رغم أن بيوت الطبقة الميسورة ورجال السياسة في عمّان خلال النصف الأول من القرن العشرين اتّسمت بالبساطة والحجم المتواضع، إلا أنها امتلكت تفاصيل مميزة أكسبتها قيمة معمارية ظهرت في الواجهات وتفاصيل الفضاءات الداخلية. وقد اتبع النمط السائد في تلك المنازل نموذج المسقط المربع -مع تعديلات طفيفة في بعض الأحيان- الذي تتوسطه صالة رئيسية مسقوفة؛ وهي تطوير للحوش المركزي في المنازل العربية التقليدية، وغالبًا ما ظهر هذا النمط على شكل مكعب ذي كتلة واضحة وبسيطة كما هو واضح في بيوت إبراهيم هاشم وتوفيق أبو الهدى، أو ظهرت فيه أضلاع كما في بيت الأمير نايف وبيت الفن.
كان الأساس في تنظيم هذا النمط المعماري هو «البحور الثلاثة» (Three Aisles) الذي تنشأ فيه المباني على ثلاثة بحور إنشائية حيث يكون المدخل والصالة الرئيسية في البحر الأوسط، وتحيط بهما على الجانبين بقية غرف المبنى مقسّمة في بحرين متماثلين، فيما تحتل الخدمات بما فيها المطبخ ومنطقة الخدم -إن وجدوا- إحدى الزوايا الخلفية للمبنى.
ورغم أنها أنشئت في الأصل كمبانٍ سكنية، إلا أن بعض هذه المباني أعيد تأهيلها وتحوّلت إلى أماكن ذات صفة شبه عامة، حيث صارت مقرّات لمراكز ذات طابع ثقافي وأكاديمي. نتعرّف هنا على الميزات المعمارية لستة منها، واستخداماتها اليوم، مع لمحة عن سيرة أصحابها.
بيت عارف العارف
خلال الأعوام 1926-1929 شغل عارف العارف منصب السكرتير العام لحكومة شرقي الأردن وكان عضوًا في مجلسها التنفيذي. قبل ذلك، وفي مطلع شبابه، غادر العارف مسقط رأسه في القدس إلى إسطنبول، ثم جُنّد في الجيش العثماني، وسيق إلى القتال في مواجهة الروس في القفقاس حيث أسرته القوات الروسية واعتقلته في سيبيريا لثلاثة أعوام قبل أن يفر منها عام 1918 عائدًا إلى القدس.
رأت فيه الحكومة البريطانية شخصية متعلمة ومعتدلة، فانخرط في السلك الإداري وعمل خلال السنوات 1921-1926 قائم مقام لأقضية جنين ونابلس وبيسان ويافا تباعًا، ثم انتقل بالإعارة إلى شرقي الأردن بين 1926-1929، وتملّك وسكن حينها في منزل بُنيَ عام 1922 في عمّان. وهناك وقف العارف في صفّ المعارضين للنفوذ البريطاني والمعاهدة البريطانية-الأردنية الموقعة عام 1928، فسُحب من عمّان وأعيد إلى فلسطين، ليشغل خلال الأعوام 1929-1939 منصب قائم مقام في قضاء بئر السبع، ثم قائم مقام في قضاء غزة حتى عام 1943، ثم عيّن مساعدا لحاكم لواء القدس، وتولى إدارة قضاء رام الله حتى زوال الانتداب البريطاني عام 1948.[1]
بعد مغادرته عمّان، أجّر العارف المنزل خلال الثلاثينيات. ويورد الباحث محمد رفيع في كتابه «ذاكرة المدينة» الجامع لعقود الإيجار في عمّان، عقد تأجير المنزل حيث العارف هو المؤجِّر بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن شقيقته زينب العارف -شريكته في المنزل-، والمأجور هو «المنزل بالجهة المعروفة بعمّان الجديدة»[2] فيما تمتد مدة الإيجار من عام 1929 حتى 1932[3] ثم أجّره في 1937 لمستأجرٍ إنجليزي.[4]
في تسعينيات القرن الماضي، اشترت السيدة رولا عطالله المنزل، ثم صار مؤخرًا مقر مؤسسة «رمّان» -التي تديرها عطالله- وهي مؤسسة اجتماعية متخصصة بالحرف اليدوية. جُدّد المنزل بإتقانٍ مع افتتاح المؤسسة، ويجد الزائر عند دخوله محلات مخصصة لبيع المجوهرات والإكسسوارات المصنوعة يدويًا، فيما ويشغل الطابق الأعلى مطعم ومقهى يوفّر مساحات عملٍ للمبدعين والفنانين والكتّاب.
يمزج تصميم المنزل الداخلي والخارجي بين الطراز القديم والمعاصر، حيث البناء والتفاصيل المعمارية التي تعود لفترة العشرينيات كالأقواس والبلاط الإسمنتي الزخرفي، فيما تزدان الحديقة بأشجار الرمان والليمون المميّزة لحدائق بيوت عمّان القديمة.


من شرفة منزل عارف العارف، ويظهر فيها قوس ثلاثي الانحناءات، مستخدم في عمارة شبه القارة الهندية، وهو نموذج نادر في عمّان.

أقواس دائرية في واجهات منزل العارف، وكان هذا الطراز معروفًا ومعتمدًا في نمط عمارة بلاد الشام خلال الثلث الأول من القرن العشرين، أو المعروف بعمارة «البيت البيروتي».

يظهر في الواجهة شكلان من الأقواس؛ أقواس دائرية مع أعمدة متموجة في الطابق العلوي، أما في الطابق الأرضي فأقواس بانحرافات بسيطة، مع التأكيد عليها بالبروز الحجري، وقد دخلت الأخيرة إلى عمّان مع محطات كحديد الحجاز التي استخدمت الشكل ذاته.



النوافذ ذات الأقواس الدائرية كما تبدو من الداخل، ويظهر استخدام البلاط الإسمنتي الزخرفي في الأرضيات.
بيت شقير
عام 1917 وُلد عبد الرحمن عمر شقير في دمشق، وتلقى علوم الفقه واللغة العربية في كتاتيبها، ثم درسَ في مدارسها قبل أن ينتقل إلى الأردن مواصلًا دراسته في مدرستي البرمكي والعجلوني بعمّان، ثم أنهى الثانوية في مدرسة السلط، ثم التحق عام 1933 بالجامعة السورية لدراسة الطب ليتخرج فيها بدرجة البكالوريوس عام 1944.
في كتابه «رحلة العمر» يتذكر شقير بيت خاله في شارع خرفان بجبل عمّان قائلًا:[5] «كان بيت خالي (خليل شقير) في عمّان لا يتعدى غرفتين من الطين المغطى بسقف من القصب (البيت الأول). أما أرضه فتراب الجبل، وفي كل غرفة مدفأة مبنية من الطين، كانت تُعرف بالكانونة، يوقد فيها الحطب ونصطلي بنارها في فصل الشتاء. ولما ضاق البيت بنا بعد مجيء أمي من دمشق استأجر لنا خالي دارًا أكثر سعة وأفضل بناء وأيسر خدمات بجانب سوق الخضار وسط البلد في عمّان، احتوت ثلاث غرف وباحة في حارة تطل على الشارع الرئيسي المعروف بشارع الهاشمي (..) وبعد وفاة أمي بشهرين بدأت مرحلة جديدة في البيت والمدرسة، فقد انتقل خالي وجدتي إلى بيت جديد في أسفل جبل الجوفة، مشرف على سيل عمان، وهو أكبر من البيت السابق (..) وكان خالي آنذاك يبني داراً له من الحجر في جبل عمان في حارة خرفان، وهو الحيّ المطلّ حاليًا على شارع الملك طلال. وقد كلفته الدار معظم ما تجمع لديه من أموال، فضاقت ذات يده وانعكس الأمر على البيت، فاقتصر الطعام على الضروري منه، والملابس على ما استُعمل منها، واستطاع في نهاية المطاف، وبعد جهد وكد وعرق أن يبني ذلك البيت الحجري التراثي، وانتقلنا للسكن فيه، وهو بعد بلا قصارة أو بلاط».
كان خليل شقير، خال عبد الرحمن، أحد أكبر تجار الحبوب والمواشي المعروفين في عمّان، وكان قد قدم إليها من دمشق عام 1910 طلبًا للرزق، لكن الفرنسيين في سوريا أحرقوا بيته هناك، فاستقرّ في عمان وبنى بيتًا على النمط الدمشقي يضم أكثر من 23 غرفة لكل أفراد عائلته، بما فيهم عبد الرحمن ووالدته.

بُني بيت شقير على طراز البيوت العربية الشامية، وتظهر تظهر نافورة الماء (البَحرة) وسط الفناء المركزي المفتوح.

تشرف كل الغرف على الفناء المركزي المفتوح في وسط البيت وتتمحور حوله.
بعد دراسة الطب، عاد عبد الرحمن شقير إلى عمّان، فتزوج وعمل في عيادة الطبيب المشهور عبد الرحمن فرعون الواقعة في شارع الملك طلال مقابل الجامع الحسيني، وكان عدد الأطباء في عمّان محدودًا آنذاك، وقد تميز شقير بقربه من الناس واكتسب محبة واسعة؛ لم يزدْ أجره عن 25 قرشًا، وكان يعالج الفقراء مجانًا، كما فتحَ عيادة ثانية له في منطقة الأغوار، يعمل فيها كل يوم جمعة لمعالجة المرضى الفقراء هناك.
إلى جانب الطب، كان عبد الرحمن شقير أول من رأسَ جبهة وطنية من قوى المعارضة السياسية في خمسينيات القرن العشرين، وقد نجحت في إيصاله مع عدد من أعضائها إلى مجلس النواب سنة 1956. اعتُقل عدة مرات، وأبعدته المنافي عن الأردن قرابة عقدين من الزمن، تنقّل خلالهما بين دمشق وبغداد وموسكو وغيرها، قبل أن يودّع حياة اللجوء السياسي ويستقر في عمّان منذ أواسط السبعينيات،[6] حيث عاد لممارسة الطب، وأمضى تقاعده بالكتابة والتأمل في منزله الخاص بجبل اللويبدة، وقد توفي عام 2006.
سكن خليل شقير، خال عبد الرحمن، البيت لحوالي 20 عامًا، ثم استأجرته دائرة المعارف الأردنية وافتتحت فيه مدرسة باسم مدرسة العبدلية للذكور، تحولت عام 1947 إلى مدرسة إناث باسم أروى بنت الحارث، وبقيت كذلك حتى عام 1958. وقد أُغلق البيت بعد ذلك لخمسة عقود تقريبًا، ثم تحوّل عام 2005 إلى «بيت شقير للثقافة والفنون»، وهو مركز ثقافي تعقد فيه ندوات الشعر والمعارض الفنية والندوات والورش التدريبية الفنية والأدبية. كما انتقلت إلى البيت في 2023 جمعية «بيت الناي» المتخصصة في تصنيع وتعليم العزف على آلة الناي.

غرفة استقبال الضيوف في بيت شقير ويظهر فيها استخدام فن الأبلق (الخطوط الأفقية الملونة) المشهور في المدن السوريّة، والبلاط الزخرفي، والأثاث الخشبي المعشّق الذي تشتهر دمشق بصناعته.
بيت توفيق أبو الهدى
سكن توفيق أبو الهدى البيت منذ اكتمل بناؤه بين عامي 1931 و1932، وكان يشغل حينها منصب سكرتير عام حكومة إمارة شرقي الأردن وعضوًا في المجلس التنفيذي بدلًا عن عارف العارف الذي انتهت إعارته من حكومة فلسطين عام 1929. لاحقًا، وبين جدران هذا البيت، شكّل أبو الهدى 12 وزارة أردنية خلال عهد الإمارة وبدايات المملكة وعلى فترات متفرقة بين 1938 و1955.
يمتاز البيت بواجهته الرئيسية الشمالية المطلة على وسط البلد في عمّان. تتكون الواجهة من طابقين، وتتوسط الطابق العلوي ثلاث نوافذ قوسيّة مدببة ومتلاصقة، وهي عنصر حاضر ومتكرر في عمارة بيوت الطبقات العليا في بلاد الشام منذ أواخر القرن التاسع عشر (الفترة العثمانية المتأخرة)، وقد ارتبط هذا العنصر بعمارة البيوت في بيروت تحديدًا.
وتنقسم الواجهة من خلال خطوط حجرية طولية إلى ثلاثة أقسام عمودية تعكس وتؤكد على البحور الثلاثة الواقعة خلفها (House Aisles)، حيث ينقسم البيت وتتوزع فراغاته الداخلية ضمنها، فيما الأقواس الثلاثية والنوافذ الزجاجية هي نهاية البحر المركزي حيث الصالة الرئيسية للبيت؛ وهي عبارة عن بهو استقبال فسيح، وتعوّض هذه الواجهة الزجاجية عن غياب الشرفة المعلقة في الطابق الثاني، وهي تطل على جبل القلعة وأحياء عمان القديمة. وبينما سادت الأقواس المدببة في الطابق العلوي من الواجهة، كانت الأقواس أقل انحناءً، فيما اتخذت خطًا منحنيًا شبه دائري في الطابق السفلي.
وتمتاز الواجهة بنوافذها الخضراء، بسبب الأباجورات الخشبية المدهونة باللون الأخضر الداكن أمام شبابيك زجاجية على النمط القديم المتكون من طبقة زجاج ذو طبقة واحدة، بدل طبقتين كما هو الشائع اليوم.

الواجهة الشمالية لبيت توفيق أبو الهدى المطلّة على وسط البلد.

الأقواس المدببة في الواجهة الشرقية من الطابق العلوي، والأباجورات الخشبية المدهونة باللون الأخضر.

الصالة الرئيسية لبيت أبو الهدى وفي نهايتها نوافذ زجاجية مطلة على وسط البلد.
توفيَ أبو الهدى في هذا البيت منتحرًا أو مشنوقًا، وعرف البيت لاحقًا بأنه منزل التاجي نسبةً لعاصم التاجي[7] زوج سعاد بنت توفيق أبو الهدى. تم تأجير الطابق العلوي من المنزل ولفترة طويلة لنادي الجزيرة، وصار مقرًا لمؤسسة محمد وماهرة أبو غزالة للفن المعاصر (MMAG) وهي منظمة غير ربحية معنية بالفنون والثقافة، تضم ورش عمل واستوديوهات ومساحات إقامة للفنانين يستلهمون من أجواء البيت التي يبعثها العمران القديم، وقد رُمّم البيت وأضيف إليه منزلين قديمين مجاورين، هما بيت قعوار وبيت شمس الدين سامي.
بيت إبراهيم هاشم
شيد المبنى عام 1922 على أرض مساحتها دونمين، وهو مطلّ على منطقة وسط البلد وقلعة عمّان، ويتخذ مخططه شكل حرف (L). يتكون من طابقين أحدهما فقط فوق مستوى الأرض، وله واجهات حجرية تتضمن الرئيسية منها (المفتوحة على الساحة) أقواسًا دائرية أعلى النوافذ والأبواب، أما الواجهة المطلة على وسط البلد فاستخدمت فيها أقواس حدوة الفرس المقترنة بعمارة المغرب العربي والأندلس.

توجد أمام المنزل مساحة واسعة يتوسطها المدخل.

أقواس حدوة الفرس على الواجهة الشمالية الشرقية المطلّة على وسط البلد وجبل القلعة.

الشرفة في الواجهة المطلّة على وسط البلد.
وُلد إبراهيم هاشم في مدينة نابلس عام 1888،[8] وقد تولى وزارات العدلية والقضاة عدة مرات في حكومة إمارة شرقي الأردن بين الأعوام 1922 و1938، ثم رئيسًا للوزراء لخمس مرات في عهدي الإمارة والمملكة وعلى فترات متفاوتة بين الأعوام 1945 حتى أيار 1958، ليتولى بعدها منصب نائب رئيس الوزراء في الاتحاد الهاشمي الذي جمع العراق والأردن عام 1958 وسقط مع انقلاب عبد الكريم قاسم في تموز من العام نفسه، حيث قتل إبراهيم هاشم أثناء أحداث الانقلاب بينما كان في زيارة عمل إلى بغداد.

إبراهيم هاشم مع أفراد من عائلته أمام البيت.
وبهدف تأهيله وترميمه ليكون أحد المعالم التراثية في عمّان، اشترت أمانة عمّان المنزل والأرض المحيطة به عام 2005 من مجموعة شركاء في الملكية كانوا ينوون هدمه وإقامة مبنى استثماري محله، وكان الشركاء قد اشتروه عام 1963 من ورثة هاشم، وظل مغلقًا منذ ذلك الحين مع الحفاظ على تصميمه وخصائصه المعمارية.
ثم مُنح البيت عام 2014 للجامعة الألمانية بناء على اتفاقية مع أمانة عمّان لاستخدامه في أغراض تعليمية، وبموجب الاتفاقية رممت الجامعة المبنى وأهّلته، وأقامت فيه كلية هندسة العمارة ليكون البيت مصدر إلهام للطلبة بما يحمله من إرث معماري.

مدخل البيت والقاعة الرئيسية فيه والتي تستخدم اليوم كمكتبة لطلاب كلية العمارة في الجامعة الألمانية الأردنية.
بيت عاهد السخن
يقع بيت عاهد السخن في شارع الأمير محمد، أو المعروف قديمًا بطريق وادي السير، وقد بني بصورته الحالية خلال الأعوام 1934-1937 بعد هدم وتوسعة بناء سابق يعود إنشاؤه للعام 1926. يعد المبنى من أشهر تصاميم المهندس المعماري الشريف فواز آل مهنا؛ أول مهندس لبلدية عمّان وصاحب أول مكتب هندسي في المدينة. وقد أُجر المبنى بعد إنشائه عام 1937 لدائرة المعارف -وزارة التربية والتعليم لاحقًا- ليتحول إلى «مدرسة الزهراء الابتدائية للبنات»، وقد ظل كذلك حتى عام 1995. وظل مهجورًا حتى العام 2002 عندما استملكته أمانة عمّان وحوّلته بعد ترميمه إلى «بيت الفن الأردني»، وذلك بالتزامن مع إعلان عمّان عاصمة للثقافة العربية.
يقول مدير بيت الفن محمد الحسبان إن الأمانة رممت البيت وجهزته بالمعروضات بالتعاون مع عدة مؤسسات ثقافية وفنية، وإن استملاك البيت والاعتناء به جاء مع توجه الأمانة «للحفاظ على البيوت التراثية في عمّان، واليوم تقام فيه المعارض الفنية، إذ يمكن لأي شخص أن يقدم لتنظيم فعاليات ومعارض عن طريق التقديم للدائرة الثقافية في أمانة عمّان الكبرى. إلّا أن الفعاليات تأثّرت وتراجعت بسبب جائحة كورونا، ولكن الآن هناك توجه لتفعيله بشكل أكبر».


بعض التفاصيل الداخلية لبيت عاهد السخن وفيه بعض المعروضات.
صاحب البيت هو النقيب عاهد السخن الذي كان قائدًا في قوات البادية التابعة للجيش العربي، وكان قد التحق بالجيش وخدم به منذ العام 1925، كما شغل منصب قائم مقام في معان خلال عهد الإمارة.
معماريًا، يتكون البيت من طابقين ويتميز بإبراز كتلة المدخل والشرفة عبر اتخاذها شكلًا مضلعًا خارجًا عن خط الواجهة المبنية بدورها من الحجر كما كان سائدًا في بيوت الطبقة العليا آنذاك. وامتاز البيت برواق على مستوى الطابق السفلي يتشكل من صفّ من الأقواس الدائرية المرفوعة على أعمدة، وتم التأكيد على المدخل من خلال كتلة مضلعة يعلوها شرفة على الشكل نفسه. وقد أخذت النوافذ في الطابق السفلي نمط القوس الدائري، فيما كانت النوافذ في الطابق العلوي واسعة ومربعة.

إبراز كتلة المدخل والشرفة في الواجهة الرئيسية لبيت عاهد السخن.
بيت الأمير نايف
يقع بيت الأمير نايف في جبل الجوفة، وله باحات خارجية تضم حدائق وشرفات مطلة على المدرج الروماني وجبل القلعة، وقد استملكته أمانة عمان عام 1994 من مالكه علي البلبيسي، وأطلقت عليه في البداية اسم «قاعة عرار» تقديرًا للشاعر الأردني مصطفى وهبي التل، ثم جعلته بيتًا للشعر باسم «بيت الشعر الأردني»، قبل أن تعاد تسميته بـ«بيت حبيب الزيودي» تكريمًا له بعد وفاته عام 2012.
تعود ملكيّة البيت بالأصل إلى التاجر علي سليمان البلبيسي، وكان أبوه أحد وجهاء عمّان وكبار تجارها. بني البيت عام 1935 خصيصًا للأمير نايف بن عبدالله الأول الذي استأجره وسكن فيه حتى عام 1951. وقد صممه المهندس الشريف فواز آل مهنا على نمط البحور الثلاثة، وامتازت أرضيّاته باستخدام البلاط الإسمنتي الزخرفي.

إبراز مدخل بيت الأمير نايف عبر مظلة مضلعة، مع استخدام درج مائل بانحناء دائري.

شرفة المنزل المطلة على جبل القلعة.
وبحسب مدير البيت، نضال السعود، فإن مساحة بيت الشعر تمتد على 3500 متر مربع، تتضمن المنزل الذي سكنه الأمير نايف حتى الخمسينيات، ثم صار مدرسة للبنات حتى الستينيات، قبل أن تستملكه الأمانة في التسعينيات «ليكون بيتا للأدب والشعر والشعراء، وليدعم الإبداع والمبدعين»، وتشهد قاعاته الواسعة أمسيات شعرية ونشاطات ثقافية متنوعة، كما يضم مكتبة تحتوي قرابة 1500 كتاب في الشعر والأدب العربي.


القاعة الرئيسية في البيت حيث تعقد الندوات والأمسيات، ويظهر استخدام البلاط الإسمنتي الذي يعد العنصر المميز لتصاميم البيوت الداخلية في عمّان خلال الثلاثينيات والأربعينيات.
تمثّل هذه البيوت وغيرها جزءًا من الموروث العمراني للمدينة، وقد تجاوزت أهميتها الخصائص المعمارية أو الوظيفة السكنية التي أنشئت في الأساس من أجلها، وتحولت إلى سجل تاريخي يحفظ تكوين وتشكّل النسيج العمراني للمدينة، ويوثق شكل الفضاء الخاص في بيوت القادة والسياسيين في النصف الأول من القرن العشرين، كما يسجل لحقبة زمنية مثلت مرحلة هامة في تشكّل الهوية والنسيج العمراني المعاصر لعمّان.
-
الهوامش
[1] في عهد الإدارة الأردنية للضفة الغربية، عُيّن عام 1949 حاكمًا لقضاء رام الله. ثم رئيسًا لبلدية القدس العربية عام 1950، وأحرز هذا المنصب مرة أخرى عن طريق الانتخابات عام 1951، ثم عام 1955. وشغل منصب وزير الأشغال في حكومة هزاع المجالي، في كانون الأول 1955. وفي عام 1963، عُيّن مديرًا عامًا لمتحف الآثار الفلسطيني في القدس، وظل بهذا المنصب حتى احتلال الضفة الغربية عام 1967. واكتفى بعد ذلك بعضوية الهيئة الإسلامية في القدس حتى وفاته عام 1973.
[2] وهو الاسم المطلق على جبل عمّان آنذاك، وعرفت كذلك لأنه المنطقة التي أخذ البناء فيها بعد زلزال عام 1927.
[3] رفيع، محمد (2011)، ذاكرة المدينة، الأردن – عمّان: مطبعة السفير، الطبعة الثانية، المجلد الأول، ص: 33.
[4] هو ليد ج.، المرجع السابق، ص: 223.
[5] شقير (1991)، عبد الرحمن، من قاسيون إلى ربة عمون: رحلة العمر، سلسلة كتاب الأردن الجديد.
[6] من مقدمة هاني الحوراني لمذكرات عبد الرحمن شقير. ص7.
[7] الذي كان يشغل مديرًا عامًا للسياحة واستشهد مع دولة رئيس الوزراء هزاع المجالي، إثر حادث تفجير مقرّ رئاسة الوزراء عام 1960.
[8] درس في نابلس وأكمل دراسته الجامعية في إسطنبول حيث حصل على شهادة الحقوق من مدرسة الحقوق عام 1910. ثم عمل بعدة وظائف في الدولة العثمانية وفي سوريا الفيصليّة، منها مناصب قضائية في بيروت والشام، كما درّس القانون في جامعة دمشق بين عامي 1919م و1921.