إشارة ودوار وطريق مدفوع: عن الأزمات المرورية في عمّان

الأربعاء 28 آب 2024
أزمات مرورية في عمان. تصوير مؤمن ملكاوي.

يشهد الناس في عمّان الأزمة المروريّة كجزءٍ من المدينة نفسها، هكذا كل يوم تعجّ طرق عمّان بطوابير السيّارات، مع زيادة الاعتماد على رقباء السير لتنظيم هذه الطوابير، حيث يقفون عند بعض مفترقات الشوارع أو أطراف الشوارع الفرعيّة لتنظيم دخول السيّارات إلى الشوارع الرئيسيّة. وثمة مشاريع كثيرة تحوّلت فيها دواوير إلى إشارة ضوئيّة، واشتغلت مشاريع كبيرة في منظومة النقل العام كان طال انتظارها مثل مشروع الباص سريع التردد داخل عمّان، أو بين عمّان والزرقاء، وما رافقه من بناء جسور وأنفاق ضخمة.

كواحدٍ من أبنائها، حيث يعمل ويسكن فيها، وكاستشاري كذلك في مجال النقل والمرور، يراقب المهندس حازم زريقات منذ سنوات الأزمات المرورية في عمّان، ويدرس الحلول التي يضعها المخططون للتخفيف منها.

سواءً كانت حلولًا آنية مثل توزيع رقباء السير على مفترقات الشوارع، أو المشاريع الصغيرة مثل تحويل دوّار إلى إشارة، أو تلك الكبيرة مثل الباص السريع، يرى زريقات أن بعض هذه الحلول آنيّ لا يحلّ المشكلة، وإن كان في بعضها الآخر بوادر جيّدة لبداية تحوّل يمكن أن يُبنى عليه لو نظر باهتمام إلى شبكة النقل كلها، لكن الثابت في شوارع عمّان -كما يقول- أن الأزمات المروريّة تزداد بشكل أسرع من فعاليّة هذه الإجراءات على الحل.

ترتبط الأزمة المرورية مع مسائل أخرى مثل تخطيط المدينة وتشريعات المرور والبنى التحتية وأعداد الداخلين إلى عمّان من المحافظات الأخرى. 

في هذا الحوار يتحدث زريقات عن الحلول التي نُفذت وتنفذ في شوارع عمّان، أو تلك التي تنوي الحكومة تنفيذها، ومدى نجاعتها في التخفيف من هذه الأزمات.

حبر: خلال السنوات الأخيرة، بدا أن هناك محاولات للتخفيف من الأزمات المرورية في شوارع عمّان، مثل نشر رقباء السير على بعض التقاطعات لتنظيم تدفق السيارات وحركتها، وإنشاء مشاريع صغيرة مثل تحويل دوّار إلى إشارة، وأخرى كبيرة في النقل العام مثل الباص السريع. بشكل عام، إلى أي مدى نجحت هذه الحلول والمشاريع في التخفيف من الأزمات المرورية؟

زريقات: الأزمات المرورية تزداد بشكل عام، وهي نتيجة طبيعية لعوامل عدة منها زيادة عدد السكان ودخول فئات عمرية جديدة سوق العمل وغيرها. إن الحلول المرورية التي ذُكرت في السؤال تعالج في الغالب مشاكل على نقاط أو تقاطعات محدّدة وهي – برأيي – حلول آنيّة وقصيرة المدى، ولن تحلّ المشكلة من جذورها، وإن أردنا حلًا جذريًا فليس علينا أن نستهدف تحسين حالة المرور على التقاطع الواحد، إنما تحسين حركة المرور على محور مروريّ كامل، أو تحسين حركة المرور على شبكة المرور كاملةً، عبر تقليل استخدام المركبة الخاصة من خلال سياسات لها علاقة باستخدامات الأراضي والتخطيط الحضري وتوفير أرصفة للمشاة والكثير من الخدمات داخل الأحياء، حتى يتمكّن الفرد من المشي للوصول إلى الخدمات المختلفة بدل قيادة السيارة. والأهمّ أننا نحتاج إلى التفكير بمنظومة النقل العام وتطويرها.

وفي هذا السياق أي في الحلول طويلة المدى، أرى أن هنالك  مؤشرات إيجابية. مثلًا أنا أعتبر تشغيل الباص سريع التردّد بادرة إيجابيّة تُتيح اللجوء للحافلة في التنقل بدل السيارة، وصرت أسمع قصصًا لأناس تحولوا من التنقل بالسيارات إلى الباص السريع وإن كان في سياقات محدودة، وهذا سلوك لم نكن نسمع عنه في عمّان.

نعم هنالك تحسّن في أداء بعض التقاطعات بعد استبدال الدوّار بإشارة ضوئية وهنالك بوادر إيجابية لحلول طويلة المدى، لكن يمكن القول -بالنظر عمومًا إلى عمّان- إن الأزمات المروريّة ما زالت في ازدياد رغم تنفيذ هذه الحلول، لأنّ الحلول لا تواكب التسارع في المشكلة.

نرى في بعض شوارع عمّان المزدحمة دورًا لشرطي المرور في تنظيم تدفق السيارات من الشوارع الفرعية إلى الشوارع الرئيسية، كيف تنظر لفعاليّة هذا الحل؟

برأيي الشخصي، وهو رأي مبني على مشاهدات شخصية وليس بالضرورة على دراسات علمية، هذا الحل ليس مجديًا، هناك وسائل تحكّم مروري أسهل من وضع شرطي السير لتنظيم المرور. صحيح أن شرطي السير قد يكون متصلًا بزملاء آخرين، وبمركز تحكّم، لكن شرطي المرور في آخر الأمر إنسان يمكن أن يخطئ.

حسّن الباص السريع خدمة النقل لمستخدمي النقل العام، لكن هل خفف من أزمة السير؟ هل أدى لاستغناء عدد كبير من الناس عن سياراتهم الخاصة؟ لا أظن ذلك في هذه المرحلة.

قد ينفع هذا الإجراء في الاستثناءات مثل حادث على الطريق، أو مرور موكب، لكن أن يكون أحد الوسائل المعتمد عليها بشكل يومي واعتيادي في التعامل مع أزمة المرور فهذا إجراء غير سليم برأيي.

خلال العقود الماضيّة، استُبدلت الكثير من الإشارات الضوئية في عمان بمشاريع بنية تحتية، مثل إنشاء التقاطعات الضخمة المكلفة ذات الجسور والأنفاق والدواوير، بهدف تسريع حركة المركبات على التقاطعات فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار حركة المركبات بعد مرورها بهذه التقاطعات إلى بقية الشبكة، الأمر الذي أحدث أزمات مرورية تلي هذا التقاطعات والطرق، وهكذا رجعنا إلى دور شرطي السير في تنظيم حركة المرور مرة أخرى، وكان الأفضل أن نعيد الإشارة الضوئية لأنها وسيلة تحكم مرور ذكية يمكن التحكم فيها آليًا باستخدام تقنيات حديثة.

بالحديث عن الإشارات الضوئية، مؤخرًا جرى تحويل بعض الدواوير في عمان إلى إشارات، هل هذا حل فعال؟ وكيف يسهم في التخفيف من الأزمة المرورية؟

هناك تقاطعات مروريّة تشهد أحجامًا مرورية كبيرة، وهي بحاجة إلى تحسين حركة المرور فيها؛ أي زيادة عدد السيّارات المارة في هذا التقاطع خلال فترة زمنيّة محدّدة. وهناك وسائل تحكّم مرور عديدة لتحسين حركة المرور على هذه التقاطعات -مثل الدوّار أو الإشارة الضوئيّة- ولكل وسيلة مبررات لاستخدامها، فمتى نستعمل الدوار أو الإشارة الضوئية؟ وفي أيّ اتجاهات يُسمح باستخدامها؟ هناك تقاطعات مروريّة معقدة في عمّان، مثل التقاطعات الرباعيّة أو التي يوجد فيها جسور وأنفاق. التحدي الأكبر معرفة تأثير تحسين المرور في التقاطع الواحد على الشبكة بأكملها. كثيرًا ما نسمع الناس يقولون إن المشكلة تعالجت في مكان ما لكنها انتقلت إلى مكان آخر، بمعنى أن المشكلة حُلّت في تقاطع وزادت حركة المرور عليه، فيما انتقلت الأزمة إلى تقاطع آخر.

حافلة باص سريع في الزرقاء. تصوير مؤمن ملكاوي.

الباص سريع التردد هو أحد مشاريع النقل العام، الآن نحن على أعتاب ثلاث سنوات من تشغيل هذا المشروع داخل عمّان، وكان من أهدافه المعلنة، ضمن خطّة شاملة للنقل والمرور، مواجهة الأزمات المروريّة. إلى أي مدى نستطيع القول إن الباص السريع خفف من الأزمات المرورية؟

لا نستطيع القول إن الباص السريع خفّف الأزمات المروريّة، أولًا لأنه مشروع محدود على طول 25 كم داخل عمّان، بالإضافة إلى 20 كم من الزرقاء إلى عمّان، وهذا المشروع بوضعه الحالي لن يكون قادرًا على تخفيف الأزمات المروريّة، وثانيًا لأن تنفيذه تأخر عدة سنوات حيث أنه كان مصمّمًا للعمل عام 2012 أو 2013.

أرى أن الفائدة الأهم فيه هو أنه يشكل بداية تحوّل، إنه نموذج لخط نقل عام سريع في عمّان يمكن إنشاء خطوط وشبكات مماثلة له في المستقبل. ورغم أنه نقطة بداية متواضعة نسبةً إلى حجم التحديات، إلا أنه جعل  النقل العام أمرًا اختياريًا لبعض الناس، لا خيارًا يلجؤون إليه مضطرين لعدم امتلاكهم سيارة خاصة. صرتُ أسمع أشخاصًا يمتلكون سيارات تحولوا للتنقل بالباص السريع، وهذه خطوة إيجابية، لأنها أحدثت تغييرًا فعليًا لدى البعض، وصار النقل العام خيارًا أفضل من السيارة لبعض الناس وضمن بعض السياقات.

بالطبع حسّن الباص السريع خدمة النقل لمستخدمي النقل العام، لكن هل خفف من أزمة السير؟ أي هل أدى إلى استغناء عدد كبير من الناس عن سياراتهم الخاصة للقيام ببعض الرحلات. لا أظن ذلك في هذه المرحلة.

إن المشكلة أعمق، وهي نتيجة تراكم أخطاء على مدى عقود، والباص السريع في مرحلته الأولى لن يحلّها وحده، إلا أنني أرى فيه بداية إيجابية لكن يجب توسيعها عبر تنفيذ سريع لمشاريع أخرى شبيهة.

حتى ينجح هذا المشروع في تخفيف أزمة المرور فنحن بحاجة إلى شبكة متكاملة له، وتوسيع خطوطه، والعمل على إنشاء شبكة مغذية من الأحياء، والعمل على الباصات الصغيرة (الكوسترز والسرفيس)، لا أقول أن نلغيها إنما نتعامل معها كجزء من منظومة النقل، لا كأنظمة نقل موازية. والأهم السرعة في التنفيذ لأن مشكلة الأزمات المروريّة تتسارع والمؤشرات تقول إن حاجة الناس للتنقل سوف تزداد مستقبلًا.

الباص السريع في عمان يتحرك على جسر. تصوير مؤمن ملكاوي

تدخل عمّان من المحافظات 160 ألف سيارة يوميًا، وهو ما يساهم في مفاقمة الأزمات المرورية، وهناك مشاريع لتقليل تدفق السيارات إلى عمان مثل خط الباص السريع مع الزرقاء. باعتقادك إلى أي مدى يمكن أن يساهم هذا المشروع في تخفيف تدفق السيارات إلى عمان؟

بدايةً، إن دخول السيارات إلى عمان يرجع إلى عدة عوامل ترتبط بعدم المساواة بالتنمية بين المحافظات، وأن كل شيء يتركّز داخل عمّان، هذه أمور على مستوى أعلى يجب الالتفات إليها.

بالنسبة للباص السريع بين عمان والزرقاء، ورغم أنني لم أجربه بعد، إلّا أن هذا المشروع مهم جدًا من أجل تخفيف عدد السيارات الداخلة إلى عمان من الزرقاء. 

إن أردنا تخفيض عدد السيّارات الداخلة لعمان فقد يكون واحدًا من الحلول إنشاء مواقف للسيارات (park and ride) على أطراف عمّان في مناطق مثل صويلح والمحطة، حتى يستطيع القادم بسيّارته من محافظة أخرى ركن سيارته فيها، وهي مواقف تساعد كثيرًا في توجه الناس إلى استخدام وسائط النقل العام.

ما زال خط الباص السريع مع الزرقاء في مرحلة التشغيل التجريبي، وهناك نيّة لجلب مشغّل يكون له دور في دراسة الخطوط المغذية وإعادة هيكلتها ومن ثم تشغيلها داخل الزرقاء، وهذا مهم للغاية لأن الكثافات السكانية الموجودة لا تسمح أن يعتمد نظام النقل العام على مشي الركاب إلى محطة الباص السريع.

أعلنت الحكومة مؤخرًا نيّتها إنشاء جسر من صويلح إلى مرج الحمام بطول 15 كم في شارع الملك عبدالله الثاني، ويشمل مسارًا للباص السريع وآخر للسيارات لتخفيف الأزمات المرورية هناك، ما رأيك بهذا المشروع؟ وهل تتوقع أن يكون له دور في تخفيف تدفق السيارات القادمة إلى عمان؟

هذا المحور المروري في شارع الملك عبدالله الثاني وعند المدينة الطبية مهم، لأنه يربط شمال المملكة بجنوبها، بالإضافة إلى أنه محور حضري رئيسي على مستوى عمان. ومنذ زمن تدرس أمانة عمّان هذا المحور كخط للباص السريع ضمن شبكة المرحلة الثانية، لكن أن يكون كجسر منفصل؟ أنا لست مطلعًا على الأسباب، ولا أعرف لماذا اتخذ قرار بإنشاء جسر منفصل على طول 15 كم. أنا أتوجس من أي مشروع فيه بناء المزيد من الجسور والأنفاق لما له من أثر على البيئة الحضرية والناحية الجمالية للمدينة ولأن زيادة سعة الطريق من خلال الجسور يشجع -على المدى الطويل- على استخدام السيارات ويزيد من الأزمة، وهذه واحدة من تحفظاتي على الباص السريع داخل عمان الذي بنيت معه الجسور والأنفاق حتى لا يؤثر مساره على حركة السيارات.

أرى أن  الأفضل أن يكون مسار حافلات الباص السريع على مستوى الشارع، صحيح أن هذا قد يتسبب بالتضييق على مسار حركة السيارات الخاصة مثلما حصل في بعض مناطق عمّان، لكن هذا ليس خطأ من ناحية التخطيط كما يدّعي البعض. على العكس، يجب أن تكون هناك أفضلية لمسار حافلة النقل العام التي تحمل 50 راكبًا على السيارة الخاصة التي تحمل راكبًا واحدًا. لا أقول أن نغفل حركة السيارات بالمطلق، فتتعطل حركة الناس إذ هي محرّك لعجلة الاقتصاد، ولكن يكون علاج ذلك من خلال خلق توازن بين وسائط النقل المختلفة وإيجاد حلول ذكيّة لحركة السيارات الخاصة مثل الإشارات الضوئيّة، بالإضافة إلى حل مشكلة تصرفات بعض السائقين غير المتقيّدين بقوانين السير ما ينعكس على الأزمة المرورية.

ركاب الباص سريع التردد من الزرقاء إلى عمان. تصوير مؤمن ملكاوي.

أعلنت الحكومة أن مسار السيّارات جسر صويلح-مرج الحمام سيكون مدفوعًا، وكانت الحكومة أعلنت السنة الماضية عن 14 طريقًا سيكون استخدامها مقابل رسوم، بالشراكة مع القطاع الخاص وعلى رأسها طريق عمّان التنموي وطريق عمّان-عجلون الجديد، ما الفكرة من الطرق المدفوعة؟ وما علاقتها بحلول الأزمة المرورية؟

هنالك دوافع مختلفة لفرض رسوم استخدام للطرق، أولها إيجاد مصدر لتمويل صيانة الطريق واستدامته، وهو ما دفع الحكومة للتفكير بفرض رسوم على بعض الطرق الخارجية، فالنسبة المخصصة في الموازنة الحكومية من أجل صيانة هذه الطرق أقل من المطلوب، وإن لم تجرِ صيانتها فسوف تكون مستقبلًا بحاجة إلى إعادة إنشاء، وهو أمر مكلف، الطريق الصحراوي مثال على هذا.

الحلول المتبعة للتعامل مع الأزمات المرورية آنية وقصيرة المدى، يكمن الحل الجذري في تحسين حركة المرور على شبكة المرور كاملةً.

أما الدافع الآخر لفرض الرسوم فهو تقليل الازدحامات في أوقات أو أماكن محدّدة تكون في العادة داخل المدن أو بعبارة أخرى «إدارة الطلب على النقل»، أي التأثير على طريقة استخدام الناس لشبكة الطرق بهدف التقليل من الأزمات المرورية، مثل توجيه الناس من أجل استخدام طريق بديل عن طريق معين، أو توجيههم لاستخدام وسائل نقل أخرى بدل السيارة الخاصة، أو استخدام الشارع في غير أوقات الذروة مثلًا. أرى أن فكرة الطريق المدفوع على الجسر المنوي إنشاؤه على شارع الملك عبدالله الثاني جاءت من هذا المنطلق.

برأيي أن أيّ قرار لفرض رسوم على استخدام الطرق – بغض النظر عن الدافع – يجب تنفيذه بحذر وبشكل تدريجي. تخوّفي من الأثر السلبيّ لهذه الإجراءات أن تؤدي إلى الحدّ من تحرّك الناس أصلًا بدل التغيير في نمط حركتهم، أي أن يضطرهم إلى التقليل من تنقلهم، وهذا له أثر سلبي على الاقتصاد وجودة الحياة وفرض أعباء إضافية على الناس.

بالإضافة إلى ذلك، قد يكون موضوع الدفع مقابل استخدام الطريق أمرًا حساسًا اجتماعيًا وسياسيًا في الأردن، فالناس ليست معتادة على الدفع عند استخدام الطريق، ولا حتّى عند الاصطفاف على جوانبه. أمّا بخصوص فعالية هذا الإجراء في التخفيف من الأزمة المرورية فليست لدي فكرة، الأمر يعتمد على طريقة التطبيق.

Leave a Reply

Your email address will not be published.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية