«علاء الدين»: تكريس العنصرية للأطفال

الأحد 06 آب 2017

الشهر الماضي، أعلنت شركة ديزني عن اختيار الممثلين الرئيسيين لفيلم «علاء الدين»، بعد رحلة طويلة من البحث عن علاء الدين وياسمينة.

يعود الحديث عن فيلم ديزني الأصيل بعد 25 عامًا من إنتاج النسخة الكرتونية منه، وقد حقق الفيلم وقتها نجاحًا هائلًا وجدلًا كبيرًا كذلك. حصل الفيلم الصادر عام 1992 على جائزتي أوسكار، الأولى عن أفضل موسيقى تصويرية لأغنية في الفيلم، والثانية عن أفضل موسيقى تصويرية (score)، وترشح إلى العديد من الجوائز الأخرى. حقق كذلك أرباحًا زادت عن 200 مليون دولار أمريكي، وكان رقمًا قياسيًا في عوائد أفلام الكرتون حينها.

كانت تقارير وتعليقات عدة  تقول أن إعادة إنتاج الفيلم هي فرصة ديزني، التي ضيعتها، لتحسّن من سمعتها، فقيل أنها لن تصبغ الفيلم بحلّة بيضاء (whitewashing) وستبحث عن الأصالة، وأنها ستثبت أهمية التنوع واحترام الهويات المختلفة، سواء كانت عرقية أو دينية أو جنسانية، وهو ما قالت ديزني أنها تعمل عليه، بعد أن حاولت أن تُظهر ذلك في إنتاج فيلم «موانا» (Moana) مثلًا، الذي يتحدث عن فتاة من السكان الأصليين في جزيرة قديمة تذهب في مغامرة لتنقذ عائلتها، وهي محاولات بائسة لخلق منتجات يمكن تسويقها من ثقافات مختلفة.

إلا أن ديزني توقعت أن يكفيها تنوعًا في «علاء الدين» أنها اضطرت لعقد تجارب أداء في بلدان عربية، فأغرقتنا بتقاريرها عن هذه التجارب وكأن أحدًا لم يفعل ذلك من قبل أو كأن العرب عليهم أن يشعروا بالامتنان فقط لهذه التجارب. وصفت الصحافة تجارب الأداء هذه بالمحبطة والمخيبة للآمال والمتعبة، لأنه، على ما يبدو، من الصعب العثور على شخص يشبه العرب ويجيد الرقص والغناء.

في تجربة مشابهة، عند إنتاج فيلم «هاري بوتر»، كانت لدى فريق الإنتاج رحلة صعبة للبحث عن طفل يمثل هاري وعيونه زرقاء أو خضراء ولديه الموهبة، ولكن تجارب الأداء تلك وصفت بالمثيرة والمسلية. وكأن الصحافة وديزني يخبروننا «لو كان البحث عن ممثل أبيض، لكان الوضع أسهل»، وكأن الصعوبة عذر لكي يحضروا ممثلًا أبيضًا ويطلوه بلون بني، وربما يركبوا له أنفًا كبيرًا، وهو ما فكروا به بالتأكيد، لكن ردة فعل الناس غير المتوقعة ربما كانت الرادع. وبالمناسبة، هنا ديزني كانت تضع بالحسبان أن علاء الدين من الممكن أن يكون هنديًا، مما يعني أن مواهب بوليوود بأكملها لم تقنع چاي ريتشي، مخرج الفيلم الأبيض.

غلطات ديزني كثيرة جدًا، حتى قبل إنتاج الفيلم. فمثلًا، الإعلانات موجهة للبحث عن ممثلين شرق أوسطيين وهنود، وهذا مزعج بلا شك. قد تبدو الملامح الهندية قريبة من ملامح العرب، إلا أن دمجهم بهذه البساطة يدل على قلة فهم وسطحية في التعامل مع العرب والهنود أيضًا. إلا أن ديزني تعتقد أنها أدرى بكيف يبدو العرب وكيف يمكن تمثيلهم أكثر من العرب أنفسهم. في أول إنتاج للفيلم، اتُهمت ديزني بالعنصرية لعدة أسباب، منها أن الناس والمكان بدوا أقرب للهند من مدينة في الشرق الأوسط، إلا أن ديزني أنكرت وأصرت أنها مدينة ما في زمن ما في الشرق الأوسط. قد يبدو هذا الكلام فيه مبالغة، إلا أن هذا ما يحدث فعلًا اليوم، ففي إعلان البحث عن ممثلين أعلنت ديزني أنها تبحث عن ممثلين وممثلات من الشرق الأوسط والهند، ولو كان إنكار ديزني لدمجهم العرب مع الهنود دقيقًا لما كانت نعومي سكوت الممثلة الهندية قد حصلت على دور ياسمينة (Jasmin) في الفيلم الذي سيُصوّر قريبًا.

الصورة النمطية للفتاة العربية الراقصة الشرقية بالخصر النحيل والشعر الطويل والشاب الأسمر الغيور الذي يدافع عن نسائه هي صور نمطية أكثر جاذبية من العرب، المملين في الحقيقة، وهي تشبه العرب أكثر مما يشبه العرب بالحقيقة أنفسهم في المخيلة العنصرية المستشرقة.

فيسبوك، وتويتر ومواقع مختلفة بذلت مجهودًا في المساعدة في العثور على الممثلين المناسبين، أكثر مما ساعدت ديزني نفسها، فالبعض اقترح اسماءً مثل هبة طوجي، وجيد ثيروال، وغيرهن الكثير. لكن ديزني، وهوليوود بشكل عام، لا تريد البحث أصلًا ولا تريد أن تتعمق بالتاريخ، لأن الصورة النمطية للفتاة العربية الراقصة الشرقية بالخصر النحيل والشعر الطويل والشاب الأسمر الغيور الذي يدافع عن نسائه هي صور نمطية أكثر جاذبية من العرب، المملين في الحقيقة، وهي تشبه العرب أكثر مما يشبه العرب بالحقيقة أنفسهم في المخيلة العنصرية المستشرقة.

هناك مشاكل أكبر ومعقدة أكثر في الفيلم لن تحل حتى وإن اختاروا طاقمًا كاملًا من الممثلين والممثلات العرب، فالمشكلة الأكبر هنا بالنص الذي يؤديه الممثلين/ات. أول من اقترح فكرة الفيلم على ديزني كان المؤلف هاورد آشمان، وكانت وقتها النسخة المقترحة الأقرب لقصة «علاء الدين والمصباح السحري» والموجودة في النسخة الحديثة من الكتاب، ولكن تم إجهاضها. فعمل على تطوير القصة عدد من الكتاب الذين يشتركون بالتأكيد بصفة أساسية وهي أنهم من ذوي البشرة البيضاء، ولم يتم التصريح ولا مرة واحدة بأنه كان مطلوبًا منهم أدنى فكرة عن شكل الثقافة العربية التي يكتبون عنها في هذا الفيلم. وبالرغم أن النص الأصلي للقصة يدور في الصين، إلا أن الأمريكان لم يكونوا وحدهم من قرر أن على الفيلم أن يبدو «عربيًا» باستخدام سلطان بدلًا من إمبراطور، ما في خيالهم سيبدو جذابًا أكثر.

بعد تقديم عدّة محاولات للنص، تمت الموافقة على نسخة أخيرة دمجت بين قصة «علاء الدين» وقصة فيلم «لص بغداد»، بالإضافة إلى بعض العناصر الاستشراقية التي ستجذب شخصيات الأطفال الأمريكان بالتأكيد. صنّاع الفيلم غير معنيون لا بالثقافة العربية ولا بالسياق الذي سيصنع فيه الفيلم، مثلًا بناء شخصية علاء الدين ليكون شبه الممثل الأمريكي الأبيض توم كروز فيه الكثير من الاستخفاف، فهذا الممثل لا يوجد لديه أي أصول عربية، ولا يمكنني التفكير إلا بأن اختياره وقع لأن أنفه كبير ولكنه وسيم وجذاب، فباقي الشخصيات سمراء البشرة مرسومة بأنوف كبيرة وقبيحة وبحواجب غليظة أو متصلة. ولم يكن توم كروز هو الوحي الوحيد للشخصيات الموجودة في الفيلم المبنية على «الغسيل الأبيض»، الشخصية الرئيسية الثانية في الفيلم تقريبًا أخذت شكلها من جازمن غاي، وبيث آلن، شقيقة الرسام الذي حاول البحث عن عارضة أزياء بشعر أسود ولكنه لم يجد الإلهام سوى من صورة شقيقته الموجودة في محفظته.

وفي الحديث عن الاستشراق، القصة تأتي مع تغيّرات هائلة مقتبسة عن كتاب «ألف ليلة وليلة»، علمًا أنها أضيفت لاحقًا للنسخة العربية من قبل رجل فرنسي قال أنه سمعها على لسان رجل سوري. هذا الكتاب سبّب، وما زال يسبب، الكثير من الجدل. ونظرًا لأننا لسنا بصدد نقده هنا، سنقول أن هوس المستشرقين بهذا الكتاب كان هائلًا، وبعض القصص مأخوذة عن فُرس، لذلك قد يختلط على البعض أصل الكتاب والقصص أنها من دول المشرق العربي ال وحدها أم من إيران، وباكستان، والهند.

عندما عرض فيلم «علاء الدين»من إنتاج ديزني في التسعينيات، كان العرب متحمسين له، ففي ذلك الوقت لم يكن لدينا شخصيات في أدوار البطولة. إلا أن الناس سرعان ما اكتشفت النكات والتصورات العنصرية التي روجتها ديزني في الفيلم، الذي أفتتح بأغنية «ليال عربية»، تقول كلماتها في وصف البلدة التي ستحدث بها القصة «حيث يقطعون أذنك، إن لم يعجبهم وجهك، المكان بربري، لكن لحظة، إنه الوطن». واعتذرت ديزني بعدها وعدلت جملة قطع الأذن وكأنها الشيء المهين الوحيد لتصبح «حيث أنها مسطحة وخالية وهائلة وشديدة الحرارة، لكن لحظة، إنه الوطن».

وآنذاك، كتب روجر إيبرت الناقد السينمائي الشهير بأن الفيلم عنصري ويمثل صورًا نمطية، وكل العرب في الفيلم شكلهم بشع وأنوفهم كبيرة، إلا ياسمينة وعلاء الدين، فيبدو كل منهما وكأنه مراهق أمريكي. وسخر من كون ملابس الأميرة ياسمينة تبدو وكأنها راقصة شرقية، فاحتاج الرسامون فقط لتغيير لون الملابس من الأزرق للأحمر لتقوم بتأدية دور راقصة متنكرة في أحد المشاهد.

وبالرغم من كل المشاعر والغضب التي واجهنا بها الفيلم، إلا أننا ذهبنا لمشاهدته في السينما وتمت دبلجته للعربية واشترينا منه نسخًا. وإن سألنا كثيرًا من الفتيات العربيات الصغيرات أي أميرات ديزني تفضلين ستخترن ياسمينة. وهذا طبيعي ومفهوم، ومع ذلك نحن ننظر لـ «علاء الدين» على أنه أفضل السيء كفيلم كان فيه تمثيل إيجابي للعرب. وسنشاهد النسخة الجديدة المصورة منه، وربما سنكون سعداء للحظات في الفيلم، لأن العربي هنا لم يأت ليفجر نفسه، ولأنه يعامل وكأنه إنسان، بخلاف العرب الموجودين بالأفلام عادة إما كأشرار ليفجروا أنفسهم أو كضحايا بلا أسماء ولا قيمة، يقتلهم الجندي الأمريكي البطل في اشتباك مع عرب من النوع الأول.

وبالرغم من أن العديد من الناس يهمّشون العنصرية وواقعها، ولا مشكلة لديهم بالصور المهينة للعرب، وقد يعتبرون أن مسألة صورة العرب في السينما والتلفزيون لا علاقة لها بالواقع المادي، إلاّ أن حادثة تصويت في عام 2015 بأمريكا، 30% من الجمهوريين و19% من الديمقراطيين وافقوا فيها على تفجير مدينة «أغربه» من فيلم «علاء الدين»، تدعونا للتفكير قليلًا كيف كان من الممكن أن يكون الفيلم أكثر عنصرية واشمئزازًا لو صنع بعد أحداث 9/11، أو ربما لم يكن ليصنع وقتها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية