في وقت مُبكر من خمسينيات القرن الماضي، انفجر على الساحة الفنية في العالم شكلٌ موسيقي وغنائي جديد، كان مثيرًا للجمهور، للمراهقين والشباب، وللباحثين عن أشكال جديدة للتعبير عن أنفسهم. لهؤلاء الذين يشعرون بقيود المجتمع ورتابته، جاءت موسيقى «الروك أند رول» لتعلن عن حقبة موسيقية جديدة.
بعد فترة بسيطة من ولادة موسيقى الروك، استطاعت أن تُهيمن على كثير من الأشكال الموسيقية الأخرى وتتقدم عليها، وأصبح واضحًا أنها جاءت لتبقى، حاملةً معها تغييرات هامة وتأثيرات على العالم كله. فالروك أند رول كان يسرد الأحداث الأكثر سعادة والأكثر تعاسة، يتحدث عن الأحوال المضطربة في البلاد، وفي بعض الأحيان يبدو وكأنه القصة كلها دون الحاجة إلى أية تفاصيل وتفسيرات. وظلَّ الروك صالحًا لحمل كلمات ثائرة ومتمردة، سواء كان في الحب أم السياسة أم مناحي الحياة بشتى مواضيعها.
دون شك إن الأغنية الجيدة هي الأغنية التي تجعلك تفكر، والكثير من أغاني الروك، خصوصًا في الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينات من القرن الماضي، حملت ذلك التأثير؛ أغانٍ تعتني بالكلمة واللحن والأداء على حدٍ سواء، وهذا ما جعلها تعيش حتى اليوم.
فنانون أمثال تشاك بيري، الموسيقي الأسود الذي أدخل صناعة موسيقى الروك آند رول إلى موسيقى البلوز، كانوا من رواد الروك آند روك في خمسينات القرن الماضي. ظلَّ تشاك بيري رمزًا للروك آند رول بأدائه وحضوره، على الرغم من ظهور نجوم لامعين على الساحة، أمثال ألفيس بريسلي وبادي هولي وغيرهم. ومع اتشاع شهرة هؤلاء، بدأت الموسيقى تأخذ منحىً تجاريًا. حتى ظهر بوب ديلان الذي أثر بشدة على موسيقى الروك بأغنيته البسيطة والعميقة في آن، لتصبح موسيقاه أداة تعبير جيل كامل.
يهيمن الروك اليوم على محطات الراديو عالميًا، ويدخل في إيقاعات معظم الأغاني، وعلى الرغم من أن أجهزة الكمبيوتر دخلت على هذا النوع من الموسيقى، وأثرت تقنية تصحيح الصوت (autotune) سلبًا على نوعية الأغاني، إلا أن اهتمام الجماهير ما يزال كبيرًا.
حمّى الروك آند رول انتقلت إلى العالم العربي أيضًا، إذ كانت بمثابة أداة تعبير عن تمرد الفن عن القواعد السائدة التي أرساها المجتمع المحافظ. بدأت الفرق تظهر بشكل بسيط وعلى استحياء في فترة النزاعات والحروب، وأغلبها نشأ خارج الدول العربية في حواضن غربية. ولم نعرف كثيرًا عن هذه الفرق أو هؤلاء الفنانين، وظلَّ انتشار معظمهم محدودًا إلى حدٍ كبير.
خرجت بعض فرق الروك في العالم العربي من أشخاص اطلعوا على التجارب الغربية وتأثروا بها، كان معظمهم يميلون إلى أسلوب الحياة الغربية أكثر من الشرقية، وتأثروا بالجيتار وموسيقى الجاز ومن ثم بموسيقى الروك.
انتشر الروك في عدد من دول المشرق العربي، وبالطبع في مغربه نظرًا للمزج بين موسيقى الراي والروك. لكن لم تستطع الفرق التي ظهرت في الستينيات وحتى الثمانينيات من القرن الماضي أن تستمر أو تُشكّل علامةً فارقة على الساحة الموسيقية.
في منتصف الستينيات من القرن الماضي تشكّلت فرقة الروك اللبنانية The News واستمرت الفرقة حتى منتصف السبعينيات. لربما كانت هذه الفرقة الأولى من نوعها في لبنان، ونشأت على يد أربعة موسيقيين لبنانيين-أرمنيين: أرا، جاك، مايك وجون. لم تغن الفرقة بالعربية قط، بل غنت الروك الكلاسيكي بكلمات إنجليزية، وتناولت موضوعات الحب في أغلب أغانيها.
في السبعينيات أيضًا ظهرت فرقة الروك اللبنانية The Force، ما يُميز هذه الفرقة عن سابقتها أنها فرقة لبنانية خالصة، تُغنى الروك العربي سواء بالكلمة أو الهموم، وتطرح كلمات أغاني الفرقة مشاكل لبنان السياسية والاجتماعية والاقتصادية. غنّت الفرقة باللغتين العربية والإنجليزية، ونشأت على يد أربعة موسيقيين: عبّود سعدي على الباص، وليد طعيم ونبيل هشي على الجيتار وإيميل بستاني على الدرامز، فيما كان يساعدهم في الصوتيات زياد الرحباني.
اشتهرت الفرقة خارج لبنان، وقدمت العديد من الحفلات في لندن، وتمَّ تسليط الضوء عليهم من خلال عدد من البرامج حول العالم. تنوعت كلمات أغاني الفرقة بين أغاني الحب والحديث عن الحرية والحرب الأهلية في لبنان؛ كانت محاولة للانعتاق من هول الحرب الأهلية التي خاضتها لبنان من خلال شكلٍ موسيقي جديد.
تأثرت الفرقة في عددٍ من أغانيها بموسيقى البنك روك (Punk Rock)؛ أغانٍ متذمرة من الواقع، تحاول أن تثور على الوضع السائد من خلال التعبير الصريح والعفوي. معظم أغاني البنك روك سياسية تميل نحو اليسار، وهذا ما قدمته الفرقة، خصوصًا في الفترة التي أقامت فيها في إنجلترا في السبعينيات، حيث كانت هذه الموسيقى رائجة في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وبعد ذلك في أستراليا.
في العام 1985، في وقتٍ كانت الحرب الأهلية اللبنانية في أوجها، قامت قناة ABC الأسترالية بتسليط الضوء على الفرقة من تقرير يتحدث عن أغانيهم التي تقوم بمحاربة القتل والعنصرية والطائفية من خلال الغناء والموسيقى.
لكن قبل كل ذلك، كانت هنالك حركة موسيقية تُبشر عن بداياتٍ للروك مطلع الخمسينيات في السودان قادها الفنان عثمان ألمو، الذي اشتهر بأغاني الجاز وأسس فرقة جاز، لكنه فيما بعد طوّر أغانيه على إيقاعات تزواج بين «التويست» و«الروك». لم تنتشر هذه الموسيقى خارج السودان لكنها ظلّت تتطور، ففي أواخر الخمسينيات جاء الفنان شرحبيل أحمد ليطور على ما بدأ به ألمو، لكن أغانيه كانت ذات طابع روك إفريقي أوضح من الأخير. اشتهر شرحبيل بأغنيته «اللابس البمبي» التي كانت خروجًا واضحًا إلى عالم الروك، كما اشتهر أيضًا بأغنية «تحرمني ليه» ذات إيقاع الروك الإفريقي.
وعلى الرغم من أن ثيمة الروك تبدو واضحة في أغاني شرحبيل، إضافة إلى الآلات الغربية المستخدمة، إلا أن اختيار الكلمات وطريقة الغناء والأداء ابتعدا عن أسلوب غناء الروك، مما لم يكرس حالة موسيقية حقيقية تُدعى «روك آند رول».
لم تؤرخ الموسيقى السودانية بشكلٍ كافٍ، ولم تنتشر خارج حدودها. لكنها على ما يبدو كانت سابقة في التطور عن باقي الدول العربية في استخدام قوالب الجاز والروك والتويست.
العراق واكب حركة الروك في فترة متأخرة من ثمانينيات القرن الماضي، حيث ظهرت فرق متعددة غنت الأغاني العراقية بموسيقى البوب والروك آند رول، وقد اتخذت تلك الفرق أسماء غربية مثل فرقة الهاردز التي كان يغني فيها الفنان فاروق الخطيب، وفرقة دفلز. كانت فرقة Maybe التي تأسست منتصف الثمانينيات، أول فرقة روك آند رول صرفة في العراق، وكان الفنان عمر أحمد قائد الفرقة إلى جانب عدد من طلاب كلية الفنون الجميلة. قدمت الفرقة موسيقى الروك الغربي بشكله الكلاسيكي. حاولت أن تُشكل حالة حقيقية من حيث اللحن والأداء والكلمة وحتى من حيث الفيديو الكليب لأغانيها. وقدمت أغانيها باللغة الإنجليزية فقط. ولاقت في ذلك الوقت انتشارًا في أواسط الشباب وفي النوادي الأجنبية في العراق، واستمرت الفرقة حتى العام 1994.
في أواخر الثمانينيات خرج أيضًا الفنان العراقي هفال يوسف، الذي اتقن الروك الغربي بأشكاله. حاول هفال أن يقدم الروك الكلاسيكي، والميتال والفولك روك بأسلوب غربي بحت.
في الفترة ما بين 1980 وحتى 1985 ظهرت في سويسرا الفنانة العراقية الأصل Nadjma «نجمة»، التي أصدرت ألبومًا غنائيًا واحدًا بالتعاون مع غابور كريستوف، السويسري من أصل هنغاري، حيث غنّت مجموعة من أغاني الكولد وييف روك وموسيقى البوست بانك. كانت جميع الأغاني باللغة العربية. الموسيقى والإيقاعات كانت لافتة وأصيلة، إلا أن كلمات أغانيها كانت في معظمها ذات مضمون ضعيف وغير مترابط أحيانًا.
لم تشهد مصر حركة روك آند روك حقيقية حتى مؤخرًا، لكنّها في مطلع الثمانينيات شهدت أغانٍ ذات طابع بوب-روك طوّرها في البداية الفنان الليبي المصري حميد الشاعري، وأكمل عليها النوبي محمد منير. لكنّها كانت مجرد أغانٍ متفرقة، وحالات فردية. ولم تبدأ موسيقى الروك بالانتشار حقًا في الأغاني المصرية حتى التسعينيات.
يبدو أن الروك آند الروك لم يجد طريقًا له في الأردن أو سوريا أو فلسطين في تلك الحقبة الزمنية، وإذا ما كانت هناك تجارب، فإنها على الأغلب كانت تجارب فردية؛ لم تكن قادرة على الوقوف والاستمرار لنعرف عنها شيئًا اليوم.
لا املك معلومات عن فرق روك فلسطينية من السبعينات والثمانينات. لكن هنالك
عدد من الفرق النشيطة منذ التسعينات مثل فرقة الشاطئ، فرقة ألوان، اسم
مؤقت، وايلد روز (نهاية التسعينات) وصولا بفرقة خلص في بداية الألفية.
أحيانا من الصعب العثور على معلومات على الإنترنت لكن مثلا هناك فيديو
لفرقة الشاطئ من عام ١٩٩٢ https://www.youtube.com/watch?v=UrlgXXda40c
أصدرت
الفرقة ألبوما حوى أغان من تأليفهم وتوزيع لأغان معروفة (مثل أغنية مريم
لصبري حماد). هنالك تقرير عنهم من عام ٢٠٠٤ حين اجتمعوا مجددا ليشاركوا
بمهرجان موسيقي.
http://www.farfesh.com/Display.asp?catID=118&mainCatID=117&sID=2487
فرقة
ألوان من الصعب الحصول على معلومات عليهم في الإنترنت وقد نشطوا في منتصف
التسعينات وأصدروا ألبوم بعنوان نار (إن لم تخني الذاكرة) ولم أجد سوى هذا
الفيديو لإحدى إغنياتهم https://www.youtube.com/watch?v=knTRVr6Gc5k
فرقة اسم مؤقت نشطت أيضا في نفس الفترة وكانت متأثرة أكثر بالروك القديم (فترة الخمسينات والستينات) هذا فيديو من حفلة من ١٩٩٩
https://www.youtube.com/watch?v=V5BAiNXGgSA
فرقة
وايلد روز تأسست عام ١٩٩٤ وتغيرت تركيبتها وأسلوبها خلال السنين. هذا
تقرير عنها من عام ٢٠٠١. https://www.youtube.com/watch?v=AM7fgkWtpw4
لا أستبعد وجود فرق أقدم من هذه لكن قلة التوثيق وصعوبة الوصول إلى أرشيف الصحافة مثلا يصعب ذلك