كيف تتعلم الألمانية؟ اللغة في الميزان بين التعلم والاكتساب

الإثنين 21 كانون الأول 2015

بقلم أودو أوم*، ترجمة أحمد زيد

(نشرت نسخة من هذا  المقال باللغة الإنجليزية على موقع معهد غوته، مترجمًا عن الألمانية)

الملخص

توجز هذه المقالة بعض ما توصلت إليه البحوث حول عمليات تعلم اللغة، حيث أن لهذا الفرع من المعرفة أهمية كبيرة عند مناقشة البحوث المتعلقة بعملية اكتساب اللغة والطرق المتّبعة في تعليم وتعلّم اللغات الأجنبية. وتتطرق المقالة أيضًا إلى جوانب مهمة أخرى تأخذ بالتحليل الافتراضات المنتشرة بين المتعلمين والمعلّمين عن عمليات تعلم اللغة والتي لا يستند بعضها لأسس علمية.

كيف نكتسب اللغة الأجنبية ونتعلم اللغة الثانية؟ حتى نجيب على هذا السؤال علينا أن نفهم طرق اكتساب وتعلم اللغة، وآلية عمل النظام اللغوي للمتعلّم. وقد برزت في هذا السياق سلسلة من النتائج الموثوقة، ومع أن معظمها لم تعدُ كونها افتراضية، فقد تم إثبات بعض هذه النتائج بالتجربة.

خطوط متداخلة: الاكتساب والتعلم

نجد دائمًا أن الأبحاث التي تُعنى بعملية التعلم تميز بين عمليتي «الاكتساب» و«التعلم». وعلى هذا الأساس فإن مصطلح «التعلم» يعني اتقان اللغة الأجنبية في سياق مؤسساتي بطريقة صريحة ووفق ضوابط معينة، أي من خلال الدروس المحددة في منهاج تعليمي وتبعًا لمفاهيم تعليمية ومنهجية ترتبط عادة بالبيئة التي تجري فيها عملية التعلّم (انظر مقالة البروفيسور أوم: بيئة تعلم اللغة الألمانية).

وفي المقابل، فإن «اكتساب» اللغة الثانية يشير إلى عملية اتقانٍ ضمنيةٍ للغة في سياق غير محدود بضوابط، ومفتوح على كل الاحتمالات الواردة في عملية التواصل اليومية في البلد الأصلي للغة. إلا أن هذا التفريق الدقيق بين التعلم والاكتساب غير صحيح وفقًا لآخر ما توصلت إليه المعرفة.

فعلى سبيل المثال، هناك دليل على أن المعرفة المتعلّمة «بشكل صريح» يمكن أن تصبح«ضمنية» (أي أنها تصبح في اللا وعي) ومن ثم يتم استخدامها في الإنتاج اللغوي دون بذل أي «جهد إدراكي».

وفي المقابل، تفترض بعض الأساليب البحثية أن المعرفة الضمنية يمكن أن تصبح معرفة صريحة بالتحليل والتفكّر، ويمكن حينئذ الوصول إليها بشكل واعٍ.  وينطبق ذلك على بعض الممارسات المتبعة بشكل واسع في مجال تعليم اللغات الأجنبية في الوقت الحالي، والتي تستخدم عمليات تعليمية «تستحث الجهد الإدراكي» وتركز على القواعد والتراكيب اللغوية.

الدور المؤثر للغة الأولى

إن إحدى المسائل المهمة التي تطرح أيضًا، هي تأثر عملية التعلم بالعلاقة بين اللغة الأولى المكتسبة «اللغة الأم» واللغة الثانية أو الأجنبية. وكثيرًا ما يعزو المعلمون والمتعلّمون الصعوبات والأخطاء، وحتى النجاح في عملية تعلم اللغة الثانية أو الأجنبية إلى التشابه والاختلاف في التركيب اللغوي بين اللغة الثانية والأولى.

استخدمت الأبحاث المختصة في عملية اكتساب اللغة الثانية في مرحلة مبكرة «الفرضية التقابلية» لتصف التأثير المحتمل للغة الأولى على عملية اكتساب اللغات الأخرى، فحيثما وجدت اختلافات في التركيب بين اللغة الثانية والأولى سيؤدي ذلك إلى تداخلات – أي إعاقة السابق للاحق –  من شأنها أن تؤدي إلى صعوبات وأخطاء في العملية التعلمية.

كثيرًا ما يعزو المعلمون والمتعلّمون الصعوبات والأخطاء، وحتى النجاح في عملية تعلم اللغة الثانية أو الأجنبية إلى التشابه والاختلاف في التركيب اللغوي بين اللغة الثانية والأولى.

وحيث أن الفكرة التي تفيد بأن المقارنة التقابلية بين اللغة الأولى والثانية تتسبب في صعوبات وأخطاء في عملية التعلم أصبحت باطلة، إلا أن التحليل التقابلي سيكون مفيدًا بالتأكيد إذا أراد أحد أن يثبت أن الخصائص التركيبية للغة الأولى والثانية يمكن أن تفسر بعض الأخطاء أو الصعوبات الفردية في التعلم.

منهجية وديناميكية لغة المتعلم

نلاحظ في الكثير من الحالات استخدام المتعلمين لتراكيب لغوية لا تتطابق مع الأنماط المتبعة في اللغة الجديدة، وفي نفس الوقت، فإن هذه التراكيب لا تتشابه مع خصائص اللغة الأصلية للمتعلم أو أية لغة ثانية وأجنبية يتقنها. ونستنج من ذلك أن المتعلم يطور نظامًا لغويًا خاصًا به لتعلم اللغة، بحيث يضع هذا النظام قوانينه الخاصة ويتطور مع مرور الوقت. وقد أطلق البرفيسور لاري سيليكنر في أوائل السبعينات على هذا النظام مصطلح «اللغة الوسيطة».

وبالنظر إلى ما تطرحه فرضية «اللغة الوسيطة» فإن من الجلي أن أساليب تعليم اللغات الأجنبية يجب أن تركز على اللغة الخاصة بهذا المتعلم ككل عوضًا عن التركيز على الأخطاء التي يرتكبها في الأنماط التراكيبية المتبعة في اللغة الجديدة. وعليه، فإن الأخطاء لا تدل على النقص، بل على ملامح عملية  تطور نظامٍ لغويٍ مؤقت.

وبالمحصلة، فإن التطبيق غير الصحيح لقواعد لغة ما على تراكيب لغة أخرى لا تقبل هذه القواعد قد ينتج عن استراتيجيات الاكتساب اللغوي، وهو أمرٌ لا يمكن تفاديه. وتدل هذه التعميمات الزائدة {في الاستخدام} على أن المتعلم على دراية ببعض القواعد، كما تشير إلى التقدم الذي أحرزه في عملية التعلم.

مراحل تطور اللغة

أثبت البحث التجريبي أن النظام اللغوي للمتعلم يتطور على مراحل في جوانب معينة من القواعد النحوية، وهو ما يعرف بفرضية «مراحل الاكتساب». وفي حالة اللغة الألمانية، تشير الأدلة أن هذه المراحل تحدث أثناء اكتشاف عملية تصريف الأفعال، وترتيب الكلمات وفي حالات المفعول به (مفعول به أول  ومفعول به ثاني).

ونتيجة لذلك، فإن العملية التعليمية ستنجح فقط إذا ركزت على الخطوة التالية في عملية الاكتساب في الجوانب النحوية المذكورة أنفًا. كما أنه يعتقد أن عدم الالتزام بمراحل عملية الاكتساب أثناء التدريس قد يتسبب في ظهور التداخلات المعيقة لعملية التعلمّ. ويبنى هذا الاستنتاج على الاعتقاد بأن المتعلمين سيبدؤون باستخدام تراكيب لغوية جديدة في منظومتهم المعرفية فقط عندما يصبحون جاهزين «ذهنيًا» لذلك.

وعلى سبيل المثال، يتمكن المتعلمون من التمييز بين المفعول به الأول والثاني بشكل صحيح  في مرحلة متقدمة: فبعد المرحلة الأولى التي يتقن فيها المتعلم حالات الفاعل، يكتشف في المرحلة الثانية أن هناك حالات مختلفة، إلا أنه ليس بمقدوره تطبيقها بالشكل الصحيح بعد. في المرحلة الثالثة، يبدأ المتعلم بالتمييز بين حالات الفاعل والمفعول به الأول والمفعول به الثاني، إلا أن استخدامه للمفعولين قد يتسم ببعض العشوائية.

يصل النظام اللغوي للمتعلم بعد هذه المرحلة إلى مستوىً يمكّنه من التمييز بين أشكال المفعولين الأول والثاني. وتفسر فرضية مراحل الاكتساب، بشكل جزئي، أسباب فشل عملية تدريس النحو في كثير من الأحيان، وتبين أسباب استمرار المتعلم في ارتكاب نفس الأخطاء النحوية مهما تدرب على تفاديها.

مدخلات ومخرجات لغوية مفهومة

لا يمكن أن تتم العملية التعليمية دون مدخلات لغوية، حيث تعتبر المقاربات الإدراكية عملية اكتساب اللغة الثانية والأجنبية بمثابة عملية معالجة للمعلومات يتلقى خلالها المتعلم المدخلات ويعالجها ويخزنها وفقًا لمعرفته المتنامية باللغة التي يتعلمها، ويجب على المتعلم أن يعيد هيكلة هذه المعرفة باستمرار.

وحتى تتم هذه العملية، يجب أن تكون المدخلات مفهومة. حيث تؤكد المقاربة التفاعلية على أهمية الفهم الواعي للأنماط اللغوية في هذا السياق. أما ما يتعلق بالتفاعل اللغوي بين المتحدثين الأصليين للغة مع متعلمي اللغة (وتفاعل متعلمي اللغة فيما بينهم)، فيعتقد أصحاب هذه المقاربة أن المعنى يصبح مفهومًا من خلال النقاش، أي من خلال التغذية الراجعة والتصحيح وطلبات التوضيح على سبيل المثال، وذلك حتى يتسنى للمتلقي أن يعالجها بالشكل الأنسب.

وتأتي فرضية المخرجات لتكمّل المقاربتين الإداركية والتفعالية من خلال طرح فكرة مفادها أن المنتوج اللغوي للمتعلم في اللغة ذات الصلة يلعب دورًا محوريًا في عملية التعلم. وتنطلق هذه الفرضية من منطلق أن بإمكان المتعلم أن يستنبط معنى المادة اللغوية التي يتلقاها من السياق اللغوي والظرفي للغة ذات الصلة، ولذلك فإن تركيز المتلقي ينحصر في التركيب اللغوي إلى حد ما.  

وفي المقابل، يجب على المتعلم على سبيل المثال أن يلتزم أثناء إنتاجه اللغوي في إطار اللغة ذات الصلة بقواعد التركيب والتصريف اللغوي إلى حد كبير، بالإضافة إلى قواعد تركيب الكلمات والجمل التي تعرف بالمستوى الصرفي البنيوي «مورفوسينتاكتك» في اللغة ذات الصلة.

وبالمحصلة، فإن المنتوج اللغوي يمكّن المتعلمين من اختبار فرضياتهم حول قواعد اللغة ذات الصلة، وتساعدهم على تطوير قواعد نظام اللغة الوسيطة وفقًا للتوجيهات التي يتلقاها المتعلم من التغذية الراجعة، خصوصًا تلك المتعلقة بالأخطاء.

تعزو الأبحاث الخاصة باكتساب اللغة الأجنبية وتعلم اللغات الثانية _التي تعتمد المقاربتين الإدراكية والتفاعلية_ الموجزة في هذه المقالة، عملية التعلم والاكتساب إلى عمليات معالجة المعلومات، إلا أن إحدى الأبحاث الحديثة (للبروفيسور أوم ٢٠٠٧) تعيد النظر في هذه الفكرة، حيث يعتبر أن عملية اكتساب اللغة الثانية و تعلم اللغة الأجنبية لا تتم للمتعلمين بجهودهم الفردية، بل من خلال تفاعلهم مع بيئتهم الثقافية-الاجتماعية.

—-

*أودو أوم بروفيسور في اللغة الألمانية كلغة ثانية ولغة أجنبية في جامعة بيلفيلد. تركّز أبحاثه على النظرة الثقافية الاجتماعية في اكتساب اللغة الثانية وتعلّم اللغة الأجنبية. وهو عضو في المجلس الاستشاري لمعهد غوته منذ ٢٠١٢.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية