أبو بكر يوسف: عمر قصير وفارق في الترجمة

الإثنين 01 نيسان 2019

في حزيران 2018 كان المترجم المصري أبو بكر يوسف قد تُوفي منذ ما لا يعرف أحدٌ متى، بعد أن وصفته إحدى الصحف المصرية بأنه: «المترجم الكبير الراحل، الذي تربّت أجيال على الأعمال التي نقلها لتشيخوف، وغيره».

ربّما كان ذلك خطأً أملاه غياب المُترجم عن الساحة؛ إذ أنَّه توقّف عن الترجمة السنوات الأخيرة «بحكم السنّ»، وربّما كان بسبب قلّة الاهتمام به؛ إذ ما يزال للآن، حتّى بعد وفاته الحقيقيّة التي أُعلن عنها 3 آذار 2019، بدون صفحة على ويكيبيديا، أو موقعٍ على الإنترنت، أو فيديو على يوتيوب، وليس له غير حوارٍ أو حوارين في الصحافة منذ سنوات طويلةٍ.[1]

من موسكو البداية

أبو بكر يوسف مترجم مصري، اشتغل مع جيله من المترجمين العرب الذين ابتعثتهم الجمهورية العربية المتحدة طلابًا إلى الاتحاد السوفييتي على ترجمة الأدب الروسي. وقد نقل هذا الجيل ترجمة الأدب الروسي من حيّز الترجمات الممسوخة في بدايات القرن العشرين إلى الترجمة المحترفة؛ إذ «من غير الجائز تسمية هذا النقل ترجمة»؛[2] بسبب ما قام به المُترجمون من إضافةٍ فصولٍ إلى روايات، وحذف مشاهد أخرى، وتحسين صفحات بعض الكتب بمعلومات تاريخيّة من عندهم.

كانت ترجمات هذا الجيل المُحترف، والذي ترجم الأدب الروسي نقلًا عن الروسية مباشرة، لا عن لغات وسيطة، تصدر تباعًا عن دار النشر السوفيتية «التقدّم» التي أصبحت تُعرف بهذا الاسم منذ العام 1963، ودار «رادوغا» التي تفرّعت عنها عام 1982. وكان يُترجم فيها إلى جوار أبو بكر يوسف كل من «مواهب كيالي، وحسيب كيالي، ووصفي البني من سوريّة، وغائب طعمة فرمان وخيري الضامن من العراق، وعبد الرحمن الخميسيّ من مصر، وتاج السرّ الحسن وجيلي عبد الرحمن من السودان».[3]

الترجمة لوقت قصير

أوّل كتابٍ وقعتُ عليه ترجمه أبو بكر يوسف كاملًا كان سنة 1974 عن دار التقدّم؛ وهو رواية لبوريس فاسيلييف بعنوان «الفجر هادئ هنا». وآخر ترجماته كانت المؤلفات المختارة، وهي مختارات من أعمال تشيخوف صدرت بين الأعوام العام 1982 – 1988 «عن دار رادوغا»، وقد أنجزها في فترةٍ قصيرةٍ: «قمت بهذا العمل على مدار حوالي ثلاث سنوات». صارت هذه الترجمة تُعدُّ، ولحدِّ الآن، أفضل ترجمة صدرت لمؤلفات تشيخوف باللغة العربية.[4]

عُرف أبو بكر يوسف، بترجمته لتشيخوف أكثر من أي كاتب روسيّ آخر، رغم أن ما ترجمه من أعمال تشيخوف كان القليل فقط، إذ «كان مستحيلًا ترجمة كلّ أعمال تشيخوف، التي تصل في طبعتها الأكاديمية إلى ثلاثين جزءًا، بالإضافة إلى رسائله»، لذا كانت الترجمة مختارات من قصص، روايات قصيرة، روايات، مسرحيات. وفي العام 2007 ترجم بعض القصص وأضافها إلى المختارات التي صدرت في طبعة جديدة عن دار الشروق سنة 2009 وكانت المختارات القصصيّة «مجحفة بحقّ أعمال تشيخوف القصصيّة»، على اعتبار أنها كانت جزءًا صغيرًا من أعمال تشيخوف الكثيرة.

في العام 2010 سيقول حول هذا الأمر: «اليوم للأسف يمكن القول أني أصبحت حرًا،(..) لم يعد عملي الترجمة، الترجمة أصبحت لها الوقت الأقل، بسبب مصاعب الحياة، وضرورة التركيز لكسب وسيلة للعيش، من الطبيعي أن تكون بعيدة عن الترجمة، الترجمة الأدبية ما بتوكلش عيش الآن، إني حزين، لكن لا أملك حيلة، لو كان الوضع في الاتحاد السوفيتي سابقًا استمر كما هو عليه، لكنت قد أتممت ترجمة تشيخوف كاملًا.

ترجمة الشعر

عاش أبو بكر يوسف وسط مجموعة كبيرة من الشعراء العرب في موسكو، الأمر الذي شجعه، وفتح اهتمامه بالشعر بالمجمل، وبترجمته لاحقًا، كان من هؤلاء الشعراء «جيلي عبد الرحمن ونجيب سرور وتاج السر الحسن وعبد الوهاب البياتي ومواهب الكيالي، وغائب طعمة فرمان ومحمد مهدي الجواهري، وكانوا قد اجتمعوا في فترة واحدة في موسكو في الستينات والسبعينات». بالإضافة إلى هذه المجموعة كان أبو بكر يوسف يحمل معه إرث والدهِ. يُخبر رفيقه في موسكو في بداية السبعينيات أحمد الخميسيّ: «ينحدر بكر من عائلة بدوية فى الفيوم، وكان والده عمدة يقرض الشعر، ولذلك ظل [أبو] بكر حتى النهاية يستعيد الأمثال والقصائد البدوية ويلقيها بلهجة البدوى القح».

على أنَّ شغفه بالشعر بلغ ذروته عند مرافقته نجيب سرور «وسرعان ما أصبحت راوي أشعار نجيب سرور فى مجموعة الدارسين المصريين والسوريين فى موسكو، ورحت أقلده فى طريقة إلقائه المتميزة، ونجحت فى ذلك إلى حد ما». ورغم هذا الافتنان بالشعر إلّا أن أبو بكر يوسف لم يترجم من الشعر الكثير.

ترجم أبو بكر يوسف لألكسندر بلوك، ليرمنتوف، وديوان أشعار مقاتلة، وهو ديوان مختارات من أشعار المقاومة السوفيتية، مع الدكتور ماهر عسل وجيلي عبد الرحمن، وبعد محاولات في ترجمة الشعر، واطلاعه على الشعر العربيّ كتب رأيه في ترجمة الشعر، إذ يقول:«فضلًا عن موروثات المترجم الثقافية، أعتقد أن لغة القرآن الذي حفظته في صغري كانت لي سندًا في إتقان الترجمة، خاصة في الشعر، فنحن ليست لدينا مدرسة في الترجمة الشعرية مثل المدرسة الأوروبية، وهو ما يجعلنا نترجم الشعر كالنثر وهذا يفقده جماله».

لم يحدث أن ترجم أبو بكر يوسف من العربيّة إلى الروسيّة، ولم يُحاول الترجمة بهذا الاتجاه: «قد يكون السبب غير مقنع، لكن باعتقادي أنَّ الشخص يجب أن يُترجم إلى لغته الأمّ؛ بالتالي الشخص الروسيّ الأقدر على ترجمة الأدب العربيّ إلى اللغة الروسيّة».

ثقافته

في روسيا، تطوّرت قراءات أبو بكر يوسف، بفضل محيطه، إذ جاور في روسيا، لعقدين، الأديب والمُترجم العراقيّ غائب طعمة فرمان، وترجم معه بعض القصائد والقصّص، وفي الجامعة زامل الشاعر المصري نجيب سرور، وماهر عسل، واطلع إضافة للأدب الروسيّ، على تاريخ روسيا، المكتوب والمعيش، الأمر الذي بدا واضحًا في المرّة الوحيدة، ربما، التي أُتيحت له فيها كتابة رأيه أو كتابة مقدمة لأعمال ترجمها، وهي طبعة الأعمال القصصية لأنطوان تشيخوف الصادرة عن الشروق 2009، أبدى المُترجم في المقدمةِ ثقافة عاليةً ليس بحياة ومشروع من يُترجم له، إنما بالحياة الاجتماعيّة وظروف الحكم في روسيا.

في هذه المقدمة قرأ أبو بكر يوسف روسيا القرن التاسع عشر، ووضع رأيهُ في وظيفة المُترجم: «الترجمة عمومًا، ومع تشيخوف بشكل أخصّ، لا تحتاج إلى لغتين فقط، بل إلى فهم تاريخ، وحضارة البلد، والواقع المُترجم منه وإليه، ولقد أتاحت لي الدراسة والإقامة في موسكو معرفة الواقع المعاش والتاريخ».

لم يمضِ كثيرًا في الكتابة، وتكاد تكون كتاباته محصورةً في مقالاتٍ قليلةٍ، نشرت في كتابٍ دوريٍّ باسم «رمال» والذي صدر بأعداد محدود، كان المقال الأوّل تحت عنوان أدباء عرب في موسكو وكان عن الروائي والمُترجم العراقي غائب طعمة فرمان، والشاعر السوداني جيلي عبد الرحمن بعنوان: «جيلي عبد الرحمن سنوات من الغربة».

رجع مصر بعد الدراسة في جامعة موسكو (1964) مع زوجته «التحقت معيد بكلية الألسن بجامعة عين شمس كنت أدرس الأدب الروسي واللغة الروسية ومادة الترجمة أيضًا، في هذه الفترة كانت معي زوجتي وابني وكنا نحاول نؤسس بيت صغير لنا في القاهرة في ذلك الوقت كانت الدنيا صعبة جدا بالنسبة للسكن لكن تمكنا من بناء هذا العش الصغير». في العام 1968 عاد مع عائلته إلى موسكو لنيل الدكتوراة وظلّ هناك حتّى وفاته.

حتى بعد وفاته لم يلق أبو بكر يوسف التقدير الذي يستحقه. خلال أيّام العزاء نشر قريبه الروائيّ حمدي أبو جليل «اليوم يقام عزاء المترجم الرائد العظيم دكتور أبو بكر يوسف بجامع الرحمة بشارع صبري أبو علم بوسط البلد، عزاء يقيمه المثقفون من أصدقاء الفقيد وفي غيبة اتحاد الكتاب والمركز القومي للترجمة ووزارة الثقافة التي لا تعرفه للأسف».

  • الهوامش

    [1] الجزيرة برنامج موعدٍ في المهجر 2007، وآخر قصير في 2014 على قناة CBC.

    [2] عدنان جاموس – ترجمة الرواية الروسيّة إلى العربيّة.

    [3] عدنان جاموس- مصدر سابق

    [4] رأي الأكاديمي العراقي ضياء نافع؛ عميد كلية الآداب ببغداد سابقًا ورفيق سابق لأبي بكر يوسف في موسكو أيّام الدراسة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية