مسلسل «ويستورلد»: المسرّات العنيفة لها نهاياتٌ عنيفة

الأربعاء 08 شباط 2017
دولورِس، إحدى الشخصيات الأساسية في المسلسل، في إحدى لقطاته.

كلما غُصتَ في الشاشة أكثر وأنت تتابع حلقات مسلسل «ويستورلد» (Westworld)، ستحتاج للتأكد من عدة أمور، بدءًا من كونك كائنًا بشريَا، ووصولًا إلى كون مَن حولك أيضًا بشر. فرغم أنك تعلم أن لديك ماضيًا وذكريات، ولا يوجد لديك أدنى شك أن كل ما حولك حقيقي ونتيجة طبيعية لآلاف السنين من الحضارة؛ لكنك ستكتشف كم ملحّ هو التساؤل حول ما إذا كان كل ذلك مجرد برمجة يتحكم فيها أشخاصٌ من الخارج، فيما تجلس أنت في غرفة زجاجية كبيرة تُعيد اللعبة مراتٍ ومراتٍ دون أن تدرك، وتعطيك وهم الخيار الحر، رغم أن كل شيء محدد مسبقًا.

«ويستورلد» هو مسلسل تلفزيوني لمحطة (HBO) الأمريكية، مأخوذ من فيلم أميركي حمل الاسم نفسه والبطل نفسه؛ آنتوني هوبكنز بدور الدكتور روبرت فورد. وصدر في العام 1973 من تأليف وإخراج مايكل كرايتون. وصدر من المسلسل موسم واحد حتى الآن، بُث عام 2016.

تقع أحداث المسلسل في متنزه مسيّج في عالم المستقبل، يُمكّن الزوار من عيش تجربة فريدة من نوعها. إذ يُصنّع فريق من التكنولوجيين روبوتات عالية الدقة لحيوانات ورجال ونساء، بحيث يمكن التحكم بها بشكل مركزي، وتكون قدرتها على المعالجة والتفاعل على درجة عالية من التعقيد، حتى يصعب على الزائر -والمشاهد- التمييز بين البشري والآلي في المسلسل. يسافر الزوار إلى هذا العالم الموازي في أوقات مختلفة، وهناك يفرغون غرائزهم ونزعاتهم المختلفة: الجنس، القتل، التطرف.. بصورة تجعل تجربة المشاهدة تجمع بين التحليل والتعقيد النفسيين، و«الآكشن» العنيف والمتوتر.

في هذا المنتزه الذي بناه فورد وصمم روبوتاته برفقة شريكه آرنولد، نجد الغرب الأمريكي بكل صوره: رعاة بقر، وقطاع طرق، وبيوت دعارة، وزوارٌ أثرياء يأتون للتنزه، فيما ينتشر القتل والاغتصاب والسرقات دون حساب. أما على الجانب الآخر من هذا العالم الخيالي، فهناك عالمٌ خيالي آخر؛ عالم فورد وشركته الضخمة. مصنعٌ كبيرٌ يُنتج ويرمم ويُصلح آلاف الأجساد ويطوّرها لتصبح مطابقة للبشر.

لكن الروبوتات تنقلب في حلقات المسلسل على صانعيها، إذا سرعان ما تشتبه بعض الروبوتات بحقيقتها، وتبدأ بطرح التساؤلات والبحث عن أصلها، ولا يعود التحكم بالذكريات مُيسطرًا عليه في كل الروبوتات، مما جعل الذكريات العنيفة والألم والموت ومشاهد القتل تعود إليهم وتطاردهم بشكل مستمر.

في إعلان المسلسل نرى مشهدًا سيتكرر طيلة حلقاته، تظهر فيه دولورس (إيفان ريتشل وود)، إحدى الروبوتات الرئيسة في المنتزه، تجيب على مجموعة من الأسئلة: «هل تعرفين أين أنتِ؟»، «أنا في حلم». «هل تساءلتِ يومًا عن طبيعة واقعك؟»، لتبدأ دولورس بالحديث عن قلقها من هذا المكان؛ عن شعورها بوجود شيء ما غريب فيه. وينتهي الإعلان بقولها «المسرّات العنيفة لها نهاياتٌ عنيفة»، وهو اقتباس هو من مسرحية روميو وجولييت لشكسبير.

تتصاعد الأحداث وبنية الشخصيات والجداول الزمنية المتعددة والهويات الخفية، بطريقة تجعلنا نظل مترقبين حتى نهاية الموسم. لا يريد روبرت فورد منا أن نستخلص أي استنتاجات مسبقة، فهناك العديد من العناصر الحاسمة التي ستظل تتغير وتُغير من فهمنا للمسلسل والواقع في آن واحد. لكن في لحظة ما سنبدأ بتكوين تكهناتنا الخاصة، وسيبدأ رعبنا وشعور الفراغ الداخلي، وذلك السؤال سيبدأ أيضًا يدور في رؤوسنا: هل كل ما نعيشه اليوم حقيقي أم أننا مجرد شخصيات في لعبة ما؟

هناك متعةٌ لا يمكن العثور عليها بسهولة في أي مسلسل آخر؛ متعة الخداع المتقن والمؤلم في الوقت نفسه، متعة الأسئلة التي ترافقك لوقت طويل دون أن تجد إجابة لها. لكن هذه المتعة لا تلغي فكرة أنك ستشاهد عشر ساعات في سيرك من العفونة النفسية للبشر، التي تنصب في غياب تام للضمير على الروبوتات التي بدأت تدرك ذاتها.

يتغذى «ويستورلد» على هذه الاستعارات، وتدور الشخصيات في حلقات جوفاء من القلق وفي سيناريوهات أكثر دموية ومتكررة تلعب بها، إذ يُسخّر المسلسل الجسد البشري، خصوصًا الأنثوي، للمتعة الخالصة وراحة الزوار، دون إرادة صاحب/ة الجسد. ويرافق ذلك محاولات دائمة لمهندسي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للاستثمار في عالم خيالي بصورة مثيرة للشفقة.

الموسيقى التصويرية في المسلسل تضاف إلى النقاط الإيجابية الكثيرة فيه. فهي لا تقل أناقة عن الإخراج أو التصوير أو الديكورات،  ففي نهاية المطاف كانت الموسيقى ببصمة رامين جوادي، المؤلف الموسيقي للمسلسل الشهير «صراع العروش».

تكمن أهمية الموسيقى في «ويستورلد» في أنها لم تكن مجرد خلفية للمشاهد أو مجرد مرافقة للسرد، بل كان لها دور مهم في مشاهد كثيرة، يتحرك على إيقاعها الأبطال، وكأنها شيفرات تأمرهم بالحركة أو عدمها، وتساعدهم على الهروب، وتكشف لهم أسرار المكان.

رغم أن هناك كمية محبطة من المماطلة في المسلسل، ورغم الشعور الدائم بوجود أسئلة لا إجابات كاملة لها، وأن هناك دائمًا عودة إلى الوراء في كل حلقة، لكن هذا الإيقاع كان ضروريًا لبناء الحبكة بهدوء وذكاء، وتقديم كل تلك التفاصيل الدقيقة والمعقدة والرائعة، ما يجعل هذا المسلسل يستحق دون شك عشر ساعات من وقتك.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية