مهرجان جرش بين الواجب الوطني والضمير الثقافي

الثلاثاء 14 تموز 2015
مهرجان جرش

ينطلق في الأسبوع الأخير من شهر تموز الجاري مهرجان جرش للثقافة والفنون بدورته الثلاثين، ويستمر حتى الأول من آب. وبالطبع، فإن «جرش» هو أول المهرجانات الأردنية وأكبرها، مما يضعنا في تنازع بين رغبة في دعم هذا المهرجان، ورغبة أخرى في نقد التراجع الذي يصيب فعالياته عامًا تلو الآخر.

حين نتحدث عن التراجع، نستثني منه فعاليات المسرح الجنوبي، على عكس كل ما يُثار من اعتراضات كل عام حول الأسماء الفنية التي تصعد على مسرح جرش الجنوبي. لا بد أن نعي أن «جرش» يقدم الفنون بأشكالها المختلفة، ولطالما كان المسرح الجنوبي للمشاهير والنجوم، ولأصحاب الأغاني ذات القاعدة الجماهيرية، بصرف النظر عن جودتها، وهو حال معظم المهرجانات الوطنية في الوطن العربي. لذا، فلا عجب أن تكون نانسي عجرم على المسرح الجنوبي للمرة الثالثة، ولا أن تكون يارا ومايا دياب ورامي عيّاش وغيرهم من الفنانين العرب ضيوفًا على المسرح.

لكن الغريب هو ألا نرى من بين هذه الأسماء من يقدم فنًا جيدًا في هذا الخط الغنائي سوى الفنان عبدالله رويشد. إلا أن كل ذلك لا يشكّل إلا تراجعًا طفيفًا للمهرجان؛ إذ أن «الجنوبي» كان وسيظل، مثله مثل «قرطاج» و«موازين» وغيرهم من المهرجانات العربية، لنجوم الأغنية العربية، ولـ «السوبر ستارز»، وليس مسرحًا يقدم الفن «البديل» أو «الجادّ».

من ناحية أخرى، تأتي مشاركة الفنان الأردني على المسرح الجنوبي أفضل من كل عام، إذ اعتدنا أن تكون مشاركته محدودة فيه، فيما تتوزع باقي مشاركاته على المسرح الشمالي والساحة الرئيسية، الذي لطالما تعاملت معه إدارة مهرجان جرش خلال تنظيمها للمهرجان، وإن بشكل غير مباشر، على أنه أقل شأنًا من الجنوبي.

حفل افتتاح مهرجان جرش لهذا العام، سيكون «وطنيًا من الطراز الأول» كما وصفه محمد أبو سماقة مدير المهرجان، وسيتضمن «مغناة» تحمل معاني «الاستقلال» و «إرادة المواطن الأردني الأشد صمودًا والتفافًا حول قيادته الهاشمية» كما وصفها. تحمل المغناة، التي كتب كلماتها الشاعر حيدر محمود ولحنّها د. أيمن عبد الله، اسم «هذا الحِمى»، ويغنيها مجموعة من الفنانين الأردنيين.

أما بالنسبة لعروض المدرج الشمالي، والذي يُقام ضمنيًا من أجل جمهور نوعي ويستقطب فرقًا بعروض موسيقية وفنية جادة، فلم يكن في البرنامج المُعلن عنه عبر موقع المهرجان الرسمي أي تفاصيل عنه، بل أن بعض العروض كانت تُسمى «بنوعها» بدلًا من اسم الفرقة المشاركة، كأن نعرف، على سبيل المثال لا الحصر، أن هناك عرض «فلامنكو» قادم من إسبانيا دون أن نعرف أي تفاصيل أخرى عن اسم الفرقة أو أعمالها.

مع ذلك، تبدو بعض العروض على المسرح الشمالي مشوقة رغم غموضها، فالتعرض لثقافات جديدة بحد ذاته يُعد تجربة مهمة، كأمسية الجاز مع جاسر يوسف القادم من فرنسا، وأمسية فرقة الرقص والموسيقى الآتية من منغوليا، والمغنية المورتانية معلومة بنت الميداح، التي تعد واحدة من أهم الأصوات الإفريقية، وصاحبة صوت يستحق أن تذهب مساءً إلى مدينة جرش لسماعه.

الغريب في خيارات المسرح الشمالي هو إصرار إدارة المهرجان على تكرار أسماء فنية وقفت في «جرش»، وهي ليست الأفضل فنيًا، ولم تقدم مؤخرًا ما هو جديد، كفرقة «تريو جبران»، أو أن يتم تقديم فرقة كورال تعيد إحياء أغاني الشيخ إمام بأسلوب رديء ولا تصلح إلا لمسارح صغيرة ومغلقة كفرقة «الأولة بلدي».

أما الفعاليات الأدبية والفكرية الثقافية فتأتي لتكون «القشة التي قصمت ظهر البعير»، وتجعل الحديث عن «الدفاع» أو «دعم» مهرجان جرش على اعتبار أنه مهرجان وطني مجرد عبارة وردية اعتباطية. فبرنامج الفعاليات الثقافية يضم الغث (وما أكثره) إلى جانب القليل من «السمين» من أسماء في مجال الأدب والشعر؛ أسماءٌ جديدة وأسماءٌ بتجربة شعرية لا تستحق حتى إلقاء ما تكتب أثناء الاستحمام، اجتمعت مع أسماء أخرى ذات تجربة شعرية وضعت علامةً في المشهد الشعري العربي، وتجارب أخرى مبدعة.

الغريب أن «اللجنة المنظمة» لهذه الفعاليات خصصت أمسيةً منفرد لشاعرة تُدعى فلورا قازان أو «نبوءة المطر» كما تُطلق على نفسها. أمسية في الساحة الرئيسية لها وحدها، لا يُقاسمها فيها شاعرٌ آخر ولا حتى عازفٌ، يخفف وطأة الموقف وهي تُلقي على الجمهور وتفيض من شعرها: “يا من تهتُ في جزيرة منسيّة/ لست بحاجة إلا لنافورة سماء/ تمطرني بالحبّ/ أرقص تحتها عاريةً حتى الفجر/ و عيناك مِعطَفٌ يغمرني بالدِّفء/ وإذا ما جَنّ الصبحُ وحيداً/ ظهرتُ وأسلَمْتُ ذنبي للضوء”.

وفي ليلة أخرى نجد أن نفس هذه اللجنة المنظمة تختار وضع أربعة شعراء، من الشعراء أصحاب التجربة الممتدة، في ليلة واحدة، سواءٌ ممن يكتبون الشعر التقليدي، أم المجددين فيه، فيقرأ في الساحة الرئيسية في تلك الليلة الشعراء نزيه أبو عفش من سوريا، ويوسف عبد العزيز وناصر شبانة من الأردن، وسليمان دغش من فلسطين، ويدير الأمسية والشاعر علي البتيري.

يبدو أن أملنا في أن نلتمس تغييرًا في مهرجان جرش يتضاءل عامًا تلو الآخر، على الرغم من أنه يُعد أحد أهم المنابر الثقافية والفنية للمواطن الأردني. ليس من المبالغ فيه أن نطلب منه تنوعًا في المناخ الفني والثقافي الذي يقدمه، وليس كثيرًا أيضًا أن نطالب من الفعاليات الثقافية أن تناسب مستوى جمهورها، فهي بالنهاية تُقام من أجل جمهور يتذوق الشعر والأدب والفن الجاد، وليست كباقي الفعاليات الفنية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية