رأي

الانتحال في زمن السوشال ميديا

الأحد 19 شباط 2017
أحمد مساد يمينًا، وهاني مصطفى يسارًا، في لقطتين من حلقاتهما.

ما زالت الزوبعة التي أثارها فيديو الفنان المصري الساخر هاني مصطفى واتهامه لأحمد مساد بالسرقة منه ونسخ أسلوبه تشغل المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بعد نشر مساد فيديو اعتذار يعترف فيه بتقليد أسلوب مصطفى و«التأثر» به إلى درجة كبيرة، على حد تعبيره.

إلا أن الملفت في قضية مساد هو انقسام الناس بين من يبرر فعله ولا يجد فيه حرجًا، وبين من اعتبره سرقة سافرة واعتداءً على محتوى إبداعي لشخص آخر، مما يعيد طرح السؤال القديم الجديد عن الحد الفاصل بين الاستعارة والسرقة الفكرية، أو بكلمات أخرى، بين الاقتباس والانتحال.

لقد عُرف الانتحال في الفنون منذ القدم، ولعلّ أول مثال يخطر بالبال هو المعارضات الشعرية في العصر الجاهلي، والتي كانت نوعًا مقبولًا من التقليد، أو ما يُعرف بالتناص. وفي العصور اللاحقة، اتهم عدة شعراء المتنبي بسرقة أفكار بعض أبياته من قصائد أخرى، وهي قصائد اندثرت مع الزمن بينما خلّد التاريخ قصائد المتنبي. وفي مثال معاصر، فإن رواية الخيميائي التي حققت مبيعات بالملايين حول العالم ما هي إلا استنساخ شبه حرفي لإحدى حكايات ألف ليلة وليلة.

إلّا أن أيًا من الأمثلة السابقة لم تُوسم بوصمة السرقة، فأين نرسم الحد الفاصل؟

يقول الفيلسوف الروسي باختين: «لا توجد كلمة عذراء لم يسكنها صوت آخر»، وانطلاقًا من الحكمة الشائعة «لا جديد تحت الشمس»، يمكننا القول إنّ الإبداع هو في النهاية هو عملية تجديد مستمرة. وكلمة تجديد تشترط وجود إضافة على المحتوى أو الأسلوب الذي يقدمه الفنان، فإن كانت الأفكار والأساليب مكررة عبر الزمن، فلا بد من أحد أمرين: إما وضع فكرة قديمة في قالب جديد، أو تقديم فكرة مختلفة في قالب معروف.

يمكن لأي شخص شاهد فيديو هاني مصطفى الأخير أن يرى أن مساد دخل في مساحة نسخ الأسلوب والأفكار في الوقت نفسه، ناسيًا أو متجاهلًا سرعة انتقال وانتشار المحتوى الإبداعي، وطبيعة شبكات التواصل الاجتماعي التي سهّلت عمليات السرقة الفكرية من جهة، وسهّلت الكشف عنها من جهة أخرى، فلم يعد الأمر يتطلب الغوص في مجلدات قديمة تحت غبار المكتبات لمعرفة القصة التي تم نسخها، كل ما عليك فعله هو طباعة بضع كلمات في محرك البحث وستحصل على كل المعلومات التي تحتاج إليها لوضع يدك على عملية سرقة أدبية موثقة بالتواريخ. فما بالك إن كان التقليد لفنان معاصر، في موقع جغرافي يسمح بوجود جمهور مشترك بين الاثنين، بتكرار حرفي للأفكار يجعل من الصعب التغاضي عنها كعملية نسخ حرفي؟

ما حدث مع مساد لا يعكس مشكلة شخصية فقط، بل مشكلة أوسع تشمل الوسط الكوميدي الأردني الذي ظهر وتوسّع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وكان لقنوات التواصل الاجتماعي دور كبير في ذلك.

لعلّ أحد الأمثلة القريبة على ذلك هو الوسم الذي أطلقه مغردون على تويتر يتهمون فيه الشيخ عائض القرني بالسرقة من كتاب «الجامع بين الصحيحين» للشيخ صالح بن أحمد الشامي، الأمر الذي ردّ عليه القرني بأنه اقتباس وليس سرقة، بعد أن كان قد تغرّم قبل سنوات بسبب السرقة من كتاب آخر. وهذا يطرح تساؤلات أخرى عن شروط الاقتباس التي تخرجه من إطار الانتحال، وأولها توثيق المصادر.

حول السرقة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي يقول الكاتب الأردني الساخر وليد عليمات: «80% من منشوراتي تعرضت للسرقة، وكثير من الناس نسبوها لأنفسهم. مواقع التواصل الاجتماعي سهل النسخ منها؛ أغلب المبدعين يتعرضون للسرقات، لكن الأكثر سرقة هي البوستات الساخرة، وعلى الأغلب اللي بيسرق عشان يجمع جمهور». وعن طريقة تعامله مع الأمر أضاف: «بالبداية كنت ألاحقهم، بس لما كثروا بطّلت. وبالنهاية هي راجعة للأمانة الأدبية لدى الشخص، وهي نادرة للأسف».

ولعلّ أحد أشهر أمثلة الانتحال ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي وساهمت بشكل كبير في كشفه وانتشاره على نطاق واسع هو إلقاء ميلانيا ترامب، زوجة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خطابًا ما هو إلا نسخة تكاد تكون حرفية من خطاب ألقته السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما من قبل.

وأتوقف عند هذا المثال لأشير إلى التشابه بين حالة ميلانيا ترامب وحالة أحمد مساد، على الاختلاف الواضح بينهما. إن التقليد في الحالتين يبدو نابعًا إمّا من فقر في القدرة الإبداعية لدى المقلّد، أو من استسهال التقليد، أو عدم الثقة بقدرة الشخص على الإتيان بمحتوى جاذب للجمهور. إن ما حدث مع مساد لا يعكس مشكلة شخصية فقط، بل مشكلة أوسع تشمل الوسط الكوميدي الأردني الذي ظهر وتوسّع بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وكان لقنوات التواصل الاجتماعي دور كبير في ذلك. ربما يحتاج المشهد إلى مزيد من الوقت للنضج وتقديم محتوى كوميدي هادف ومضحك في الآن ذاته، إلّا أن طبيعة الإعلام الاجتماعي والشهرة السريعة التي يقدمها، والتي لا تعكس بالضرورة قيمة المحتوى، تظل عاملًا رئيسيًا في فقر المحتوى الإبداعي، وإضفاء صبغة «المؤثر» على من لا يستحقها، وخلق مناخ يكون فيه التقليد والانتحال أسرع طريق للنجاح، بغض النظر عن نوعه.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية