كتب قرأناها في عام الجائحة

الجمعة 25 كانون الأول 2020
تصميم ندى جفّال.

مهما يكن ما يحمله لنا العام الجديد من مفاجآت، نأمل أن تكون سارّة، سيظّل العام 2020 مختلفًا عمّا سبقه وعمّا تلاه، على اعتبار أنه العام الذي شهد تحوّل وباء فيروس كورونا إلى جائحة عالمية، لم تسلم منها بلدان العالم المختلفة، على تباعدها. هذه الجائحة التي تغيّر العالم اليوم لفترة لا نعلم كنهها، تدفع، هي والكيفية التي جرى التفاعل معها على المستويات الجماعية والفردية، نحو طرح أسئلة كبيرة، عددًا وحجمًا، بينها أسئلة حول تأثيرات عقود من نهج اقتصادي ساد معظم بقاع الأرض على القطاع الصحي، وأسئلة أخرى حول الخصوصية ومسؤولية الفرد تجاه مجتمعه، وحول موقع الاقتصاد من حياتنا، والسرعة الهائلة التي يسير عليها العالم، وشكل العلاقات الغذائية بين شمال العالم وجنوبه، والتخطيط المديني الذي نعيش وفقًا له، خاصة في ظل تطبيق العديد من دول العالم لأشكال مختلفة من حظر التجوّل ليعيد الناس بناء على هذه القرارات تقييم علاقتهم بمنازلهم وشرفاتها. كما نبّهت الجائحة إلى هشاشة عالمنا اليوم، لكن هذه الهشاشة كما غيرها من تأثيرات الجائحة جاءت مختلفة بين مكان وآخر، وبين طبقة وأخرى.

للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، نخوض نقاشات محتدمة، ونتأمّل، ونكتب. لكن تبقى الكتب الجيدة، واحدة من أبرز الوسائل التي نعثر فيها على إجابات وأسئلة إضافية. ولذا، طلبنا في حبر من عددٍ من الكتّاب والكاتبات الذي سبق وساهموا معنا، أن يشاركونا عناوين كتبٍ قرأوها في 2020، وأن يخبرونا لم يعتقدون أنه يمكن لهذه الكتب أن تكون محفّزة على المزيد من التفكير، وربما العمل.

باسل رزق الله

الكتاب: في مَدح الحب

المؤلف: آلان باديو، ترجمة: غادة الحلواني

الناشر: دار التنوير للطباعة والنشر، 2014

رغم استمرار العمل والدراسة عن بعد، خلال فترة حظر التجوال التي عرفناها هذا العام، إلاّ أنَّ هذه الأنشطة كان ينقصها التواصل الإنساني الذي نعرفه، وغابت معها العديد من النشاطات التي كان يمكن على هامشها خوض نقاش وتدخين سيجارة والتعرف إلى أناس جدد. ويمكن القول إن فرصة إقامة علاقات عاطفية جديدة كانت إحدى الضحايا الكثر للجائحة، خاصةً في ظل لاجدوى تطبيقات المواعدة عبر الإنترنت في فلسطين، رغم أن هذا لم يمنع من استخدامها خلال الفترة الماضية.

من الجائز القول إنه لا يمكن تعلّم الكثير عن العلاقات العاطفية من الكتب، لفرادة كلّ تجربةٍ وتفكير، ولكن كتاب آلان باديو «في مدح الحب» -وهو عبارة عن حوار طويل-، يساهم بكل تأكيد في المساعدة على التفكير بها.

يقدم باديو نقدًا للحب في زمن الرأسمالية، فينتقد تطبيقات ومواقع المواعدة عبر الانترنت، وذلك لأنها، بحسبه، تسلب التجربة أهمّ مكوناتها، وهي المخاطرة. فهذه المواقع تُرتّب الأشخاص الذين يتوافق معهم الشخص، ما ينتج حبًا آمنًا، ولذلك يقول «الحب لا يمكن أن يصبح هدية تمنح في غياب تام للمخاطرة»، فهكذا حُب يشبه الزواج المرتب، وعلى هذا الأساس يدافع باديو عن عشوائية الحب. أمّا الخطر الثاني الذي يشير إليه الكتاب فهو جعل الحب تنويعًا على المتعة، أي أنَّه منطقة راحة تتحدد بالمتع، مما يغيّب أي خبرة أصيلة أو عميقة، وهي بحسب باديو نتيجة أفكار ليبرالية عن الحب باعتباره مخاطرة عديمة الجدوى، كما لا وجود لأي شاعرية وجودية فيه، وهنا يعلن أن لا حُب بعيدًا عن المخاطر.

يمكن أنَّ نلتقط من باديو اعتباره الحب بناءً، أي سيرورة مستمرة وبناءً مستمرًا، فالصدفة واللقاء الأول مهم ولكنها ليست كل شيء، ولذلك يعتبر أنَّ خلق تحديات ومواجهة مخاطر هي جزء من هذا البناء، ويرفض بالتالي اعتبار الزواج والإنجاب تحقّقًا للحب، وإنما جزءًا منه.

وفيقة المصري

الكتاب: قلق السعي إلى المكانة: الشعور بالرضا أو المهانة

المؤلّف: آلان دي بوتون. ترجمة: محمد عبد النبي

الناشر: دار التنوير، 2018

قرأت هذا الكتاب خلال فترة الحجر المنزلي رغبةً في فهم الغاية من الإصرار على اتّباع المعايير ذاتها للحفاظ على مكانتنا في نظر الآخرين، ونحن محجورون في المنزل بعيدًا عن أعينهم!

يرى بوتون أن شعور المرء بتقدير الآخرين ومحبّتهم أهم من أي شيء آخر، وهذا الشعور أحد أهم الحوافز الإنسانية وراء السعي الدؤوب نحو تحسين المكانة الاجتماعية، لكنّ الهوس في السعي إلى تحقيقها يسبّب الشعور بالقلق والإحباط. ومن هنا، ينطلق بوتون لمناقشة معايير خمس كيانات، وهي الفلسفة والفن والسياسة والدين والبوهيمية، لجأ الناس إليها عبر تاريخ الحضارة الغربية، تدريجيًا، من أجل تحقيق مكانتهم.

يخلص بوتون في النهاية إلى أنّ هذه الكيانات لم تتوقف عن كيل الانتقادات إلى بعضها، مخلّفةً نوعًا من التراتب الهرمي، وقد أثقلت أفرادها بثنائيات معيارية خانقة، مثل النجاح/ الفشل، الجيد/السيء، المخزي/ المُشرّف، وجرّدت كل من يتمرّد على هذه المعايير من المكانة العالية في المجتمع. هكذا يطرح بوتون أسئلة حول إمكانية خلق كيانات بديلة، تسائل معايير تحقيق النجاح والفشل في المجتمع، وتزعزع أهمية المكانة التي اجتهدت هذه الكيانات في زرعها وإعادة صياغتها في وعينا الجمعي. ورغم أن  تأثير هذه الكيانات الخمسة لم يكن محصورًا في الحضارة الغربية، حيث يعاني الكثيرون حول العالم من أجل تحقيق المكانة من خلال الدين أو السياسة أو غيرها، إلّا أن الكتاب يلفت النظر بطريقة غير مباشرة إلى العديد من النقاط الجدلية حول مبادئ المؤسسة الغربية، وكيف وجدت طريقها إلى أنظمة العالم، استنادًا إلى تاريخ طويل من الاستعمار والإمبريالية.

بعد أن خسر كثيرون مكانتهم المعهودة جرّاء جائحة كورونا، وفقد البعض وظائفهم، وتعطّل آخرون عن تحقيق أهدافهم ومشاريعهم، يبدو هذا العام الوقت الأنسب في نظري لمساءلة مفهوم المكانة الاجتماعية، وإعادة النظر في قيود المؤسسة، والبحث عن معايير بديلة أخرى للنجاح والفشل.

تمارا نصّار

الكتاب: المجتمع الاستنزافي[1]

المؤلف: بيونج تشول هان

الناشر: مطبعة جامعة ستانفورد، 2015

عدم القدرة على الشعور بالملل، هذه كانت شكواي الرئيسة من الوباء، رغم وتيرته المحمومة وحالة العزلة الإجبارية التي فرضها. هذا الكتاب، الذي قادني إليه بدايةً كتابٌ للفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك عن الوباء، يقدّم صورةً حقيقيةً للإنسان العامل في زماننا وما يرافقه من إرهاق حتميّ، على المستوى الجسديّ والعقليّ والعاطفيّ. العامل المنضبط ذاتيًا، الذي يعمل فوق طاقته، والمُتخم؛ العامل الذي لا يتوقف عمله أبدًا، والذي لا يُتاح له الشعور بالملل أبدًا. يتردد صدى هذا أكثر من أي وقت مضى، في عصر العمل من المنزل.

يعرّف بيونج تشول هان الملل بأنه السأم دون الشعور بالخمول أو الفتور. حالة من التركيز العميق في مقابل الوعي المفرط. يكتب: «إذا كان النوم يمثل أعلى نقطة في الاسترخاء الجسدي، فإن الملل العميق هو ذروة الاسترخاء العقلي». هذا النمط من الوجود يتلاشى في العالم الحديث: الملل هو أحد ضحايا الرأسمالية المتأخرة الأكثر إهمالًا.

أبحث عن مظاهر الملل في أدب القرن التاسع عشر كدراسة في التاريخ: رتابة الحياة اليومية للشخصيات، انتظار مغادرة بلدةٍ روسيةٍ ريفية، بندقية غير مستعملة على الحائط، أخوات يحدّقن من النافذة. يكتب بيونغ تشول أن هذا النقص نشأ من الوفرة في ظل الرأسمالية المتأخرة؛ كل شيء متاح وصعب المنال في الوقت نفسه. كلّ شيءٍ سلعة. هناك طبيعة نبوية مخيفة في الكتاب، تتوقع الملامح الدائمة لعالم ما بعد الجائحة قبل أن نصل إلى مثل هذه العواقب. ومن المفارقات أنه جرى التنبؤ بالوباء الحالي في الأسطر الأولى من هذا الكتاب القصير.

في هذا الكتاب وجدتُ إجابات نادرة لإرهاقي المتفاقم في عالم يسوده القلق والعزلة.

محمد استانبولي

الكتاب: تسلية أنفسنا حتى الموت: الخطاب العام في عصر صناعة الترفيه[2]

المؤلف: نيل بوستمان

الناشر: بنجوين بوكس، 1985

ثمة عدد لا بأس به من الكتب التي استطاعت التنبؤ بشكل الحاضر الذي نعيشه، رغم التسارع الكبير الذي تغيّر العالم وفقًا له في الآونة الأخيرة. من بين هذه الكتب، يبرز «تسلية أنفسنا حتى الموت: الخطاب العام في عصر صناعة الترفيه» لعالم الاتصال الأمريكي نيل بوستمان. فرغم مرور أكثر من 35 عامًا على نشر الكتاب لأول مرّة، إلّا أنه يقدم مضمونًا يستحق القراءة اليوم، خاصةً بعد سنوات على وصول واحدٍ من مشاهير التلفزيون والترفيه إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

ينظر الكتاب إلى العلاقة العضوية بين الوسائط التي نستعملها وعلاقتها بتغيير شكل ومضمون خطاباتنا، بما يتلاءم مع حدود وخصائص هذه الوسائط. ويبحث الكتاب، على وجه الدقة، في هذه المسألة عبر المقارنة بين عصر الطباعة وعصر التلفاز ومنطق كلٍ منهما في عملية صياغة الخطاب والثقافة وكيف يؤثر ذلك على المتلقي بحد ذاته.

إن ما خشيه بوستمان كان التقديس المطلق للترفيه في عصر التلفاز، والحضور أمام الكاميرا والكاريزما والإقناع عبر العبارات الرنانة الأشبه بالعلامات التجارية. وإن كانت أفكارنا عن «الحقيقة» متغيّرة بتغير طرق تعبيرنا، كما يقول بوستمان، فإن حقيقة نشرات الأخبار يعيبها الاجتزاء، والاقتطاع الذي يخلق وهم المعرفة، وغياب السياق الذي يحدد قيمتها وما يمكن القيام به حيالها، لذا فإن نشرات الأخبار تصبح هي الأخرى مصدرًا للترفيه لا المعرفة الحقيقية.

ورغم أن هذا النقد موجه بشكل كامل إلى التلفاز، فإن أحدنا لا يستطيع إلا أن يتساءل عن دقته اليوم، في العصر الذي نُشبَع فيه بقِطع المعلومات بصرف النظر عن أهميتها، وتُهدد خلاله التغريدات القصيرة الغاضبة قيم الحوار العقلاني، ويؤكد خلاله خبراء التسويق بكل ثقة أن المستخدم لن يقرأ ما يزيد عن بضعة أسطر وعليه فإننا ملزمون بتسليته عبر إرفاق صورة أو مقطع فيديو، أو تجزئة كل ما نعرفه على هيئة بيانات مصوّرة ملونة تخفف وطأة الكلمة وقسوتها.

سنابل عبد الرحمن

الكتاب: البوب- فلسفة

المؤلف: عبد السلام بنعبد العالي

الناشر: توبقال، 2015

رغم كون الأعمال الأدبية، والروايات خاصةً، الملجأ الذي أنشده عادة في الأوقات العصيبة، إلا أنني وجدت نفسي في ظل الجائحة أتوجه نحو الأعمال غير الأدبية، وخاصة الكتابات الفلسفية، لمحاولة فهم الواقع والهرب جزئيًا منه أيضًا.

من أهم الكتب التي قرأتها في هذه السنة، كتاب قصير يحوي مجموعة من المقالات الفلسفية القصيرة للمفكر المغربي والباحث في الفلسفة، عبد السلام بنعبد العالي، معنون بـ«البوب- فلسفة»، وصادر عن دار توبقال للنشر في سنة 2015. هذه المجموعة، التي يقدمها لنا عبد الفتاح كيليطو تضم مقالات قصيرة تحليلية لفلسفات غربية وعربية، تتراوح في المواضيع ومستوى التعقيد. فتناقش بعض المقالات جزئيات يومية في حياتنا مثل الوسائط الإعلامية والأخبار والهواتف النقالة، وتنقد أخرى فلاسفة مثل مكيافيلي وسقراط، وتتعمق في النواحي الفكرية مثل مقالة «عنف الوثوقية» و«الزمن والتعددية الثقافية» و«في مفهوم الانفصال» و«أسطرة التاريخ». وقد ساهمت الطريقة التي نظم فيها الكتاب في جعله مثاليًا للقراءة في هذه السنة وذلك بسبب تحفيز هذه المقالات القصيرة جدًا لأفكار وخواطر عميقة ومهمة، من غير التعمق الحاد فيها والذي لم يكن ليكون ناجعًا في سنة حفلت بالقلق والتفكير في القادم وانعدام القدرة على التركيز لفترات طويلة أحيانًا.

وقد أثارت المقالات سلسلة من التداعيات الفكرية المهمة، مثل واحدة تحت عنوان «نحو فلسفة مغايرة» والتي يشرح فيها الكاتب أهمية إعمال الفكر، حيث يرى أن انتفاضات الربيع العربي كشفت عن الحاجة الماسة إلى إعادة النظر في «ما كنا ندعوه نقدًا فلسفيًا» وينتقد ما يسميه «اللا فكر» المتوارث والحاجة إلى مجابهته. فهذه المقالة تدعو القراء إلى تعريف ما هو «اللا مفكر فيه» بالنسبة لهم وتخطيه ثم تطبيق ذلك على واقع الجائحة وبعدها.

عمّار الشقيري

الكتاب: لأنَّ الإنسان فانٍ

المؤلف: أتول غواندي، ترجمة عبد اللطيف الخياط

الناشر: عالم المعرفة، شباط 2019

أرَّقت جائحة كورونا المسنّين حول العالم أكثر من أي فئة عمريّةٍ أخرى؛ وفيات أكثر، أعراض أشدّ، وتوصيات بعزلهم عن العالم تخوفًا من الإصابة. ليست الجائحة وحدها ما كان يقلق بال هذه الفئة، تنبّه الطبيب أتول غواندي -المنحدر من سلالة مهاجرين هنديين- خلال عمله إلى الكثير مما يجب أن يفعله العالم لهذه الفئة، ووضع خلاصة ما يفكّر فيه في هذا المجال داخل هذا الكتاب.

يعتقد غواندي أن المشكلة تكمن منذ البداية؛ إذ إنَّ تدريس الطبّ في الجامعات كان هدفه «تعليمنا كيف ننقذ حياة الناس، وليس كيف نعتني بنهايتهم». الاعتناء بنهايات الناس مسؤوليّة مشتركةٌ كما يراها غواندي؛ اجتماعيّة تبدأ بترك المسنّ وحده في دور رعاية المسنين بدلًا من بقائه في البيت وحوله العائلة. واقتصاديّة تحول دون دخول الكثير من المسنين المرضى إلى المستشفيات بسبب الفقر، «إذا كان وجود المريض في سرير المستشفى يحدث فرقًا فإن الفرق يحدث غالبًا بسبب الدفء والمأوى والطعام والمهارة التي لا مثيل لها للممرضات في توفير هذه الخدمات».

طبيًا، قال غواندي الكثير مع تفصيلاتٍ تأخذ طابع رواية التجارب، ومن المشاكل التي أشار إليها الاهتمام بالتخصصات الطبيّة التي تتعلّق مثلًا بالجراحة التجميليّة أكثر من طبّ الشيخوخة، وتلقي المسنين معاملة طبيّة هي نفسها التي يتلقّاها أي مريضٍ آخر من فئة عمريّة أصغر، وعدم تطوير ما يسمى بحقل العناية التلطيفية بشكلٍ كافٍ؛ أي العناية بالذين وصلوا إلى مراحل متقدمة من المرض بشكل لا رجعة منه.

أمرٌ أخير ركّز عليه غواندي أكثر من مرة في الكتاب، مدّعم بتجارب شخصيّة، وهو أنَّ التوسع في إطلاق يد الطبّ في معالجة أمراض الشيخوخة لإنقاذ المريض وليس الاهتمام به، يؤدي إلى نتائج كارثيّة على صحّة المسنّ.

إبراهيم الشريف

الكتاب: متعصبون بلا نكهة: الليبراليون والعرق والإمبراطورية[3]

المؤلّف: بانكاج ميشر

الناشر: فيرسو، 2020

الأزمات التي يعاني منها العالم، يحاول كثيرون تشخيصها واقتراح علاجاتٍ لها منذ زمنٍ بعيد، بل يزعم البعض أن العلاجات موجودة، وما علينا مثلًا إلا أن نُقلّد «الغرب» ونعتنق الليبراليّة لتُحلّ كلّ مشاكلنا. مثل هذه الحلول الجاهزة الراسخة في أذهان كثيرين تلقت ضربةً كبيرة سنة 2020، حين فضحت الجائحة حقيقة اهتراء الأنظمة الغربيّة والليبراليّة الديمقراطيّة التي لا تُحقّق أي رخاء أو مساواة أو حرية، إلا لأقلّية متنعمة بامتيازاتها الإمبرياليّة والرأسماليّة.

في مثل هذا الوضع، يصير لازمًا علينا أن نُشخّص الواقع ومشاكله تشخيصًا يتناول كلّ المعطيات، ويُفكّك الأوهام الخادعة. لذا اخترتُ هذا الكتاب، الذي يضمّ مجموعة مقالات للمفكّر البارز بانكاج ميشرا. يبدأ ميشرا مقدمة كتابه بالجملة التالية: «المقالات الموجودة في هذا الكتاب كُتبت للردّ على الأوهام الأنجلو-أمريكيّة التي بلغت ذروتها في بريكزيت [مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبيّ]، وانتخاب دونالد ترمب، وأخيرًا التعامل المأساويّ مع جائحة كوفيد 19». منذ أوّل جملةٍ في الكتاب ندرك فورًا مشروع ميشرا.

يُوضّح ميشرا في مقالاته المجموعة في هذا الكتاب رسوخ الفوقيّة البيضاء في التاريخ «الغربي». يتطرّق إلى حقيقة الليبراليّة، بوصفها قيمًا تخدم مصالح أقلّية عنصريّة رأسماليّة، تحاول أن تجعل من هذه القيم «قيمًا كونية» تفرضها على العالم. يُناقش صعود اليمين المتطرّف (وما فيه من عصبيّات عرقيةّ ودينيّة) في الولايات المتحدة وأوروبا والهند، ويُوضّح أن ذلك أيضًا نتاجٌ حتميٌّ لمسار الليبراليّة الخادعة وديمقراطيّتها الوهميّة. ولا ينسى ميشرا أن ينتقد، أو بالأحرى يفضح دجل «المفكرين» الذين يُروّجون للإمبرياليّة والعنصرية والإسلاموفوبيا وكره النساء وقمع الأقليات، بحجّة إحياء «الحضارة الغربيّة» ونشر الليبراليّة، «أنبياء الانهيار» مثل نيال فيرغسون ودوغلاس موري وسلمان رشدي وجوردان بيترسون.

يُفكّك ميشرا السرديات الغربيّة التي تدّعي أن علاج مشاكل العالم موجود لديها، ويُوضّح أن الكثير من أمراض العالم سببها تلك «العلاجات». ويدعو بهذا التفكيك إلى إعادة تشخيص أمراض العالم لكي نجد العلاج الناجع، فالعلاجات الراهنة لا تقضي على المرض إلا بالقضاء على المريض.

عبد الله أبو لوز 

الكتاب: المستقبل: ستة محركات للتغيير العالمي

المؤلف: آل غور، ترجمة: د. عدنان جرجس

دار النشر: عالم المعرفة، أيّار 2015

يناقش الكتاب مستقبل العالم في ضوء ستة محركات تغيير أساسية فيه. محرّكات تعمل معًا بشكل جدلي لتغيره بشكلٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ البشر. يتحدث الكاتب آل غور عما سمّاه شركة الأرض، نتيجة نشوء اقتصاد عالمي يربط أقاصي الكوكب ببعضها. أمّا ثورات الاتصال الجديدة فقد شكّلت ما يعرف بـ«العقل العالمي» الذي يربط ملايين الناس والروبوتات والآلات الذكية وقواعد البيانات. إضافة إلى تفتت مركزية الهيمنة الأمريكية على القوى العالمية لصالح مراكز متعددة ناشئة، يرتفع فيها شأن السوق والقطاع الخاص. يصحب ذلك، بوصلة اقتصادية استهلاكية تدفع الكوكب باستمرار نحو مزيد من مشاكل المناخ والتلوث ونفاد الموارد. دججت البوصلة نفسها بمجموعة من القوى التقنية الحديثة في مجالات علمية كعلم الأحياء والكيمياء الحيوية والعلوم الطبية، زادت من تغوّل الإنسان. مما دفع نحو ظهور علاقة جديدة أقل رغبة في السيطرة على الطبيعة، يحاول فيها الإنسان إعادة تأسيس علاقة سليمة ومتوازنة.

تزداد أهمية الكتاب عندما نعلم أن الكاتب كان نائب رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون، حيث يفتح لنا نافذة على تصورات أصحاب القرار العالمي حول مستقبل البشرية. كما يمدنا الكتاب بخلفية معرفية عن العوامل الاقتصادية والسياسية المشكّلة لعالمنا اليوم، والتي ساهمت في تيسير تفشي مرض كوفيد-19 والمحركات التي استخدمها الفيروس بمهارة ليقوم بإيقاف مركبة صيرورة الأعمال والحياة، التي ساهمنا نحن في بنائها».

ريما العيسى

الكتاب: شروط النهضة

المؤلف: مالك بن نبي. ترجمة: عمر مسقاوي وعبد الصبور شاهين

الناشر: دار الفكر، دمشق 1979

يتناول الكتاب الحاضر والتاريخ والمستقبل. ويتمحور حول نقد المجتمع العربي والإسلامي، ويرى أن المشكلة التي نعاني منها هي مشكلة حضارة، ويضع شروط للحضارة. فالحضارة بالنسبة له تتلخص في الإنسان والتراب أو (المادة) والوقت. فإذا حلّت هذه القضايا الثلاث تحقق الرقي الحضاري عند البشر.  والفكرة الدينية هي المركب الذي يمزج العناصر الثلاثة بعضها ببعض، لتنبعث الحضارة.

وتمر الحضارة بأطوار ثلاثة، هي ميلاد واطراد وأفول، حيث تبدأ بالروح وهي مرحلة بزوغ الفكرة الدينية، ثم في فترة الاستقرار تنتشر الحضارة وتتوسع ويسميها بمرحلة العقل. أما مرحلة الأفول فهي المرحلة التي تتحرر فيها الغرائز من وصاية الروح والعقل وتسيطر على الإنسان وتوجه عقله نحو الكم والظلم والاستبداد والاستعمار، لتكون بداية السقوط والانحطاط الاجتماعي.

ويرى مالك بن نبي أن تكديس منتجات الحضارة الغربية لا يأتي بالحضارة، وإنما يأتي بها البناء. فالتكديس هو هيكل الحضارة لا روحها. والحضارة هي التي تلد منتجاتها وليس العكس.

يحدد المؤلف رأس المال كأداة اجتماعية لا سياسية، ويفرق بين الثروة ورأس المال. فالثروة فردية تعود إلى صاحبها، بينما رأس المال هو قوة ومحرك ولا ينتسب إلى أحد. وقوة رأس المال تكون بالكم والكيف لينشط الاقتصاد والمجتمع.

وأخيرًا يبحث بالمعامل الاستعماري الخارجي الذي يفرض على المغلوب ويضيف إليه معامل القابلية للاستعمار، وهو يأتي من داخل الفرد المستعمَر ويجعله يقبل بالصورة التي رسمها المستعمِر له، حيث يقول «أخذنا أنفسنا بالمقياس الذي تقيسنا به إدارة الشؤون الاستعمارية». وهذه القابلية ترسخ الاستعمار وتصعّب التخلص منه.

أكرم الحمود

الكتاب: الحرب على الناس العاديين[4]

المؤلف: أندرو يانج

الناشر: هاشيت للكتب، 2018

على مدى التاريخ البشري الحديث، كانت الطبقة العاملة الأداةَ الضرورية لتحوّل رأس المال إلى سلعة أو خدمة، وتحقيق القيمة المضافة والربح، لكن كان في الذهن سؤال حول ما سيحدث عندما يتمكن صاحب المال من تقديم الخدمة أو إنتاج السلع دون عمّال.

يُخيّل للكثيرين أن الصين كانت المتسبّب الأول في اختفاء وظائف الطبقة العاملة في بلد مثل الولايات المتحدة، لكن الحقيقة التي يشير إليها الكتاب هي أن التحول نحو الأتمتة كان المتسبب الأول في البطالة بين سنوات 2000- 2010، فالتقديرات تشير إلى خسارة مليون وظيفة بسبب انتقال الإنتاج إلى مصانع شرق آسيا، وخسارة 3.5 مليون وظيفة في الولايات المتحدة وحدها بسبب التحوّل نحو استخدام المكائن المحوسبة والبرامج.

يحذر الكاتب أيضًا من موجة الأتمتة القادمة، بعد الاختراقات التقنية الهائلة في مختلف المجالات، مثل الاختراقات في مجالات المركبات ذاتية القيادة، وانحسار مراكز التسوق والمتاجر الصغيرة والمتوسطة بنسبة تصل إلى 35% بسبب تطور التسوق الإلكتروني، وعلى ما يبدو فإن الذكاء الصناعي والخوارزميات لن تترك أحدًا من شرّها. يقول الكاتب إن الخوف ليس من المستقبل القريب، بل من الحاضر الذي بدأ بالحدوث. وها قد جاء كوفيد-19 ليخلق دافعًا غير مسبوق نحو المزيد من الأتمتة، البشر يمرضون جماعيًا كما تبين، والإنتاج الحديث لا وقت عنده لوباء آخر.

تخيل العديدون أن الوظائف التي ستذهب بها موجة الأتمتة ستنحصر في وظائف العمال والطبقة «الكادحة»، لكن من المتوقع أن هذه الموجة ستعصف أيضًا بالملايين من الوظائف المكتبية أو ما يعرف بوظائف «الياقات البيضاء»، واليوم باتت وظائف الأطباء والمحاسبين والمهندسين وغيرهم من ذوي الياقات البيضاء مهدّدة بفعل برمجيات وتطبيقات يبدو أنه من الصعب مقاومتها.

عودة للكتاب، يحذر الكاتب بشدة من الآثار الكارثية التي ستترتب على صعود تقنيات الأتمتة، وسخافة الحلول من شاكلة الطلب من سائق شاحنة أربعيني أن يتعلم البرمجة بلغة بايثون، أو أن يتحول الملايين إلى «يوتيوبرز» لتحصيل الرزق. يعيد الكاتب طرح حل «الدخل العام الأساسي»، والذي سيصرف من خلاله مبلغ محدّد شهريًا لكل مواطن أمريكي أتمّ 18 عامًا من عمره.

نتفق أو نختلف مع الكاتب، لكن هناك عاصفة هائلة قادمة. شخصيًا كنت أتمنى لو أن كارل ماركس ما زال حيًا ليرى هذا التحدي الجديد -وربما النهائي- الذي تواجهه حشود العمال والشغيلة حول العالم.

  • الهوامش

    [1] Byung-Chul Han, The Burnout Society. Stanford Briefs, 2015.

    [2]  Neil Postman, Amusing Ourselves to Death: Public Discourse in the Age of Show Business. Penguin Books, 1985.

    [3] Pankaj Mishra, Bland Fanatics: Liberals, Race and Empire. Farrar, Straus and Giroux, 2020.

    [4] Andrew Yang, The War on Normal People. Hachette Books, 2018

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية