ينظر الكثيرون إلى عمارة عمان القديمة، خاصة في أحياء مثل جبل عمان وجبل اللويبدة، بشيء من الحنين وكثير من التقدير. في الغالب، فإن هذه العمارة وليدة حقبة ما بعد الاستقلال، وبشكل أدق نمط الخمسينيات والستينيات. في هذه المرحلة الزاخرة بالعمران، تحولت العمارة في عمان إلى فن مدروس من حيث المستوى الجمالي البصري، والتفاعل مع الكتل والفراغات ووجود مخططات واختصاصات، وارتبطت بنظريات وتأثرت بمدارس واتجاهات فنية ومعمارية عالمية، بعد أن كانت حرفة ذات خصائص عفويّة تعتمد على خبرات متوارثة يكتسبها البنّاء عن أبيه أو جدّه، ويتعرف من خلالها على خصائص المواد ويقوم بعملية البناء من خلال التجربة والخطأ.
وفرت وحدة الضفتين عام 1950 حركة كبيرة للمعماريين والسكان والأموال والاستثمارات بين الضفة الغربية والشرقية. وترافق هذا مع عودة المعماريين الأردنيين من الجامعات العربية والغربية، متأثرين بمختلف الحركات والفلسفات الفنية والمعمارية التي كانت قد تطوّرت وانتشرت بالتدريج من بدايات القرن العشرين وحتى سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية. فتعرض الجيل المعماري في حينه لهذه النظريات وهضمها وسعى لاستدخال وتطوير نسخة محلّية منها تتوافق مع المزاج والذوق العام في البلاد، وبما فيه من الاعتبارات والمعايير والتوجهات الذوقية والجمالية الخاصة، ومع الحاجات والمواد المحلية المتوفرة فيها.
لكن مع دخول عقد السبعينيات، وبداية «عصر النفط العربي» بعد عام 1973 وما صاحبه من تحولات اجتماعية واقتصادية عرفها الأردن والمنطقة، طرأت تحوّلات في شكل ومستوى الطلب على العقارات، وتغيرت وظيفتها وتراجعت الاعتبارات الجمالية لصالح الاعتبارات التجارية والوظيفية السكنية أو الاعتبارات الادخارية، لتنتهي بذلك تلك المرحلة التي يمكن اعتبارها عصرًا ذهبيًا للعمارة في عمّان.
في هذا المقال المصور، نتعرف على مجموعة من أبرز معماري هذا الجيل ممن تلقوا تعليمهم في جامعات الدول العربية، خاصة مصر وسوريا ولبنان، وعادوا إلى الأردن، حيث انتقلت مسؤولية تصميم المباني من أيدي المهندسين الأجانب أو مُعلّمي البناء المحليين أو القادمين من حواضر الجوار إلى أيدي المهندسين الأردنيين المجازين للممارسة. في تلك الفترة، كان للعمارة «العالمية» الحديثة حضورها الطاغي في تلك الجامعات، كما تلقى العديد من أعضاء هيئة التدريس فيها تعليمهم من جامعات أوروبية وأمريكية تبنت الفكر المعماري الغربي المعاصر، فكان هذا الفكر هو المؤثر على مفاهيم وأفكار ونمط التصميم عند طلبتهم ومنهم المعماريين الأردنيين الدارسين هناك، الذين عادوا مُحمّلين بأفكار الرواد في العمارة الحديثة مما أعطى للعمارة الأردنية والعمانيّة روحًا جديدة برزت في أبنية الوزارات والبنوك والمدارس والمستشفيات، والكثير من المساكن الخاصة.
من أبرز ما ميز هذه المرحلة كان التوسع في استخدام الحجر ذي الكتل القاسية الكبيرة وشديدة الصلابة. وكان الحجر عنصرًا أساسيًا موحدًا للواجهات في عمارة هذه المرحلة، وبألوان مختلفة، وبنقشات متنوعة من الحجر مثل الطبزة والمسمسم والمطبّة والمفجّر، وفي بعض الحالات استعمل أكثر من نوع واحد من النقش في المبنى الواحد.
وكذلك استُعمل الحديد في حماية الشبابيك والأبواب، والألمنيوم للإطارات، والخرسانة كمادة رئيسية للأسقف. وبدأ باستعمال الفولاذ الرقيق الذي يتميز بخفة وزنه، كمادة تشكّل فتحات الشبابيك والأبواب، وبالتالي أخذ شكل الشبابيك يتغير بعد أن كانت من قبل تشكّل بالاعتماد على الخشب الضخم. لكونه مادة مصنّعة لم يكن الفولاذ يتعرّض للعيوب أو إلى التشققات أو إلى التلف الذي كانت تتعرض له القطع الخشبية المستعملة سابقًا في الشبابيك.
وعند النظر إلى تلك المرحلة يمكن الإضاءة على أسماء مجموعة من أبرز المعماريين، الذين لا زالت البنايات التي أقاموها حاضرة في مشهد المدينة اليوم.[1]
الشريف فواز آل مهنا: صاحب أول مكتب هندسي
الشريف فواز آل مهنا هو أول مهندس لبلدية عمّان وهو صاحب أول مكتب هندسي في المدينة، وأول اسم يمكن أن نضعه ضمن أسماء الجيل المعماري الذي أسهم في صياغة العمارة في عمّان خلال هذه المرحلة. ولد الشريف فواز عام 1906 في إسطنبول، ودرس الهندسة المعمارية في المعهد العالي للعمارة في اسطنبول وتخرج منها في العام 1930. وافتتح أول مكتب هندسي في عمّان عام 1937 في شارع الملك طلال. وفي العام 1949 أصبح مهندسًا لبلدية عمّان وأسهم في تلك الفترة في تطوير وتوسيع شوارع مركز المدينة.
من أشهر أعماله مبنى صبري بك الطبّاع، والذي بُني عام 1948، ويقع في بداية شارع الأمير محمد من جهة وسط البلد. وصاحب البناء، صبري الطباع، كان من كبار رجال الأعمال في المدينة في ذلك الوقت، وعرف هذا المبنى بكونه مقرّ شركة شركة «غارديان إيسترن للتأمين»، ولا تزال اللافتة على المبنى تحمل اسمها إلى اليوم، بعدما استأجرته في الخمسينيات، قبل أن يصبح المبنى مقرًا لـ«شركة التأمين الأهلية المصرية». وبقيت المعارض التجارية، وأشهرها «الصالون الأخضر» تشغل المخازن في الأسفل، بينما الطوابق العليا من المبنى هجرت مع مغادرة شركة التأمين المصريّة الأردن عام 2000، قبل أن يتم إعادة تجديدها مؤخرًا مع انتقال مطعم «جميدة خانم» لها.
وضع هذا المبنى آل مهنا في مقدمة روّاد موجة الحداثة والتجديد المعمارية في عمّان. اعتمد مهنا في تصميم واجهته الحجريّة على التناظر والشكل القوسي للمدخل وأبواب المحلات والنوافذ للطوابق العليا، مع استخدام الاستدارات المتدرجة لزوايا البناء والفرندات، فجاءت الواجهة متميّزة بأقواسها وانحنائها الجريء إلى الأمام.
مبنى صبري بك الطبّاع
مبنى آخر من أشهر تصماميم آل مهنا هو منزل عاهد السخن، وهو من أوائل التصاميم التي أنجزها بعد استقراره في عمّان، ويقع كذلك في شارع الأمير محمد. وقد تم إنجاز الطابق الأرضي من المنزل ما بين 1934 و1937. وفي العام 1937 تم تصميم وبناء الطابق العلوي منه، وفي العام 1937 تم تأجير المبنى لدائرة المعارف بأجرة سنوية مقدارها (240) جنيه فلسطيني. وصار البناء حضانة، ثم مدرسة ابتدائية للبنات، ثم استملكته أمانة عمّان وحوّلته إلى «بيت الفن الأردني» الذي افتتح عام 2002. وينتمي طراز البناء والتصميم الذي اتبعه آل مهنا في هذا المنزل إلى ما كان سائدًا في غمرة فترة الثلاثينيات والأربعينيات، ولا يتبع الحركات المعاصرة، وإنما جاء وفق نموذج المنزل ثلاثي البحور، حيث البحر الأوسط يتم إبرازه عبر المدخل ومن فوقه الشرفة البارزة إلى الخارج والمطلة على الشارع والمنطقة التجارية بالمدينة الواقع آنذاك على طريق وادي السير.
منزل عاهد السخن (بيت الفن الاردني حاليًا) من أوائل تصاميم فواز آل مهنا
ديران فوسكرجيان: أثر الفنون الجميلة
كان ديران فوسكرجيان من كبار المعماريين الذين لم يحصلوا على الشهادة في الهندسة المعمارية. درس في مدرسة الفنون الجميلة العليا في باريس، لينال بعدها في الأردن درجة مُجاز لممارسة المهنة. وقد أسس مكتبه الهندسي الخاص. امتاز فوسكرجيان وأبدع في التعامل مع الحجر الصلد من حيث الأعمدة والزخارف وغيرها، وقد استمر عطاؤه حتى نهايات عقد التسعينيات من القرن الماضي.
كان من أوائل تصاميم فوسكرجيان مبنى البنك العربي في شارع الملك فيصل، والذي يعود تاريخ إنجازه لعام 1949. وتميز البناء بالضخامة والتفاصيل الحجرية الصلدة، وقد بدت في التصميم تأثيرات دراسته في فرنسا، فهو يحمل تأثيرات مدرسة «الآرت ديكو» باعتماده الأشكال الهندسية البسيطة في التصميم (المربعات والمستطيلات، والخطوط الطوليّة والعرضيّة المستقيمة المتقاطعة). فكان هذا المبنى، مع مبنى بنك البريد في شارع الأمير محمد الذي بني في السنة نفسها من النماذج المبكرة والنادرة التي بنيت على طراز الآرت ديكو في عمّان، وكانت هيمنة هذا الطراز قد بلغت ذروتها في الغرب مع سنوات نهاية عقد الأربعينيات.
مبنى البنك العربي في وسط البلد. من أوائل أعمال فوسكرجيان في عمّان
كما صمم فوسكرجيان مبنى قصر زهران عام 1952، وبناية إدارة مصفاة البترول في شارع الرينبو في جبل عمّان، ومبنى البنك المركزي في شارع الملك حسين والذي أنجز عام 1966، ومبنى السفارة البريطانية سابقًا في جبل عمّان. وبذلك نال فوسكرجيان حصة هامة من تصاميم المباني الحكومية والرسمية في تلك الفترة. ويحمل تصميمه لمبنى البنك المركزي الأردني سمات العمارة الصرحيّة (Monumental Architecture) المناسبة للأبنية الحكومية وذات الصفة الرسميّة، وذلك باعتبار مقاييسها الضخمة، وخطوطها الحادة وكتلها الجامدة، التي تؤكد على الصفة الرسميّة للمباني الحكوميّة. في حين تضمن تصميمه لمبنى شركة مصفاة البترول الأردنية سمات الطراز الدولي بالاعتماد على تصميم واجهة بسيط الخطوط يتألف من خطوط أفقية مستقيمة، مع التلاعب في نسب البروز لتوفير المظلات الكاسرة لأشعة الشمس.
مبنى البنك المركزي الأردني في شارع السلط (ِشارع الملك حسين)، من أوائل نماذج العمارة الصرحيّة في عمّان. تصوير خالد بشير
واجهة مبنى شركة مصفاة البترول الأردنية في شارع الرينبو
ومن أشهر تصاميمه أيضًا مبنى أبو شام التجاري في الدوار الأول بجبل عمّان، واتبع فيه ذات الطراز الدولي، مع استخدام الزجاج بكميات كبيرة، واستخدام الألمنيوم الخالص، والكواسر الأفقية، ومع استخدام مادة الحجر التي أضفت الطابع المحلي على التصميم.
الواجهة الجنوبية لمبنى أبو شام؛ قدم فيها فوسكرجيان نموذجًا لواجهة «طراز دوليّ» بخصوصيّة محليّة
نظمي النابلسي: مصمم أول برج في عمّان
نظمي النابلسي من أوائل المهندسين الذين درسوا الهندسة المعمارية، وبرزوا ضمن رواد هذه المرحلة. حصل نظمي وهو من مواليد مدينة القدس عام 1924، على بكالوريوس الهندسة المعمارية من جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن) عام 1948، ومن ثمّ جاء إلى الأردن واستقر في عمّان عام 1959 وافتتح مكتبه في شارع السلط. كان النابلسي من المجددين على مستوى العمارة في فترة الستينيات والسبعينيات، وتميّز بتحرره في استعمال الخطوط المنحرفة والمشربيات الخرسانية والتلوين في الحجر.
من أشهر أعمال نظمي النابلسي: مبنى شركة التبغ والسجائر الأردنية بمنطقة رأس العين بعمّان، الذي بُنيَ عام 1971، وتم هدمه عام 2008 ليقام مكانه مشروع أوبرا قبل أن يتم تجميد المشروع. واستخدم فيه أسلوب رفع المباني عن الأرض بواسطة الأعمدة، متأثرًا بذلك بمدرسة المعماري السويسري/ الفرنسي الشهير لو كوربوزييه.
مباني شركة التبغ والسجائر قبل وبعد هدمها
أمّا المبنى الأهم الذي ارتبط به اسم نظمي النابلسي فهو عمارة التأمين في جبل عمّان، على الدوار الأول. والذي تكوّن من 11 طابقًا. وتجاوز ارتفاعه الأربعين مترًا، فكان المبنى الأول في عمان بهذا الارتفاع، واعتبر بمثابة أول برج في عمّان.
يتميز المبنى بواجهته الرمادية والزرقاء، والتي استخدم فيها الرخام والزجاج والألمنيوم الخالص. وتعتبر البناية أبرز الأعمال الأولى التي اتبعت تصاميم الطراز الدولي في عمّان. وكان النابلسي من خلال شركته للمقاولات المتعهد للمشروع، أمّا التصاميم فكانت للمهندس المعماري اللبناني خليل خوري، ولثقته به كمهندس معماري فقد اطمأن على تنفيذ الرسومات التي كان يرسلها من بيروت وأعطاه صلاحية التعديل على التصاميم حسب الحاجة، وقد استمر العمل بالمبنى سنتين تقريبًا (1961-1962).
عمارة التأمين في منطقة الدوار الأول
عطالله الدواني: رائد «الباوهاوس»
صمم المهندس عطالله الدواني عددًا من مباني الجامعة الأردنية، مثل مبنى قسم الأحياء (1969)، ومبنى الجيولوجيا (1965) المميز بواجهته الفخارية، في كلية العلوم، ومبنى كلية الزراعة. واتبع في تصاميمها بشكل أساسي طراز عمارة الباوهاوس الألماني، حيث الهيكل الإنشائي ظاهر بوضوح في المبنى، مع الاعتماد على الفراغات الواسعة نسبيًا في التصاميم، والحفاظ على أشكال بسيطة، غير مركّبة، ومجردة للكتل.
سكتشات لمبنى قسم الأحياء في كلية العلوم بالجامعة الأردنية
الواجهة الفخارية لمبنى قسم الجيولوجيا تقابل القادم إلى كلية العلوم من جهة البوابة الرئيسية للجامعة الأردنية
واجهة مبنى كلية الزراعة في الجامعة الأردنية
عبد الرزاق المهتدي: من رواد الطراز الدولي
حصل المهتدي على بكالوريوس الهندسة المعمارية من جامعة فؤاد الأول عام 1949، ثم حصل على دبلوم دراسات عليا في تصميم البنية التعليمية في المناطق الحارة عام 1965 من لندن. قضى المهتدي غالبية سنوات عمله في القطاع العام في وزارة الأشغال العامة، باستثناء العامين 1951-1952 حين عمل في وزارة الإنشاء والتعمير.
صمم المهتدي عددًا من أبنية المؤسسات الحكومية والفنادق والمدارس، ومن أهمها: مبنى فندق انتركونتننتال عام 1963، ومبنى مؤسسة الإقراض الزراعي بالعبدلي، الذي صمّمه بعد الفوز بمسابقة معمارية بالتعاون مع حاتم غنيم عام 1959، ومبنى مدرسة الأميرة عالية في جبل اللويبدة، ومدرسة سكينة بنت الحسين في جبل الحسين، عام 1966. وقد جاءت تصاميمه عمومًا وفق الطراز الدولي والتزمت بالطابع التقليلي (Minimalist) والتجريدي والالتزام باستخدام الخطوط المستقيمة والأشكال الهندسية البسيطة.
صورة قديمة لفندق إنتركونتننتال الأردن، بين الدوارين الثاني والثالث
مؤسسة الإقراض الزراعي
شكري قبعين: من رواد العمارة الصرحيّة
عمل شكري قبعين مديرًا للقسم الفني بوزارة الأشغال. أشهر تصميم له عمل عليه مع سمعان شامية، وهو مبنى محكمة التمييز الأردنية، بداية الخمسينيات، ويمتاز المبنى الموجود في شارع السلط، بواجهته الصرحيّة (Monumental) ذات الأعمدة الضخمة التي امتازت بالأناقة والوضوح، وبخطوطها المستقيمة.
مبنى محكمة التمييز في شارع السلط. من أوائل الأمثلة على العمارة الصرحية التي تتميز بالمقاييس الضخمة، في عمّان.
توفيق مُرّار: نقلة على مستوى التشكيل والتصاميم الداخلية
توفيق مرار هو أول نقيب للمهندسين في الأردن 1958-1959. أول مشروع عمل عليه كان للتاجر صبري الطباع عام 1943 وكان مشروع بناء مخازن. ومن أشهر تصاميمه خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات: مبنى مدرسة التيراسنطة، ومدرسة الفرير، ومستشفى لُوزميلا. وقد ساهمت تصماميه في إحداث نقلة على مستوى التشكيل والتصاميم الداخلية لمباني المدارس والمستشفيات التي كانت تفتتح بمساحات أكبر والأولى من نوعها في سنوات نهاية الأربعينات والخمسينات، بالتزامن مع زيادة عدد سكان المدينة واحتياجاتهم، في حين لم يكن لتصاميم الواجهات في المباني التي صممها أسلوب مميز أو تأثر واضح بالمدارس والاتجاهات الدولية المعاصرة.
مبنى كلية تراسنطة (جبل اللويبدة)، سنوات الإنجاز ما بين عاميْ 1949-1951
مستشفى لوزميلا، من أشهر أعمال توفيق مرار، التصميم والمصادقة على المخططات عام 1955
-
الهوامش
[1] في بدايات القرن العشرين، كان نمط العمارة السائد في عمان هو ذلك المنتشر بالمراكز الحضرية في بلاد الشام، وعبره انتشر السقف القرميدي الأحمر الذي يقوم على أساس من الخشب. أمّا من ناحية المسقط الأفقي (المُخَطط) للبناء وتوزيع الغرف فيه، فقد شاع في ذلك الوقت المسقط العثماني للبيت، وهو قاعة فسيحة مستطيلة في الوسط تحف بها الغرف على الجانبين، مشكّل من ثلاثة بحور، والبحر في الهندسة الإنشائية هو مصطلح يطلق على طول المكون الهيكلي العرضي، سواء أمان العارضة أو الأرضية أو السقف أو الجمالون، الذي يمتد بين دعامتين (عمودين).
أما في مرحلة نهاية الأربعينيات، وخلال الخمسينيات والستينيات، فبدأ المصمم يخرج عن النظام التقليدي الذي كان يبنيه المعلّم، وكان عادةً مكعباً وفيه ثلاثة بحور، وفي البحر الأوسط ثلاثة أقواس (على الواجهة). وصار المعماري يتصرّف بهذه الأشكال ويستفيد من خصائص المواد الحديثة، وبذلك جرى كسر قالب النمط ثلاثي الأروقة (البحور) على مستوى المخططات، واستحداث تشكيلات فراغية جديدة، وبخاصة حصل التحول نحو استحداث واعتماد الموزّع الرئيسي (اللوبي) واستخدامه كمدخل في المباني السكنية، مع تقليل ارتفاعات الغرف الداخلية. وساعد على تطوير طراز عام وجامع أن احتياجات أصحاب البيوت والأبنية التجارية اتسمت بقدر كبير من التشابه، وظهرت التباينات في التفاصيل وفي شكل الأقواس والأفاريز وتيجان الأعمدة وغير ذلك.