تدوينة

معرض عمّان الدولي للكتاب: «توخذني بطريقك؟»

الإثنين 16 تشرين الأول 2017

لم أكن قد سمعت، قبل عام 2012، عن شيء اسمه «معرض دولي للكتاب». كنت قد ذهبت مرّة إلى معرض مكتبة الأسرة الذي تنظمه وزارة الثقافة، وظننته حينها «دوليا». أوصاني البعض،حينها، باقتناء «رأس المال» لكارل ماركس، أو «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي، إلا أنني صُدمت بالمعروضات؛ لا يوجد دور نشر، لا يوجد ماركس، ولا حتى محمود درويش (الذي كنت أحفظ بعضًا من قصائده حينها). أتذكر وجود رواية عزيز نيسين «الطريق الوحيد» فقط، وأذكر أيضًا أنها كانت مضحكة.

قيل لي إن الذهاب مع أعضاء نادي الكتاب، والذي كنت قد انضممت إليه منذ مدة، إلى معرض عمان الدولي هو حدث قرروا أن يقوموا به منذ المعرض السابق. تبدأ الجولة بالتجمع عند المدخل، ثم يذهب كلُّ في طريقه، وفي نهاية اليوم نعود للتجمّع لنعرف ماذا اشترى كلّ منا وكم دفع. أذكر أنني وصلت إلى مكان المعرض بسهولة، كان في المدينة الرياضية.

لم أكن عارفا بالكتب، ولا متابعا للإصدارات الجديدة، لكنني ذهبت إلى المعرض لأنني عضوٌ في نادٍ للقراءة، وعلي فعل ذلك للاندماج مع بقية الأعضاء.

أدركت في تلك الزيارة شيئًا سيظلّ يختصر معرض عمان الدولي للكتاب: الأسعار غالية. ليس في المعرض فقط، بل وفي المكتبات أيضا. لكن ربما يتولّد عندي هذا الشعور في المعرض بسبب كثرة الكتب، الموجودة في مكان واحد، والتي لا أستطيع شراءها. أذكر كتابين فقط من المجموعة التي اشتريتها حينها: «كوابيس بيروت» لغادة السمان، الذي نصحني به صديقي، و«لو أنني كنت مايسترو» لإبراهيم نصر الله (أعترف أنني كنت أحب كتاباته)، لم أقرأ الأول، وأذكر أنني أحببت الثاني؛ رغم شعوري السيء تجاه سعره (6 أو 7 دنانير).

غلاء الأسعار لازمَ كل نسخ المعرض التي حضرتها منذ 2012.

عُقد معرض 2014 في نفس المكان، ولا أذكر شيئًا مما اشتريته، ربما لم أشترِ. أتذكر فقط أنني زرته عدة مرات ورأيت العديد من الأصدقاء، وهو أمرٌ افتقدته في نسخة المعرض عام 2016، وافتقدته أكثر في نسخة 2017. ربما تغيّرتْ صداقات عديدة على مرّ تلك السنوات، لكن ليس لدرجة ألا أرى أحدًا هذا العام. ربما تكون الصدفة هي السبب في عدم التقائنا، لكنه يظل أمرا يحزنني.

ولمّا كانت سِمة غلاء الأسعار ملازمة لكل نسخ المعرض التي حضرتها منذ 2012، ورغم أنني لم أمتلك المال الكافي لشراء الكتب التي أحببت أن أقرأها، إلا أنني كنت أصر على زيارة المعرض متّبعا مقولة «شِم ولا تدوق» في الأغنية اللبنانية.

من الصعب أن تصادف «تضخيم الدولة العربية» لنزيه الأيوبي دون أن تنازعك نفسك على شرائه. لم أستطع، عندما كنت طالبا في الجامعة ولي مصروف محدّد، أن أدفع 27 دينارا لشرائه. ولم أستطع -بعدُ- دفع المبلغ رغم أنني أصبحت أتقاضى راتبا شهريا. لقد عوّدت نفسي ألا أمرّ بجانب بعض دور النشر: مركز دراسات الوحدة العربية، الشروق، وغيرها، فأنا متأكد أنني لن أستطيع دفع ثمن معظم كتبهم، وبالتالي، لا داعي لتضييع الوقت.

في النسختين الأخيرتين من المعرض (2016 و 2017)، ظهَر في حياتي سؤالٌ جديد: «مين رايح عشان يوخذني بطريقه؟».

صار المعرض يقام على طريق المطار، بالقرب من وزارة الخارجية. وقد بدأتُ منذ بداية الأسبوع تحضيراتي للذهاب إلى المعرض يومَ الافتتاح (4-14 أيلول). واقترحتُ على فريق التحرير في حبر أن ننتج مادة مشابهة لمادة العام الماضي عن اختيارات أعضاء الفريق للكتب، وكان دافعي الحقيقي أن أذهب مع أحدهم في سيارته، لكنهم -للأسف- قرروا الذهاب يوم الخميس، والافتتاح يوم الأربعاء. لحسن الحظ، راسلني صديقي مصطفى يسألني إن كنت راغبا بالذهاب معه في اليوم الأول من المعرض. الذهاب يوم الافتتاح مهم بالنسبة لي، حيث أحضّر قائمة بسيطة لكتبٍ أخشى أن تنفد نُسخها قبل أن أشتريها.

عندما وصلت، بدا لي أن الجماعة (إدارة المعرض) كانوا «ملحوقين». أول ما واجهني حين دخلت، رائحة ماشية (ذكّرتني بعيد الأضحى، وأنا أكره الأعياد بشدة). بالإضافة إلى يافطة مكتوب عليها بخطٍ مبالغ في حجمه: «تحت رعاية صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم، معرض عمان الدولي للكتاب، ضيف الشرف: دولة الإمارات العربية المتحدة»، وبجانبها خريطة كبيرة لدور النشر المشاركة في المعرض وأماكن أجنحتها. الخريطة يغطيها العديد من بانرات الجهات الراعية للمعرض. «معلش»، قلت لنفسي، أصلًا لن أضطر للرجوع إليها، سأستخدم النسخة الورقية الصغيرة، ذهبت إلى مكتب الاستقبال وطلبت نسخة منها، فقال لي: لا يوجد. استغربت ذلك، الخريطة مصممة ومطبوعة بحجم كبير، فلماذا لا يوجد منها حجم أصغر؟ في اليوم التالي كانت البانرات مُزاحة والخريطة الصغيرة مطبوعة.

اقتصرت خطتي هذا العام على قائمة قصيرة من كتبٍ لغتها الأم هي العربية، فأنا أحاول تحسين لغتي الركيكة جدا من خلال الابتعاد قليلًا عن الكتب المترجمة. لم تنجح الخطة، بالطبع؛ فبعض دور النشر لم تشارك في المعرض، مثل دار المدى والتنوير والجمل. لذلك أزحت من القائمة رواية «سنة الراديو» لرينيه الحايك. أما رواية «التماسيح» ليوسف رخا فلم تأتِ دار الساقي، بنسخٍ منها إلى المعرض، بحسب مندوبها.

المشي في المعرض متعب، لكن الجولة لا تخلو من التسلية.

وجدت «سيدي وحبيبي» لهدى بركات، أظن أن دار الأهلية أحضرت كل الكتب الموجودة في مخازنها للمشاركة في المعرض. بعد ذلك شعرت بالملل، خصوصًا عندما عرفت أن المجموعة الكاملة للشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد لم تصدر بعدُ عن منشورات المتوسط (نعم خرجت عن القائمة المعدّة مسبقا). وألغيت مشروع شراء «أورفوار عكا» و«متحف البراءة» و«معرض الجثث»، واشتريت كتبا أخرى، لا أعرف، بكل صدق، لمَ اشتريتها.

المشي في المعرض متعب؛ قضيت حوالي ساعتين للمرور على كل دور النشر التي أعرف أن أسعار الكتب فيها معقولة، ولديهم ما يهمّني، أو ما أظن أنه كذلك.

لكن الجولة لا تخلو من التسلية، تستطيع أن تسمع تشكيلة من الأحاديث الطريفة، وتشاهد أشياء غريبة: النقاش في زاوية منشورات المتوسط عن صالح علماني والجدل الذي دار حوله مؤخرًا. موظف الشبكة العربية للأبحاث والنشر الذي سلّم علي باليد حين دخلت جناحهم. شخص يتحدث على الهاتف ويقول: «كلِّمتَكْ عشان مش حصوَّر غير بكرة، عشان تكون حاضر يا أفندم». السيدة التي تفصفص البزر في جناح وزارة الثقافة المصرية. الصمت المريب في جناح وزارة الثقافة التونسية، كأننا شخصان يتحدثان لغتين مختلفتين. الأشخاص الذين يتضاحكون على الميكروفون أثناء الإعلان عن إحدى الفعاليات. وعبارة «عندك فلسفة؟» يقولها زائر لموظف في إحدى دور النشر.

انتهى اليوم الأول، وعدنا إلى عمّان (أعتبر طريق المطار خارج عمان لشدة ما أراه بعيدا).

في اليوم التالي ذهبت مع فريق حبر. على الباب، استقبلنا رجلان يرتديان الثوب البدوي التقليدي مع دِلال قهوة وفناجين، (خطرتْ ببالي، فجأة، صورة نشرتها صفحة «مُعْ» على الفيسبوك). اقترح الزملاء أن نفترق، كلٌّ يبحث عن مُراده. وأثناء تجوّلي مررت بالزاوية المخصصة لضيف الشرف، الإمارات، شكل الزاوية أشبه بقلعة مضاءة بألوان باهتة، هي نفس «القلعة» التي شاركوا فيها بمعرض 2014، أتذكرها بقوة دون سبب واضح. لا يوجد فيها كتب، تقريبًا. حتى أن أحد أهم المشاريع الإماراتية في عالم الكتاب والترجمة، على المستوى العربي، مشروع كلمة، لم يشارك في المعرض. أضواءٌ فقط.

زرت المعرض ثلاث مرات، ولم أستطع أن أحضُر أيّا من الأنشطة الثقافية التي قد أكتب عنها لإثراء هذه التدوينة. الأسباب كثيرة، أهمها أنني في كثير من الأحيان لم أجد توصيلة، وفي أحيانٍ أخرى كان يتزامن وقت الفعالية مع «ترويحة» من يقلّني. وأظن أنه لم يكن في برنامج الفعاليات إلا محاضرة وحيدة قد تكون مهمة، محاضرة علي حرب، بعنوان «كيف يُصنع العالم؟ مأزق النخب ودور الأفكار». تضمنت الفعاليات عرضا لأحد الأفلام، وندوات عن الترجمة والدراما، وعدّة أنشطة للأطفال.

وددت لو أنني استمتعت في المعرض أكثر، هنالك أشياء ناقصة دائمًا، مثل كل شيء عايشته في هذا البلد حتى الآن.

لا أعرف إن كنت أُسقط نقص المال أو نفوري من القراءة أو ميلي للدراما في الكتابة، على المعرض لكي أبرر شعوري تجاهه بأنه باهت. لكنّ الذهاب إليه لم يكن أسوأ شيء في العالم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية