يومان وليلة

الخميس 17 كانون الأول 2015

هل سبق واستيقظت من النوم عالمًا أن اليوم هو أسوأ يوم في حياتك؟ تتلقى ساندرا، والتي تعمل في أحد المصانع، مكالمة هاتفية من إحدى زميلاتها في العمل لتخبرها بأن المدير يفكر في طردها من العمل. هي متزوجة ولديها طفلتان، وبالرغم من أن زوجها يعمل أيضًا إلا أن وظيفتها تعني لها الكثير، ومن خلالها تسدد جزءًا من الفواتير التي يبدو أنها متراكمة عليهما. ليقع عليها هذا الخبر كالصاعقة.

لكن بعد ذلك بقليل تتلقى مكالمة مفادها أن المدير لم يحسم أمره بعد، وربما لا زال لديها وقت كاف، خلال عطلة نهاية الأسبوع، لتغير قراره لصالحها وتبقي في وظيفتها.
الحكاية كالتالي، ساندرا شخصية عادية جدًا يكاد لا يميزها شيء، ولا تبدو أيضًا من أولئك الذين يكونون صداقات أو علاقات جيدة بمن حولهم. ومن الظاهر أنها تعاني من الاكتئاب، وفي اليوم الذي حصلت فيه على إجازة مرضية، قام المدير بإخبار الموظفين أنه يريد منحهم مبلغًا جيدًا من المال، وهي مكافأتهم السنوية، ولكنه لن يستطيع أن يدفع ذلك المبلغ، إلا إذا استغنى عن أحد الموظفين السبعة عشر.

المكافأة، إذن، في مقابل وظيفة زميلتهم ساندرا. وترك المدير القرار للستة عشر موظفًا، لكي يقرروا مصير وظيفة ساندرا في أثناء إجازتها المرضية، وفي الاقتراع لحسم الموضوع ظهرت النتيجة 13-3 وصوت الغالبية لأخذ المكافأة. والآن أمام بطلة الفيلم يومان وليلة لتزور كل زملائها وتقنعهم بالتصويت لها بدل المكافأة، هذا في حال استطاعت أن تعيد إجراء الاقتراع مرة أخرى في أول أيام الدوام بعد نهاية الأسبوع. ومع تعرّفنا على ساندرا نعرف صعوبة هذه المهمة.

في هذا الفيلم  الفرنسي تشعر وأنك أمام حوار حقيقي لم يكتبه مؤلف ما، وأن المشاعر التي تراها صادقة

هذا الفيلم رائع ليس فقط لأنه من إخراج وكتابة الأخوين العبقريين دريدان، وأداء ماريون كوتيارد في دور بطلة الفيلم ساندرا، بل لأنهم سويًا استطاعوا تحويل شخصيات عادية نقابلها كل يوم، وحبكة بسيطة، إلى صورة سينمائية مذهلة في خمسة وتسعين دقيقة.
نرى القصة في لقطات متتابعة واسعة تجعلنا منجذبين لكل إطار. ربما لم يكن هذا دور كوتيارد الأول الذي تبدو فيه بهذه البساطة إلا أن ذلك زاد الفيلم إثارة، فهي تقوم بدور المرأة العاملة التي تحارب لأجل أسرتها، تجول الشوارع أغلب الوقت بلا مكياج ولا ملابس مكلفة، شعرها مربوط على عجل. استطاعت كوتيارد أن توصل لنا قدر الحزن والتعب الذين عاشتهما من خلال عيونها فقط.

في هذا الفيلم  الفرنسي تشعر وأنك أمام حوار حقيقي لم يكتبه مؤلف ما، وأن المشاعر التي تراها صادقة، وتجري الأحداث بسلاسة، فتتعاطف بشدة مع ساندرا وهي تذهب من بيت لآخر لتمر بنفس الكمية من الذل والخجل، وتتعاطف معها وهي تطلب من زملائها التنازل عن المكافأة في مقابل وظيفتها، لتُقابل أحيانًا بعطف، وبواقعية شديدة مرّات أخرى. هم متعاطفون معها، لاشك في هذا، لكن ربما اليوم عليهم التحلي بالأنانية فهم أيضًا يحتاجون مبلغ المكافأة.
الواقع ليس جميلًا، وبقدر ما أعتقد أن الفيلم جميل، إلا أنه واقعيٌ جدًا. تحبس أنفاسك طوال الفيلم وأنت تتجول مع كوتيارد متأملًا أن تنتهي المعاناة بأفضل شكل ممكن. أنتم وكوتيارد ستعيشون الواقع الذي خلقه الأخوان دريدان.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية