينمائي يوثق تاريخ هذا المعبد منذ لحظة بنائه وحتى ساعة تفكيكه ونقله إلى موطنه الجديد. وبناءً على اقتراح الفنان حسن فؤاد مدير مركز الأفلام الوثائقية، طلب وزير الثقافة ثروت عكاشة من حسين بيكار إعداد رسوم الفيلم الذي تولى المخرج الكندي جون فيني (John Feeny) إخراجه.

بلغ عدد الرسوم التي أعدها حسين بيكار والتي تصور مراحل بناء المعبد 80 لوحة،[8] من بينها رسوم تتخيل الاحتفال بافتتاح معبد أبو سمبل بحضور الملك رمسيس الثاني وزوجته الجميلة نيفرتيتي. وقد احتاج حسين بيكار إلى عامين من العمل للانتهاء من إعداد الرسوم التاريخية، والتي استعان من أجل تنفيذها بالعديد من المراجع التاريخية، فضلًا عن المعاينة الميدانية لهندسة هياكل المعبد. أنتج الفيلم الذي حمل اسم «ينابيع الشمس»، باللغتين العربية والإنجليزية، واستخدم في ترويج عملية إنقاذ هذا المعبد، وعرض في العديد من المحافل الثقافية الدولية، ولا سيما في مهرجان برلين للأفلام الوثائقية عام 1973.

لوحة أخرى لحسين بيكار أعدت لفيلم «ينابيع الشمس» أو «الأعجوبة الثامنة» للمخرج جورج فيني.

بيكار فنان البورتريه

أطلق المؤرخون والنقاد على حسين بيكار صفة «الفنان الشامل» و«الفنان المتعدد» لتنوع مقارباته ومساهماته الفنية، وكان يمكن لواحدة من هذه المساهمات أن تكفل له الخلود. ولعل أولها تميزه في فن البورتريه، حيث خلف وراءه عشرات الأعمال التي تجسد موهبته في رسم الوجوه. وتحتفظ متاحف مصر، لا سيما المتحف المصري للفن الحديث، ومتاحف الإسكندرية، بالعديد من هذه الأعمال.

لوحتان شخصيتان لحسين بيكار.

تطورت موهبة حسين بيكار المبكرة في رسم الوجوه، من خلال تتلمذه على يد أستاذ النحت في المدرسة العليا للفنون فريدمان كروزيل، حيث يصف بيكار ما تعلمه منه بقوله «في جلسات الرسم كان يعلمني ما لا أعرفه، ومن تلك الدروس قوله: أنت أمام البورتريه يجب أن تشعر بأنك تخاطبه، فلا بد أن تكون الجلسة حوارية (بين الرسام والشخص موضوع البورتريه). هناك نوع من الترابط العقلي والوجداني بينكما. وهكذا يتحول العمل الفني، البورتريه، من لحظة زمنية عابرة في عمر الزمن إلى لحظات متراكمة، لتكون نسيجًا أو كتلة أو شخصية معينة».

من أعمال حسين بيكار في رسم البورتريه.

ويضيف بيكار: «إن عملية رسم شخصية هي مواجهة وحوار بلغة العين، حيث العين هي أداة اللقاء المباشر بين الفنان ومن يواجهه، ولا بد من أن تشع في عيون الموديل طبيعته وتكوينه، وفنان البورتريه ينجح حينما يصطاد ملامحه الداخلية، وهو ما يعطي العمل الفني قيمته».[9]

من أعمال حسين بيكار في رسم البورتريه.

طور حسين بيكار مواهبه الفطرية في رسم البورتريه من خلال تتلمذه على يد الفنان أحمد صبري الذي تحولت علاقته به إلى صداقة وزمالة امتدت حتى وفاة الأخير عام 1955. لكن بينما ظل أحمد صبري أسير أكاديميته الصارمة، فإن بيكار طور صيغة أسلوبية «يقبلها المواطن العادي، كما يقبلها المثقف الذواق للفن»، حسب تعبير الناقد عز الدين نجيب، الذي يضيف «لقد نجح بيكار فعلًا في الوصول إلى هذه الصيغة، التي اتسمت باحترام العنصر الإنساني كبطل أساسي في لوحاته سواء كبورتريه أو كتكوين، محققًا بملامسه الناعمة وخطوطه الانسيابية وألوانه الشفيفة ومساحاته الزخرفية هارمونية حالمة».[10]

بيكار رائد رسم مجلات الأطفال وكتبهم

لكن بينما حفظت لوحته المسندية مكانته في الصفوف الأولى للجيل الثاني من فناني مصر التشكيليين، وخاصة لوحات «البورتريه» التي رسمها لوجوه عشرات من عرفهم أو صادفهم في مسيرته، فإن تأثيره في هذا المجال ظل أسير النخب المصرية المثقفة، من رواد الصالات والمتاحف الفنية، بخلاف مساهمته اللاحقة في تطوير فنون الرسم الموجه للأطفال، ومن ثم رسومه التوضيحية التي غطت على مدار عقود، الصحف والكتب الصادرة عن دار «أخبار اليوم»، وهي مساهمات فتحت الطريق وأرست تقاليد الرسم للأطفال وللنصوص الأدبية والتحقيقات الصحفية أمام أجيال لاحقة من الرسامين وفناني الجرافيك والأعمال الطباعية.

العددان الأول والثاني من مجلة سندباد.

لقد اعتمدت مجلة «سندباد» (1952 – 1960) التي كانت تصدر عن «دار المعارف» بصورة شبه تامة على حسين بيكار، الذي ظل يرسمها من الغلاف إلى الغلاف، أسبوعيًا، قبل أن ينضم إليها جيل جديد من رسامي الصحافة، كان من أبرزهم زهدي العدوي، وكمال الملاخ، ويوسف فرنسيس، ومحي الدين اللباد، وماريو موريلي، وهو رسام إيطالي كان يعيش في مصر. لقد منح بيكار مجلة «سندباد» شخصياتها الرئيسية التي اشتهرت بها، ولا سيما «سندباد» القادم من حكايات ألف ليلة وليلة، الذي كان يصوره على هيئة طفل حاملًا عصاه وصرّته ومنظاره، بينما يتبعه كلبه «نمرود» في مغامراته الأسبوعية. كما رسم بيكار بقية شخصيات سلسلة رحلات سندباد بحثًا عن أبيه «شهبندر»، مثل أخته «قمرزاد»، وعمته «منيرة»، وابن عمه «صفوان»، وغيرها من الشخصيات التي كانت تظهر وتختفي بين الحين والآخر.[11]

لم تتوقف مساهمات حسين بيكار الموجهة إلى الأطفال على مجلة «سندباد»، وإن كانت أكثرها شهرة، بل تعدتها إلى إعداد جزئين من «القراءة الجديدة»، وهي من الكتب المدرسية الخاصة بطلبة المرحلة الابتدائية. كما ألف بيكار ورسم سبعة كتب أخرى موجهة إلى الأطفال.[12]

بيكار كرسام للمشاهد الطبيعية

المرأة الريفية والنوبية كانت لها الحظوة في أعمال حسين بيكار.

حظيت الطبيعة المصرية، ولا سيما المشاهد الريفية بحصة كبيرة من أعماله، حيث طور أسلوبه الخاص في رسم الطبيعة والشخصيات الريفية، والذي اشتقّه من الفن المصري القديم والتراث الفني العربي، وهو أسلوب منح لوحاته مسحة من الروحانية والصفاء وقوة التعبير، معتمدًا على خطوط موجزة وتكوين بسيط، تسوده مساحات لونية واسعة.

لم يكن يرسم الواقع كما هو، وإنما كما يراه هو، أقرب إلى الأحلام، وكذلك هي شخصياته ولا سيما الفلاحات والفلاحين وأبناء النوبة. أما المنازل الريفية، فهي أقرب ما تكون إلى المنازل الأسطورية، منها إلى البيوت الواقعية. بكلمات أخرى، خلق حسين بكار في لوحاته الريفية عالمًا سحريًا نظيفًا، يشع بالجمال والاتساق.[13]

إلى جانب رباعياته الزجلية الأسبوعية والرسوم التي ترافقها، واظب بيكار على كتابة مقالة نقدية في «أخبار اليوم»، يتناول فيها المعارض والأحداث الفنية الهامة. مما ساهم في نشر الثقافة الفنية لدى جمهور الصحيفة، وفي التعريف بالفنانين المصريين الراسخين منهم والوجوه الجديدة الصاعدة. أما ممارسته للعزف على العود والبزق والآلات الوترية الأخرى، فلم تفارقه حتى أواخر حياته،[14] إذ كانت جزءًا من شخصيته، التي خلدها معلمه وصديقه أحمد صبري في لوحة تجسده محتضنًا العود، وهي واحدة من أجمل أعمال صبري.

ورغم قلة المعارض الشخصية التي أقامها بيكار لأعماله، حيث لا يزيد عدد المعارض عن ستة، أقيمت ما بين عامي 1985 و1997، إلا أن مشاركاته في المعارض الجماعية، محليًا ودوليًا، تعد بالعشرات.

بورتريه لحسين بيكار وهو يعزف على العود، بريشة الفنان أحمد صبري.

ولا تكتمل صورة الفنان بدون الحديث عن شخصيته كإنسان، حيث وصفه كل من عرفوه بصاحب الخلق الرفيع وعفة اللسان والتواضع. وقد خلف ورائه قصصًا تكاد لا تصدق عن أخلاقه المهنية مثل، رفضه أخذ مكافأة عن عمل إضافي في «دار أخبار اليوم»، لأن عقده معها «يشمل عمله الأساسي وأية أعمال إضافية يكلف بها»، أو حين تردت حالته الصحية، فتنازل عن نصف مرتبه، الذي كان يتقاضاه لقاء كتابة مقالة أسبوعية ورسم له في صحيفة «الأخبار»، بعد أن اعتذر عن كتابة المقالة واكتفى بالرسم للصحيفة. بل إنه عندما تدهورت صحته واستدعت سفره للعلاج خارج مصر على نفقة الدولة، ادعى أن صحته قد تحسنت حتى لا يحمل الدولة نفقات علاجه![15]

حين توفي حسين بيكار كان قد قارب التسعين من عمره، أمضى منها نحو 70 عامًا في الرسم وتعليم الرسم للآخرين، وكتابة النقد الفني والزجل. وقد صدرت له العديد من المؤلفات عن الفنانين المصريين المعاصرين، ولعل أبرزها كتابه عن صديقه ومعلمه الفنان أحمد صبري، عام 1983، كما صدرت له كتب تضمنت لوحاته ورسومه مثل «صور ناطقة» و«ألوان وظلال»، وقد صدر كل منهما في جزئين، وألحقهما بكتاب مصور حمل عنوان «لوحة وموال». وصدرت جميعها عن دار أخبار اليوم.

وقد ناله التكريم في حياته، داخل مصر وخارجها، بمنحه عشرات الجوائز التقديرية، لعل أبرزها تلك التي حملت اسمي الرئيسين جمال عبد الناصر (1975) وحسني مبارك (2000). لكن المقالات التي كتبت عنه في مناسبات مختلفة، منذ رحيله، تذكر بأن حسين بيكار باقٍ من خلال أعماله وحياته الغنية كما لو أنه ما زال حيًا.

  • الهوامش

    [1] «متحف الفن المصري الحديث»، وزارة الثقافة، قطاع الفنون التشكيلية، القاهرة، 2005. ص 104.

    [2]  وهم الفنانون الرواد راغب عياد، ويوسف كامل، وأحمد صبري.

    [3]  غازي انعيم، «الفنان حسين بيكار تميزت أعماله برشاقة اللمسة وجرأتها»، عرب 22، بتاريخ 12/6/2021.

    [4]   عز الدين نجيب، «التوجه الاجتماعي للفنان المصري المعاصر»، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1997. ص 91.

    [5] سيرة الفنان حسين بيكار، موقع قطاع الفنون التشكيلية.

    [6]  د. محمد الناصر، نصف الدنيا، 24 تشرين الثاني 2002. المعرفة.

    [7]  إبراهيم عبد الملاك، مجلة نصف الدنيا، 2002، المعرفة.

    [8] محمد الناصر. مصدر سابق.

    [9]  محمد الناصر. مصدر سابق.

    [10] عز الدين نجيب، مصدر سابق. ص 66.

    [11] عرفت المجلة نفسها بعبارة «مجلة الأولاد في جميع البلاد»، وكانت تصدر أسبوعيًا عن «دار المعارف» بالقاهرة، كل يوم خميس. ويكيبيديا.

    [12] رسم حسين بيكار عددًا من قصص الأطفال التي كتبها كامل الكيلاني، أحد أبرز رواد كتابة قصص الأطفال في مصر والعالم العربي، وصدرت عن «دار المعارف»، القاهرة.

    [13] عز الدين نجيب، مصدر سابق، ص 66.

    [14] انتسب بيكار في شبابه المبكر إلى معهد الموسيقى العربية، وأسس فرقة شعبية مع بعض أصدقائه. غازي انعيم، مصدر سابق.

    [15] انظر/ي شهادات عدد من زملاء بيكار الصحفيين في ذكرى وفاته: مهاب القاضي، وأحمد رجب، وإبراهيم سعده، وخالد منتصر، في «لمحات عن الفنان حسين بيكار».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية