سندريلا وستة وعشرون قرنًا من الأحذية المفقودة

الإثنين 05 تشرين الأول 2015

بقلم ريهام عبد الستار

قبل أن تركض سندريلا ديزني مع دقات الثانية عشرة بدون حذائها الزجاجي بـ2600 عام، كانت روادبيس تبكي صندلها الوردي بعد أن اختطفه الطائر الإلهي حورس. هذه الفتاة التي سيكون اسمها رادوبيس تارة، وتارة سندريلا، لتتناقل الحضارات قصتها، وتنتج كل منها نسختها الخاصة.

يحكي المؤرخ الروماني سترابو أن رادوبيس كانت فتاة يونانية أحضرها التجار لتُباع في سوق العبيد في مصر في القرن السادس قبل الميلاد، فاشتراها تاجر يوناني يدعى كاركسوس وعاشت معه في قصره الذي بناه في مدينة ناوكراتيس المصرية القديمة. وبينما كانت رادوبيس تستحم هاجم صقرٌ الخادمة التي تحمل صندلها واختفى به، طائرًا به إلى مدينة ممفيس المصرية، حيث أسقطه تمامًا في الموضع الذي كان يقيم فيه الفرعون أماميس محكمة.

في 1943، ألهمت قصة رادوبيس نجيب محفوظ لكتابة رواية حملت اسمها، و فيها يقع الفرعون في حب الفتاة. وفي نيويورك عام 1989، ألفت كاتبة أمريكية تدعى شيرلي كليمو قصتها التي حملت عنوان السندريلا المصرية. كانت رادوبيس فيها هذه القصة خادمة وحيدة بلا أصدقاء سوى الحيوانات، ترقص وتغني ببراعة ولذا كانت الخادمات الأخريات يكرهنها، و يكلفنها بأعمال أكثر دون علم صاحب المنزل الذي رآها تغني و ترقص حافية القدمين على ضفاف النهر مع أصدقائها الحيوانات، فأهداها صندلًا ورديًّا جميلًا. وكأي سندريلا يقيم الفرعون/الأمير حفلة تذهب إليها جميع الفتيات إلا رادوبيس التي تكلف بأعباء أكثر، فتذهب رادوبيس الحزينة لتجلس وحيدة على ضفاف النيل تغني وتعمل فيبتل صندلها، وعندما تخلعه يأتي صقر ليحمله بعيدًا و يهرب. تبكي رادوبيس على صندلها المفقود كثيرًا، ولا تعلم أن الفرعون بنفسه سيلبسها إياه ويطلبها كزوجة وسط استنكار الجميع لزواج الملك من شقراء ذات عيون خضراء، فذلك لا يليق بملكة مصرية، لكنه أصر على أن عروسه مصرية أكثر من أي شيء؛ فعيونها خضراء كالنيل و شعرها أصفر كالبردي و خدودها وردية كاللوتس.

وإن كانت رادوبيس التي حكت عنها شيرلي تبدو هشة لا تملك أمرها، فإن الحكايا التاريخية تقول غير هذا. فرادوبيس في رواية اليونانيين بنت لنفسها هرمًا كمقبرة، أو بناه محبّوها. فيما ينفي المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودت ذلك تمامًا، ففي روايته، لم تمتلك رادوبيس الغانية ما يكفي لبناء هرم، خاصة إن كان الحديث عن الهرم الثالث. إذ أنها لم تعش أصلًا في عصر منقرع (صاحب الهرم الشهير) بل عاشت في عصر أماسيس.

ومن الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى نجد الفتاة الصينية يي-شين، والتي حكى قصتها عن الفلكولور الصيني الكاتب الإنجليزي آرثر والي عام 1947. عاشت يي-شين في كهف و لم تمتلك سوى سمكة ذهبية، سمكة كانت صديقة الطفولة حتى قتلتها بدم بارد زوجة أبيها، لكن عظام السمكة ظلت تمتلك قوى روحية تحقق ليي-شين ما تريده. وعندما كبرت و أرادت أن تحضر مهرجان الربيع، وهبتها ملابس جميلة وحذاءً دقيقًا جميلًا من الصوف والذهب. بالطبع يي-شين ليست سندريلا جاهلة، فهي وكما ينبغي تركت حذائها بينما تجري، ليحصل عليه تاجر فيبيعه لتاجر آخر ليحصل عليه الملك في النهاية، ويعجب بجماله وصغر حجمه، فالأقدام الصغيرة كانت علامة جمال في الصين القديمة، ويبحث عن الفتاة التي تمتلكه ليتزوجها في النهاية بالطبع.

وعندما أتت ديزني لتنتج فيلمًا يروي قصة سندريلا، اقتبست عن الكاتب الفرنسي شارل بيرو قصته التي حكاها في القرن السابع عشر، وفيها ذهبت سندريلا لحفل الأمير لثلاث ليالٍ متتالية بمساعدة عرّابتها الجنية، التي حّ~لت اليقطين لعربة والفئران لأحصنة تجرها والسحالي لخدم، تذهب كل ليلة بفستان أجمل مما سبقه وبحذاء مختلف، قبل أن تترك الحذاء الزجاجي وهي تهرب في الليلة الثالثة، وهذا يشبه فيلم ديزني إلى حد كبير إن افترضنا أنها ليلة واحدة.

لم يذكر شارل أي شيء عن الحيوانات صديقات سندريلا و فرقتها الراقصة الشهيرة، لكن نسخة الأخوين غريم الألمانيين المكتوبة بالقرن التاسع عشر تذكر ذلك، وتحكي عن الرقص والغناء والصداقة بين سندريلا وحيواناتها، وعن المساعدة التي وجدتها خلال تنظيف المنزل كي تتمكن من الذهاب إلى حفل الأمير كما وعدتها زوجة أبيها، لكن زوجة الأب كانت تكذب و ستمنع سندريلا من الذهاب. كل سندريلا كانت تذهب للبكاء في مكان ما، وتطلب معجزة ما لمساعدتها، وهنا ذهبت سندريلا لقبر أمها وجلست تحت الشجرة التي زرعتها بنفسها وطلبت من الشجرة أن تلقي عليها الذهب والفضة، واستجابت الشجرة لثلاث ليالٍ متتالية حيث يرمي طائر ما عليها فستانًا وحذاءً مختلفًا كل ليلة. تذهب سندريلا للحفلة وتهرب من الأمير تاركةً خلفها حذاء من الذهب الخالص. لكن الأخوين غريم أضافا قالبًا دمويّا على الحكاية، فلا يكتفيان في النهاية بأن تقطع بنات زوجة الأب أجزاء من أرجلهن لتناسب الحذاء، بل ذهبا حتى معاقبتهن أخلاقيًا بأن يقتلع الحمام أعينهن.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية