«حكايات الدرج» لمجدي دعيبس: التنميط الاجتماعي للنساء والرجال في المجتمع الأردني

الأربعاء 24 شباط 2021
جبل الجوفة وجبل الأشرفية كما يظهران من جبل القلعة في عمّان. تصوير مايا عامر.

يصحبنا مجدي دعيبس في روايته «حكايات الدرج»، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2019، إلى حيّ الأرمن في جبل الأشرفية؛ أحد المناطق السكنيّة القديمة في عمّان الشرقيّة. هناك حيث البيوت القديمة المتراصّة التي تصل بينها أدراج متهالكة، يبدو الحيّ كأنه كتلة واحدة، تتداخل في مكنوناته حكايات الناس ومصائرهم. وإذ يسمع سكّان الحي أصوات جيرانهم في أغلب الأحيان، ويعرفون تفاصيل حياتهم بحكم التصاق الجدارن ببعضها، يتناقلون الأخبار كلّما وجد الملل أو الفضول سبيله إليهم، ودون أن يشعروا، تمسي أخبار أهل الحيّ وحكاياتهم جزءًا من أحلامهم وهواجسهم اليوميّة.

الروائي الأردني مجدي دعيبس هو مهندس اتصالات وعميد متقاعد في سلاح الجو الملكي، حصل على جائزة كتارا للعام 2019 عن أول أعماله «الوزر المالح» عام 2018، كما صدرت له مجموعة قصصية بعنوان «بيادق الضّالين» عام 2020. في روايته الثانية «حكايات الدرج»، يرصد دعيبس منطقة جبل الأشرفية وما طرأ على ساكنيها من تحوّلات اجتماعية واقتصادية مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، خاصة إثر عودة المغتربين إلى الأردن بعد حرب الخليج الثانية، وتردّي الأوضاع الاقتصادية، وما ترتّب على ذلك من مشاكل اجتماعية، مثل انتشار الفقر والبطالة والعنف الأسري.

لكنّ الثيمة البارزة في الرواية هي التركيز على القهر النفسي والظلم الاجتماعي الذي تتعرّض له النساء جرّاء ما يُفرض عليهنّ من قوالب فكرية وسلوكية محدّدة، تتماشى مع الأفكار والصور النمطية السائدة في المجتمع. وفي أثر رجعي، يعكس دعيبس جزءًا من تأثير تلك الأنماط الاجتماعية على الرجال، فيضحون كذلك ضحية للفكر الذكوري الذي يحمّلهم أعباءً لا يقوون دائمًا على حملها.

تتعدّد الأصوات والخطاب واحد

يوظّف دعيبس السرد النسائي متعدّد الأصوات في الرواية، حيث تتناوب ثلاث صديقات مراهقات على السرد الذي يرتكز بكثافة على مشاعرهنّ وآرائهنّ حول ما يعرفن أو يشهدن من قصص وأحداث في الجبل. وأعتقد أنّ لجوء الكاتب إلى توظيف التبئير الداخلي[1] بما يحدّد إطار رؤية الشخصيات ويحصرها بما تعرف وتظنّ وتشعر، لا يجعل من الشخصيات حبيسة أفكارها وصراعاتها الداخلية فحسب، بل تظهر كأنها حبيسة المكان الذي تعيش فيه. وبذا، يتحوّل جبل الأشرفية إلى بؤرة سردية تحتجز شخصياتها، وتؤثّر على أفكارها ورؤيتها للأحداث، مهما حاولت التملّص منها أو إنكارها.

يوظّف دعيبس السرد النسائي متعدّد الأصوات في الرواية، حيث تتناوب ثلاث صديقات مراهقات على السرد الذي يرتكز بكثافة على مشاعرهنّ وآرائهنّ حول ما يعرفن أو يشهدن من قصص وأحداث في الجبل.

في القسم الأول من الرواية، تسرد «نجوى» قصة والدها «أبو حنّا الأرمني» ووالدتها، ويتضّح منذ البداية اختلال التوازن في العلاقات داخل الأسرة. اللافت للنظر في هذه القصة هو أنّ الكاتب يكسر نمط العنف الأسري المتعارف عليه، ويتطرّق إلى نوع آخر؛ وهو عنف الزوجة على زوجها. ولعلّ شيوع العنف ضدّ النساء في المجتمع الأردني، ينسينا تلك الحالات التي يتعرّض فيها الرجال إلى العنف اللفظي أو حتى الجسدي من الزوجة أو أحد أفراد الأسرة، ممّا يذكّر بأنّ الأنماط الاجتماعية، وإن ترسّخت بشكل جليّ بمرور الوقت، ليست صفة معطاة، بل ممارسة ثقافية مكتسبة، كما ترى الناقدة والفيلسوفة الأميركية جوديث بتلر،[2] وقد لا يخضع لها الجميع من منطلق فطري بالضرورة، بل تشكّلها ظروف خارجية مثل طريقة التربية، والبيئة التي نشأ فيها الشخص، وغيرها من الممارسات والاعتقادات الفكرية والثقافية.

يتضّح ممّا تسرده «نجوى» أنّ علاقتها بوالدها قوية منذ الطفولة، على خلاف علاقتها بوالدتها المبنية على الخوف والرهبة، ممّا يسبب تضاربًا في فهمها الأدوار الاجتماعية والهويات بشكل عام، نظرًا لأنّ وضع عائلتها شاذّ عن المألوف: «الأجيال اللاحقة ستسخر منّا. سينعتوننا بالخضوع والجبن. الخضوع لرغبات الرجل والخوف من مواجهة الحياة. أمي لها فكر متقدّم في هذا المجال. واجهت الحياة بحزم واستقوت على أبي المسكين وضربته».[3]

لكن «نجوى» لا تفسّر أفعال والدتها من خلال فكر نسوي متطرف يسعى إلى إثبات تفوق النساء على الرجال، وتهميش دورهم بشكل اعتباطي، بل إنّ قلب الأدوار النمطية في أسرة نجوى يفرض عليها النظر إلى العنف ضدّ النساء من زاوية أخرى، ولذلك نراها تنتقد أفكار صديقتها «هبة»، قائلة: «أبي مغلوب على أمره، ويعيش في الذلّ والمهانة. هبة تدافع عن المرأة ضدّ الرجل المستبدّ كما تقول. ولكن من يدافع عن أبي. أمي انتهكت كرامته وأفقدته احترامه لنفسه. هبة، هذه المتشدّقة بعبارات لا تعيها. المرأة ليست ملاكًا ولا كائنًا فضائيًا، بل هي مخلوق أرضي تخطىء وتصيب. تكره وتحبّ، تضرب أبي وتهينه»،[4] ما يعكس جانبًا من اختلاف شخصيتها، تشكّل نتيجة كسر الصورة النمطية في أسرتها، إلا أنه خلّف العديد من التساؤلات حول دور الأم الحقيقي بالنسبة لها.

في القسم الثاني من الرواية، تكمل «سحر» سرد بعض أحداث العنف الأسري في الجبل، مثل «جريمة الشرف» التي راحت ضحيتها إحدى الجارات، بعد أن قتلها زوجها «ليغسل عاره بيده»، إثر تهامس الناس وتناقلهم حكايتها مع جارهم الأرمل، دون التأكد من صحة ما حدث.

يوحي كلام سحر في بداية السرد أنّها تعرف ما تريد، فهي ترغب بالزواج وإنجاب الأطفال، ولا تهتم بالدراسة التي لا ترى لها نفعًا بعد زواجها. كما لا تبدي اعتراضًا صريحًا على نمط الحياة الزوجية والأدوار الاجتماعية التي تلاحظها في الجبل: «ما يحدث في بيتنا يحدث في بيوت جيراننا. فالنساء هنّ النساء، والرجال هم الرجال، إلا أم نجوى وأبوها».[5] إلا أنّ قسوة «جريمة الشرف» التي حدثت في الحي والمشاكل بين والدها وأخيها تؤثّر على أفكارها، فتكشف لنا معارضتها الخفية للسلطة الأبوية، ونراها تنتقد والدها وقدرته على حلّ مشاكلهم العائلية، دون أخذ آرائهم بعين الاعتبار، كما نسمعها تردّد كلام صديقتها «هبة» تدعيمًا لرأيها: «الحقوق تنتزع ولا تعطى. علينا إجبارهم على الإصغاء لما نقول وليس استجداءهم والخضوع لصوتهم الذكوري».[6]

تعبّر شخصية «سحر» عن الشرخ الحاصل بين الأفكار النسويّة النظريّة وصعوبة تطبيقها في المجتمع التقليدي، وهكذا نجدها عاجزة عن إيجاد تفسير مقنع لـ«جريمة الشرف» التي حدثت في الحي: «قالوا لنا ألا نضحك أو نتكلم بصوت عالٍ. قالوا لنا ألّا ننظر في عيون الآخرين، وألّا نركض، وألّا نجلس بترف. قالوا لنا أشياء كثيرة».[7]

رغم تعدّد الأصوات السردية في الرواية، والجهد الذي بذله الكاتب في الاشتغال على تقنية السرد النسائي ودخوله عوالم النساء الباطنية، يظلّ الخطاب الذكوري التقليدي في المجتمع مهيمنًا على هذه الأصوات مجتمعة.

في القسم الأخير من الرواية، تتصدّر «هبة» سرد بقيّة أحداث الرواية بصوت قوي وعنيد، يخلو من التعاطف مع من حولها، خاصة «جنس الذكور» الذي تمقته. ومن الواضح أنّ شخصية «هبة» النسوية قد أخذت منحى متطرّفًا جعلها تبالغ في إسقاطاتها على أهل الجبل وقصصهم العائلية، فهي تعتقد أنّ والد نجوى يستحق ما يحدث له: « لم أشعر بالأسف عليه. أعني، لا أقصد هذا، ولكن ربما أساء معاملتها. لِمَ لا يجرّبون ولو لمرة شعور النساء المعنّفات حتى يدركوا مرارة المهانة؟ امرأة قوية البنية وشرسة الطباع. ربما تكون أم نجوى من نسل المحاربات الأمازونيات».[8] وفي انسلاخ «هبة» عن الواقع الذي حولها، تحلم «بجنس متفوّق» من النساء، ومجتمع نسوي «قوي ومتماسك» لا يتّصف بالضعف والخذلان، لكن لا يبدو أن أحدًا ممّن حولها يأخذ أفكارها على محمل الجدّ، ما يزيد شعورها بالاغتراب عن أهل الجبل، وتوقها إلى مغادرة المكان دون رجعة.

أعتقد أنّ تركيز الكاتب على مرحلة المراهقة عنصر مؤثّر في السرد، نظرًا لأنها المرحلة التي تأخذ خلالها الأفكار والمعتقدات بالتبلور والتشكّل. إلا أنّ التحفظ غالب على اللغة السردية، بحيث يبتعد عن الطابع الشخصي أحيانًا، خاصةً عندما تغيب الإشارات الدّالة على صوت الشخصية في منتصف السرد، فلا نعرف بسهولة من الشخصية التي تتحدّث. وقد يتفلّت السرد من الشخصية في بعض الأجزاء، بحيث يبدو كأن الكاتب حمّلها ما يجب أن تقوله لتكتمل الحكاية. ولا يتيح الكاتب للشخصيّات التصرّف على سجيّتها دائمًا والبوح بكل شيء ترغبه أو تهجس به لنفسها، خاصة في هذه المرحلة من العمر، ممّا يفقد الشخصية شيئًا من عفويّتها ويجعل كلامها تعليميًا أو مبتذلًا أحيانًا.

ورغم تعدّد الأصوات السردية في الرواية، والجهد الذي بذله الكاتب في الاشتغال على تقنية السرد النسائي ودخوله عوالم النساء الباطنية، يظلّ الخطاب الذكوري التقليدي في المجتمع مهيمنًا على هذه الأصوات مجتمعة، وإن لم يجسّده الكاتب بشكل مباشر؛ فهو الصوت الطاغي الذي يقف وراء معظم أحداث العنف التي تجري في الجبل. وهكذا تحمل البنات عبء سرد هذه الأحداث العنيفة على عاتقهنّ لا أكثر، ولا يُصبن منها سوى الشعور بالحزن أو الغضب، دون أن يكون لهنّ دور فعّال إزاء ما يحدث، فهنّ لا يملكن في النهاية سوى أفكارهنّ المتناقضة، وأحلامهنّ البعيدة عن الواقع.

«أنوثة مزعومة، ورجولة مهدورة»

يعالج الكاتب في الرواية بعض الإشكاليات الناجمة عن التنميط الاجتماعي للنساء والرجال في المجتمع الأردني، كما يتطرّق إلى زواج القاصرات و«جرائم الشرف» والعنف ضد النساء. وإذا ما أخذنا بالاعتبار أن أحداث الرواية تجري في تسعينيات القرن الماضي، يمكن القول إن العديد من التغييرات قد حدثت منذ ذلك الحين، خاصة فيما يتعلّق بارتفاع مساهمة النساء في قطاع التعليم خلال العقدين الأخيرين.[9] ورغم تعديل بعض المواد القانونية المتعلّقة بالتمييز ضد النساء الأردنيات في السنوات الأخيرة،[10] ما زال العمل بموجب بعض الأحكام التمييزية[11] قائمًا حتى اليوم، تلك التي ما برحت لجان حقوق المرأة تطالب بتعديلها، خصوصًا التشريعات التي تخفف العقوبة على معنّفي وقاتلي النساء تحت مسمّى «جرائم الشرف».[12]

وفيما تشكّل تلك القوانين امتدادًا للخطاب الذكوري في المجتمع، فإنّها ترتبط كذلك ارتباطًا وثيقًا بالأنماط والأدوار الاجتماعية التي ما زال المجتمع خاضعًا تحت تأثيرها. إذ تعمد تلك الأنماط إلى تحديد معايير الأنوثة والرجولة بشكل قطعي، الأمر الذي يجعل من يخالف هذه المعايير أو يتمرد عليها عرضة للعنف أوالتنمّر والتهكّم.

تعكس أساليب التنميط الاجتماعي باتّجاهاتها المتعدّدة في الرواية اختلال التوازن الذي يقوم عليه الخطاب الذكوري في المجتمع، ممّا يؤّثر على رؤية أفراده للأدوار والعلاقات الاجتماعية بشكل واضح.

تتّخذ أساليب التنميط الاجتماعي اتّجاهات عدة في الرواية. أولًا، تنميط النساء لغيرهنّ من النساء في المجتمع، والسخرية منهنّ في حال خروجهنّ عن الصورة «الأنثوية» المتوقّعة. فمثلًا، تسخر طالبات المدرسة من شخصية «المس نادية» المتسلّطة، ويصفنها «بالعانس» لأنها بلغت سنّ الأربعين دون زواج. تستنكر «نجوى» صفات «المس نادية» التي لا تخضع لنمط الأنثى المألوف، فتقول: «ترتّب شعرها بطريقة مثيرة للسخرية، صوتها فيه من خشونة أصوات الفتيان الذين تحولوا من الطفولة إلى البلوغ»، بينما تعتبرها «سحر» نموذجًا نادرًا، وتقلّد «مشيتها الذكورية» لتثير ضحك البنات، ثم تشعر بالشفقة عليها، فتقول: «مسكينة، لو لديها زوج لما آلت إلى ما هي عليه».[13] ومن الواضح أنّ هذا التنميط الصادر عن النساء بحقّ النساء لا يقلّ ظلمًا عمّا تتعرّض إليه النساء من الرجال، أمّا حدّية تلك المعايير النمطية الذكورية والأنثوية، فخلّفت العديد من علامات الاستفهام، وشرخًا واضحًا في تعامل المجتمع مع من يكسر النمط المألوف.

أمّا الاتّجاه الثاني فهو تنميط النساء لصفات الرجال والسخرية من «رجولتهم» إذا ما أظهروا عكس ذلك. مثلًا، تسخر «سحر» من والد «نجوى» وتصفه بأنّه: «مهدور الرجولة، كرامته مسفوحة، وذكورته مشكوك فيها»، وتعتقد أن ثمّة علة فيه جعلته يخضع أمام تسلّط والدة نجوى عليه، «لو كان فحلًا لانقادت له كما تنقاد النعاج لكبشها».[14] وكثيرًا ما تتخّذ الرجولة معاني صارمة وبعيدة المنال، وقد يُخلط بينها وبين الفحولة أو حتى التسلّط والقسوة، فيرى المجتمع، بما في ذلك بعض النساء أيضًا، أنّ في رقّة الرجل وحساسيته انتقاصًا من رجولته، ممّا يدفع كثير من الرجال إلى إخفاء معاناتهم رغبةً في الإبقاء على نمط «الرجولة» المزعومة في عيون الآخرين.

من هنا يبرز الاتّجاه الثالث، وهو تنميط الرجال لصفات وسلوكيات غيرهم من الرجال، واعتبار الضعف نقيضًا للرجولة، وبالتالي سببًا لوصف من لا يلتزم بتلك القواعد الرجولية على أنّه «امرأة»؛ ويُعتبر هذا الوصف على أنّه قمّة الإهانة تبعًا لأعراف المجتمع. مثلًا، يعبّر والد «سحر» عن سخطه و«اشمئزازه» لأن ابنه رامي عاطل عن العمل: « ظلّك قاعد مع النسوان! إياك أن تبحث عن عمل!» ثمّ يصرخ في زوجته ملقيًا اللوم عليها: «أفسدته بتربيتك اللّينة. هذا كله خطؤك أنتِ. كل أولاد الناس تعمل إلا ابنك المدلّل. أصبح مثل عانس يائسة، حاله واقف».[15]

يمثّل الاتّجاه الأخير تنميط الرجال لأدوار النساء وصفاتهنّ «الأنثوية»، ومحاولة قمع الصفات والسلوكيات المخالفة للصورة النمطية، باعتبارها تعدّيًا صريحًا على دور الرجال ومكانتهم، ممّا يمكّن الخطاب الذكوري من إحكام سيطرته على المجتمع. على سبيل المثال، تستفزّ شخصية «هبة» النسوية من هم حولها بسبب تصرّفاتها وآرائها المختلفة: «قالوا إنني مسترجلة وصعبة المراس، وقالوا إنني «حسن صبي» ولا أمل لي بزوج أو ولد. ماذا يهمّني من هذا كلّه؟ لاشيء».[16] يشير كلام الشخصية إلى أنّ تحدّي النساء وعنادهنّ صفات «رجولية» في مقاييس البعض، أمّا تجرّؤ النساء على الاتّصاف بهذه الصفات، فيجعلهنّ «مسترجلات»؛ أي يسعين إلى تقليد الرجال، أو «حسن صبي»؛ أي مثل الأولاد في شكلهم الخارجي وتصرّفاتهم.

تعتقد «هبة» أنّ الصورة النمطية للأنثى هي محض اختراع ذكوري، وأنّ «الأنوثة المزعومة هي سبب تأخر حواء والتزامها البيت والمطبخ والأطفال»، وبأسلوب لا يخلو من جلد الذات، تقول: «نساء مفلسات أخلاقيًا وروحيًا. نحن مهزومات من الداخل. يجب أن نغيّر نمطية التفكير وأسلوب الحياة. يجب أن نصبح شريكات في كل شيء».[17] 

وهكذا، تعكس أساليب التنميط الاجتماعي باتّجاهاتها المتعدّدة في الرواية اختلال التوازن الذي يقوم عليه الخطاب الذكوري في المجتمع، ممّا يؤّثر على رؤية أفراده للأدوار والعلاقات الاجتماعية بشكل واضح. وحتى إن لم يتمكّن الكاتب من إسكات الخطاب الذكوري الذي يهيمن على أحداث الرواية في النهاية، فقد حاول على الأقل أن يبيّن تأثيره على المجتمع ككلّ، لا على النساء فحسب.

  • الهوامش

    [1] التبئير Focalization: «هو تقليص حقل الرؤية عند الراوي وحصر معلوماته. سُمّي هذا الحصر بالتبئير لأن السرد يجري فيه من خلال بؤرة تحدّد إطار الرؤية وتحصره (..) ويكون التبئير داخليًا إذا انحصر علم الراوي بما تعرفه الشخصية أو تراه أو تسمعه أو تفهمه، فتكون هذه الشخصية مصدر المعرفة الوحيد بما يجري»، انظر/ي «معجم مصطلحات نقد الرواية»/ د. لطيف زيتوني، ص (40-41).

    [2] تعتبر أفكار الناقدة والفيلسوفة الأميركية جوديث بتلر أفكارًا ثورية في مجال الدراسات النسوية والجندرية والنظرية الكويرية (Queer Theory). تذهب بتلر إلى أنّ موضوع الجندر «محض تقليد لأصل غير موجود»، ومن هنا تتأتّى طبيعته الأدائية (Gender Performativity)، إذ يبدو كأن الدور الجندري بمثابة الدور المسرحي الاختياري، والذي لا ينبغي أنّ يحدّده الجنس البيولوجي (Sex). إلا أنّ المشكلة الكبرى تكمن في أنّ الدور الجندري في المجتمع قد اُختير مسبقًا بناءً على الجنس البيولوجي (أنثى/ ذكر)، وتشكّل بموجب السياق الثقافي والاجتماعي، وذلك حتى قبل أن يتمكّن الفرد من اختيار الهوية الجندرية التي تمثّله/ها. انظر/ي كتاب «Gender Trouble» عام 1990.

    [3] حكايات الدرج/ مجدي دعيبس، ص11.

    [4] المصدر السابق، ص40.

    [5] المصدر السابق، ص 75.

    [6] المصدر السابق، ص78.

    [7] المصدر السابق، ص82.

    [8] المصدر السابق، ص127.

    [10] في عام 2017 أُلغيت المادة 308 من قانون العقوبات، والتي تعفي مرتكب الاغتصاب من العقوبة في حال زواجه من الضحية. وفي عام 2019 أدخل البرلمان تعديلًا على قانون الأحوال الشخصية يسمح بالزوج في سنّ 16 عامًا في «حالات خاصة»، إلا أنّ منظمة «هيومن رايتس ووتش» ما زالت تطالب الأردن بإلغاء زواج الأطفال وتطبيق الحد الأدنى للزواج وهو سن 18 عامًا. انظر/ي الأردن: مباحثات لإنهاء زواج الأطفال

    [11] يلتزم الأردن بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو» التي صادق عليها عام 1992 بالقضاء على جميع القوانين التمييزية ضد النساء. للاطّلاع على الأحكام التمييزية التي عبّرت اللجنة عن القلق إزاء استمرار تطبيقها في الأردن، انظر/ي ملاحظات اللجنة الختامية لعام 2017 

    [12] انظر/ي ما السبيل إلى القضاء على جرائم «الشرف» في الأردن؟

    [13] حكايات الدرج/ مجدي دعيبس، ص 14.

    [14] المصدر السابق، ص23.

    [15] المصدر السابق، ص77.

    [16] المصدر السابق، ص121.

    [17] المصدر السابق، ص 24

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية