لماذا أحببنا جريندايزر؟

الإثنين 11 نيسان 2022
جرافيتي جرندايزر
جدارية «لن يموت شعب لديه جريندايزر» في بيروت. رسم فريق أشكمان.

«علِّ علِّ بطل فليد
هيا طر يا جريندايزر
عدوك فاحذر سلّح نفسك ناضل في الدفاع
لأجل سلام فوق الأرض في كل الأصقاع
كافح شرًا، أبطل مكرًا، فالخطر كبير»

يصدح صوت سامي كلارك في الثمانينيات بهذه الكلمات، من شعر موفق شيخ الأرض، فيجتمع الأطفال ليشاهدوا حلقة جديدة من كفاح جريندايزر ضد الطغاة، ويصدح بها بعد ذلك فتلتف قلوب الجيل الذي نشأ وهو يشاهد جريندايزر حول هذه الذكريات.

تتوسع قوات فيغا الحليفة عبر المجرات، وتدمّر في طريقها الحضارات والكواكب. أحد هذه الكواكب الزاهرة التي دمرتها قوات الغزاة هو كوكب فليد، الذي يفر منه دوق فليد، المسكون بالذكريات الجميلة عن كوكبه الضائع، والتي سرعان ما تستحيل ألمًا ودمًا كلما تذكر دماره، وقتل أبيه وأمه أمام عينيه. يأتي دوق فليد إلى كوكب الأرض، على متن جريندايزر، لاجئًا؛ ويحاول أن يختبئ في «الأرض الخضراء» ليعيش في سلام، ولكن قوات فيغا تطارده، ويكتشف أن أطماع فيغا لن تتوقف، وأنه حتى إن ترك «هذه الأرض الخضراء» فإن قوات فيغا ستبتلعها كما تبتلع غيرها، ويخلص إلى أنه لا حل سوى «الكفاح» من «أجل سلام فوق الأرض» وفي سائر الكون.

هذا المقال تحية إلى سامي كلارك، الذي يعرفه جمهور واسع من المحيط إلى الخليج بفضل غنائه لشارة جريندايزر، والذي رحل عنا في 20 شباط الماضي؛ وإلى بقية فريق العمل الذين عرّبوا هذه الشخصية اليابانية، حتى أصبحت جزءًا من الثقافة العربية لأجيال منذ الثمانينات. وتحية إلى «الاتحاد الفني – بيروت» الذي ترجمَ ودبلجَ واعيًا بالأبعاد الثقافية والسياسية للعمل الذي أنتجه. هي تحية لذكريات الطفولة، وللفنانين اليابانيين الذين اخترعوا «الأنمي» وعالمه الفريد؛ وأيضًا للثقافة التي طوّعت جريندايزر عربيًا ليصبح رمزًا للمقاومة والصمود. ولجريندايزر؛ أنمي يابانيًا ورمزًا عربيًا.

جريندايزر، الأنمي والرمز

ظهرت حول العام 2013 جدارية في أحد شوارع بيروت، رسمها الأخوان قباني، اللذين يشكلان فريقًا للراب والتصميم البصري والرسم، تحوي رسمًا مكبرًا لجريندايزر، مع تعليق يقول «لن يموت شعب لديه جريندايزر».

في هذه المرحلة، ظهر كذلك غرافيتي في القاهرة، لم أعثر على تاريخه بالتحديد، عليه صورة جريندايزر مع تعليق «الويل للمفسدين» (في إحالة إلى صيحة الحرب التي يكررها دوق فليد «الويل للظالمين»!)

وفي تجربتي الخاصة، في القاهرة وبيروت ونيويورك، كان الحديث عن جريندايزر عادة ما يجمع العرب (وبالنسبة للقلة الذين لم يعرفوه كان من السهل أن نشرح لهم ما هو؛ ذات مرة كنا نحاول أن نشرح لزميل لنا ماذا يعني جريندايزر فقال صديق فلسطيني-أردني في حماس «جريندايزر يعني فلسطين!»). وفي المقابل لم أصادف حماسة لجريندايزر أو معرفة حميمة به لدى زملائنا من أبناء الشعوب الأخرى ولا حتى اليابانيين؛ ربما الاستثناء هو الفرنسيون الذين ذاع بينهم جريندايزر باسم «غولدوراك».[1] 

أثناء الإعداد لهذا المقال، تحدثت مع بعض الأصدقاء عما يعنيه جريندايزر لهم؛ قال البعض إنه يمثل لهم وقتًا كان فيه أطفال العائلة، ومعهم بعض الكبار، يجتمعون في مكان واحد لمشاهدة الرسوم المتحركة، وأن هذه التجربة الجماعية لا تنفصل عن ذكرياتهم عن أحداث جريندايزر. وفي كُتيّب مصور بعنوان «أتذكر بيروت» لزينة أبي راشد، فقرة بعنوان أتذكر جريندايزر، تصور طفلين يجلسان أمام التلفاز، بينما تظهر عليه سماء في وسطها صحن طائر، مع صوت أحد الآباء في الخلفية يقول للطفلين «إلى الفراش يا أولاد»، ثم في الصورة التالية يقولان «يا أبي، لكن هذا جريندايزر!»، بينما يتصدر الآلي الشهير الشاشة التي يتفرجان عليها. أما عني أنا، فقد كنت أتوق وأنا صغير لمشاهدة أفلام «حرب النجوم» الأمريكية التي كانت شديدة الرواج وقتها. لم يجد أبي عند محل تأجير الفيديوهات أفلام حرب النجوم فأحضر لي جريندايزر بدلًا منها؛ ربما أنقذتني هذه المصادفة السعيدة من الوقوع في براثن الثقافة الأمريكية .

بعض الذين تحدثت إليهم رأوا أن جريندايزر يتميز عن سائر أفلام الأنمي والكارتون بأنه زرع في مشاهديه، بشكل واضح ومباشر في بعض الأحيان، مبدأ المحاربة من أجل الخير؛ قال لي أحد الأصدقاء (بين الجد وبين المبالغة) أن مشاهدتنا لجريندايزر صغارا كانت «أول تعرف لنا على حروب التحرير الناطقة بالفصحى».

يقول غو ناغاي، مؤلف شخصية جريندايزر، عن هذا الالتفاف العربي حول مؤلفه، إنه حاول في جريندايزر أن يستلهم التاريخ الحقيقي للحروب والنزاعات، وإنه وإن لم يستلهم تاريخنا العربي بالذات إلا أن تجربة بلادنا مع الحروب قد جعلتنا نجد شيئًا يشبهنا في جريندايزر. لم يجانب ناغاي الحقيقة وإن كان لم يأت بالحقيقة كلها.

حبكة جريندايزر في حد ذاتها، من حيث هي حكاية المقهورين والمظلومين وهم يقاومون الظلم المسلح والغطرسة، هي حبكة قادرة على جذب الشعوب التي تشعر بالاضطهاد أو تطمح نحو العدل.

يقول ناغاي في سياق آخر إن حكاياته تحمل عداءً للحروب، وإن محتواها الدعوة إلى السلام، وإن إنتاجه الفني يتواصل مع إنتاج التيارات الثقافية-السياسية المناهضة للحروب في الغرب (ويضرب مثلًا الهيبيين في أمريكا، الذين يستشعر تقاربًا بينهم وبين شخصياته). ولكن محتوى هذه الدعوة إلى السلام في جريندايزر يختلف عن دعاوى السلام التي نراها على سبيل المثال في السينما الأمريكية، أو في الدروس الأخلاقية التي يحب الغربيون أن يلقوها علينا.

فإذا كان مازنجر، الذي ولد هو الآخر من خيال غو ناغاي، قد بدأ بضرورة مواجهة الشر بالقوة، لينتهي إلى ضرورة وضع السلاح (إذ ينتهي المطاف بآخر نموذج لمازنجر في متحف لذاكرة الحروب، بينما يرحل كوجي كابوتو، قائد مازنجر إلى الولايات المتحدة في بعثة علمية إلى وكالة ناسا) فإن جريندايزر يبدأ من حيث انتهى مازنجر إذ يعود كوجي إلى اليابان على متن صحن طائر غير مسلح في البداية (التيفو)، ليشهد بدايات الصراع الذي سيولد ما بين الغزاة وكوكب الأرض وحليفه الفضائي القادم من كوكب فليد. دوق فليد يبدأ هو الآخر من موقف رافض للقتال، وفي الحلقة الأولى، عندما يعلم أن قوات فيغا تريد مهاجمة الأرض، تأتيه ذكريات الحرب على كوكب فليد بشكل كابوسي، ويردد «أرفض أن أمتطي هذا» (في الإشارة لجريندايزر) أي أنه لا يريد أن يحمل السلاح مرة أخرى، ثم يجد نفسه مضطرًا للكفاح دفاعًا عن الأرض. وفي الحلقة الثالثة، وقبل أن يتصالح تمامًا مع فكرة حمل السلاح، يرى فيما يرى النائم قوات فيغا وهي تقتل الأبرياء وتطارد طفلة وقطتها، ولا يملك أن يدافع عنها سوى بإلقاء باقات الأزهار في مرمى قوات فيغا، إلى أن تقضي الصحون الطائرة على البنت وعلى القطة، ويحيط به اللهب من كل مكان. في هذه الحلقات الأولى يتردد دوق فليد في القتال ويفكر في الرحيل عن كوكب الأرض، ويخوض بعض معاركه بروح انتحارية ظنًا من أنه إن مات فقد يجنب كوكب الأرض القتال. ثم تصل بنا الأحداث رويدًا رويدًا إلى ضرورة الكفاح المسلح ضدّ الغزاة والطغاة من أجل السلام.

ليس غريبًا إذن أن ترجمة جريندايزر، بما في ذلك ترجمة المقاطع التي تتحدث عن السلام العالمي، ستشبه الشعارات الثورية، من يستمع إلى شارة المقدمة لأول مرة، أو إلى مشاهد القتال في جريندايزر من دون أن يشاهد التفاصيل، قد يظن للوهلة الأولى أنه يستمع إلى سيل من شعارات المقاومة الفلسطينية أو لشعارات تنظيم ثوري أو حركة تحرر وطني.[2] 

حبكة جريندايزر في حد ذاتها، من حيث هي حكاية المقهورين والمظلومين وهم يقاومون الظلم المسلح والغطرسة، هي حبكة قادرة على جذب الشعوب التي تشعر بالاضطهاد أو تطمح نحو العدل. طبعًا كان من المنطقي في هذه الظروف، ووسط أحداث الحرب الأهلية اللبنانية وصراعنا مع العدو الصهيوني، أن نجعل من جريندايزر مجازًا مناسبا لفلسطين. فقوات فيغا قوات استعمارية استيطانية تمارس الإبادة الجماعية من أجل بناء مستوطناتها على الأراضي المحروقة. ومن الصعب مثلًا حين نرى قوات فيغا وهي تشن الغارات الجوية على المدنيين وعلى المدارس والمستشفيات ألا نتذكر مجازر الاحتلال الإسرائيلي (مثلا عندما أعيد مشاهدة جريندايزر في سني هذا، لا أجد نفسي أبذل الجهد لأستحضر فلسطين، بل على العكس أبذل الجهد لكي أذكر نفسي أن هذا المشهد لا يرمز إلى الاستيطان الإسرائيلي، وهذا المشهد لا يرمز إلى مجزرة بحر البقر أو قانا، وهكذا).

لا تكتفي قوات فيغا بالعدوان الغاشم على ضحاياها، بل تجند العملاء في طريقها، أحيانًا عن طريق ابتزازهم وإقناعهم أن تعاونهم معها هو السبيل الوحيد لحماية كواكبهم وشعوبهم من الدمار، بشكل يذكرنا بممارسات قوى الاحتلال الإسرائيلية؛ مثل حكاية القائدة ميناو في الحلقة التاسعة وحكاية القائد يارا (الموجعة للقلب) في الحلقة 15. هذه الحلقة بالذات هي من أكثر الحلقات عمقًا، وربما أكثرها قسوة. إذ تبدأ الحلقة بابتزاز قوات فيغا للقائد يارا (الذي يريد أن يكون عالمًا وألا يشارك في دمار الكواكب) وتهديده بحبس أمه أو قتله؛ بشكل يذكرنا، مرة أخرى، بأساليب الشاباك (وفي الوقت الحالي، ومع تكاثر الأفلام التي  تدعي العمق وتناقش مسألة العمالة بمعزل عن أي التزام نضالي، فإن صناع هذه الأفلام يمكنهم أن يتعلموا من جريندايزر كيف جعلنا نتعاطف مع القائد يارا ونحزن عليه دون أن يعني ذلك التسامحَ مع موقف العمالة أو التخلي عن النضال في وجه المستعمرين والعملاء).

تقول السيدة غاندال (إحدى قادة قوات فيغا) إن «إمبراطورية فيغا عدلت حديثًا قانونها كله» وتضيف مهددة القائد يارا «يقضي القانون بإبعاد المجرمين السياسيين والخونة العابثين بالأوامر مثلك إلى نجم الشبح المذنب مع عائلاتهم». ثم يخبرنا الراوي، وكأنه يعطينا مجازًا موجزًا لتاريخ الاستعمار على كوكب الأرض، أن النجم المذنب كان عامرًا بالموارد الطبيعية التي طمعت فيها قوات فيغا، فغزت الكوكب ودمرته «وكل من أسر أرسل إلى المعتقلات للعمل في مناجم الموارد المعدنية» ليصبح معسكر اعتقال كبير يرسل إليه «الأسرى والمجرمون». ثم حين يفشل الابتزاز يلجأون إلى «غسيل الدماغ».

وقرب النهاية يتدخل كوجي لإنقاذ دوق فليد (الذي تكون قوات فيغا قد أسرته) ولكي لا ترصده أجهزة المراقبة لا يستخدم صحنه الطائر وإنما يتسلل باستخدام طائرة شراعية. نرى حرب التحرير عملًا جماعيًا لا بطولة فردية من بطل خارق؛ ونرى المقاومين، الأضعف في ميزان القوى، وهم يتسللون إلى العدو الأقوى من ثغراته (في هذه الحلقة بالذات، وأثناء كفاح كوجي للوصول إلى مركز قوات فيغا، يلجأ عبد الله حداد، الشاعر الثوري الفلسطيني الذي لعب دور كوجي، إلى مصطلحات تكاد تجعل  كوجي عربيًا، حتى يقول «الحمد لله» و«سأترك كل شيء بين يدي الله»). ولا نملك ونحن نشاهد هذه الحلقة إلا أن نتذكر، بأثر رجعي، عملية الطائرة الشراعية التي نفذتها الجبهة الشعبية – القيادة العامة (بعدها بحوالي عقد من الزمان).

«الخطر كبير»

دُبلج جريندايزر إلى العربية في بيروت في خضم الحرب الأهلية أواخر السبعينات. في هذا الوقت كان الإنتاج بالفصحى قرارًا سياسيًا، وكانت دور النشر والإنتاج في بيروت الغربية، على الأغلب، ترتبط بشكل ما بأجواء الثورة الفلسطينية و«الحركة الوطنية اللبنانية» (أما الطرف الآخر فكان يفضل اللبنانية الدارجة أو الفرنسية).

في هذه الأثناء، في مرحلة صعود الثورة الفلسطينية، وفي أجواء الحرب الأهلية والتهديدات الإسرائيلية، ومع الوجود المالي والعسكري والثقافي لمنظمة التحرير وفصائل المقاومة الأخرى، الفلسطينية واللبنانية والعروبية، كانت اللغة السائدة هي لغة الثورة الفلسطينية. ليس غريبًا إذن أن تذكرنا صيحات حرب جريندايزر بشعارات الثورة؛ ولكن قد يكون من المفيد أيضًا أن نتأمل في تأثير لغة جريندايزر على الأدبيات الفلسطينية أو الأدبيات العربية المرتبطة بفلسطين: دوق فليد يقول «كل الأرض لي؛ الأخضر الجميل لي» في الحلقة الأولى، أي قبل جدارية محمود درويش بأكثر من عشرين عامًا.

جاء العاملون على الدبلجة العربية من هذه الأجواء: جهاد الأطرش (دوق فليد) جاء من خلفية عروبية تهتم بالتراث العربي والإسلامي، وأدى على التلفزيون أدوار الفاتحين والعلماء المسلمين والعرب قبل أن يؤدي دور دوق فليد. ويقول جهاد الأطرش، في إطلالة تلفزيونية له مع المذيع زافين قيومجيان، إنهم حين أتوا إلى جريندايزر أتوا إليه إليه من خلفية تحمل همّ فلسطين وتحمل معه هموم الأحرار والثائرين في العالم (يضرب مثلا كذلك فيتنام، إذ يستذكر أنه خرج في مظاهرات لمناصرتها عندما كان في الجامعة).

أما عبد الله حداد (كوجي كابوتو) فكان شاعرًا شعبيًا ومغنيًا ثوريًا فلسطينيًا، وكان يغني للثورة مع أطفال المخيمات، وفي عام 1977 شارك مع «مؤسسة بيت أطفال الصمود» (الجمعية الأهلية الفلسطينية في لبنان التي ولدت من مأساة تل الزعتر) في تأسيس فرقة «أبناء بيت الصمود- أبناء الشهداء». وحتى سامي (حبيقة) كلارك، الذي جاء من خلفية مختلفة، وكان معظم أدائه الغنائي باللغة الإنجليزية (مع بعض الأعمال بالعامية اللبنانية) لم ينج من دوائر التمويل المرتبطة بما كان يعرف بـ«الأنظمة التقدمية العربية»، وغنى «لبيك يا صدام». أما الذي أشرف على تسجيل شارة جريندايزر فلم يكن سوى زياد الرحباني.

لم يكن لجوء هذه المجموعة من الفنانين إلى لغة الثورة الفلسطينية محض التقاط لما هو سائد أو مجرد عمل بما هو متاح، بل كانت قرارًا واعيًا. ورغم أن اختيار جريندايزر للدبلجة والتسويق عربيًا كان قرارًا تجاريًا بحتًا، فإن الجهة التي اضطلعت بمجهود الترجمة كانت «الاتحاد الفني- بيروت». كان الاتحاد الفني مؤسسة عروبية الهوى، بيروتية المُقام، أسسها من كانوا يعرفون في الأوساط الفنية آنئذ «بالفرسان الثلاثة» أو «الفرسان الفلسطينيين الثلاثة»، عبد المجيد أبو لبن وصبحي أبو لغد وغانم الدجاني. كان هؤلاء الثلاثة من بين العاملين في إذاعة الشرق الأدنى التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية، الذين استقالوا جماعيًا على الهواء ورددوا شعارات مؤيدة لمصر وعبد الناصر أثناء العدوان الثلاثي. انغمس الثلاثة بعدها في الإنتاج الفني والثقافي اللبناني، فكان جريندايزر العربي.

وعندما سُئل جهاد الأطرش إن كانوا وهم يسجلون جريندايزر واعين بإحالاته الفلسطينية والمقاوِمة، قال إنه لا شك في ذلك، وإنهم في نقاشاتهم حول العمل كانوا يتحدثون عن فلسطين، وكان دمار كوكب فليد يمثل لهم النكبة. ثم أضاف أن الحرب الأهلية كانت كذلك ترمي بظلالها على العمل، وأنهم مع استمرار الحرب في لبنان وعليه أصبحوا يخافون كذلك أن يضيع هذا الوطن، وأن كل هذا كان حاضرًا وهم يسجلون حلقات جريندايزر.

لم يخطئ ناغاي في تقييمه لأسباب رواج جريندايزر بيننا؛ وإن كانت الصلة بيننا وبين العمل الذي ابتكره أعمق مما يعرف هو. هذه بعض الأسباب التي جعلتنا نحب جريندايزر، وبعض التفاصيل، من الحلقات الأولى، التي تكشف الصلة الوطيدة ما بين عالم جريندايزر وعالمنا. أما مآلات الأحداث ومسارات المقاومة ومصير جريندايزر، وكوكب الأرض، وقوات إمبراطورية فيغا، فلن نخوض فيها لئلا نفسد على الأجيال القادمة متعة المشاهدة.

  • الهوامش

    [1] وفي تجربتي الشخصية المحدودة وجدت الفرنسيين يعاملونه كنوع من «الأنتيك» لا كتجربة حية مليئة بالمشاعر مثلنا؛ وفي زيارة لمدينة باريس وجدت مجسمًا لجريندايزر على رف أحد المطاعم فاتصلت بأصدقاء عرب فحضروا لكي يروه واحتار صاحب المطعم فيما أحضر هؤلاء وقال بحيرة «غولدوراك؟» بينما كنا نأخذ نحن الصور مع المجسم.

    [2] وحتى مصطلحات السلام العالمي تأتي شبيهة بالطريقة التي وظفت بها الشيوعية هذا المفهوم؛ الترجمة الفرنسية كذلك أتت زاخرة بالمصطلحات الآتية من التاريخ الثوري والوطني الفرنسيين: ربما لهذا السبب انتشر جريندايزر عندهم دونا عن سائر بلاد الغرب؛ إذ تلعب المقاومة دورًا في هويتهم السياسية ونظرتهم لتاريخهم؛ مع الفارق طبعًا في تعاملهم مع المقاومة كتاريخ وتعاملنا نحن معها كضرورة مستمرة للبقاء: ولهذا لا غرابة أن يتعاملوا هم مع جريندايزر متحفيًا ويضعونه على الأرفف، بينما نرسمه نحن على الجدران ونهتف له.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية