رأي

الألبوم الجديد لـ«جدل»: خطوات إلى الخلف؟

الثلاثاء 26 تموز 2016
من مقابلة مع الفرقة على موقع Egyptian Streets.

«لا شيء أفضل لمُحب الموسيقى المستقلة من سماع أغانٍ تعبر كلماتها عمّا في داخله، تؤكد هويته وتتكلم لغته. هذا ما يتميز به جديد جدل «مليون» وهو الإصدار رقم ثلاثة للفرقة التي ابتدأت موسيقى الروك العربي من العاصمة عمان في أوائل الألفية الثانية، وتتصدر حاليًا المشهد الموسيقي المستقل في الوطن العربي».

هذا ما يستهل به البيان الصحفي لفرقة البوب-روك العربي الأردنية «جدل»، ولكن هل فعلًا ما تستهل به الفرقة تعريفها بألبومها الجديد «مليون» يأتي على قدر الموسيقى فيه؟ لا أعتقد ذلك.

«جدل» من الفرق الأردنية المقربة إلي وأحبها. التقيت بمؤسسها الموسيقي وعازف الجيتار محمود الردايدة قبل أكثر من عشرة أعوام، حينما كانت الفرقة ما تزال في بدايتها، وكان فريقها يضم إلى جانبه موسيقيين مختلفين عمن يضمهم اليوم، وهم بدر هلالات (كيبورد وغناء/ كورس)، وحكم أبو سعود (درامز وغناء/ كورس)، ويزن رشق (باص جيتار).

بشّرتنا أول أعمالهم بفرقة أردنية تحاول أن تصنع فرقًا في المشهد الموسيقي المحلي المستقل؛ فأصدرت «سلمى» التي انتشرت بين الأوساط الشبابية بسرعة جنونية، وقبلها أعادت توزيع مجموعة من أغاني عبد الحليم حافظ بأسلوب جديد لاقى في ذلك الوقت إقبالًا جماهيريًا.

حاولت الفرقة من خلال أغانيها أن تعالج مسائل قريبة من الشارع الأردني، وحافظت على لهجتها العمّانية، واستخدمت الثيمة الموسيقية الفلكلورية في قوالب الروك والبوب. اجتهدت الفرقة، وحققت قاعدة جماهيرية لا يُستهان بها. قدمت في بداياتها أغانٍ مثل «لا تلوم» التي تتناول في مضمونها موضوع الخيانة وعواقبها، و«بياع الكستنا» التي تترحم على بساطة الحياة الماضية، و«الدراويش» التي تحدثت عن حالة حب فاشلة، لكن دون مشاعر سلبية حادة أو كلمات هجومية.

ما أزال أذكر حتى اليوم حفلًا أُقيم قبل سنوات في مسرح البلد. كان الجمهور الواقف في الخارج نصف الجمهور في الداخل تقريبًا، أما الجمهور الواقف على أقدامه لساعتين في المسرح الصغير نسبيًا فكان أكثر من سعته بما يتجاوز المئة شخص إن لم أكن مخطئة. يومها لم أستطع الدخول، لكنني جلست في القاعة في الطابق الأرضي، أستمع لصراخ المعجبين وغنائهم الذي كاد يعلو على صوت الموسيقى. كان السقف فوقي يهتز على وقع أقدامهم، ونظرات الارتباك بادية على مدير المسرح الذي ظن لوهلة أن مسرحه قد يقع على رؤوسنا.

لا أبالغ إن قلت أن «جدل» تُعد اليوم واحدةً من أكبر الفرق المستقلة، عربيًا وأردنيًا، وأن جمهورها خارج الأردن ينتظر حفلاتها وأغانيها بفارغ الصبر. وكمتابعة، أجد أيضًا أنها واحدةٌ من الفرق الأردنية المتماسكة، التي ما تزال تعمل بجدٍ وثبات وتسلسلٍ زمني، تُطلق ألبوماتها في الموعد، وتقيم حفلاتها في الموعد، ولا تُخلف وعودها لجمهورها. ولكن هل ما زالت «جدل» بنفس المستوى الذي انطلقت به؟

حين أطلقت الفرقة أغنيتها «باي باي عزيزي»، ظل سياق الأغنية في إطار النقد الاجتماعي، لكن الكلمات بدأت تأخذ طابعًا أكثر حدة «الدنيا قرض ودين، اللي تساوي فأخوك يرجعلك تنين، لا تبيع صحابك لأجل بنت بتنسى اسمك فكاسين، والوضع هاد مش طبيعي، لو إنك مسلم أو مسيحي، رح يجي اليوم تختفي من وجهك، وتقولك باي باي عزيزي».

في ألبومهم الجديد «مليون»، لا يمكن للمستمع ألّا يشعر بخيبة الأمل حين يستمع إلى الكلمات.

في السنوات الأخيرة، بدأنا نستمع لأغانٍ كنا نتوقع من «جدل» ما هو أفضل منها. ففي ألبومهم الثاني «الماكينة»، أطلقت الفرقة عشر أغانٍ اعتنت فيها بألحانها، وبكلماتها نسبيًا. لكنها بدأت تختار كلماتٍ تتجه فيها لجمهور أقلّ عمرًا على ما يبدو، فصارت تتجه نحو الأغاني العاطفية أكثر فأكثر، وبدت المشاعر السلبية تُسيطر على الكلمات بصورة أوضح. فهل بدأت الفرقة حينها باستسهال خياراتها في كلمات أغانيها وألحانها؟ أم علقت في حلقة مفرغة من المواضيع والألحان التي اعتادت على غنائها؟

لم تكن أغنية «بخاف من الكوميتمينت»، وهي الأغنية المنفردة التي أطلقتها الفرقة في العام 2013، بما عهدناه من مستوى «جدل»، لكنها كانت مجرد أغنية يمكنك أن تحبها أو لا تحبها، ليست جيدة تمامًا ولا رديئة أيضًا. كانت ما تزال ضمن ألحان «جدل» التي تجتهد فيها الفرقة ويحبها الجمهور. أما كلماتها، فكانت أميَل للمراهقة: «هاد شعور مش أساسي، بس أنا مآمن باحساسي، انتِ لعنتي أبو فطاسي، ووقع فأسك براسي، وأنا ما طلبت».

أما في ألبومهم الجديد «مليون»، الذي يصدر بعد ثلاثة عشر عامًا من تأسيس الفرقة، فلا يمكن للمستمع ألّا يشعر بخيبة الأمل حين يستمع إلى الكلمات، على الأقل هذا ما حدث معي.

إذا بدأنا بالألحان، فقد اختار محمود الردايدة -وهو ليس فقط مؤسس الفرقة، بل الملحن ومؤلف الكلمات والمغني الرئيس فيها أيضًا- قوالب موسيقية بسيطة جدًا، ركّب عليها إيقاعات الروك؛ زاوج بين الروك والبوب، ودار في أغانيه في حلقة واحدة مكررة.

ضمَّ الألبوم اثنتي عشرة أغنية: إذا إحنا رحنا، مش مكتوبة، مليون، أشرار، ما في غيرك، كنز، مش هدول ناسك، وحدة بتشبهك، أنا وإنتِ، يومين وليلة، بنحكي فيه بالحلم، صوتكو أعلى من السماعات.

كثير من كلمات الأغاني هجومية حادة، وبعضها تصلح لتكون «طوشة شوارعيّة» بين حبيبين: «لأحط زعلي في رسالة، وأصحى الصبح أبعثها إلك، وأحط فيها الجمرة الخبيثة، لا مش عم بدعي عليكي، ولا بتمنى إنك تموتي، أو يمكن!؟»، «مش موجودة إنت مش موجودة إنت بس ضو، كيف ربّوكي أمك وأبوكي وعوّدوكي عهيك جو».

البعض الآخر جاء بكلمات ذكورية فجة: «لا تتصنعي لتقدري انتباههم تلفتي وتفتني.. يمشوا وراكي، لا تغيري انت لأجل أساطير، وتمستري، وتدكتري، ليعلى سوقك وتتأمري، لو ريحته طالعة وما عنده صنعة، بس في مصاري وباني قلعة»، «انت خسرتي كنز والكنز هذا أنا».

هل تختلف هذه الكلمات كثيرًا عن كلمات أغانٍ تجارية جوفاء، ككلمات تامر حسني حين يغني «العيب مش فيكي دنا اللي بميل لناس متعرفش الحنية وقلوبها كده فتحاها سبيل»، أو حين يغني «لو فاكرة إنك يا حبيبتي هتقدري تنسيني لا بصي كل حاجة فيكي أكيد هتفتكريني»؟

في أغانٍ أخرى، نشعر أن الردايدة ينتقي كلمات أغانيه بصورة تبدو عشوائية، وفي أحيان كثيرة، غير مناسبة، فلا أعلم أي معنى يمكن أن نرى وراء كلمات مثل «أواعيكي ما بحبهمش، ريحة عطرك ما بتضرش، قصة شعرك مممم… حبّك برص وسبعه خرس». وعلى الرغم من أنه يُصرّح أن كلمات أغانيه ليست مباشرة لكن ذلك لم يكن ما سمعناه في بعض الأغاني: «لو حبيتيني كان ما عزفتلهمش، كان صرت منهم وبخاف زيهم، أو كان عملت ألبوم سعيد ومفهوم ما فيه زعل ولا لوم وما بيزيد الناس هموم».

اللهجة الهجومية والتهديدية لم تقتصر على مخاطبة الحبيبة، وإن كانت صاحبة الحظ الأوفر، لكن المستمعين تعرضوا لها أيضًا: «اللي مش عاجبه أعلى ما بخيله يركبه»؛ هذا تقريبًا ما يقوله الردايدة في أغنيته «ليش بنغني إحنا؟ مش عشان تسمعونا؟ ليش بنحاول إحنا؟ مش عشان ترجعولنا؟ وإذا في واحد بيكرهنا، ما بده الناس تعرف عنّا، يقطع عنّا الكهربا ويقول للناس ترجع ورا».

في الثامن والعشرين من شهر تموز الحالي ستُطلق الفرقة «مليونها» في جبل القلعة، وسيشارك في الحفل موسيقيون ضيوف، هم: ضرار شواقفة (درامز)، هند سبانخ وهارفيس كوني بادرون (ترومبيت)، أنطونيو أليكسندرو (ترومبون)، وأليكسندرو آركوس (ساكسفون)، إضافة إلى الفنان عامر الطاهر وفرقة البيت العشوائي، والفنان أحمد فرح. ومن المتوقع أن يكون حفلًا جماهيريًا ضخمًا، لكنني آمل أن تقف هذه الجماهير لتُنصت لهذا العمل قبل أن ترقص عليه، لأننا نريد لهذه الفرقة أن تُراجع عملها هذا وتُقيّمه، لا أن تعود إلى الوراء.  

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية