تُمثّل الزراعة في جنوب لبنان مصدر رزق للكثير من الأسر الجنوبية التي توارثت العمل في هذا القطاع عبر الأجداد، كما مثّلت في مراحل مختلفة تجسيدًا لصمودهم في الأرض في وجه الاحتلالات والمصاعب المتتالية عبر التاريخ. واليوم، خلال الحرب الدائرة جنوبًا، يُعتبر القطاع الزراعي في الجنوب الأكثر تضررًا. أشارت التقديرات الأولية الصادرة عن وزير الزراعة اللبناني، عباس الحاج حسن، إلى أن الخسائر الزراعية في لبنان بلغت نحو ثلاثة مليارات دولار، إلا أن المسح الأولي الذي أجرته وزارة الزراعة واعتمدته فيما بعد أظهر أن الخسائر الزراعية تبلغ نحو 1.5 مليار دولار. يوازي هذا الرقم 8.3% من الناتج المحلّي، وهي خسارة ضخمة.
ليس الجنوب هو العصب الأساسي للقطاع الزراعي في لبنان، إذ تغطي المناطق الزراعية الواقعة في محافظتي البقاع وشمال لبنان 67% من إجمالي الأراضي الزراعية.[1] إلا أنه في تلك المناطق تعود المصالح الزراعية عادة لمزارعين تجاريين كبار، وعلى النقيض من ذلك، تتألف المناطق الجنوبية من مزارعين أصغر حجمًا، يعيش العديد منهم في مناطق ريفية نائية.[2] يعني ذلك أن القطاع الزراعي في الجنوب هو مصدر رزق لأسر كثيرة تعتمد في مدخولها الصغير على العمل في هذا القطاع. وقد طالت الخسائر كل أنواع المزارع، الصغيرة منها والكبيرة، بشكل متناسب مع أحجامها.
الزراعة في تاريخ الصراع
لا يمكن فصل دور الزراعة في جنوب لبنان عن صراع أهل هذه المنطقة، التي تعرف بـ«جبل عامل»، مع العدو الإسرائيلي الذي دخل هذه الأرض في سنة 1978 وخرج منها مذلولًا في أيار 2000. فقد كان للزراعة أهمية كبيرة في سياق بقاء من بقي في أرضه، برغم الصعوبات التي فرضها الاحتلال على هؤلاء الناس.
عام 1978، غزت «إسرائيل» جنوب لبنان واحتلته، وعُزِلَ فعليًا عن بقية البلاد. وبحلول ذلك الوقت كانت الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) في أوجها وكانت هياكل السلطة التقليدية في جنوب لبنان قد انقلبت، حيث تحرّر الجنوب من الإقطاع السياسي الذي كان سائدًا على مدى قرون من الزمن. وكان ذلك نتيجة عمل «حركة المحرومين» التي كان وقودها المزارعين الجنوبيين، التي أسسها وقادها رجل الدين الشيعي موسى الصدر.[3] خلال عدة مراحل من الحرب الأهلية اللبنانية، التي تداخلت مع عدد من الاجتياحات الإسرائيلية، تضخم عدد سكان القرى الجنوبية، حيث عاد المدنيون إلى قراهم لاستبدال حياة الفقر الحضري في بيروت التي مزقتها الحرب بحياة الكفاف الزراعي في محيط محتل.[4]
بهذا، شكّلت الزراعة في الجنوب ملجأً للبنانيين الذين عادوا إلى قراهم خلال الحرب الأهلية، وكانت ملاذًا لهم في الأوقات الصعبة. كانت هناك تنمية ضئيلة في الجنوب المحتل في تلك السنوات، وكانت كل أسرة، سواء كانت تعمل في التجارة أو التعليم أو أشكال أخرى من العمل، تزيد من دخلها وقدرتها الإنفاقية من خلال الزراعة.[5] انتهت الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1990، لكن الاحتلال الإسرائيلي للشريط الحدودي اللبناني استمرّ. ومع ذلك، استمرت الحياة في القرى، إذ كان المقيمون بشكل دائم في القرى المحتلة في أغلب الأحيان من كبار السن والنساء والقاصرين الذين ظلوا في القرى للحفاظ على منازلهم وأراضيهم الزراعية.[6]
بشكل عام، لعبت الزراعة دورًا مهمًا في بقاء الجنوبيين في أرضهم خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني. فقد شكّلت مصدر رزقٍ لمن لجأ إلى قريته خلال الحرب اللبنانية، وشكّلت مصدر رزق للجنوبيين الذين بقوا في القرى المحتلة بعد انتهاء الحرب الأهلية. كل هذا جعل الزراعة محورية في حياة الجنوبيين، وأصبحت كل منطقة جنوبية وحتى كل قرية جنوبية مشهورة بنوع من أنواع الزراعة. وقد نتج عن هذا علاقة قوية بين الأرض وأهلها، وكان هذا عاملًا أساسيًا في نشوء حركات المقاومة المختلفة التي احتضنها أهل الجنوب حتى التحرير.
أضرار الحرب جغرافيًا وقطاعيًا
اليوم، يعيش أهالي الجنوب وخصوصًا المزارعين منهم، وهم كُثر، أوضاعًا صعبة للغاية تكاد تكون شبيهة بحقبة الحروب السابقة. فالخسائر في القطاع الزراعي «هائلة»، بحسب نائب رئيس الاتحاد العمالي العام، ورئيس اتحاد نقابات مزارعي التبغ والتنباك في لبنان، ورئيس جمعية التنمية الاجتماعية والثقافية في جنوب لبنان، حسن فقيه. ويضيف فقيه في حديثٍ مع «حبر» إن رقم المليار ونصف دولار التي تتبناه وزارة الزراعة اللبنانية لناحية خسائر هذا القطاع جراء الحرب، هو رقم متواضع مقارنةً بحجم الخسائر الفعلية. «بتقديري الخسائر بحدود أربعة أو خمسة مليارات دولار حتى الآن».
ويشرح فقيه أن الخسائر الأكبر كانت في قطاع زراعة الحمضيات والزيتون التي تنتج بشكل كبير جدًا في منطقة الوزاني وسردا وسهل الخيام، منوّهًا أنّ مزروعات هذه المنطقة معروفة بجودتها ويتم تصدير الكثير منها إلى منطقة الخليج وغيرها.
ولفهم خريطة الجنوب الزراعية، يقسّم فقيه المناطق في جنوب لبنان حسب إنتاجها إلى منطقتين، الأولى هي المنطقة العليا: وتشمل منطقة حاصبيا ومرجعيون وشانوح وشبعا وكفرشوبا وغيرها، وتنتج الزيتون. كما يوجد في هذه المنطقة ثروة حيوانية مهمة حيث يكثر رعاة الأغنام والأبقار والماعز فيها، إضافة الى تربية النحل، وبالتالي فإن الإنتاج ما بعد طوفان الأقصى شبه منعدم في هذه المنطقة. والثانية هي منطقة الساحل الجنوبي، وتنتج التبغ، حيث يعتبر التبغ الشرقي من أجود أنواع التبوغ العالمية.
أما عن الانعكاسات التي طالت الأرض جراء القصف المستمّر، فيقول فقيه إن استعمال الفسفور وبعض القذائف قد يؤدي إلى تلوث التربة أولًا والمياه الجوفية ثانيًا، وبالتالي انتشار الأمراض جراء تناول الثمار التي تعرضت لهذا النوع من التسمم.
ويختم فقيه بالإشارة إلى أن هذا الوضع الكارثي في الجنوب أثر على مئات المؤسسات التجارية والإنمائية ومربي البقر وأصحاب معامل الحليب والجبنة، والتي إما دمرت أو عُطّلت أو أفلست، إضافة إلى أن آلاف العمّال باتوا عاطلين عن العمل خاصة الذين يعملون في الزراعة والذين تهجّروا من قراهم.
يتفق مع ذلك المهندس الزراعي ورئيس بلدية عيترون الجنوبية، الأستاذ سليم مراد، إذ يقول في حديثٍ مع «حبر» إن «الدورة الاقتصادية بعد حرب طوفان الأقصى على مستوى الجنوب وكل لبنان أثرت على الدورة الاقتصادية في كافة القطاعات في لبنان». وبما أن الهوية الزراعية هي المهيمنة على جنوب لبنان، بالتالي كان هناك تأثير كبير على هذا القطاع جراء المواجهات على طول الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة.
وبحسب مراد، تقسم مراد الأضرار الكبيرة في الجنوب إلى مستويين. الأول هو مستوى الانتاج الحيواني، مثل مزارع الأبقار التي مُنيت بخسائر كبيرة، ومنها ما تأثر بشكل مباشر ومنها ما تأثر بشكل غير مباشر. بحيث باعت الناس مواشيها بأقل الأسعار، أو نقلتها إلى أماكن آمنة، ما شكل ضررًا اقتصاديًا كبير جدًا. ينطبق الأمر نفسه على الأغنام والماعز، بحيث قلت مساحات الرعي ليضطر أصحاب هذه المواشي إلى نقلها إلى أماكن اخرى ما أدى إلى نفوق الكثير منها.
أما بالنسبة للدواجن، فكانت الخسارة كبيرة جدًا، نتيجة أن هذا النوع من الحيوانات حساس جدًا، بحيث لا يمكن قطع الغذاء أو الماء عنه أكثر من يومين. كذلك الأمر بالنسبة إلى قطاع النحل النشط جدًا في مناطق المواجهة.
وحول أرقام الخسائر في هذا القطاع، يقول مراد إنه في بلدة عيترون الجنوبية فقط، هناك حوالي 39 مربي أبقار وحوالي 10 مزارع دواجن وحوالي 15 راعي أغنام وماعز تأثروا بشكل مباشر نتيجة الحرب، وهذا يمكن تعميمه على باقي قرى الجنوب الواقعة في منطقة المواجهة.
أما المستوى الثاني فهو الإنتاج الزراعي. وكما هو معروف، فإن قرى الجنوب على الشريط الحدودي مثل عيترون وكفركلا وعيتا الشعب تعتبر قرى زراعية بامتياز نتيجة وجود الحقول، ووجود عدد كبير من السكان مقارنةً بباقي القرى. وقد أضّرت الحرائق الفسفورية نتيجة العدوان بشكل كبير بالقطاع الزراعي الثاني في المنطقة وهو الزيتون، بعد القطاع الأول وهو التبغ، حيث تعتاش منه آلاف العائلات أو يشكل موردًا رئيسيًا أو داعمًا للعائلات في المنطقة. وقد طالت هذه الحرائق الزيتون في الكثير من القرى مثل بليدا، وعيترون، وعيتا الشعب، ويارون وغيرها، مما أدى الى خسائر كبيرة، إضافة إلى أنه لم يتم قطف موسم 2023 من الزيتون، وهناك حرج شديد في قطف موسم 2024 الذي عادةً ما يبدأ في شهر تشرين الأول.
كذلك الأمر بالنسبة إلى زراعة التبغ، حيث لم تستطع الغالبية الساحقة من المزارعين قطف موسم 2024 في القرى الحدودية. ويزرع التبغ بشكل كبير في بلدات عيترون، وبليدا، وحولا، والبستان، وعيتا الشعب، وميس الجبل، ويارون، ومروحين، وراميا وغيرها.
في المحصلة، يشدد مراد على أن الإنتاج على المستويين النباتي والحيواني في القرى المحاذية للشريط الحدودي «شُلّ بشكل كامل»، ويقدّر خسائره بحد أدنى بـ«مئات الملايين من الدولارات».
أما الأستاذ واصف رحيّل، وهو مهندس زراعي وعضو في نقابة المهندسين الزراعيين، ويملك مؤسسة تعنى ببيع المواد الزراعية في بلدة اللوبية الجنوبية قضاء صيدا، فيشرح في حديثٍ مع «حبر» الصورة الأعم لوضع الزراعة في الجنوب. إذ يقول رحيّل إن بعض المحاصيل الشتوية تتم تهيئتها في الخريف، مثل محاصيل الزيتون، ومع بداية الحرب عام 2023 بلا مقدمات، لم يتمكن مزارعو الزيتون من الوصول إلى حقولهم لقطف الثمار، «وبالتالي فإن موسم 2023 من الزيتون سجل خسائر كبيرة ونحن على أبواب إعادة هذا السيناريو في موسم 2024 القادم». أما لناحية مزارعي التبغ، فلم تكن خسائرهم جسيمة مثل مزارعي الزيتون وذلك لأن مزارعي التبغ استطاعوا قطاف محاصيلهم في شهر آب وأيلول 2023 أي قبل بداية الحرب، «غير أنهم في عام 2024 لم يستطيعوا زراعة التبغ بفعل الحرب. كذلك الأمر بالنسبة إلى الزراعات البعلية (قمح، شعير، عدس، سمسم..)». ويضيف رحيّل أن «بعض الزراعات مثل التبغ استطاعت أن تنزح مع المزارعين الذين نزحوا من المناطق الحدودية إلى الساحل اللبناني حتى تخوم النبطية».
وعن البساتين التي تحتوي على مزروعات صيفية وتمتد من الساحل الجنوبي وتصل إلى تخوم الناقورة وحانين وعيتا الشعب، يشير رحّيل أن المزارعين «لم يستطيعوا قطف هذه المحاصيل هذا العام جراء الحرب، كما أنهم لم يستطيعوا نقل هذا النوع من الزراعات التي تعتمد على الأشجار مثل العنب والجوز والأفوكادو والحمضيات وغيرها إلى مناطق النزوح». وأضاف رحيّل أنه «خلال 11 شهرًا هناك دورة زراعية كاملة لم تدخل في طور الإنتاج، وبالتالي فإن رقم الخسارة الذي قدرته وزارة الزراعة اللبنانية حول حجم خسائر هذه الزراعات وهو مليار ونصف دولار هو رقم مقبول ومنطقي». مع ذلك شددّ رحيل على أن الخسائر بقطاع الزراعي لا يمكن إحصاءها بشكلٍ دقيق حاليًا بفعل عدم القدرة على المسح الدقيق مع استمرار الحرب.
أوضاع سيئة للشركات والمزارعين
استهداف العدو الإسرائيلي للمصالح الزراعية لم يكن بريئًا ولا عشوائيًا. فهو يعي أهمية الزراعة في الوعي الجماعي الجنوبي من حيث كونها تربط الجنوبيين بأرضهم. لذلك يحاول العدو، بالإضافة إلى الخسائر الناجمة عن تهجير أهل القرى وتوقّف أعمالهم، أن يضيف خسائر مادية على أصحاب المصالح الزراعية. ويمكن مس الخسائر المباشرة وغير المباشرة من خلال التقارير الإخبارية، لكن الحديث مع المزارعين الجنوبيين يعطي صورة أوضح عمّا يحصل في هذا القطاع جنوبًا.
يقول السيد حسن دبوق، المشرف على مشروع الوزاني التابع لشركة «ف. القابضة»، في حوارٍمع حبر، إن «الحرب أدّت إلى انخفاض كمية الإنتاج حتى بلغت نسبة هذا التراجع حوالي 65% مقارنةً بما قبل طوفان الأقصى. وشركة «ف. التجارية» هي شركة قابضة تعمل في مجال الاستيراد والتصدير، ولديها مشاريع زراعية منها في منطقة نهر الوزاني في كفركلا. وتعتبر الشركة أكبر مؤسسة تُعنى بالزراعة في منطقة الوزاني ومرجعيون، وتهتم بالزراعات الصيفية بالإجمال (تفاح، عنب، خوخ، دراق…). وتقدر المساحة التي تستثمرها المؤسسة في هذا النوع من المزروعات بحوالي ألفي دونم، بينما تخصص المؤسسة ألفي دونم إضافيين لزراعة البطيخ. ومن حيث الجغرافيا، فإن الأرض التي تستثمر فيها المؤسسة تقع على الحدود الفلسطينية اللبنانية، من الجهة الشرقية والجنوبية والغربية، كما يطل موقع الأرض على أكثر من 10 مواقع إسرائيلية.
يكمل دبوق بالقول إنه «منذ بداية عملية طوفان الأقصى، وكون المشروع يقع في منطقة تماس مباشر مع العدو الإسرائيلي، تعرضنا إلى الكثير من المضايقات التي أدت إلى استشهاد عدد من العاملين في الحقول التابعة للشركة، إضافة إلى جرح آخرين». وقد أدّى القصف الإسرائيلي كذلك إلى «تدمير المكتب الخاص بالشركة، ومركز التوزين، بالإضافة إلى حرق عدد هائل من الأشجار نتيجة القصف الفسفوري والمدفعي الإسرائيلي على الأراضي التابعة للمشروع»، إضافة إلى «البرك المائية التي تستخدم في ري المزروعات، والآبار الارتوازية التي دُمّر الكثير منها».
الأوضاع الراهنة، دفعت المؤسسة لاتخاذ إجراءات مختلفة للتعامل مع وضع الحرب، منها «نقل بعض الأمور إلى مكان آمن نسبيًا، مثل عملية توضيب الفواكه». كما لجأت الشركة إلى «نقل العمل الإداري للشركة عن أماكن المواجهة المباشرة. مع ذلك لا نستطيع القول إننا في أمان لأن لا مكان آمن اليوم في الجنوب بشكل حصري ولبنان بشكل كلي»، بحسب دبوق.
وعن مرحلة تعويض الخسائر ما بعد الحرب، فيصفها دبوق بأنها مرحلة ستكون «طويلة الأمد»، إذ إن هناك عدد هائل من الأشجار التي احترقت وقلعت بشكل كامل ومنها الكثير كانت في ذروة العطاء أي عمرها بين ثمانية أعوام و12 عامًا، أما الشجر الذي تعرض لكسور فيحتاج إلى سنوات حتى يستعيد عافيته (من سنتين إلى ثلاث سنوات. بالتالي فإن «حجم الخسائر لا ينحصر بالموسم أو الموسمين القادمين، بل إلى عدة مواسم».
الأوضاع نفسها تعيشها مؤسسة «نجدي» الزراعية، الواقعة في بلدة دير قانون النهر في جنوب لبنان، والتي تُعنى ببيع المواد الزراعية (أشتال، بذور، أدوية زراعية، أسمدة). فبحسب أحد العاملين فيها، انخفضت مبيعات المؤسسة بنسبة 70% هذا العام مقارنةً بالأعوام السابقة. وتجدر الإشارة إلى أن بلدة دير قانون النهر تقع في عمق الجنوب اللبناني، وهي بعيدة نسبيًا عن منطقة المواجهات ولم يتهجّر الأهالي منها بعد، مع ذلك سجلت انخفاضًا كبيرًا في المبيعات الزراعية. وهذا الأمر يظهر أن الأضرار التي شهدتها المؤسسات الزراعية في الجنوب لا تقتصر على المزارع المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة، بل تمتد إلى المؤسسات البعيدة نسبيًا عن مناطق الصراع الحاد.
لا سياسات حكومية حتى الآن
مع استمرار الحرب، وضبابية المشهد حول موعد انتهائها، لا يمكن حتى الآن تحديد موعد لعملية تعافي قطاع الزراعة في جنوب لبنان. في هذا السياق، يقّدر رحيّل أن الزراعات الحولية (خضار، تبغ…) «من الممكن أن تستعيد عافيتها سريعًا إذا ما توقفت الحرب، غير أن المشكلة تقع في الأشجار المثمرة الموجودة في الحقول وضربها العدو الإسرائيلي، أو لم تجري رعايتها، إذ تستوجب استعادتها عملية العناية بها من الصفر، وهي عملية من المحتمل أن تستغرق أربع سنوات حتى تستعيد هذه الأشجار عافيتها».
وحول المناطق الحرجية، أشار رحيّل إلى أن هناك مناطق حرجية تبلغ مساحتها آلاف الهكتارات «تعرضت للحرق بالكامل مع غطاء نباتي يفوق عمره الـ50 سنة مثل شجر السنديان، لا يمكن تعويضه بشكل سريع إذ يحتاج إلى عقد ليعود وينمو من جديد».
أما بخصوص التعويضات عن الخسائر ما بعد الحرب، يقول فقيه إن «التعويض يتطلب سياسة حكومية كبيرة، لبناء البنية التحتية لمجتمع يفوق الستين قرية زراعية». أما مراد، فيرى أنّه بالنسبة لمستقبل ما بعد الحرب، فإنه كما نهضت هذه القطاعات بعد حرب عام 2006 وعاد الإنتاج والدورة الاقتصادية لهذه المناطق، فإنها ستعود خصوصًا إذا تمت رعايتها من قبل جهات راعية ومانحة محلية أو دولية، إضافة إلى العمل على خطط جدية لاستنهاض هذا القطاع. ويلفت مراد إلى أن «هناك جمعيات من قبل المقاومة اللبنانية مثل «جهاد البناء» وغيرها تقوم حاليًا بتقديم الدعم ومتابعة المزارعين». ويعتقد مراد أن «هذا القطاعات تحتاج من سنتين إلى ثلاث سنوات لتنهض مجددًا».
أما دبوق فيقول «هناك غياب تام للدولة في هذا السياق، وكأنه لا أهمية للمزارعين أو كأنه لا يوجد حرب في هذه المنطقة، على العكس الدولة تقوم بمطالبتنا بفواتير الكهرباء والمياه والضرائب». ويختم دبوق بالقول «إننا كمزارعين، لا نستطيع التأقلم مع هذا الوضع، غير أننا صامدون في أرضنا، وهذه رسالة إلى العدو الإسرائيلي أننا لن نترك أرضنا وأرزاقنا وسنستمر بحصد ما زرعناه مهما بلغت غطرسته».
-
هوامش
[1] «قطاع الزراعة في لبنان – ملاحظة: مواءمة الإنفاق العام مع الميزة النسبية»، البنك الدولي، 2010.
[2] المصدر السابق.
[3] التبغ والزيتون والقنابل: إعادة تشكيل واستعادة المناظر الطبيعية في جنوب لبنان بعد الحرب، منيرة خياط، رامي شبلي. من كتاب «الحق في المناظر الطبيعية: التنافس بين المناظر الطبيعية وحقوق الإنسان»، 2011.
[4] المصدر السابق.
[5] المصدر السابق.
[6] «الشريط اللبناني المحتلّ: الاحتلال، المواجهة و مصائر الأهالي»، منذر جابر، 1999.