«تحت الوصاية»: تعريةٌ جماليّةٌ لأعطاب القانون والمجتمع

الأربعاء 26 نيسان 2023
تحت الوصاية
الملصق الترويجي لمسلسل تحت الوصاية. المصدر: شاهد.نت

ينصّ قانون الولاية على المال الصادر عام 1952 على أنّه «للأبّ ثمّ للجدّ الصحيح إذا لم يكن الأبّ قد اختار وصيًّا الولاية على مال القاصر وعليه القيام بها ولا يجوز له أن يتنحّى عنها إلّا بإذن المحكمة». لم يزل هذا القانون معمولًا به في مصر رغم مرور ما يزيد عن سبعين عامًا على صدوره، ورغم كلّ التحوّلات الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة التي شهدها المجتمع المصريّ منذ ذلك الحين. وإلى جانب التداعيات الفعليّة التي تعايشها الأمّهات الأرامل وأطفالهنّ جرّاء هذا القانون، فإنّه قد يكون من نافل القول تبيان عوار فلسفة هذا القانون واشتراكها مع سرديّات اجتماعيّة سائدة في اعتبار النساء محض وعاء للإنجاب و«أداة» لرعاية الأطفال وتنشئتهم. فالأمّ، وإن كانت مُؤهّلة لرعاية أطفالها بدنيًّا ونفسيًّا، بل ومُطالَبة بذلك، فإنها بحسب هذه الرؤية غير مُؤتَمَنة على أموال أطفالها ومصائرهم، وغير ذات أهليّة لتدبير شؤونهم والقيام عليها كافّة.

في مصر، ثارت ضجّة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعيّ أوائل العام 2021 حول موضوع ولاية المرأة على أطفالها، وذلك إثر ظهور نسخةٍ مسرّبة من مسوّدة مشروع قانون جديد للأحوال الشخصيّة لتضمنها عدّة انتهاكات لحقوق النساء من بينها تخويل وليّ الأمر رفع دعوى قضائيّة لإبطال زواج المرأة التي يقوم على ولايتها بداعي عدم الكفاءة أو في حال وقوع الزواج دون موافقته. ومع تصاعد الغضب تجاه مشروع القانون المزمع، سردت النساء عبر وسم #الولاية_حقّي تجاربهنّ المتعدّدة مع القوانين المعمول بها حاليًا بشأن الولاية الماليّة والتعليميّة على الأطفال حتّى في حالة وجود الأبّ، إذ إنّ المادة المذكورة أعلاه تُحدِّد أيضًا أنّ الأبّ حال حياته هو الوليّ على مال أطفاله دون الأمّ. وتزخر هذه التجارب بأمثلة وصور فعليّة لمعاناة النساء في التعامل مع المؤسّسات المختلفة كالبنوك والمدارس ومكاتب تسجيل المواليد بسبب انتفاء أهليّتهنّ القانونيّة لإنهاء المعاملات الرسميّة الخاصّة بأطفالهنّ في حالة عدم وجود، أو عدم موافقة، الطرف المُخوَّل قانونًا الولاية على القُصّر.

وقد عاد موضوع حقّ النساء في الولاية على أطفالهنّ إلى واجهة النقاش والجدال بكثافة مؤخّرًا لتناوله الدراميّ في مسلسل «تحت الوصاية» الذي انتهى عرضه مع نهاية شهر رمضان المنقضي.

هجوم استباقيّ

تدور أحداث المسلسل حول ما تواجهه حنان (منى زكي) مع طفليها ياسين (10 سنوات) وفرح (حوالي سنة ونصف) عقب وفاة زوجها من تحديّات تتمثّل بصورة رئيسة في عدم تمكنّها من إدارة شؤون طفليها لانتفاء ولايتها عليهم. تعاني حنان لحوالي عامين بعد وفاة زوجها من تقتير جدّ أولادها في الإنفاق عليهم، وتحكّمه في شؤونهم بصورة كبيرة، ومن رفض صالح (دياب)، عمّ طفليها، منحها حقّها وحقّ أولادها المشروع من إيراد مركب الصيد التي كان يمتلكها زوجها المُتوفَّى. وبعد فشل كلّ وسيلة للتفاوض مع أسرة زوجها، لا تجد حنان بُدًّا من سرقة المركب والفرار بطفليها من محافظة الإسكندرية إلى محافظة دمياط.

وكان قد سبق عرض مسلسل «تحت الوصاية» قبل بداية شهر رمضان هجومٌ كبيرٌ عليه بعد نشر أوّل ملصق دعائيّ للعمل، والذي تظهر فيه منى زكي بحجاب عاديّ يبدو مألوفًا للجميع، وبحاجبين كثيفين، وتبدو على وجهها أمارات الأسى. إذ سرعان ما بادر المهاجمون والمهاجمات باتّهام المسلسل بـ«تشويه» الحجاب، وبالاستناد إلى تكهنّات غير صحيحة حول طبيعة العمل تتمثّل في تضمّنه حبكة دراميّة تُسوّغ الارتباط بين نزع الحجاب والخلاص من القهر. وعلى العكس من تلك التكهّنات، فإنّ حنان في «تحت الوصاية» تتماهى مع ما يمثّله الحجاب من ترميزات اجتماعيّة، بل وتستدعي إحداها وتوظّفها لترسيم الحدود بينها وبين الرجال والمجتمع من حولها، كما سنرى لاحقًا.

من الوصاية القانونيّة إلى الوصاية المجتمعيّة

إلى جانب هذه المشكلات التشريعيّة، يبني مسلسل «تحت الوصاية» في طيّات أحداثه خطًّا موازيًا تتمثل فيه الوصاية الاجتماعيّة على النساء الأرامل كما تتجلّى فيه أيضًا روافد الحاضنة الاجتماعيّة لمثل هذه القوانين التمييزيّة التي لا تنشأ من فراغ، وإنّما تنبثق من القيم والمفاهيم والأنساق الاجتماعيّة السائدة. نلاحظ، على سبيل المثال، أنّ حنان تتخذ قرارًا منذ فرارها بأولادها إلى محافظة دمياط بعدم الإفصاح عن وفاة زوجها، بل تدّعي أمام الجميع أنّه مُسافرٌ.

لا يقول هذا العمل الدراميّ شيئًا مباشرًا عن معضلته أو شخوصه، بل يقودنا منذ اللحظة الأولى، وعبر إيقاع خاطفٍ ومتصاعد، إلى أن نستكشف أحداثه وصراعاته ونتفاعل سريعًا معها، ونخشى ونترقّب ما ينتظر أبطاله من مصير.

تلجأ حنان لذلك لحماية نفسها من النظرة الشائعة للأرملة كامرأة مُستضعَفة وكموضوع للمراقبة، ولتتفادى أن تكون نهبًا لتحكّم ونظرات الرجال والمجتمع. يساعدها الحجاب في ذلك أيضًا بما يحمله من ترميزات، خاصّة عند اختلاطها بالرجال في عملها على المركب. فبينما كانت حنان تنتظر وصول المركب المُهرَّبة على رصيف الميناء في دمياط، على سبيل المثال، يحاول أحد باعة الشاي على الرصيف التحرّشّ بها، لكنّها تتظاهر أمامه بأنّها تهاتف زوجها، وتنجح هذه الحيلة في إثناء الرجل، الذي يبدو عليه الحرج، عن هدفه. وإذ لا يعتدّ القانون إلّا بالرجال كأولياء على الأطفال، فثمّة رجال يحترمون ويهابون وجود رجل آخر في حياة المرأة أكثر ممّا يحترمونها ككيان منفرد. تتحسّسُ حنان حجابها في هذه اللحظة وتحاول إصلاحه وإحكامه على رأسها، وذلك أيضًا أوّل ما تفعله بصورة عفويّة عندما حاول أحد البحّارة في أولى رحلاتها كرئيسة للمركب التحرّشّ بها. تستخدم حنان في المرّتين حجابها كأداة حجب وحماية، وذلك بالتماهي مع إحدى دلالاته المُستبطَنة اجتماعيًّا، خاصّة في أوساط الطبقات الشعبيّة. ويتبدّى هذا الاستخدام للحجاب كعلامة بصورة فعليّة كذلك في ملابس حنان الواسعة، السابغة، وفي ألوانها الداكنة، وفي ابتعادها عن أيّ نوع من الزينة. وفي حين ترفض حنان الرضوخ لأوضاع جائرة ولعيش غير كريم لا ترتضيه لطفليها، فإنها توظِّف الرموز والشروط الاجتماعيّة السائدة لحماية نفسها وطفليها، وتفاوض بهما باستمرار على العيش والقبول المجتمعيّ.

يتجلّى هذا الجانب الاجتماعيّ الوصائيّ أيضًا فيما تمثّله شخصيّة صالح، أو المحرّك الرئيس للأحداث في عائلة الزوج المتوفَّى، من شعور بالاستحقاق. فمنذ بدء المسلسل، يتبدّى لنا أنّ صالحًا يقتنع تمامًا بأحقيّته في إدارة مركب أخيه الراحل والتحكّم في أموال أرملة أخيه وطفليها. لا يشعر صالح بأيّ غضاضة من طرقه غير الأخلاقيّة في سبيل استرداد المركب، كما يُقنع أباه بأنّ شهادته زورًا بخصوص رؤيته حنان بأمّ عينيه وهي تسرق المركب مجرّد «كدبة بيضا»، متذرّعًا بأنّ غايته هي الحفاظ على حقوق أولاد أخيه. وفي مفارقة ساخرة، يخبر صالح خطيبته أنّه لم ينم الليل بسبب شهادة الزور تلك، في حين أنّه يستخدم وسائل تتضمّن الابتزاز والبلطجة وحتّى اختطاف وتعذيب رجلين ساعدا حنان في فرارها، وذلك في سبيل استرداد مركب لا يملكها من الأساس، وليس له فيها أيّ حصّة.[1] ورغم أنّ أبا صالح يبدو ممتعضًا من أساليب صالح هذه ومن شهادته زورًا، فإنّه لا يعترض على ما يدّعيه ابنه لنفسه من استحقاق التصرّف والتحكّم في أموال أرملة أخيه وطفليها. لا تمثّل هذه الأمثلة والوقائع مجرّد مسوّغات دراميّة لسرقة حنان للمركب ولفرارها بطفليها، بل يتجلّى فيها أيضًا استبطان واستناد صالح وأبيه إلى قيم المجتمع التي ترى أنّ الرجال أكثر خبرةً وحكمةً ودرايةً بشؤون الحياة ومسالكها من النساء، وبالتالي الأحقّ بالتصرّف وبتدبير شؤون الأطفال من الأمّ.[2] 

أمّا ذروة تمثّلات الوصاية الاجتماعيّة الأبويّة التي حاصرت حنان حتّى النهاية، وفي تحالفها هذه المرّة مع منطق السوق وديناميكيّات عمله، فتتجلّى في الحلقة الأخيرة من المسلسل في مشهد محوريّ وقاسٍ عندما تعود حنان من آخر رحلة صيد لها على المركب على أمل الفرار من مطاردات صالح مجدّدًا لتجد في انتظارها على رصيف الميناء حشودًا من رجال قرّروا معاقبتها لأنّها، كامرأة، خالفت أعرافهم بخروجها للعمل على المركب في حضرة الرجال. يُجيّش المعلّم سيّد، أحد كبار تجّار سوق السمك، هذه الحشود ضدّ حنان فيسارعون إلى حرق المركب بداعي «النخوة» والانتصار لرجولتهم الجريحة التي حرّكتها ادعاءات مغرضة وتهم زائفة. ومن ثمّ يحترق كلّ شيء، بل وتُعاقَب حنان في النهاية أيضًا على حرق جموع لا يعرفونها من الرجال لمركبها بالسجن لمدّة عام بتهمة تبديد أموال القُصّر.

شخوصٌ من لحمٍ ودم

من الجوانب اللافتة في مسلسل «تحت الوصاية» البناء الدراميّ لشخصيات هذا العمل التي لا تظهر، إجمالًا، بصورة سطحيّة أو دون سياق لتصرّفاتها ودوافعها، بل كبشر من لحم ودم، وكنتاج لمجموعة أنساق قيميّة ولشروط اجتماعيّة واقتصاديّة، وكمتأثّرين ومتأثّرات وفاعلين وفاعلات ضمن شبكة علاقات تجمعهم في سياق أعمّ . فكما نرى صالحًا يطارد حنان، ويُعنّف ويهدّد شقيقتها وزوجها، ولا يتوّرع عن إيذاء حنان وطفليها للوصول إلى غايته، نراه أيضًا يأسى لمرض ووفاة والده، ويتألّم لفراق حبيبته، ونراه في لحظات ضيقه يؤدّي الصلاة في المسجد، ويساعد أحد المحتاجين. وفي مشهد دالّ، نُطالع حنان في حجرتها تصارع الأفكار والهموم، ونرى منى، خطيبة صالح، تفكّر في الطريق المسدودة التي وصلت إليها علاقتها بصالح بسبب اعتماده على توفير نفقات زفافه من المركب التي سرقتها حنان، ثم نرى صالحًا في لقطة مماثلة في حجرته يفكّر أيضًا في مآلات ما حدث وفي علاقته المتداعية بخطيبته. في لحظة كهذه، تتكشّف مصائر هذه الأطراف المتشابكة، وتبدو جميعها مُتضرّرة، رغم تباين مواقفها ومواقعها كضحايا لمنظومة جائرة وبالية، أو كمستفيدين من امتيازاتها واستحقاقاتها الواهية، أو غير ذلك.

من ناحية أخرى فإنّ حنان صاحبة قضيّة عادلة وهدف نبيل، لكنّها ليست بطلة خارقة أو شخصيّة مثاليّة تمامًا بالضرورة. نراها، مثلًا، تتصرّف ببراغماتيّة منطقيّة ومُبرَّرة في مشهد في بداية المسلسل عندما ترفض بحسم انضمام عمّ ربيع (رشدي الشامي) إلى طاقم البحريّة التي كانت تسعى لإيجاده بناءً على تنبيه أحد الشباب لها بأنّه رجلٌ كبير ولا يقدر على «شُغل البحر». ورغم أنّها بدت تُغالب شعورًا بالذنب لتعاطفها مع حال الرجل، فقد كان من الطبيعيّ في موقف كهذا أن تُعلي الشخصيّة مصلحتها ومصلحة طفليها على ما سواهم، إذ إنّ آخر ما تتمنّاه هو أن تفشل مساعيها، خاصة في ظلّ ما يواجهها من تحديّات. تكسر حنان أيضًا القانون غير مرّة، بدايًة من سرقة المركب، ثمّ سعيها إلى العيش هي وطفليها بهويّة ووثائق ميلاد مُزوَّرة، وغير ذلك ممّا اضطرّت إليه من مخالفات، ما يُضفي على الشخصيّة وطبيعة أزمتها ظلالًا كبيرة من المصداقيّة والواقعيّة، وما يدعونا في الوقت نفسه إلى تأمّل فداحة معضلتها وإلى مساءلة النظام الاجتماعيّ والقانونيّ الذي دفعها إلى محاولة تحقيق العدل بالفرار من الظلم وإلى الاضطرار إلى إصلاح أعطاب القانون بخرقه.

الإبداء لا الإفصاح

ثمّة تقنية شائعة في الكتابة الأدبيّة ترتكز على الإبداء من خلال توظيف الكلمات والتفاصيل والمؤثّرات الحسيّة بأنواعها عوضًا عن الإفصاح أو القول المباشر كقاعدة ذهبيّة في الكتابة من شأنها أن تجعل الفكرة أعظم أثرًا وأكثر حيويًّة وقبولًا. تُنسَب الفكرة المؤسِّسة لقاعدة «أبدِ، لا تُفصح» (Show, don’t tell)عادة لأنطون تشيخوف، وتسري هذه القاعدة على جميع أنواع الكتابة، كما تسري على صنوف الفنون الأخرى من مسرح وسينما وغيرها.

تتبنّى المعالجة الدراميّة لموضوع مسلسل «تحت الوصاية» إلى حد بعيد مبدأ الإبداء لا الإفصاح، وذلك أهمّ ما يميّز هذا العمل الذي لا يعتمد على التنظير، أو التلقين، أو الخطاب الوعظيّ، المباشر، بل يرتكز بصورة رئيسة على الإيحاء والتأثير من خلال توظيف وتناغم مكوّناته كافّة من اختيارٍ لملابس الشخصيّات وإضاءة وديكور وموسيقى تصويريّة ولغة بصريّة متميّزة ودالّة تعبيريًّا، لا سيّما في ظلّ غلبة المشاهد الخارجيّة على العمل وتصويرها في مواقع حقيقيّة، على ما في ذلك من صعوبات ومعوّقات. لا يقول لنا هذا العمل الدراميّ إذًا شيئًا مباشرًا عن معضلته أو شخوصه، بل يقودنا منذ اللحظة الأولى، وعبر إيقاع خاطفٍ ومتصاعد، إلى أن نستكشف أحداثه وصراعاته ونتفاعل سريعًا معها، وإلى أن نعاين بأنفسنا مآسي البطلة وطفليها، ونتوّرط في التفكير في معضلتهم وفي الظروف التي أدّت إليها، ونخشى ونترقّب ما ينتظرهم من مصير.

تتبنّى المعالجة الدراميّة للمسلسل الإبداء لا الإفصاح، وذلك أهمّ ما يميّز هذا العمل الذي لا يعتمد على التنظير، أو التلقين، أو الخطاب الوعظيّ، المباشر، بل يرتكز بصورة رئيسة على الإيحاء والتأثير من خلال توظيف وتناغم مكوّناته كافّة.

وقد كان لأداء طاقم تمثيل العمل المُختار بعناية وإدارة المخرج له دور رئيس في تحقيق هذا الأثر، لا سيّما أداء منى زكي المتفرّد لشخصيّة حنان التي رأينا، من مشهد إلى آخر، ملامح التوتّر والخوف والغضب والحسرة والسعادة والفخر وغيرها من حالات متجسّدة في قسمات وجهها، وماثلة في نهنهات صوتها، ومنعكسة في تعبيرات جسدها ومشيتها المتعثّرة، وظلال ظهرها المنحني على الحوائط. كما ساهم الأداء التمثيليّ المميّز للفنّان القدير رشدي الشامي ولدياب ولمها نصّار (في دور سناء شقيقة حنان)، وللممثّلين الذين أدّوا أدوار طاقم البحّارة والصيّادين في خلق حالة من الصدق والاتساق الدراميّ ميّزت هذا العمل. وتجدرالإشارة هنا بصفة خاصّة إلى الطفلين اللذين أديا دوري ابن وابنة حنان، إذ يمثّل الاثنان ركنًا محوريًّا من الحبكة الدراميّة للعمل، خاصّة الطفل عمر شريف (13 عامًا) الذي أدّى دور ياسين بسلاسة ملفتة وفهم واضح لطبيعة الدور، وباحتراف يدلّ على موهبة واعدة وعلى ما بذله من مجهود كبير ليخرج دوره على هذا النحو، حتّى إنّه استحقّ أن يُكتَب اسمه في تتر العمل منفردًا ودون أيّ وصف أو تقدمة خاصّة. كما أنّ المساحة الكبيرة الممنوحة لدوري ياسين وفرح في هذا العمل الدراميّ كان أثرها مهمًّا في فهم معضلة العمل من منظور الطفلين ومن موقعيهما، وفي استشعار إشكاليّات قانون الوصاية ومآلاتها عليهما ونحن نشهد لمحاتٍ من طفولتيهما المُهدَرة، ونغضب لما يعيشانه من حرمان ومعاناة، ونبكي لما يحلّ بهما من آلام.

لا يخلو أيّ عمل فنّيّ من الهفوات، وقد لاقى «تحت الوصاية» إلى جانب الإشادة والاستحسان الكبيرين المُستحَقّين بعض الانتقادات، من بينها ما يتعلّق بعدم دقّة ومنطقيّة بعض تفاصيل وأحداث العمل،[3] لكنّه يبقى في المقام الأوّل عملًا مُهمًّا وفريدًا يُبشّر بإمكان تقديم رؤى دراميّة وإخراجيّة واعدة وقادرة على أن تثير الأسئلة، وتعرّي طبقات متقاطعة من المعاني، وتفتح مجالًا كبيرًا لأشكلة الموضوع الذي تطرحه، وتُمتِّع نواظرنا بجماليّات فنيّة مُتقَنة.

  • الهوامش

    [1] جدير بالذكر أنّه ليس لصالح أيّ نصيب في تركة أخيه المتوفَّى وفقًا للقواعد الشرعيّة والقانونيّة في الحالة المذكورة.

    [2] وذلك، أي الدراية بأمور الأعمال الخاصّة (وتتمثّل هنا في العمل على مراكب الصيد)، هو فعليًّا ما يدفع به صالح ومحاميه ضمن أحداث المسلسل لطلب الوصاية على أولاد أخيه بعد وفاة الجدّ بالإضافة إلى استغلاله لقضيّة سرقة المركب المُحرّرة ضدّ حنان استنادًا إلى المادة (27) من قانون الولاية على المال التي تقرّر أنّه «لا يجوز بوجه خاصّ أن يُعيَّن وصيًّا من كان بينه هو أو أحد أصوله أو فروعه أو زوجه وبين القاصر نزاع قضائيّ أو من كان بينه وبين القاصر أو عائلته عداوة إذا كان يُخشى من ذلك كلّه على مصلحة القاصر». 

    [3] أثيرت، على سبيل المثال، علامات استفهام حول ما ظهر ضمن أحداث العمل من سهولة تهريب المركب من محافظة إلى أخرى دون تفتيش أو توقيف أو اكتشاف للأمر لمدّة طويلة، حتّى مع إخفاء معالم المركب القديمة، وذلك في ظلّ وجود آليّات تنظّم حركة وتصاريح عمل المراكب في المواني المختلفة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية