أبو نصير: قصة مدينة نموذجية صارت ضاحيةً في عمّان

مساكن مدينة أبو نصير، وتظهر ألوان واجهاتها المميزة. تصوير مؤمن ملكاوي.

أبو نصير: قصة مدينة نموذجية صارت ضاحيةً في عمّان

الثلاثاء 20 آب 2024

أواسط ثمانينيات القرن الماضي، أرادت «أمانة العاصمة»[1] إنشاء حزامٍ من المدن التابعة لها والتي تدور في فلك عمّان كما تدور الأقمار الصناعية حول الأرض، تزامنًا مع بدء التوجه لإنجاز مخطط شمولي للمدينة يهدف إلى تفريغ الحركة والزَخَم السكاني من مركز المدينة المكتظ والمزدحم إلى أطرافها. وعلى بعد 20 كم إلى الشمال الغربي من مركز العاصمة، وفي موقع جبلي منحدر، أقيمت عام 1987 «مدينة أبو نصير» كمدينة سكنية تابعة (Satellite City) لعمّان، لا كواحدة من ضواحيها كما هو الحال اليوم.

تكوّن مشروع أبو نصير حينها من 3667 وحدة سكنيّة، وهو ثاني مشروع إسكان اجتماعي متكامل (Social Housing) بعد إسكان ضاحية الحسين. وقد أُنشئ المشروع بناءً على قرار المؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري الذي كان يهدف للمساهمة في سدّ الحاجة المتزايدة للوحدات السكنية لدى العائلات ذات الدخل المتوسط من موظفي الدولة المدنيين والعسكريين. وُزّعت الوحدات السكنيّة على المستفيدين بعد تزويد المدينة بكامل خدمات البنية التحتية ومعظم المرافق الحيوية.

كانت السياسات الإسكانية في الأردن خلال الستينيات من القرن الماضي تتمثل في الدعم الحكومي المباشر للمواطنين عبر إعطائهم قروضًا لغايات شراء المساكن بحد أعلى يصل إلى خمسة آلاف دينار، إلا أنها في عقد السبعينيات تحولت نحو إنشاء مشاريع سكنية تشاركية، شكلت حينها حلولًا إسكانية مناسبة للمواطنين، مثل ضاحية الحسين وإسكان ماركا ومدينة أبو نصير وغيرها.

مخطط قديم لعمّان يُظهر التوجه في السبعينيات لتنظيم توسع عمّان. كان المطار المنشأ حديثًا على بعد حوالي 40 كم جنوب عمان قادرًا على خلق اتجاه مضاد يحقق التوازن مع أبو نصير، مع وجود صناعات صغيرة آنذاك على المشارف الجنوبية للمدينة، وقد ظهرت الصناعة الأحدث بشكل رئيسي على المحور المؤدي إلى مدينة الزرقاء.[2] 

وفي أبو نصير تحديدًا كان تمليك الوحدات السكنية يتم بالتقسيط لمدة 20 عامًا مع دفعة مقدمة تبلغ 10% تقريبًا من قيمة الوحدة، ومع أسعار فائدة تتراوح بين 5% إلى 5.5%، وهو سعر يعتبر منخفضًا مقارنة بأسعار الفائدة البنكية ونظرًا لتراوح نسب التضخم بين 10% إلى 15%. ولم يكن نظام التقسيط ممكنًا إلا من خلال القروض الميسرة الممنوحة للدولة -خاصة من المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج- والتي كانت تحوّل إلى بنك الإسكان؛ المنشأ عام 1973 لغايات بناء هذه المشاريع وتمويل بيع وحداتها.[2]

في تلك الأيام، كانت الأراضي رخيصة، وتكلفة شراء المؤسسة العامة للإسكان لمواد البناء أقل من تكلفة شراء الأفراد لها، نظرًا لحجم الطلبيّات الكبيرة والمعايير البسيطة نسبيًا في تشطيبات الوحدات. أتاح هذا للأفراد شراء شقق بقيمة تصل إلى أقل من ثلث قيمة شقق مشابهة تُشترى عن طريق السوق المفتوحة. هكذا حصل موظفو الدولة على مساكن بأسعار مناسبة وبتكاليف لا تثقل كاهل الدولة.

صور أرشيفيّة للمشروع في مرحلة التشطيب. المصدر: موقع archnet.org.

جسّد مشروع أبو نصير سياسة توسيع دور الدولة في توفير السكن وتنظيم المجتمع بشكل أكثر فعالية. ومن وجهة نظر مؤرخة العمارة إيليانا أبو حمدي[3] فقد كان لهذا التوجه نحو تطوير مشاريع الإسكان الاجتماعية وإنشاء الضواحي الجديدة مضامين سياسية اجتماعية تنمويّة، وترى أن هذه المشاريع -من حيث الشكل والتكوين المجتمعي- عملت على تفكيك التجمّع والتكتل السكني القائم على أسس القرابة التقليدية، والتي سادت في القرى، وأعادت إنتاجها في بعض الأحياء الشعبيّة ضمن المدينة، وقد تلا هذا التفكيك تأسيس تنظيم جديد على أسس حديثة يعزز بالنهاية توجيه الولاء والنفوذ السياسي نحو الدولة بدلًا من الولاءات التقليدية الأخرى.

تظهر في الصورة وحدات سكنية مميزة باللون الأخضر (مخصصة للعسكريين) وأخرى باللون البرتقالي (مخصصة للمدنيين)، وقد جسّد هذا التداخل توجّه المخططين لإحداث اندماج اجتماعي في أبو نصير على أساس المواطنة والولاء للدولة.

وشهدت السبعينيات والثمانينيات، وفقًا لأبو حمدي، محاولة من جانب الدولة لتحديث عمّان من خلال وضع ضوابط إدارية وتخطيطيّة تحكم النمو الحضري والتنمية. وكجزء من جهود التحديث هذه، وسّعت الدولة أنظمتها البيروقراطية وأنشأت أمانة عمان الكبرى (عام 1987)، كما فككت المجالس القروية القائمة وضمّتها للأمانة، معيدةً بذلك توجيه سلطة الحكم إلى الدولة، وذلك للحد من نفوذ القوى التقليدية المهيمنة -قبل ذلك- في المجالس القروية، وقد اتخذ هذا التحول طابع التوسع الحضري المدني المنظّم، متجسدًا في تطوير مشاريع الإسكان الاجتماعي، وقد أصبح بناء المساكن الاجتماعية ممكنًا بفضل توحيد المجالس القروية المستقلة في هيئة تنظيمية واحدة هي أمانة عمان الكبرى. وتحاجج أبو حمدي بأن حل القرى المستقلة والتوسّع الحضري المخطط أكدّ على وجود الدولة كشبكة بيروقراطية وفرض سياساتٍ تهدف إلى تعزيز حضور الدولة وإعادة تعريف المواطنة، أي أن الرغبة في تنظيم النمو في عمان كان مشروعًا حضريًا وسياسيًا في الوقت نفسه.[4] 

واجهات المباني المميزة في إسكانات مدينة أبو نصير

تصاميم غير تقليدية

كانت المباني السكنية في مشروع أبو نصير مكونة من ثلاثة وأربعة طوابق، إضافة إلى وحدات سكنية من نوع المنازل المستقلة والمتلاصقة. وتراوحت مساحة الوحدات بين 86 و135 مترًا مكعبًا. واتبعت تصاميم المباني نمط العمارة الحداثية المعتمدة على البساطة والتجريد، كما لها انعكاسات ومضامين اجتماعية، فابتعدت هذه التصاميم عن التزيين والتفصيل والنمنمة، وعبّرت بما تفرضه من طابع موحد عن اتجاه جديد في البناء الاجتماعي، إذ تضمنت التعبير اليوتوبي عن إرساء بناء اجتماعي جديد ذي طابع حديث، فضلًا عن تعزيز الشعور بالتوحد والتساوي بين سكان المدينة، وهي مشابهة للأنماط التي اتبعت في تصاميم مشاريع ومدن الإسكان الشعبي والتعاوني التي ظهرت في بلدان مجاورة خلال المرحلة ما بين الستينيات والثمانينيات، مثل مدينة الثورة قرب بغداد، ومدينة نصر في القاهرة، ومشروع دمّر قرب دمشق.

أدراج بين الأبنية السكنية وفوقها بيوت طابقية

عبّرت تصاميم المباني عن المستوى الاجتماعي المتوسط باعتبار أن المدينة خصصت لموظفي القطاع العام ذوي الدخل المتوسط مدنيين وعسكريين، تعبيرًاعن نهج التوحيد الاجتماعي، وتكريسًا المساواة والهوية الطبقيّة المشتركة. وبذلك استخدمت الهندسة المعمارية والتخطيط الحداثيين باعتبارهما وسيلة لخلق أشكال جديدة من الارتباط الجماعي، والعادات الشخصية، والحياة اليومية، لبناء مدينة تسعى إلى إنشاء معيار اجتماعي جديد لا يعتمد على القرابة والصلات التقليدية. وقد مثّل إسكان أبو نصير، بحسب أبو حمدي، جهود التحديث التي بذلتها الدولة من حيث محاولتها تنظيم النمو الحضريّ، والأهم من ذلك، تنظيم المجتمع.[5]

التكامل والاكتفاء الذاتي

خططت أبو نصير لتكون مدينة سكنية نموذجيّة متكاملة المرافق والخدمات، وبحيث تكون مدينة تابعة (Satellite City) باعتبارها مركزًا طرفيًا للسكان، وهي تختلف عن الضواحي من حيث أن لسكانها -نظريًا- أن يكوّنوا مجتمعًا مكتفيًا ذاتيًا، وأن تعمل في الوقت نفسه كجزء من مدينة كبيرة، وتشهد مستويات عالية من التنقل بينها وبين المدينة المركز.

خططت المؤسسة العامة للإسكان لمشروع أبو نصير ونفذته، وأريد له أن يضم ما بين 30 إلى 40 ألف نسمة مخدومين بمرافق متكاملة، وبحيث تُحدثُ تحوّلًا حضريًا في كامل المنطقة المحيطة (شمال عمّان) بما يتجاوز حدودها المقررة ضمن المخططات، مع افتراض أنه سيتم دمجها بالكامل في حزام التجمعات السكانية المخطط تأسيسها لاحقًا في مناطق أمانة عمّان، على أن تظل أبو نصير حتى بعد الاندماج قاعدة ضمن محيطها.

وعليه، فقد ضم المشروع مدارس أساسية وثانوية وسوقًا تجاريًا ومركزًا صحيًا شاملًا، وآخر خاصًا، وحدائق ومسجدًا وكنيسة ومكتب بريد ومركزًا أمنيًا وناديًا رياضيًا. وللتأكيد على الترابط بين أبو نصير وعمّان، خصوصًا مع البعد النسبي -عند التأسيس- والانقطاع في العمران بينهما، خُصصت مساحات كافية للمواقف عند مدخل المدينة، ورُبطتا معًا عبر خطوط النقل من الباصات والسرافيس. وحتى العام 1998 كان يعيش في أبو نصير قرابة 22 ألف شخص، بمتوسط ​​حجم أسرة بلغ ستة أشخاص.[6]

وفّر السوق التجاري جميع الاحتياجات الأساسية للسكان بما يغنيهم عن المدينة المركز (عمّان)، ونظرًا لبعد المسافة وقلة ملاك السيارات من السكان، فقد كان وجود سوق متكامل مهمًا لتأمين احتياجات السكان، فاحتوى على بقالات وملاحم ومحلات حلاقة ومتاجر ملابس، في مسعى لمحاكاة الأسواق التقليدية ضمن صورة وقالب حضري حديث. وقد ضمّ الطابق السفلي من السوق الملاحم ومحلّات الخضار والفواكه، وخُصِص الطابق الأول لمحلّات الملابس والأحذية ومواد البناء والقرطاسيّة ومواد الخياطة ومحلّات الحرفيين كالخراطين والخياطين مثلًا.

وقد منح السوق أبو نصير طابع الوحدة المدينيّة المتكاملة، وشكّل  فضاءً عامًا ومشتركًا بين الحواري المختلفة، فكان ملتقى ونقطة تجمع للسكان، يتعارفون على بعضهم فيها، كما تنشأ العلاقات بين أصحاب المحالّ والسكان، ما عزز من الهوية المشتركة لدى سكان المدينة.

سوق أبو نصير الرئيسي من الداخل (تصوير خالد بشير) ومن الخارج ومواقف السيارات فيه (تصوير مؤمن ملكاوي)

فضاءات مشتركة

على مستوى التخطيط، تميّزت أبو نصير بشبكات الطرق الفرعية ذات النهايات المسدودة إلى جانب المناطق الخضراء الفاصلة بين مواقف السيارات المشتركة، مع اعتماد شبكات من الممرات المخصصة لحركة المشاة الممتدة بين الوحدات السكنية، ما أوجد حارات وشوارع بنهايات مغلقة وفّرت مساحات للعائلات والأطفال للجلوس واللعب، وبحيث يوفر للأسر وربّات البيوت جلسات مشتركة، خالقةً بذلك فضاءات يتشاركها سكان المدينة، فلا تكون هذه الفضاءات عامة تمامًا، ولا حصرية خاصة بإحدى الوحدات دون غيرها.

وقد وفّرت شبكة ممرات المشاة والطرق ذات النهايات المغلقة والمواقف المشتركة مساحات آمنة للأطفال، كما خصصت مناطق لتكون حدائق صغيرة محاطة بسياج تكون مشتركة بين البنايات. ساهم كل هذا في تطوير علاقات تشاركية بين السكان؛ حيث الأطفال يلعبون في الأزقة فيما تجلس الأسر وتتواصل على المداخل وفي حدائق المنازل ذات الأسوار المنخفضة. وبذلك تتحول جميع المساحات المشتركة إلى حديقة ممتدة يملكها كل منزل وأسرة، فلا تكون مساحة الحديقة مقتصرة فقط على الحدائق المنزلية الخاصة كما هو الحال في الإسكانات الخاصة، وكل ذلك في جو يسوده الهواء النقي والراحة البصرية والنفسية.

هكذا تميزت أبو نصير بما يمكن اعتباره مساحات شبه عامة، ضمن حالة وسطية بين العموميّة والخصوصيّة، وهو فرق بارز بين أحياء الإسكانات الخاصة -التي أصبحت سائدة تمامًا اليوم- والأحياء التشاركيّة مثل أبو نصير، فتعمل هذه المساحات على تعزيز التفاعل الاجتماعي المنفتح بدلًا من حالة العزلة في الإسكانات الخاصة حيث الأسوار وتكريس الفصل بين الفضاء الخاص والشارع. وبالنهاية تسهم الإسكانات التشاركية في تعزيز حالة اجتماعية أكثر صحية وأقل طبقية وأقل تفاوتًا وعزلةً، منتجة بذلك أحياءً سكنية ناجحة وحيوية، على كافة المستويات، تعزز الشعور بالانتماء للمكان وتعزز دور السكان في الحفاظ عليه.

يتذكر إسماعيل الغنانيم، الباحث في تاريخ عمّان وهويتها، والحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة البندقية عن أطروحته المتعلقة بهوية عمّان في الأدب والرواية، وهو أحد السكان السابقين للمدينة، أن فلل أبو نصير كانت تضم حدائق خارجية وأخرى خلفية، حيث تكون الخارجية على الشارع-الممر الذي لا تدخله المركبات، فيلعب أطفال الحارة قرب منازلهم، ويتحركون بين الحدائق والممر في مساحات آمنة من السيارات أو الغرباء، إذ يندر دخول شخص غريب ما لم يكن قاصدًا أحد المنازل في الممر. بالإضافة إلى وجود كراج للجيران في كل حارة، كان المراهقون يلعبون فيه كرة القدم.

ويضيف أن الحديقة الخارجية، أو الحوش، يمكن اعتباره مساحة بينية بين الفضاء المنزلي والشارع-الممر، وأن الجيران كانوا يفضلون الجلوس في الحديقة الخارجية فيما يتبادلون السلام وأطراف الحديث. مع اعتبار الحوش الأمامي مساحةً مُجندرة ومغايرةً للمألوف الاجتماعي في الوقت نفسه، حيث يقوم أرباب المنازل بتنظيف الحوش وشطفه وغسل السجاد فيه.

ويرى الغنانيم، على الأقل في الحي الذي سكنه، وجود نمط جيرة إيجابي مزج بين حسن الجوار واحترام الخصوصية، حيث كان أرباب المنازل في فصلي الربيع والصيف يوزعون محصول الفواكه المجني من الحدائق الخلفية على الجيران، كما قامت ربات المنازل بإعداد وجبات الفطور والشاي والقهوة للعمال المتواجدين للخدمة في الشارع-الممر المحاذي. فضلًا عن الاجتماعات الأسبوعية بين ربات المنازل، وهو ما كان يقرأ عن وجوده سابقًا في المجتمع العمّاني.

وهو لا ينسى الدكاكين الموجودة في كل حي رغم مرور حوالي 40 عامًا على إنشاء أبو نصير، قائلًا إن «الدكاكين الأولى بقيت في الذاكرة الجمعية، مثلًا دكانة نقرش، دكانة أبو جانتي، دكانة أبو دلو.. إلخ، وتستخدم للإرشاد عن العناوين».

تحوّلات مستمرة

خلقت الطبيعة الطبوغرافية لموقع أبو نصير، وكثرة الممرات المنحدرة التي تكون أحيانًا على شكل أدراج، والحاجة إلى المشي للتنقل بين المصفّات ومداخل المدينة والوحدات السكنيّة، مشكلة لكبار السن نظرًا لعدم قدرة بعضهم على صعود الأدراج، وكانت واحدًا من أسباب مغادرة العائلات الميسورة للمدينة.

يري الغنانيم أن أبو نصير كانت بالنسبة لكثيرين أشبه بمدينة مؤقتة، أو محطة انتقال طبقي، فبعد أن سكنها عند إنشائها موظفو القطاع العام من ذوي الدخل المتوسط والمستوى التعليمي الجيد، وكان هؤلاء في السبعينيات والثمانينيات من الموظفين الصغار أو المتوسطين، لكنهم صاروا مع بدايات الألفينات موظفين كبارًا، فانتقل بعضهم إلى أحياء عمّان الغربية. مضيفًا أن طبوغرافية المكان وتصميمه ساهما في تعزيز هذا الانتقال، حيث الأدراج تشكل عائقًا لكبار السن.

يمكن للسائر في أحياء ابو نصير ملاحظة عدد من البيوت المهجورة حتى اليوم، ويعزو الغنانيم هذا إلى أن بيوت أبو نصير لا تقدم عائدًا جيدًا من الإيجار، وفي الوقت نفسه يعادل اليوم سعر بيع فيلا فيها سعر شقة أصغر غرب عمان، بالتالي فإن بيع الفلل ليس أمرًا مغريًا للعائلات الميسورة، خصوصًا عند وجود عدد من الورثة ما يخفّض حصة كل منهم.

شارع أبو نصير الرئيسي

لم تقتصر التحوّلات على مغادرة أبو نصير وهجر بعض بيوتها، إنما حصَلت أيضًا توسعات في محيطها، شكّلت امتدادات لها، وأبرزها المنطقة المعروفة اليوم بـ«إسكان أبو نصير الجديد» التي نشأت خلال العقد الأول من الألفية، وهي منطقة إسكانات خاصة، وليست مخططة من قبل مؤسسة الإسكان كما قد يوحي اسمها.

لقد جاء تخطيط وتنفيذ أبو نصير بهدف خلق وتأسيس مراكز حضرية لفئات الطبقة المتوسطة، ولتسهم في خلق نسيج حضري منفتح على المدينة ومندمج ومتكامل معها، ويسهم في تعزيز المساحات والفضاءات العامة والمشتركة فيها. فكانت نواة أساسية للنسيج العمراني الذي بات يعرف اليوم بـ«شمال عمّان». وأسهمت مع عوامل اقتصادية وحضريّة واجتماعية عديدة أخرى في إحداث التحوّلات الاجتماعية-الحضرية في مدينة عمّان والمتمثلة في تحقيق الانتقال بدرجة كبيرة من أنماط الاجتماع في القرى التقليدية إلى نماذج الضواحي الحضرية المتمدنة ذات الأساس الاقتصادي-الاجتماعي الطبقي، والتي تضم أناسًا من خلفيات وأصول مختلفة، ضمن نظام مدني حديث يكون التجمع فيه على أساس طبقي بالأساس، وليس على أساس قرابي، فتجمع السكان من مختلف الخلفيات والمكونات الاجتماعية، مشكلةً بوتقة صهر اجتماعي تفرز هويات اجتماعية وسياسية جديدة.

  • الهوامش

    [1]  وهو اسم بلدية عمّان ما بين 1950 و1987، حين أصبح اسمها «أمانة عمّان الكبرى».

    [2] Schindler, J. C. (1988). Abu Nuseir, Neu-Stadt bei Amman, Jordanien. disP-The Planning Review, 24 (95), 30-37.‏

    [3] Abu-Hamdi, E. (2019). Legitimizing the Jordanian State Through Social Housing. Social Housing in the Middle East: Architecture, Urban Development, and Transnational Modernity, 37.‏

    [4] Abu-Hamdi, E. (2019). op.cit.‏

    [5] Abu-Hamdi, E. (2016). Bureaucratizing the City: moderated Tribalism, regime security, and Urban Transformation in Amman, Jordan. Traditional Dwellings and Settlements Review, 27 (2), 23-37.‏

    [6] Abu-Ghazzeh, T. M. (1998). Children’s use of the street as a playground in Abu-Nuseir, Jordan. Environment and Behavior, 30 (6), 799-831.

Leave a Reply

Your email address will not be published.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية