«فجر كل شيء»: تحدّي ديفيد غريبر الأخير

الخميس 04 تشرين الثاني 2021
تصميم توفيق الضاوي.

نشر هذا المقال بالإنجليزية في مجلة «تريبيون» البريطانية في 19 تشرين الأول 2021.

لأساطير النشوء حول العالم تأثير نفسي أساسي: بغض النظر عن مصداقيتها العلمية، لدى هذه الأساطير القوة المخادعة لتبرير الوضع الراهن، مع تحديد حسّ المرء بما يمكن أن يبدو العالم عليه مستقبلًا في آن معًا. فقد بنى المجتمع الرأسمالي الحديث نفسه على نسختين من مثل هذه الأسطورة.

بحسب إحدى الروايات، كانت الحياة بالنسبة للصيادين وجناة الثمار البدائيين «سيئة ووحشية وقصيرة» حتى اختراع الدولة التي أتاحت لنا الازدهار. بينما تروي الروايات الأخرى بأن البشر كانوا سعداء وطلقاء في حالة الطبيعة «الطفولية»، وأنهم فقط بمقدم الحضارة «هرولوا مندفعين إلى أصفادهم».

هذان تنويعان على الأسطورة ذاتها، لكونهما يفترضان مسارًا تاريخيًا أحاديًا يبدأ بزمر بسيطة متساوية من الصيادين وجناة الثمار، وينتهي بالتعقيد الاجتماعي المتزايد والهرمية. كما أنهما يغذيان منظورًا قدريًا متشابهًا للمستقبل: سواء أتماشينا مع هوبز (التنويع الأول) أو روسو (التنويع الثاني) نجد أنفسنا أمام فكرة أن أقصى ما بمقدورنا القيام به لتغيير مأزقنا الراهن هو -في أحسن الأحوال- القليل من الترقيع السياسي المتواضع. فالهرمية واللامساواة هما الثمن المحتوم الذي علينا دفعه لبلوغنا سن الرشد.

تصور نسختا الأسطورة الماضي البشري كحساء بدائي من زمر صغيرة من الصيادين وجناة الثمار، الذين يفتقرون إلى الرؤية والفكر النقدي، حيث لم يحدث الكثير إلى أن أقبلنا على عملية بلغت أوجها بالتنوير الحديث، وذلك بدخول الزراعة وولادة المدن. 

ما يجعل من كتاب غريبر ووينغرو «فجر كل شيء» عملًا كلاسيكيًا آنيًا وملحًا هو هدمه الشامل والعلمي لهذه الأسطورة، أو ما يسميانه «أسطورة المتوحش الغبي». ذلك أنه ما من ذرة من الدلائل الأثرية تنبئنا بأن صورة الماضي الإنساني تقترب ولو من بعيد مما تدعيه هذه الأسطورة المؤسسِّة.

على العكس من ذلك، تبين الدلائل المتوفرة أن مسار التاريخ الإنساني كان متنوعًا وأكثر إثارة وأقل إضجارًا مما نميل لافتراضه، وذلك لأنه لم يكن يومًا «مسارًا». حيث إننا لم نعش يومًا بشكل مستمر في زمر صغيرة من الصيادين وجناة الثمار. كما لم نكن يومًا متساوين بشكل دائم. فإذا كان هنالك من خصلة محددة لظروفنا ما قبل التاريخ، فهي القدرة المذهلة على التنقل -وباستمرار تقريبًا- عبر مصفوفة متنوعة من الأنظمة الاجتماعية من كافة الأشكال السياسية والاقتصادية والدينية.

يحاجج غريبر ووينغرو بأن الطريقة الوحيدة لتفسير هذه التشكيلة المتغيرة للأشكال الاجتماعية هي بافتراض أن أسلافنا لم يكونوا على هذا القدر من الغباء حقًا، وإنما كانوا -بدلًا من ذلك- لاعبين سياسيين واعين بذواتهم، وقادرين على تشكيل ترتيباتهم الاجتماعية اعتمادًا على ظروفهم. حيث يختار الناس في أغلب الأحيان، التحول موسميًا بين الهويات السياسية الاجتماعية، لتفادي أخطار القوة الاستبدادية الدائمة.

لذلك، بدل التساؤل حول «لماذا نشأت اللامساواة؟»، فإن السؤال الأجدر بالطرح حول التاريخ البشري هو «لماذا علقنا فيها؟». هذا واحد من العديد من المزاعم المماثلة المطروحة في هذا الكتاب المذهل.

انقلاب السردية

يستمد الكتاب الكثير من قيمته من مقاربته الانتقائية. فديفيد وينغرو هو أستاذ الآثار المقارنة في جامعة كاليفورنيا، وهو معروف بأعماله حول التحولات السياسية والثقافية المبكرة في إفريقيا وأوراسيا. أما ديفيد غريبر، الذي توفى فجأة في أيلول 2020، فهو أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة لندن للاقتصاد، ويعتبر على نطاق واسع ألمع أنثروبولوجيي جيله. 

معًا، يستكشف الباحثان مجموعة من الاكتشافات الأثرية الحديثة التي تثبت شذوذها عن السردية النموذجية (على سبيل المثال، وجود مدن قديمة مساواتية على نطاق واسع)، والتي كانت معلومة لحفنة من الخبراء الذين لم يفصحوا عن تداعياتها حتى الآن. فالاكتشافات الأثرية تقيّم في هذه الحالة من زاوية الأنثروبولوجيا. والناتج بالتالي جولة شاملة عبر الماضي، تثب من قارة إلى قارة ومن نطاق اجتماعي إلى آخر، لتسرد روايات قد تبدو ككشف، بالاعتماد على إلمام القارئ بالسجل الأثري. 

نتعلم، على سبيل المثال، بأن التماثل في الثقافة المادية عبر أوراسيا في العصر الحجري العلوي كان يعني أن الناس عاشت في مجتمع متخيل على نطاق واسع عبر القارات، مما يضع حدًا لفكرة أن «البدائيين» قضوا وقتهم في زمر منعزلة. وقد تناقص حجم المجتمعات المنفردة عبر مسار التاريخ الإنساني على غير ما هو متوقع، بتزايد عدد السكان.

نتحرى من مواقع أثرية مثل غوبكلي تبه في تركيا أو هوبويل في أوهايو أن الناس كانت تتجمع موسميًا من أراضٍ بعيدة، فيما بدا مراكز ضخمة للتبادل الثقافي والترفيه وتبادل المعرفة. فقطع مسافات طويلة مع توقع ملاقاة الترحيب في مجتمع ممتد كان سمة نموذجية لحياة أسلافنا. 

ما يجعل «فجر كل شيء» عملًا كلاسيكيًا آنيًا وملحًا هو هدمه الشامل والعلمي لـ«أسطورة المتوحش الغبي». ذلك أنه ما من دلائل أثرية تنبئنا بأن صورة الماضي الإنساني تقترب مما تدعيه هذه الأسطورة المؤسسِّة.

ينتقل الكتاب للحديث حول الزراعة. حيث كان الرأي الراسخ أن ولادة الزراعة عنت إلى حد ما النشوء التلقائي للمجتمعات ذات الشرائح التراتبية. بيد أن هذا الافتراض يصطدم بمشكلة حالما نتناول ظاهرة مثل «لعبة الزراعة» عبر أمازونيا. حيث قررت مجتمعات بلا زعيم مثل النامبيكوارا [السكان الأصليين القدامى للبرازيل]، ورغم إلمامهم بالتقنيات الزراعية لتدجين النباتات، ألا تجعل -عن وعي- من الزراعة أساسًا لاقتصادها، وأن تختار نهجًا مريحًا تنقل بمرونة ما بين البحث عن الطعام البري والزراعة (انبثقت الزراعة عمومًا في غياب بدائل أسهل).  

نتعلم أيضًا أن أوائل المجتمعات الزراعية في الشرق الأوسط شكلت نفسها كاستجابات مساواتية وسلمية أمام النهابين الكواسر في التلال المحيطة. وكانت النساء في الغالب هنّ من دفع نمو العلوم الزراعية هناك. كما نتعلم أن أعمال الري المعقدة في بعض هذه الأماكن قد نُفذّت جماعيًا بلا زعماء، وحتى حيث تواجدت الهرمية، جرى تنفيذ هذه الأعمال رغم وجود السلطات، لا بسبب وجودها. كان مسار الانتشار التدريجي للزراعة عبر الكرة الأرضية غير أحادي بدرجة لم يتوقعها أحد في السابق.

ينتقل الكاتبان فيما قد يعتبر أفضل فصل في الكتاب لدراسة المدن. في يومنا هذا، تعتبر مجرد فكرة مدن المساواة واسعة النطاق ضربًا من اليوتوبيا. إلا أن غريبر ووينغرو يجادلان بأنه لا يجدر اعتبارها كذلك، حين نبدأ بالتفكير في المدن كائتلاف، في فضاء مادي مفرد، لجماعات متخيلة متمددة وموجودة مسبقًا، لها روحها المساواتية وأعرافها. حدث هذا موسميًا في البداية، ومن ثم أصبح ثابتًا، عبر تجارب واعية في الشكل المديني.

تقدم مواقع مثل جاتال هويوك في جنوب الأناضول وغيرها شواهد لا جدال فيها على وجود ماضٍ لمثل هذه المدن، حيث لا يوجد أثر لحكم استبدادي. (فعادة يتجسد مثل هذا الحكم على شكل قصور ومعابد وتحصينات، إلخ). بينما تظهر مدن قديمة أخرى، مثل كاهوكيا في المسيسيبي أو شيماو في الصين، دلائل على خلافة زمنية لأنظمة سياسية مختلفة، تتحرك أحيانًا من الاستبدادية إلى المساواتية، مفسحة المجال لاحتمالية الثورات المدينية كتفسير محتمل للتغيير. 

يركز الفصل الأخير على «الدولة»، أو بالأحرى على كيف أنه من المضلل تعريف مجتمعات كالإنكا والأزتيك على أنها «دول أولية»، حيث كانت أكثر تنوعًا بكثير مما يجعلنا هذا المصطلح المكبّل نعتقد. من مجتمعات الأولمك والشافين في أمريكا الوسطى، إلى الشيلوك في جنوب السودان، يمنحنا كتاب «فجر كل شيء» لمحة عن تنوع البنى الاستبدادية عبر التاريخ. ونلتقي في نهاية الكتاب بالجوهرة الأثرية مينيون في كريت -التي يصفها الكاتبان بـ«منبّه جميل لعلم الآثار»-، حيث تشير كافة الشواهد على وجود نظام قديم لحكم سياسي أنثوي، وعلى الأرجح سلطة دينية يديرها مجمع من الكاهنات. 

هنالك المزيد، فالفكرة المهيمنة عبر كل الفصول هي أننا إذا ما أردنا عقلنة كافة هذه المظاهر يلزمنا أن نعيد القصدية البشرية الجمعية إلى صورة التاريخ البشري، كمتغير توضيحي حقيقي وأصيل؛ أي أن أسلافنا كانوا كائنات واسعة الخيال قادرة بلا نزاع على خلق أنظمتها الاجتماعية عن وعي بالذات.

لا يهمل المؤلفان إطلاقًا أهمية المحددات البيئية. بل يعتبرون جهدهم تحريكًا للبوصلة إلى موقع أكثر اتزانًا على طيف الفاعلية-الحتمية، الذي يتخذ بالعادة طرفًا واحدًا دون آخر. الاستنتاج الرئيس هو أن هذه النظرة الجديد إلى ماضينا تمّدنا بحسّ موسع للاحتمالات لما يمكن أن نفعله بأنفسنا في المستقبل، لتتلاشى المشاعر القدرية حول الطبيعة البشرية عند تقليب الصفحات.

مستقبل أكثر حرية

ملتزمين بقانون أوستروم القائل «كل ما يصلح بالممارسة يجب أن يصلح بالنظرية»، يضع غريبر ووينغرو إطارًا جديدًا لترجمة الواقع الاجتماعي الذي أخرجته الاكتشافات الإمبريقية للنور.

يحثّنا المؤلفان أولًا على التخلي عن مصطلحات مثل مجتمعات «بسيطة» أو «معقدة»، إضافة إلى «أصل الدولة» أو «أصل التعقيد الاجتماعي». حيث تقتضي هذه المصطلحات ضمنًا نوعًا من الفكر الغائي المطعون به في هذا الكتاب. ينطبق الأمر ذاته على «أنماط الإنتاج»، فاعتماد المجتمع على الزراعة أو صيد الأسماك هو معيار ضعيف للتصنيف، لأنه يكاد لا يخبرنا شيئًا حول الديناميات الاجتماعية.

ثانيًا، يطرح المؤلفان بعض التصنيفات الوصفية الجديدة. حيث يبينان، على سبيل المثال، أنه يمكن تفتيت السيطرة الاجتماعية إلى ثلاثة عناصر؛ السيطرة على العنف، والسيطرة على المعرفة، والسلطة الكاريزمية، حيث ينتج تبديل هذه العناصر أنماطًا ثابتة متسقة عبر التاريخ. وبينما تجسد الدولة القومية الحديثة الأنماط الثلاثة، إلا أن أغلب المجتمعات الهرمية في الماضي امتلكت واحدًا أو اثنين منها، مما أتاح للناس الذين عاشوا في ظلّها درجةً من الحرية بالكاد يمكن تصورها في يومنا هذا.

المجتمع الذي يمكن أن يتقبل الرواية المقدمة في هذا الكتاب على أنها الرواية الرسمية لأصله -لتصبح رواية تُدرس في مدارسه، وتتسرب إلى وعيه العام- لا بد أن يكون مختلفًا بشكل راديكالي عن المجتمع الذي نحيا فيه اليوم.

يستقصي غريبر ووينغرو مطولًا هذه النقطة الأخيرة. فكتاب «فجر كل شيء» أكثر من مجرد عمل حول اللامساواة، بل هو أطروحة في الحرية الإنسانية. حيث يحددان في تحليل السجل الأنثروبولوجي ثلاثة أنواع من الحرية؛ حرية هجر المرء لجماعته (مدركًا بأنه مرحب به في بلاد بعيدة)، وحرية تعديل النظام السياسي (غالبًا موسميًا)، وحرية عصيان السلطات بلا عواقب. يبدو أن هذه الأنواع من الحرية كانت مفترضة ببساطة بين أسلافنا ولكنها باتت مفقودة في الغالب الآن (ومن الواضح أن استنتاجهم بعيد كل البعد عن استنتاج روسو: لا شئ حتمي في هذه الخسارة!).

هذا التحليل يقلب السؤال الذي يتوجب على المرء طرحه حول التطور التاريخي للهرمية على رأسه، «فالمعضلة الحقيقية» كما يجادلان «لا تكمن في متى ظهر الزعماء لأول مرة، بل في متى أصبح من المستحيل طردهم ببساطة».

ما يجعل هذا الكتاب مبهرًا هو الطبيعة المغايرة لهذه الظواهر التي نصادفها به، على الأقل بالنسبة للعيون المعاصرة. فبحديثه عن مهرجانات السكان الأصليين، وصيادي الرؤوس ورسومات الجماجم، والملوك الغرباء، والثورات، وفنون الشامان، واستطلاع الرؤى، يبدو الكتاب كأنه عمل من الخيال العلمي، باستثناء أن ما يثبت في النهاية على أنه خيالي هي آراؤنا الموروثة حول التاريخ الإنساني. والكتابة ظريفة في الغالب، وأحيانًا مضحكة. ولكن في الوقت ذاته، ونظرًا إلى أنه بالكاد تخلو فقرة فيه من الأفكار المتبصرة الغنية، فهو كتاب يتطلب أن يتم تناوله بصبر، حيث يتربع في فئة تختلف عن كافة المجلدات التي اعتدنا قراءتها حول تاريخ العالم.

يقزّم كتاب «فجر كل شيء» فكريًا أشخاصًا من أمثال ستيفن بينكر أو جاريد دايموند أو فرانسيس فوكوياما (ويوفال نواه هراري أيضًا). فكلما حاول غير المختصين أن يجربوا في كتابة التاريخ البشري، انتهوا حتميًا إلى إعادة إنتاج الأساطير القديمة ذاتها التي اعتدنا عليها. لنأخذ بينكر على سبيل المثال، فرغم كل حديثه عن التطور العلمي، يكاد كتابه يكون مكتوبًا في زمن هوبز، أي في القرن السابع عشر، عندما لم تتوفر أي من الشواهد التي تم الكشف عنها مؤخرًا. يفضح غريبر ووينغرو عرَضًا عدم الكفاءة المفزعة لأولئك الكتاب الرائجين في تناولهم للسجلات الأنثروبولوجية. حيث إن التمكن الراسخ من هذه السجلات، أي النطاق الموثق الكامل للإمكانيات البشرية، يوفر عدسة تفسير موثوقة للماضي البعيد. ذلك أنها تمنح الباحث حسًا منقحًا ومصقولًا بإيقاعات التاريخ البشري.

إحدى تجارب الخوض في هذا الكتاب، على الأقل في حالتي، هي الإدراك التدريجي بأن القارئ في حضرة حالة شاذة فكريًا؛ شيء يصعب موضعته داخل المشهد المعاصر للنظرية الاجتماعية. من خلال تبني «السردية الكبرى» مرة أخرى، يُحدث الكتاب قطيعة مع النزعات ما بعد البنيوية وما بعد الإنسانوية المتفشية في البيئة الأكاديمية المعاصرة. ذلك أننا نعلم أن غريبر على الأقل كان يحب أن يعتبر نفسه «ما قبل إنسانويّ»، متوقعًا أن يرى الإنسانية تحقق كامل إمكاناتها. 

يمكن للمرء أن يعتبر هذا العمل -بالتأكيد- إسهامًا في هذا الاتجاه. كما يمكن له أن يعتبره عملًا ينتمي إلى تقليد التنوير (باستثناء أن أحد أهم الادعاءات في الكتاب هي أن الفكر التنويري قد تطور إلى حدٍ كبير كردّ على نقد مراجعات المفكرين الأصليين في المجتمع الأوروبي آنذاك). أما كيف يستقيم مع النظرية الأثرية والأنثروبولوجية الراهنة، فإن الكتاب اكتساح حقيقي لا أعتقد أنه يسمح بالمقارنة السهلة.

إن كان لا بد من المقارنات، فلتكن مع أعمال من طراز مشابه في حقول أخرى، وأجازف بالقول لتكن المقارنة مع أعمال غاليليو أو داروين. فما يفعله غريبر ووينغرو للتاريخ الإنساني هو ما فعله هذان الإثنان في مجال الفلك والبيولوجيا على التوالي. فالكتاب ينتج تأثيرًا مماثلًا في تفكيك المركزية، إذ عبر إزاحتنا عن موقعنا المفروض ذاتيًا على قمة التطور الاجتماعي، يوجه الكتاب ضربة للفكر الغائي الذي يشكّل بمكرٍ فهمنا للتاريخ.

إذا استثينا أن أعمالًا مثل «حوارات تتعلق بنظامي العالم الرئيسين» و«أصل الأنواع» لمّحت إلى الضآلة النسبية للبشر في مواجهة الكون، فإن «فجر كل شيء» يستكشف كافة الاحتمالات التي علينا العمل ضمنها. وإذا أثار غاليليو وداروين الاضطراب في عالميهما، فإن هذا الكتاب سيفعل المزيد لهذا السبب بالذات. ففي النهاية، المجتمع الذي يمكن أن يتقبل الرواية المقدمة هنا على أنها الرواية الرسمية لأصله -لتصبح رواية تُدرس في مدارسه، وتتسرب إلى وعيه العام- لا بد أن يكون مختلفًا بشكل راديكالي عن المجتمع الذي نحيا فيه اليوم.


جوليو أنغارو: باحث ما بعد الدكتوراه في الأنثروبولوجيا في كلية لندن للاقتصاد. 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية