بيوت متوارثة من عهد الحكم العثماني، وأخرى مبنيةُ على الطراز الشامي، يحتضنها وسط مدينة إربد. إذ استملكت دائرة السياحة والآثار عددًا من المنازل الأثرية في المدينة، فحوّلت بعضها إلى متاحف، وبعضها الآخر إلى منتديات ثقافية.
خلال جولة قام بها حبر في المدينة، حاولنا التعرف على بعض هذه الأماكن، ومعرفة طبيعة الفعاليات والنشاطات التي تُقام فيها، لنجد أن المدينة التي خرّجت العديد من المثقفين والأدباء الأردنيين، لم تعد حاضرة بشكل فعّال على الساحة الثقافية في الأردن كما كانت من قبل، بعد أن استولت العاصمة عمّان على معظم المشهد الثقافي والفنّي.
تبدو بعض البيوت الأثرية في إربد مهملةً لا يُعتنى بها، حتى أن بعض البيوت ذات الطابع الأثري كانت مغلقة ولا يعرف سكان المنطقة عنها أي شيء. وكان غريبًا أيضًا أن نصل إلى إربد لنتفاجأ لدى سؤالنا عن مواقع هذه البيوت أنها لم تكن معروفة عند معظم سكان المنطقة، أو حتى عند شرطة السير التي تقطن المدينة.
بدأت جولتنا من وسط إربد، ابتداءً من بيت النابلسي، وصعودًا إلى بيت عرار ومتحف السرايا، ثم إلى المتحف السياسي (منزل علي خلقي الشرايري). تواصلنا مع بلدية إربد لمعرفة عدد الفعاليات التي تُقام في البيوت الأثرية التابعة للبلدية، إلا أننا لم نستطع الحصول على إجابة واضحة.
بيت النابلسي
يُعد بيت النابلسي واحدًا من أقدم البيوت الأثرية في إربد، وهو بيتٌ بناه تاجر سوري استقر مع عائلته في إربد مطلع العشرينيات من القرن الماضي، وبناه على الطراز الشامي المشهور بالفناء الواسع أو «أرض الديار»، ويحيط بالساحة ثلاث غرف، وفي الطابق الثاني غرفتان إضافيتان.
يتوسط الساحة الرئيسية في الطابق الأرضي شجرة ليمون قديمة، وتبدو أرض البيت مهملةً لا يعتني بنظافتها أحد، إذ تجد في الغرف الداخلية بقايا طعام وملابس ملقاة على الأرض. وخلال لقائنا مع موظفي البيت أكدوا أن اهتمام بلدية إربد ووزارة السياحة في البيت ضعيف للغاية، الأمر الذي يضطر الموظفين إلى تنظيف البيت بأنفسهم لعدم توفر من يساعدهم على الاعتناء به وبنظافته.
البلدية، التي استملكت البيت قبل عدة أعوام، بهدف ترميمه وتفعيل دوره السياحي والثقافي في المنطقة، تحتل الطابق الثاني منه، محوّلة الغرف العلوية إلى مكاتب للموظفين، حيث تنتشر أعقاب السجائر على أرضية الساحة الصغيرة التي تمتد حول المكان.
يبدو بيت النابلسي مهجورًا لا حياة فيها، إذ لا تقام فيه إلّا أمسيات شعرية متفرقة، وبعض المعارض التي تضم حرفًا يدوية بسيطة لمنتجات سكان المنطقة، وبعض الورشات التي تقوم عليها مبادرات شبابية مستقلة، بحسب ما قاله لنا أحد موظفي البيت.
استخدِم البيت سابقًا كمنزل، قطنته عائلة النابلسي والورثة، وتحوّل فيما بعد إلى مدرسة قبل أن تستملكه بلدية إربد باعتباره أحد أقدم البيوت الأثرية فيها، ويقع البيت ضمن المسارات السياحية التي تأمل وزارة السياحة تفعيلها.
بيت عرار
في الشارع المقابل لبيت النابلسي، تمضي صعودًا إلى بيت عرار، وهو منزل والد شاعر الأردن مصطفى وهبي التل. حيث بدأ المحامي صالح مصطفى التل بناء البيت في العام 1888 على غرار البيوت الدمشقيّة أيضًا، وفي العام 1905 أخذ البيت شكلّه الحالي، الذي يتكون من طابق واحد يضم خمس غرف و«أرض ديار» ولوينتين (ساحتين صغيرتين).
بيت عرار، يتبع إداريًا لوزارة الثقافة الأردنية، حيث قدّمته شقيقات الشاعر الراحل لوزارة الثقافة لغايات تفعيله وتحويله إلى مركز ثقافي والحفاظ عليه دون التنازل عن ملكيته> وقبل أن يكون تحت راية وزارة الثقافة، مرّ على البيت سكانٌ مختلفون، إذا سكنه المستشار البريطاني التابع لحكومة فلسطين زمن الانتداب سمر سميث، ومن ثم تحول إلى مدرسة في العام 1918، قبل أن تعود عائلة عرار للسكن فيه فترة قصيرة حتى عام 1922. كما تحوّل البيت إلى مستشفى صغير على يد الطبيب الهندي البريطاني سنيان، ومن بعده استخدمه الدكتور محمد صبحي أبو غنيمة كعيادة ومسكن له.
في مرحلة لاحقة، سكن الشاعر مصطفى وهبي التل منزل والده، قبل أن يقوم د. أبو غنيمة في العام 1944 بتحويله مرة أخرى إلى مدرسة ابتدائية، إلّا أن عائلة التل عادت بعد سنوات لتسكن المنزل، وبعد أن آلت ملكيته لشقيقات الشاعر، قُمنَ بنقل رفاته ليدفن من جديد في ليوان المنزل.
تبدو العناية ببيت عرار أكثر من تلك التي رأيناها في بيت النابلسي، إذ أن المكان بدا نظيفًا مستعدًا لاستقبال أي زائر، إلا أن زوّار المكان لم يكونوا سوى موظفيه. أشار موظفو البيت إلى أن بعض الأمسيات الشعرية والورشات التدريبية والمعارض الفنية تُقام أحيانًا في البيت، دون حصر لعدد هذه الفعاليات، كما تُقام فيه أمسيات مهرجان عرار الشعري الذي يُقام كل عام. إلا أن الفعاليات الثقافية والفنية ليست منتظمة أيضًا، وتقتصر النشاطات فيه على الفترة الصيفية، وتتسع ساحته لمئتي شخص تقريبًا.
متحف السرايا
في نهاية الشارع الذي يقع فيه بيت عرار نصل إلى بلدية إربد، التي يقع مقابلها متحف السرايا؛ مبنىً ضخم يُبهرك منذ اللحظة الأولى التي تراه فيها. المتحف عبارة عن قلعة بناها العثمانيون في منتصف القرن التاسع عشر، يعلو المدخل الجنوبي نقش يعود للعام 1304 هـ (1886 م). وبعد هذا التاريخ حُوّلت القلعة لتصبح المقر الجديد للحاكم العثماني (السرايا). فيما استُخدمت القلعة في القرن العشرين كسجن، ومن ثم كمقرِّ للشرطة.
وفي العام 1994 استملكته دائرة الآثار العامة لتحوله إلى متحف يضم آثارًا ولوحات فسيفساء وأوانيَ فخاريّة تم استخراجها من المواقع الأثرية في محافظة إربد. تتألف السرايا من طابقين فيهما سبع غرفٍ مبنية على الطراز العثماني، وساحة كبيرة مزخرفة.
قَسّمت دائرة الآثار العامة غرف السرايا إلى قاعات، حملت كل منها اسمًا ومرحلة زمنية: قاعة إربد، وقاعة العصور القديمة، وقاعة التعدين، وقاعة الفترات الكلاسيكية، وقاعة المنحوتات، وقاعة الفترات الإسلامية، وقاعة الفيسفساء.
ما أن تدخل بوابة السرايا، وقبل أن تبدأ جولتك في قاعاتها، تُدرك أنك أمام متحف أقيم على مقاييس عالية، فالاهتمام بالمكان بدا واضحًا، فضلًا عن أن الموظفين في المكان حريصون على الاهتمام بزاور المكان والحفاظ على نظافته والعناية به.
ما يزال المتحف غير فعالٍ من حيث الفعاليات الفنية والثقافية، إذ أن الفعاليات فيه محصورة. أما المُحزن حقًا فهو أن المتحف، رغم أهميته وجماله، غير موجود على الخارطة السياحية الأردنية، إذ يبدو أن وزارة السياحة لا تبذل جهدًا كافيًا للترويج للمكان، حتى أن كثيرًا من الأردنيين لا يعلمون بوجوده.
بيت علي خلقي الشرايري (المتحف السياسي)
نهاية الجولة في المدينة كانت نزولًا نحو بيت اللواء علي خلقي الشرايري، الذي شهد العديد من اللقاءات الوطنية والعربية على مستوى القيادات والزعامات بغرض التباحث في الأوضاع السياسية مطلع القرن الماضي. تحوّل البيت الذي بني 1908 ويتكون من طابقين، إلى متحفٍ سياسي في العام 2005 بعد أن استملكته بلدية إربد، إلا أن المتحف كان مُغلقًا حين وصلنا إليه قُبيل الساعة الثانية عصرًا بقليل، إذ يبدو أن المتحف لا يفتح أبوابه طوال اليوم، فيما أخبرنا بعض السكان أن علينا أحذ موعد من البلدية لزيارة البيت.
تولت مديرية سياحة محافظة إربد عملية تأهيل وترميم بيت علي خلقي الشرايري بكلفة 313 ألف دينار وتم تشغيله وإدارته كمتحف سياسي؛ يضم كتبًا عن رجالات السياسة في الشمال، وعن الإنجازات الوطنية خلال فترة تقلدهم المناصب السياسية، وصورًا تاريخيةً، ووثائق تاريخية مهمة متعلقة بالاتفاقيات والمعاهدات التي شهد المنزل توقيعها.