الآن وقد انتهى الصيف والأعياد، وحلّ أيلول مع ما يحمله من عودة المدارس وسفر المغتربين، قد تجدون لديكم أخيرًا المزيد من الوقت لقراءة الكتب. وحتى نقدم لكم مجموعة من الاقتراحات، طلبنا من أعضاء فريق حبر وكتّابه أن يرشّحوا لنا أفضل الكتب الحديثة التي قرأوها مؤخرًا.
تنوعت خياراتهم في أجناسها، بين الرواية والشعر والفكر والبحث، كما تنوعت في مجالاتها، بين السياسي والاجتماعي والتربوي والثقافي، فشملت مواضيع مثل الحراك السياسي في مصر، وفقدان الحركة النسويّة جوهرَها الثوري، وتحكّم الخوارزميات في مصائر الناس، وتجربة المنفى والاغتراب، وغيرها.
إليكم قائمة من أحد عشر كتابًا مقترحًا، قد تجدون فيها ما يثير اهتمامكم.
مراجعة: أحمد ندا
بقدر ما في هذه الرواية من سخرية قاسية على فكرة المجتمع الذي يعيش دون فن، بقدر رومانسيتها في تقديم الشعر كقيمة مضافة إلى الأسرة «كممثل للمجتمع»، لكن هذه السخرية وهذه الرومانسية تتناغمان معًا في عمل شديد السلاسة والتدفق. رواية صغيرة الحجم تمنح الشعر كامل قوته في خلق اللغة، وإثرائها بخياله الجمالي.
تبدو فكرة «الشعر يحفظ العالم» مغرية تمامًا للقراءة، أما فكرة الشاعر الذي أرادت أن تشتريه بنت صغيرة من السوق؛ لأنه لا يترك أوساخًا مثل الرسامين والنحاتين، ستدفعك حتمًا إلى البحث عن الرواية لتعرف كيف تنتهي.
مراجعة: هشام البستاني
فقدت النسويّة جوهرها الثوريّ؛ صارت مجرّد وسم على سلعة يراد تسويقها جماهيريًّا، نوعٌ من التكيّف مع النظام القمعيّ القائم، شكل من أشكال الدعوة إلى قبول المزيد من النساء بامتيازات القامعين، لا دعوة لإنهاء القمع نفسه، لهذا تُعلن جيسّا كرِسْبِن في كتابها الغاضب أنّها لم تعد تنتمي للنسويّة؛ على الأقل تلك النسويّة العالمية (Universal)، الملائمة للجميع، المقبولة من الجميع، الفاقدة لأسنانها، وجوهرها الثوريّ الراديكاليّ.
«لا يمكن أن أعتبر نفسي جزءًا من نسويّة تركّز بشكل معتوه على ’تمكين الذات‘، وتتضمّن أهدافها لا التدمير الشامل للثّقافة الشركاتيّة (corporate culture)، بل نسبة أعلى من المدراء التنفيذيّين وضبّاط الجيش النساء». تم إحتواء التيّار النسويّ داخل التيّار العام (mainstream)، وصار اعتذاريًّا بعد أن كان نضاليًّا، نسي أن التّغيير يأتي من الجذور، من إسقاط المجتمع البطرياركي، مجتمع الاستغلال واللامساواة، لا من خلال تبنّي قيم هذا المجتمع، واستيعاب النسويّين والنسويّات داخلها. يبيّن الكتاب أن المشكلة هي مع «النظام»، وقيم النظام، لا عن حجم المساواة داخل النظام، فمثل هذه الأخيرة ليست مساواة حقًّا، بل هي إعادة تدوير للهيمنة والظلم.
مراجعة: يزن الأشقر
إذا سئمت البحث عن نص عربي جديد في الأسلوب واللغة، بإمكانك الإطمئنان إلى أن كتاب النوم للكاتب المصري هيثم الورداني يقدم ذلك بالضبط. يكتب الورداني عن النوم من ثلاثة محاور: الهوية والسياسة واللغة، في 86 فقرة قصيرة تتناول النوم والنائم والعلاقات التي تدور حول مفهوم النوم في نص مدهش يندُر العثور على مثيله في اللغة العربية هذه الأيام.
مراجعة: عمر فارس
أعامل كتب سلسلة عالم المعرفة مثل معاملتي للراديو؛ أتجه إليها حين أكون منفتحًا للاحتمالات وراغبًا بممارسة «اللا تخطيط» في حياتي. بعيدًا عن حساباتي للمواضيع التي أود القراءة فيها -ليس بعيدًا جدًّا- صادَفَني هذا الكتاب. إنه يمثّل رحلة المخطوطات المتصلة بالتراث الإسلامي، في مجال نقل الإرث اليوناني والروماني إلى العربية والشرح عليه، ومن ثم كيف استفادتْ أوروبا (إنجلترا تحديدًا) من هذا النقل بعد يأس من العثور عليها بنصها الأصلي. قد يتبادر لذهن البعض أن هذا الكتاب مشروع لمديحٍ غير علمي، لكنه تتبّع تاريخيّ للحظة كانت فيها اللغة العربية موضوعًا مهمًّا للدراسة في أوروبا، وهو يتحدث عن حقبة تاريخية لطالما اهتمَمتُ بأن أتعرّف عليها أكثر.
مراجعة: شاكر جرار
يكتسب هذا الكتاب أهميته من النظرة الشمولية الواسعة في تناوله موضوع «وقت العمل»، والتحولات التاريخية التي طرأت عليه منذ التصنيع وحتى يومنا هذا. ينتقل الكتاب بأسلوب ممتع من مرحلة إلى أخرى، حيث يتطرق، في البداية، إلى الأثر الكبير الذي تركته علمنة مفهوم الزمن، واختراع الساعة الميكانيكية كبديل عن أجراس الكنائس في أوروبا في القرون الوسطى، على البنية الاجتماعية والاقتصادية للعمل، والكيفية التي تم فيها تسليع الزمن في الرأسمالية الصناعية بعد أن تحولت علاقة (العمل-الزمن) من مجال تُوجّهه المَهمة إلى مجال تُوجّهه الساعة.
وتتطرق الكاتبة إلى التاريخ الطويل من الصراع في الولايات المتحدة بين الرأسماليين والعمّال على ساعات العمل، ويسترجع الكتاب مسيرة النضال الذي خاضه العمال من أجل خفض ساعات العمل، متمثلًا بحركتي «العشر ساعات» و«الثماني ساعات» في الولايات المتحدة، وصولًا إلى أسبوع العمل المعياري الحالي المؤلف من 40 ساعة عمل وخمسة أيام. كما تناقش نيغري التغييرات الحالية التي طرأت على ساعات العمل السنوية والأسبوعية، والعمل الإضافي، والعمل غير النظامي، إضافة إلى الأثر الكبير الذي تركه العمل بشكله الحديث على بنية الأسرة مع ظهور ما تسميه بـ«الزمن المجندر».
مراجعة: زهرة حنقير
«بيوت الملح» (Salt Houses) هي الرواية اللّافتة، والأولى، لهالة عليان، تسرد فيها قصة النفي القسري من وجهة نظر عائلة فلسطينية واحدة. عليان، الكاتبة والأخصائية النفسية، تستكشف الصعوبات الناجمة عن التهجير الفلسطيني على مدى ستة أجيال، ابتداءًا من النكسة في 1967 حتى حرب 2006 في لبنان. كلّ فصلٍ من الكتاب يركز على محنة عضو مختلف من العائلة الممتدة: الأب والأم وأولادهم وبناتهم وشركائهم/ن، فننتقل من الكويت وعمّان إلى باريس وبوسطن، لنختبر بحثًا طويلًا عن الوطن والهوية. فكرة مركزية في الرواية هي أن الاقتدار المادي لا يخفف، بالضرورة، من عبء فقدان الوطن؛ فبينما يعاني اللاجئون في المخيمات من الحرمان المادي الحاد، على الفلسطينيين في المنفى أن يجدوا طرقًا لإبقاء ثقافتهم حيّة بينما هم منغمسون في ثقافات جديدة. وبالنسبة لعليان، فإن هذا الصراع، بحد ذاته، مُفْجِع.
مراجعة: هشام البستاني
بعكس كل الكليشيهات الأدبيّة عن المرأة الرومانسيّة، الحالمة، الخانعة، المكلومة، المتألّمة، المهتوك عرضها، تبرز بطلة هذا العمل الجريء كبطلة قويّة، بذيئة، باردة، لا تخجل، يأخذها هوسها بالجنس إلى مناطق نفسيّة واجتماعيّة قلّما طرقها الأدب العربيّ من قبل، بلغة مبتكرة هي مزيج من العاميّة والفصحى، وثقافة هي مزيج من الرّفيع والشوارعيّ، لنصل في خضم هذه الدوّامات إلى ذواتنا المشوّهة، ومدينتنا المشوّهة (عمّان)، وواقعنا المشوّه كلّه. نحن أبناء وبنات السّقوط والهزيمة، فكيف نكون إلا على مثل هذه الصورة؟ هل سنهرب إلى خيالات حالمة مبتذلة، أم نقف بجرأة أمام سقوطنا المدويّ المستمرّ دون أثرٍ لقاع؟ سقوط سماء (وهذا اسم الشخصيّة الرئيسيّة في الرواية)، هو سقوط الفرد، والمدينة، والسّياسة، والسّلطة، ووجودنا المعاصر، الهامشيّ، التافه؛ لكنّه أيضًا غضبها، وإمعانها في الإنتقام، إمعانها بالفعل؛ امرأة هذه الرواية هي من يفتضّ، ويهتك العرض، ويشتم، ويعرّي نفسه/ يعرّينا.
مراجعة: أحمد ندا
لعلّه الكتاب الأول من نوعه في مصر الذي يقدم تحليلًا لتحولات الخطابات السياسية والاجتماعية في السنوات من 2006 إلى 2016، أي السنوات التي بدأ المجال العام في تأسيس هامشه الحركي، مما مهد إلى ثورة يناير وما تلاها حتى انهياراتها الكبرى، يبحث الكتاب بتوسّع التحولات الخطابية عند الإسلاميين -باعتبارها ركنًا أساسيًا للحياة السياسية في مصر في هذه السنوات العشر- والمسافة بين «وهم الهيمنة» والمكاسب السياسية المرحلية.
يفتح الكتاب مجالاً لمساءلة الحراك السياسي المصري في هذه الفترة الحيوية، بعيدًا عن بكائيات فشل الثورة وطوباوية تمني رجوعها، وربما يبدأ طريقًا -تأخرّت كثيرًا- في نقد الثورة.
مراجعة: سوار مسنّات
في مجموعتها الشعرية الثانية «بالكاد حرب» (Hardly War)، تقدّم دون مي تشوي، وهي معلّمة وكاتبة ومترجمة أمريكية-جنوب كورية، فكرة «شعريّة جيوسياسية»، فتقول: «أنا في محاولة لتخيل «العرق = الأمة»، ولغتها وحروبها. أنا في محاولة لطوي العرق في الجيوسياسي وطيّ الجيوسياسي في الشعر. وبالتالي، شعريّة جيوسياسية. وهذا يتضمّن عصيان التاريخ، قطع روابطه مع السلطة».
في هذه المجموعة، التي تجمع موادًا أرشيفية وصورًا فوتوغرافية، من الحرب الكورية وحرب فيتنام، التقطها والد تشوي الذي كان مصورًا صحفيًا، تتحدى تشوي سردية نشوء الدولة والهوية الوطنية في ارتباطاتها مع الإمبريالية العسكرية الأمريكية. في جمعها للصورة والسرديّة الشعرية والأوبرا، تعيد تشوي كتابة التاريخ، وتفتح مساحات للتفّكر في علاقات الشهادة (witness) باللغات والذاكرة، وسياسة ارتباط الشعر بالجمال، لتعيد طرح مشكلة المنظور في تقاطع الجمالية مع السلطة. تكتب تشوي : «ما هي ذكريات العالم؟ يتضح أنها ذكريات الحرب. وما هي ذكريات الحرب؟ هي ذكريات يتيمة. ذكريات يتيمة مثل أجنّة لُفظت في زجاجات».
مراجعة: محمود عطعوط
أهلاً بكم إلى الجانب المظلم من البيانات الكبيرة (Big Data)، هكذا يمكن تلخيص كتاب «أسلحة الدمار الحسابيّ» (Weapons of Math Destruction )، لمؤلفته كاثي أونيل.
تناقش أونيل النماذج الرياضية، أو الخوارزميات، التي تحلل البيانات الناتجة عن تتبع كل سلوك بشري على الإنترنت، والتي تدّعي أنها قادرة على قياس، وبالتالي تطوير، بعض السمات المهمة مثل جودة التعليم، خطر تطرف محتمل، الجدارة الائتمانية والقدرة على سداد القروض، بالإضافة إلى قرارات الإستثمار والتنبؤ بحركة السوق واتجاهاته.
لكن هذه القرارات تؤثر على عدد كبير من الناس، إلى درجة التحكم في مصائرهم. بداية من قبولهم في كلية ما، وحتى حصولهم على علاج لمرض ألمّ بهم، مرورًا بمحاولة الحصول على وظيفة والاحتفاظ بها ، وحتى احتمالية تعرّض الشرطة للناس والحكم عليهم بالسجن.
يحاول الكتاب تسليط الضوء على عواقب الاعتماد على هذه الخوارزميات في عملية اتخاذ بعض القرارات، من خلال الغوص في بعض قصص المتضررين منها بشكل فردي، ليصل لاحقا إلى قراءة أحداث على المستوى الدولي مثل الأزمة المالية العالمية التي وقعت عام 2007.
تحاجج المؤلفة بأن خضوع هذه النماذج الرياضية لحقوق الملكية الفكرية، وعدم تقييد وتقنين استخدامها، سيؤدي إلى تعميق انعدام المساواة الاجتماعية وتهديد الديمقراطية، بسبب انعدام قدرة المتضررين على منازعة ذلك القرار؛ لعدم وجود معلومات كافية عن كيفية اتخاذه، إضافةً إلى سوء تطبيق هذه النماذج بهدف زيادة النفوذ أو الأرباح على حساب العدالة.
وعلى الرغم من تركيز الكتاب على نماذج العمل في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يمكن أن تكون غير مألوفة للقارئ العربي، واحتوائه على الكثير من الإحصائيات الصادمة، إلا أن سرده القصصي السهل وأسلوبه السهل، يجعل قراءته ممتعة.
يصدر الكتاب في ظل سيطرة البيانات على صناعة القرار في العالم، وهو تذكير للناس بأن هذه النماذج الرياضية تتحكم، دون إرادتهم، بحياتهم ومصائرهم. وأنها تزيد من حدة التمييز بينهم، وتعمق انعدام العدالة الاجتماعية.
مراجعة: دلال سلامة
«من الذي يتكلم؟ المعلم أم التلاميذ؟»، هذا هو السؤال الذي تقول روبن فوجارتي (Robin J. Fogarty)، إنه عندما يُثار، فإن إجابته تكشف طبيعة النظام الذي تنفّذ وفقه عملية التعليم في أي مدرسة، وتدل إن كانت هذه المدرسة قد دخلت القرن الحادي والعشرين، أم أنها ما زالت عالقة في عقود الستينات والسبعينات والثمانينات.
في كتابها «ادعُ ، أثِر، أشعِل» (Invite! Excite! Ignite)، الذي صدر العام الماضي، تلفت فوجارتي إلى أنه في عصر يمكن فيه، بسهولة هائلة، لأي كان الوصول إلى المعلومات، فإن «حيازة» المعلومات لم تعد تمنح صاحبها ميزة التفوق على غيره، كما كان الحال في الماضي. المهم هو «التفكير في هذه المعلومات».
هذا التحوّل من التركيز على المحتوى إلى التركيز على معالجته غيّر عملية التعلّم، كما تقول فوجارتي، ما استدعى تلقائيًا، تغيير عملية التعليم، فمقابل صف كان فيه صوت وحيد لمعلم، ظل لعقود هو المصدر الوحيد للمعلومات، الآن، هناك الأصوات المتعددة للتلاميذ الذين يجلبون ببساطة هذه المعلومات بواسطة «غوغل»، وتصبح مهمة المعلم، متعددة الأبعاد، هي أن يصادق على المعلومات، ييسر عملية تعلمها، ويحدد مع التلاميذ الخطوة القادمة في عملية «التفكير» فيها.
تحدد فوجارتي، التي عملت لسنوات طويلة في التعليم وتدريب المعلمين، ودرّست تلاميذ من الروضة إلى الجامعة، 13 مبدأ، تقول إنه يمكن للمعلمين توظيفها. وخلاصة هذه المبادئ هي أن يعرف المعلم ما هو الهدف المرجو من التعلّم، وأن ينظم الوقت بحيث يركز على الأجزاء الأكثر أهمية، وأن يولي عناية عظمى بمهارات القراءة والكتابة. على المعلم أيضًا أن «يدرّس أقل»، فيُعطى التلاميذ الحرية ليكتشفوا ويتعلموا بأنفسهم، وأن يستثير دافعيتهم، ويخبرهم أن لديه توقعات عالية منهم، ويمنحهم الثقة في أنهم قادرون على التعلم. عليه أن يدرك، أيضًا، أن التلاميذ يتعلمون بطرق مختلفة، ويحاول اكتشاف نمط التعلم الخاص بكل منهم، ويشجعهم على العمل الجماعي، ويتحداهم كي يفكروا. وأن ينتقل من مجرد «مصحح» لأخطائهم، ليصبح مدربًا «يعرف متى يدفع الطفل، متى يسأله، ومتى يزوده بالمصادر». أخيرًا، على المعلم، كما تقرر فوجارتي، أن يتعامل مع الامتحان، لا بوصفه هدفًا من التعلم، بل وسيلة توفر الفهم للكيفية التي سارت بها عملية التعلم، والاستفادة منه على هذا الأساس.
الجميل في الكتاب هو أنه لم يغرق في التنظير، ورغم تغطيته الوافية للدراسات العلمية المتعلقة بكل المحاور التي تناولها، إلا أن الكاتبة نجحت في حمايته من الجفاف الأكاديمي، عندما استعانت بأمثلة حيّة من الصفوف الدراسية، ووظّفت الكثير من القصص التي استقتها من خبرتها الشخصية في التعليم وتدريب المعلمين.