ميرا المنزلي، ترجمة عمر فارس
في الفترة ما بين الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، كانت هنالك فرقة تعزف بشكل دائم عبر محطات الراديو العمّانية. استخدمت موسيقاهم الأصوات المركّبة الأشد تمثيلًا للثمانينيات، والغيتارات الكهربائية، وطبول «الهيفي ميتال»، مع اللهجة البدوية. أحيت الفرقة العديد من الحفلات في المدرج الروماني، وكانت فيديوهاتها تُعرض على شاشة التلفزيون الأردني. تمتّعت الفرقة بشعبية بين مجموعات مختلفة في المجتمع، نظرًا لمَزجِهَا السلالم الموسيقية التقليدية بموسيقى الروك التقدمية (البروغرِسِف روك).
اليوم، يكاد النسيان يطوي هذه الفرقة؛ «ميراج». سألتُ بعض الناس في عمّان إن كانوا قد سمعوا بـ«ميراج»، وتلقيتُ نظرات حائرة من أي شخص تحت الثلاثين، والعديد من «آهات» التعرّف الباهتة ممن هم أكبر سنًا. لن تستطيع العثور على أيٍ من ألبوماتهم في محلات بيع الأسطوانات المقرصنة في وسط البلد، التي تبيع بشكل رئيسي الأغاني الرائجة من مصر ولبنان وسوريا. مع ذلك، فقد كانت «ميراج» ظاهرة ثمانينية، فقد أطلقت أول فيديو موسيقي عربي*.
في بداية الثمانينات، حظيت «ميراج» بنجاح محليّ كبير من خلال أغانيها الإنجليزية. الفرقة التي بدأها أصدقاء المدرسة وائل أبو نوّار وجمال طاهر، في أيلول عام 1984، خاضت مرحلة تجريبية أولية دمجت فيها الأنغام والسلالم الموسيقية العربية مع البروغرِسِف روك بالإنجليزية، على خطى معشوقيهم جيثرو تَل وبينك فلويد.
توسعت الفرقة لتضم العديد من المغنّين، من بينهم عايدة أبو نوّار، زوجة وائل، ودينا رعد يَغنَم ذات الأعوام الثلاثة عشر؛ وسهير عودة. حققت الفرقة اعترافًا ملكيًّا؛ ففي العام 1985 عزفوا في المدرج الروماني على مسامع الأمير الشاب، حينها، عبد الله، والذي قدّم رعايته ودعمه الدائم لفرقة «البروغروسيف فيوجين روك»، حتى أنه زار الاستوديو الخاص بهم. عام 1990، انضم إلى «ميراج» عازف الجيتار عماد سلسع وعازف الدرمز هيثم ناصر، اللذان أصبحا عضوين أساسيين. ومع انتقال الفرقة إلى الغناء بالعربية، استطاعت تحقيق نجاح ليس فقط في الأردن، بل في العالم العربي.
كل ذلك تغيّر عام 1996 حين أجبرت حادثة شخصية وائل، المغني الرئيسي، وزوجته عايدة على الاغتراب. لقد كانت ضربةً مأساوية للفرقة، ولحياة المغنيين الشخصية، ولمشهد الموسيقى البديلة في الأردن. ذهب أعضاء الفرقة كلٌّ في طريقه؛ انتقل وائل وعايدة إلى كندا، فيما بدأ عماد سلسع بتأليف الموسيقى للنسخة الأردنية من«حكايات سمسم»، وبدأت دينا مشوارًا مهنيًا في الاتصالات، إلى جانب القليل من الغناء والتمثيل، أما هيثم فقد أسّس عملًا خاصًّا بينما يعزف الدرمز لأصدقائه. اليوم، عندما يفكّر المرء بالموسيقى الأردنية الرائجة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، تقفز إلى الذهن موسيقى شعبية تقليدية، مثل سميرة توفيق وعمر العبداللات، أكثر مما تفعل البروغرِسِف روك.
لكن «ميراج» عادت الآن. لقد أطلقوا نسخةَ روك سلسة لأغنية «تقول أهواك» على يوتيوب، ومن المتوقع أن يطلقوا ألبوم عودتهم «بنت الغيم» قريبًا، مُلهَمين بشِعر هايل عجلوني. جلستُ مع الفرقة في الاستديو الخاص بهم في جبل اللويبدة، مركز المشهد العمّاني البديل، من أجل بعض الأسئلة والأجوبة حول موسيقاهم وعودتهم.
إذن، كيف بدأت «ميراج»؟
جمال: لدينا، أنا ووائل، تاريخ مشترك في الموسيقى. كانت لدينا فرقة روك في الفترة ما بين أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات في المدرسة، كان اسمها «ذا مادكابس» (The Madcaps). لا تسأليني لماذا [يضحك]! لقد كانت فترة قصيرة، مرحلةً تجريبية حيث قمنا فيها، بتأدية أغانٍ معروفة في الغالب.
وائل: اعتدنا أن نعزف للمراهقين في حفلات التخرج أو الحفلات النهارية في نوادٍ حول المدينة. لقد كان أمرًا ممتعًا، وتعلمّتُ وجمال كيفية العزف على الجيتار، والكيبورد، والباص.
«ميراج» هي بالفعل حلم الطفولة، بأننا، يومًا ما، سوف نمتلك فرقة كتلك التي استمعنا إليها: دييب بيربل، بينك فلويد، جيثرو تل، جينيسِس، إريك كلابتون؛ طمحنا أن نكون فرقة مثل تلك. عندما تشكّلت «ميراج» في عام 1984، كانت آتية من حلم الطفولة السبعيناتيّ ذاك.
ميراج عام 1986. تقدمة من الفرقة.
كيف انضم بقية الأعضاء الآخرين؟
دينا: منذ الصف الثاني وأنا أعلم أنني أريد الغناء، أردته حدّ البكاء في الليل. اعتدت أن أشاهد «ميراج» عبر التلفزيون، وعندما كنت في الثالثة عشرة، كانوا يبحثون عن مغنٍّ رئيسي آخر، فأدّيت اختبار الانضمام، لم أستطع التصديق أنني نلتها!
جمال: كنتِ في الثالثة عشرة؟؟
دينا: نعم. عمالة أطفال! [تضحك]. عماد هو المحترف الحقيقي الوحيد بيننا في ذلك الوقت؛ كان يعزف على الغيتار قبل أن يستطيع المشي!
عماد: قبل «ميراج»، كنت أعزف الموسيقى النموذجية؛ جاز، روك..
هيثم: لقد جلبتُ الهيفي ميتال إلى الفرقة.
دينا: إنه كعازف الدرمز المجنون في «مابيت شو» (Muppet show)!
هل تأثرت أغانيكم بالموسيقى العربية؟
جمال: السبب وراء التنوع الذي تسمعه في موسيقانا هو الموسيقى العربية. لقد كانت في كل مكان: كبُرنا معها، حتى إن لم نستمع إليها بوعي، لكننا كنّا دومًا مدركين لها. كانت هنالك أم كلثوم وفيروز، لقد كانت الموسيقى العربية دائمًا موجودة.
دينا: إنها جزء من وعينا الجمعيّ.
جمال: تفاجأتُ عندما كتبت أغنيتنا العربية الأولى؛ خرجت بشكل عفويّ مع ذلك المَزج. أن تكون عفويًّا هو السرّ، لذلك صنعت فارقًا. لقد كانت نقطة تحوّل في الثمانينيات عندما ظهرت في الأردن، لأن نوع المزج هذا كان جديدًا في المشهد الموسيقي. نحن نحاول الآن أن نفعل ذلك مرة أخرى، ما نقوم به الآن مختلف تمامًا؛ نريد أن نجعل الناس تتوقف وتستمع إلينا مرة أخرى. ما نفعله متأصلٌ في قلوبنا وعفوي. نحن لا نساوم أبدًا، إما أن ننجح أو أن نفشل.
وائل: لطالما كتبنا وأدّينا أغانينا باللغة الإنجليزية. قبل إطلاق «تقول أهواك» كان الناس يطلبون منّا أن نؤدي أغاني عربية، وأخيرًا فعلنا عام 1989. كتبت الكلمات لتلك الأغنية، ومثلما فعلنا مع أغانينا الإنجليزية، أطلقنا فيديو موسيقي خاص بها. أصبح ذلك الفيديو الأول من نوعه بالعربيّة. استخدمنا أزياء، وأحصنة، وجِمال، وصوّرنا في الصحراء. انتشرت الأغنية كالنار في الهشيم عندما أطلقناها. ليس فقط في الأردن، لكن في المغرب والجزائر. لا زلت أتلقى رسائل عبر فيسبوك من أناس يتحدثون عنها. الناس لا تنسى لأنها كانت الأغنية الأولى من نوعها التي تُنتَج على شكل فيديوٍ موسيقيّ في الشرق الأوسط. منذ ذلك الوقت تحوّلنا
نحو العربية بالكامل، وظللنا كذلك حتى عام 1996، عندما انتقلتُ إلى كندا. عندها توقفنا عن إنتاج الموسيقى، عدا الغناء غير الرسمي.
الأعضاء من اليمين إلى الشمال: عماد سلسع، هيثم ناصر، جمال طاهر، دينا رعد يغنم، ووائل أبو نوّار. صور ناديا نفّاع وعلي السعدي.
حدثوني أكثر عن نقلتكم نحو العربيّة.
دينا: لقد كانت نقلة نوعية من أعمالنا الإنجليزية نحو مزجٍ عربيٍّ أصيل، ونابع من القلب. لأنكَ لا تستطيع التهرّب من جذورك. في هذه الأيام، عندما أنظر لـ«Arabs got talent»، أشعر بأنه من المحزن أن يتوجه الكثير منا للغرب من أجل الثقافة والفن، بينما عليها أن تنبع من الداخل، من حيث مسقط رأسك. لا يوجد هنالك خطأ وصواب، غرب وشرق، إنه فقط ما تحسّه.
جمال: لم تكن أنغامنا، يومًا، متحمّسة للغرب. إن المركَّب نفسه ليس غربيًّا أو كلاسيكيًّا.
دينا: إنه أمر عالمي.
جمال: إنه شرقيّ. إننا، قطعًا، لا نحاول أن نغني بأنغامٍ غربية؛ موسيقانا تختلف عن الموسيقى العربية ذات النكهة الغربية، لأن فيها ذلك العنصر الشرقي.
إذن، كيف تجمعّت الفرقة مرة أخرى؟
وائل: حسنًا، في الحقيقة لقد كان محمد الكحّالة، مدير الفرقة، هو من أعادنا معًا وبدأ مسألة لمّ الشمل كلها.
جمال: إنه أكبر معجبينا. لا أعرف لماذا، لكنه كذلك. إنه صديق مخلص.
محمد: بدأ الأمر باكتشاف أشرطة قديمة في مجموعتي. نقلتهم إلى الإنترنت واكتشفتُ أنه لا يوجد مادّة لـ«ميراج» على الشبكة. حالما رفعتها على الإنترنت، انتشرت كالنار في الهشيم مرة أخرى.
وائل: طالما حاولت أن أجد أغانينا القديمة على يوتيوب، لا أحد من الفرقة كانت لديه! لذا، كنت أتفقد الإنترنت من وقتٍ لآخر، كاتبًا «ميراج»، وقبل أربع سنوات *بوووم*: أول أغنية أصدرناها، «ماي أون» [خاصّتي]، كانت على يوتيوب! كنت متحمّسًا، نظرت إليها في الشاشة وقرأت «محمد كحّالة»، وأدركت أننا أقرباء. بعدها راسلته مباشرة حتى أشكره، قائلًا أنني انتظرتُ طويلًا ليرفع أحدهم أغنية لنا! أخبرني أنه يمتلك العديد منها وبأنه سيرفع واحدةً يوميًّا. وهكذا بدأت الفكرة ككلّ.
جمال: كنت أقول لنفسي: «من هو كحّالة؟ أحدهم يرفع أغانينا على يوتيوب! من هذا الرجل؟»
دينا (مازحةً): إنه «عرّابنا الخيالي»!
وائل: احتجت لفترة زمنية لأهضم فكرة العودة للموسيقى في هذا العمر. بدأت ومحمد التجريب من خلال بعض الأغاني القديمة، لكن انضم الجميع أخيرًا، واتضح أن ذلك أكبر صداع في حياتنا! [ضَحِك]
جمال: لم نتوقف يومًا عن عزف الموسيقى. لكن كتابة أغانٍ جديدة واستخدام هذه التقنيات.. أكره هذا العالم الرقمي؛ لست على درايةٍ بتلك الأدوات بالمرّة. أريد أن أمسك غيتاري وأعزف، فقط. لكن وائل بقي في عالم التسجيل والإنتاج، لذا حمدًا لله أن أحدهم يعرف شيئًا عن هذا العالم!
دينا: لم تكن لدي أدنى فكرة عن لم الشمل حتى احتجتُ لتسجيل أغنية من أجل مسرحية نديم سواحة حول جبران خليل «استراحة فوق الغيم». لذا أرسلت رسالة لجمال عبر فيسبوك، وأخبرني أنهم اتخذوا لهم استوديو، لذا جئت إلى هنا، وانتهى بي الحال بالعودة لـ «ميراج»!
ما هي الثيمات الرئيسية في ألبومكم الجديد؟
وائل: الأرض والانتماء. كل أغاني الألبوم كتبها هايل عجلوني، أيقونة في الأردن كما هو كشاعر. لقد رحل قبل أقل من عام وهذا الألبوم تكريم له، كما هو أيضًا لزوجتي الراحلة [عايدة أبو نوّار]، التي كانت المغنية الرئيسية ورحلت عام 2009. هذا يجعل الألبوم مميزًا بالنسبة لنا.
ما رأيكم بالموسيقى الأردنية الدارجة اليوم؟
جمال: يعجبني كل من يقوم بشيء مختلف ويمتلك الشجاعة لفعل بذلك. لكنها [الموسيقى الدارجة] ليست «لحنيّة» بما يكفي، والتوزيع فيه الكثير من التكرار. كما تسمعين في أغانينا، فإننا لا نحب التكرار. بينما بالنسبة لمعظم الموسيقى الشائعة، هنالك نغمتان أو ثلاثة في الأغاني وفقط. سطرُ لازمةٍ يتكرر عشر مرات. نحن لا نفعل ذلك.
دينا: مرت فترة لم يكن فيها موسيقى كهذه هنا. من الجميل أن نراها تعود ثانيةً.
جمال: إن الموسيقى البديلة تزدهر. عاد الروك إلى عمّان، منذ خمس أو ست سنوات. هذا ما نفعله الآن. مزج روك بديل، مزجُ روك عربي بدوي بديل.
دينا: لكن، عندما نتحدث عن الموسيقى، يجب ألا ننسى أن 95% من السكان ليسوا في عمّان. إن النجاح الأكبر سيكون في بناء الجسور فيما بيننا، قبل أن نبنيها مع الغرب وأجزاء أخرى من العالم. هنالك انقسام حول العالم العربي ما بين البروغرِسِف (التقدّميّ) والتقليدي. ولا أظن أن هذا الانقسام كان موجودًا في السابق، لأن كثيرًا من جمال البروغرِسِف يأتي من التقليدي. إنها مسألة تحديث للتقليدي وإيجاد طريقة لنري الناس أننا لا نحاول تشويه ثقافتنا.. إننا، فقط، نحاول جلبها للقرن الحادي والعشرين، وأن نُفهم الناس من خارج عمّان أننا في الواقع نحاول أن نكرّم على ثقافتنا، لا أن نهينها. سيكون ذلك النجاح الأكبر، لأن من المفترض أن الموسيقى تجمّع الناس معًا. أظن أن موسيقى «ميراج» ستصل للناس خارج عمان، ومن مختلف الثقافات.
جمال: هنالك تقليعةٌ الآن. الناس ضجرون. في الثمانينات، لسوء الحظ، كانوا قلّة. الناس لم تكن تتجرّأ [أن تقدم موسيقى بديلة]. «تقول أهواك» كان من المفترض أن تكون أغنية روك في الأصل، لكننا لم نتركها كذلك لأنه لم يكن هنالك متابعون للروك حينها. كنا خائفين. تستطيعين أن تلاحظي أن إعادة الإنتاج (remake) هي روك. فاليوم، هناك لمكان لمثل هذه الأغاني.
***
سيُطلق ألبوم «ميراج» الجديد، بنت الغيم، قريبًا، وسيكون متوافرًا على iTunes. سيتضمن الألبوم تعاوناتٍ مع مجموعة كورال دوزان وأوتار، ومغنية الأوبرا زينة برهوم.
* بينما كانت هنالك «فيديوهات» تحوي موسيقى، من مثل أولئك الخاصين بالمغني المصري الكلاسيكي محمد عبد الوهاب أو فيديوهات لعروضٍ حيّة، لم تكن هنالك فيديوهات تُنتَج بهدف مصاحبة أغنية بوب قبل «تقول أهواك».