الترجمة من أجل القارئ، لا المترجم: ردًا على هشام البستاني

الثلاثاء 06 تشرين الأول 2015
ترجمة

ناقش الكاتب هشام البستاني  في مقال  سابق قضيّة «استسهال الترجمة وإهدار السياق الثقافي» من خلال طرح مثال اعتماد المترجمين العرب اسم «بوكوفسكي» بدلًا من «بوكاوسكي» للشاعر الأميركي تشارلز بوكوفسكي، ولربما أضعف البستاني حجته في المقال حين أصر على مغالطة المترجمين في ترجمة اسم الشاعر، بدلًا من التركيز على فكرة استسهال بعض المترجمين لعملية الترجمة بصورة عامة، وعلى التقليل من جهدهم لأنهم اختاروا اللفظة الأسهل على القارئ العربي.

تقول القاعدة العامة في ترجمة الأسماء والأعلام من لغة إلى أخرى أنها عملية نقلٍ تعمل على مقاربة الكلمة وتسهيلها على المتلقي نظرًا إلى أنها ليست نصًا ذا سياق ووظيفة، وعليه، تتدخل فيه عوامل ثقافية ولسانية ولغوية من اللغة المُترجَم إليها لا منها.

ومن المعروف أن ترجمة الأسماء عقبة أساسية أمام المُترجم والقارئ على حدٍ سواء، وتقع على عاتق المُترجم مهمة تقريب الأسماء وتسهيلها إلى لغة القارئ قدر المستطاع، بهدف عدم تشتيت القارئ أثناء القراءة، أو من أجل سهولة حفظ هذه الأسماء.

وتستند ترجمة الأسماء، عالميًا، إلى علم اللسان، إضافة إلى دلالات ثقافية وتاريخية ودينية أيضًا، بحسب ما يفسره عالم اللغة السويسري فردينان دي سوسـير، فيما يرى أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة تمبل في الولايات المتحدة البروفيسور لورنس فينوتي فـي كتابه «اختفاء المترجم: تاريخ للترجمة»: «أننا نعيش في كون شاسع وفسيح مع أناس آخـرين لا يبادلوننا نفس التضاريس الجغرافية والمناخ، وبالتالي لن يبادلونا أبدًا نفس أسلوب التفكير أو أسلوب العيش» مما جعله يعتمد أسلوب «الغيّريّة» بالترجمة.

لا بد أن نشير إلى أنه عبر التاريخ كانت هناك العديد من الأسماء التي تمت إضافة أحرف إليها أو إلغاء أحرف منها دون إثارة اللغط الذي أثير في مقال بستاني، ودون اتهام مترجمين باستسهالٍ في الترجمة.

ففي البوسنة مثلًا، يُترجم اسم Bukowski إلى Bukovski. ومن ليف تولستوي الذي تحول إلى ليون (أو ليو في لغاتٍ أخرى)، وأنطوان تشيخوف الذي تحوّل إلى تشيكوف لغياب حرف الخاء في اللغة الإنجليزية مثلًا، وأفلاطون وهرقل وأسماء أخرى دينية وتاريخية وأدبية. وفي ترجمة المدن وأسماء الدول، تُلغى أحرف وتُضاف أخرى لتناسب لغة الشعب الناطق بها، فعاصمة الصين (běijīng) تمت ترجمتها إلى اللغـة الفرنسـية (Pékin)، ومن ثم إلى العربية (بكّين)، وهذا هو الحال مع أسماء دول ومدنٍ عديدة.

وبالعودة إلى «بوكاوسكي»، فإن التقاء حرفي مدٍّ بهذا الشكل يبدو ثقيلًا على اللسان العربي، وحرف الفاء يكسر هذا الثقل. وبعد حديث قصير مع بستاني الذي أصرَّ على أن لفظ «بوكاوكسي» أسهل من «بوكوفسكي»، يبدو من الإجحاف من قبله أن يُقيّم مدى سهولة الأمر أو صعوبته نظرًا إلى خلفيته العلمية والثقافية التي تجعل من قراءة الاسم سهلًا عليه، ومن المجحف أيضًا أن يتهم أسماءً لها باعٌ طويلٌ في الترجمة بأنها استسهلت الترجمة، وأن يوجه لهم دعوة بأن «عليهم أن يُجهدوا أنفسهم في البحث والدراسة فيما يتعلّق بالكتّاب الذين يُترجمون لهم، والسياقات الثقافية التي ولد فيها النص..»، في الوقت الذي كان عليه أن يُجهد نفسه أكثر في دراسة أساليب الترجمة من تغريب وتدجين وترجمة الأسماء والأعلام تاريخيًا لتسهيلها على الناطقين باللغة المُترجم إليها.

لا بد أن ندرك أن الكتاب المُترجَم مُوجهٌ لشريحةٍ واسعةٍ من القراء، وبالأخص تلك التي لا تتقن لغات أخرى غير لغتها الأم، وبالتالي علينا أن نكون أكثر تواضعًا، وألّا نفترض أنه من البديهي أن تكون الأسماء الأعجمية سهلة، وأن نقلها لا بد أن يكون مطابقًا تمامًا للأصل، ذلك أن من يملكون القدرة على القراءة بطلاقة بأكثر من لغة والمقارنة بين اللغة الأم والكتاب المترجم هم صفوة الصفوة.

أما نصيحة بستاني الأخيرة «اقرؤوا الأدب غير العربي بلغته الأم، أو بترجماته الإنجليزية؛ أما أغلب الترجمات العربية فلسان حالها يقول: بوكوفسكي» ففيها كثيرٌ من الاستعلاء، ذلك أن من يقرأ الأدب المُترجم هو من لا يملك أدوات اللغة، والباحث عن المعرفة بلغته التي يتقنها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية