رأي

الوجه القبيح لبرامج المواهب

الخميس 22 تشرين الأول 2015
arabs got talent

منذ تسعينيات القرن المنصرم، انتشرت فكرة برامج المواهب ونالت هذه البرامج شهرة عالمية، الأمر الذي دفع شركات الإنتاج العربية والقنوات التلفزيونية إلى تبنيها، ونقل نسخها العالمية إلى المشاهد العربي، بحيث بات لدينا من كل برنامج مواهب عالمي نسخة عربية، أو أكثر. فبعض البرامج وجدت طريقها المحلي إلى بعض البلدان التي أنتجت نسختها الخاصة منها، كبرنامج «محبوب العرب»، الذي رأيناه في السنوات الأخيرة في نسخة أردنية خالصة تحت اسم «نجم الأردن».

يمكن الدفاع كثيرًا عن هذه البرامج، ولدى المدافعين عنها الكثير من الوجاهة في الآراء التي يطرحون، فمثل هذه البرامج سمحت للكثير من المهمشين أن يجدوا فرصة التعبير عن ذواتهم بطريقة مبدعة، كالغناء مثلًا، دون الحاجة إلى أن يتحلوا بالصفات التي تستوجبها شركات الإنتاج الكبرى. فبات بإمكان شخص أقل جمالًا في المظهر، مثلًا، أن يصبح مغنيًا ناجحًا، وبات بإمكان من تعاملهم شركات الإنتاج على أنهم عجائز، أن يعبروا عن أنفسهم بالغناء أو بغيره من دون الشعور بالحرج. والأهم أنه صار بإمكانهم أن ينافسوا، وأن ينجحوا.

كما أن هذه البرامج اختصرت الوقت والمسافة التي من الواجب على الفنان قطعها للوصول نحو جمهور كاف، وأن يتجاوز مراحل الغناء في حفلات العائلة، ثم في الأعراس، حتى تعثر عليه شركة إنتاج ما، فتستغله استغلالًا لا يقوم فقط على الاستيلاء على نصيب الأسد من العوائد المالية، بل ويتعدّاه إلى التحكم في نوع وشكل المحتوى الذي يقوم الفنان (المثقف المفترض) بإنتاجه.

رغم هذه الإيجابيات التي من الممكن النقاش حولها طويلًا، جلبت برامج المواهب والصراع بينها على نسب وأعداد المشاهدين الكثير من السلبيات التي أضرّت بصناعة المواهب بشكل عام، وبصناعة الموسيقى بشكل خاص. ومن بين هذه السلبيات التي من الواجب نقدها والوقوف عندها طويلًا، استغلال البشر. واستغلال برامج المواهب للبشر متعدد الأوجه، لكن ربما يكون واحدًا من أسوا أشكاله، استغلال بساطة المشاركين وقلة فطنتهم في كثير من المسائل.

ما لا يعلمه الكثير من متابعي برامج المواهب، أن المتسابق قبل وصوله إلى التلفزيون -أي قبل أن يتعرض للجنة التحكيم، فضلًا عن الوصول لمرحلة البث المباشر- يفترض أن يمرّ بلجنة تحكيم واحدة على الاقل، تقيّم ما إذا كان صالح للظهور على الشاشة والمشاركة في البرنامج أم لا. لذا، فإننا عندما نشاهد مريضًا عقليًا يظهر في البرنامج، وينال التقريع من الحكام، وصافرات الاستهجان من الجمهور، وجب علينا أن نسأل من الذي أحضر هذا الشخص؟ وما هو الهدف من إحضاره؟ وما هي القيم التي تغرس في مشاهدي البرنامج من كافة الأعمار، عندما يرون شخصًا بلا حول ولا قوة يتم الاستقواء عليه، وتتم السخرية منه بشكل مهين؟

عوضًا عن توفير بيئة آمنة للمشتركين، تتم السخرية منهم، فيصفر لهم الجمهور، ويقرّعهم الحكام وكأنهم أطفال مدرسة قد أذنبوا.

بعد حديث مع عدد من الأشخاص الذين سبق لهم أن عملوا في بعض هذه البرامج تتضح الصورة، إذ أن معدي هذا النوع من البرامج، ربما وبسبب الضغط الذي تضعهم تحته القنوات التلفزيونية ونسب المشاهدة، يقومون بانتقاء عدد من المشاركين في كل موسم فقط لتتم السخرية منهم، ويكونوا فقرة الضحك في هذه البرامج، دون مراعاة لأثر هذه السلوكيات على المشاركين وعلى الجمهور.

ويمكن الاستدلال على هذا الأمر بالعديد من الأمثلة، وربما من أبرزها مثال السيدة منى البحيري، وهي السيدة التي نالت شهرة كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسبب فيديو «سيسي يس مرسي نو»، حيث تم إحضارها لبرنامج «Arabs’ Got Talent» حيث من المفترض أن تقدم موهبتها، وهناك تمت السخرية منها، وعادت بخفي حنين، ولدى سؤالها حول الموضوع قالت أن معدي البرنامج قد أوقعوا بها لتتم السخرية منها والضحك عليها، وتحدثت عن تلقيها مبلغًا من المال مقابل ذهابها لمكان التصوير كضيفة. وبغض النظر عن صدق هذه الدعوى من عدمه، فقد حدث في النسخ العالمية من هذا البرنامج أمور أفظع قادت ضحاياها من المشاركين إلى الدخول في أزمات نفسية عصيبة، ومنهم من أوشك على الانتحار.

وحتى لو كان هؤلاء المشاركون قد قرّروا المشاركة بناء على رغبة منهم، إما لظنّهم أن أصواتهم مناسبة، أو لأن الغناء، ببساطة، يجلب لهم متعة ما، فهذا لا يبرر إهانتهم ولا يعني أنهم يتحملون المسؤولية، ولا يعني أن الفرصة قد أتتنا لنخرج عقدنا الاجتماعية والنفسية ونتنمّر عليهم. وعوضًا عن توفير بيئة آمنة للمشتركين، خصوصًا المرضى منهم، تتم السخرية منهم، فيصفر لهم الجمهور، ويقرّعهم الحكام وكأنهم أطفال مدرسة قد أذنبوا، فيما يتبادل جمهور الإنترنت مشاهد الفيديو التي تسخر منهم، من دون أي مراعاة لأثر هذا على عائلات المشاركين أو على المشاركين ذاتهم.

قد تدرّ هذه الصناعة الملايين من الدولارات على شركات الإنتاج وعلى القنوات التلفزيونية، وتحقق أرباحًا خرافية، وربما أن لها بعض الإيجابيات، لكن هذه الإيجابيات لا يجب ان تكون على حساب فئة من فئات المجتمع. وكون هذه التجارة مربحة، لا يبرر بأي حال من الأحوال أن تخسر في المقابل العديد من العائلات حيواتها الطبيعية، فقط لأن فلانًا قرر أنه من المناسب أن نسخر من الأقل حظًا أو الأقل ذكاءً.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية