هذا التقرير جزء من ملف خاص أنتجته حبر حول أزمة المياه في الأردن. لقراءة بقية مواد الملف اضغط/ي هنا.
تسع عشرة سنة فقط، هي فرق السن بين ابن مدينة الأزرق، فيصل البلعوس (58 عامًا) وأكبر أبنائه، لكنها كانت كافية لأن تتحول المدينة التي ولدوا وعاشوا فيها جميعهم إلى نقيضها، بحيث يكون لكلا الطرفين صورة ذهنية مختلفة تمامًا عنها. الأزرق الخاصة بفيصل هي تلك التي في الصورة التي التقطت له أواخر السبعينيات أمام بركة عين الِمسْتَدْهِمِةْ، واحدة من العيون الأربعة الرئيسية التي صنع تدفق مياهها ما كان آنذاك واحة، تحفها أشجار النخيل ونباتات الحلفا والقُصّيب، وتسرح فيها الجواميس والخيول والثعالب، وتستقبل سنويًا آلاف الأنواع من أسراب الطيور المهاجرة، ويسبح على مسطحاتها المائية البط والإوز ودجاج الماء.
بالنسبة لأبنائه، يبدو ما سبق مشهدًا من وثائقيات ناشونال جيوغرافيك، ومكانه التلفزيون فقط. فمكان الِمسْتَدْهِمِةْ التي يروي والدهم ذكرياته عنها، هي الآن الصحراء القاحلة أمام قلعة الأزرق. وما بقي من الغابات، التي نمت على حواف المسطحات المائية، مُجرّد شجيرات شوكية متفرقة، وأشجار شاحبة تكافح الجفاف. هذا في منطقة كانت، كما يقول فيصل، «على بحر مي»، حتى أن الأطفال كانوا أثناء لعبهم، يحفرون بأيديهم في التراب، فيخرج الماء من على عمق 30 سنتيمترًا. وهو يتذكر جيدًا الصعوبة الشديدة التي واجهت العمال الذين كانوا يشتغلون في السبعينيات على رصف الطريق المار بالأزرق إلى بغداد، بسبب المياه التي كانت تتفجر من كل مكان أثناء رصف الشارع.
فيصل البلعوس وصورته أواخر السبعينيات أمام بركة عين الِمسْتَدْهِمِة.
لقد اكتمل جفاف الواحة أوائل التسعينيات، بسبب الانخفاض الخطير في مستوى المياه الجوفية في حوض الأزرق المائي، الذي كان يغذي ينابيعها ومسطحاتها المائية، بشكل أساسي بسبب الضخ الجائر الذي بدأ أوائل الثمانينيات، من الحوض باتجاه عمان والزرقاء، لتلبية الحاجات السكانية. والآن، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعطي لمحة عن الماضي، لمن ولدوا في التسعينيات وما بعدها، هو المحمية المائية الاصطناعية، التي أقيمت بتمويل دولي على مساحة 74 كم. لكنها، وعلى النقيض من الواحة الأصلية التي كانت حية طوال السنة، فإن المحمية معتمدة بالكامل على ضخ مياه سلطة المياه. والوضع سيء، يقول مديرها حازم الحريشة، حد أنه إذا انقطع هذا الضخ، ولو لبضع أيام، فإنها ستموت.
لكن تدهور وضع المياه الجوفية إلى مستويات خطيرة، في حوض الأزرق، وهو واحد من 12 حوضًا جوفيًا موزعة على أنحاء المملكة، ليس خاصًا به. إنه قصة كل هذه الأحواض، والتي تشكل المصدر الرئيسي لتزويد السكان بالمياه. هذه الأحواض التي استغرقت عشرات آلاف السنين لتتكون، وكان من المفترض، بحسب خبراء، أن تكون مخزونًا استراتيجيًا احتياطيًا لأوقات الأزمات، وصلت جميعها، بحسبهم، إلى وضع حرج جدًا.
وفي وقت تتشابك فيه عوامل قاهرة قادت إلى هذا الوضع، من نمو سكاني، وتغيّر مناخي، وصراعات بين دول المنطقة على مصادر المياه، يشير هؤلاء إلى اختلالات في إدارة الاستجابة لهذه التحديات. فخلال العقود الماضية، أُقرّت تشريعات، وصيغت سياسات واستراتيجيات، بهدف حوكمة إدارة المياه الجوفية. لكن، الافتقاد، بحسبهم، إلى إرادة سياسية حقيقية لإنفاذ ما سبق، جعلها في جوهرها حبيسة المكاتب، في حين ظل الاستنزاف الجائر لهذا المورد المائي الثمين قائمًا. حد أن دراسات دولية توقعت أنه من دون اتخاذ التدابير المناسبة فإن البلاد ذاهبة إلى العطش. ووفق هذه الدراسات، فإن الفقراء سيكونون، كالعادة، هم أول الضحايا.
لماذا التركيز على المياه الجوفية؟
يحصل الأردن على مياهه من ثلاثة مصادر؛ المياه الجوفية، والمياه السطحية (محلية وإقليمية) وتأتي من تدفق الأنهار والمياه المجمّعة في السدود، وأخيرًا المياه غير التقليدية، وتأتي من المياه المحلاة والمياه العادمة المعالجة. وتُستخدم جميع هذه الأنواع لتلبية الطلب من الحاجة السكانية والزراعة والصناعة والثروة الحيوانية.
في العام 2019، بلغ حجم المياه التي دخلت المملكة من مصادرها المختلفة، مليارًا و216 مليون متر مكعب تقريبًا. منها 612 مليون متر مكعب تقريبًا من المياه السطحية المحلية والإقليمية، و185 مليون متر مكعب تقريبًا من المياه غير التقليدية (عادمة معالجة ومحلاة)، و419 مليون متر مكعب تقريبًا من المياه الجوفية.
ومن بين المصادر السابقة، هناك أهمية خاصة للمياه الجوفية، فهي تشكل مصدرًا رئيسيًا لجميع الاستعمالات، وبشكل خاص مياه الشرب. في العام 2019 كانت مصدر 55% تقريبًا من كافة الاستعمالات، و57% من تزويد مياه الشرب.[1]
لقد كان حجم المياه المستعملة للعام 2019 أقل بقليل من حجم المياه الداخلة للمملكة، فقد بلغ التزويد المائي للقطاعات المختلفة من سكان وزراعة وصناعة وثروة حيوانية، مليارًا و105 مليون متر مكعب. أي أقل بـ100 مليون متر مكعب تقريبًا من المياه الداخلة. لكن هذا لم ينطبق على المياه الجوفية، التي كانت حصتها من المياه الداخلة 419 مليون متر مكعب تقريبًا، في حين بلغت الكمية المستعملة 601 مليون متر مكعب.[2]
وهنا تكمن المشكلة، بحسب خبير المياه، والأستاذ في كلية الزراعة في الجامعة الأردنية، عماد كرابلية؛ إذ تكون أحواض المياه الجوفية بخير، طالما لم تتجاوز حد «السحب الآمن»، والذي يعني عدم تجاوز الكمية المسحوبة من الحوض كمية التجدد، والتي تأتي بشكل أساسي من مياه الأمطار وتدفق المياه السطحية إلى باطن الأرض. وتختلف حدود «السحب الآمن»، بحسب كرابلية، من حوض إلى آخر، بحسب طاقة تجدد كل حوض. ومع الأخذ في الاعتبار هذا التفاوت من حوض إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى، بحسب منسوب التغذية التي تتحقق في الأحواض تبعًا لمواسم الأمطار، وتدفق المياه السطحية، فإن الثابت علميًا، أن معدل السحب الآمن من المياه الجوفية في المملكة، على المدى البعيد، لا يجوز أن يتجاوز في المتوسط 275 مليون متر مكعب سنويًا.
في المملكة، كل الأحواض المائية، باستثناء الديسي، وجزء من حوض الجفر، متجددة.[3] لكن المشكلة، كما يقول مدير دائرة الأحواض المائية، ثائر المومني، هو أن حدود السحب الآمن تم تجاوزها في غالبيتها الساحقة، وبشكل جائر. ما أدى إلى انخفاض مستوياتها بشكل خطير. بل وأدى إلى أن بعض الآبار الحكومية المخصصة للشرب، جفت تمامًا. منها مثلا آبار في الحلابات والموقر.
وتظهر خريطة الأحواض المائية[4] لسنة 2017 السحب الجائر في عشرة من 12 حوضًا. ومن ذلك حوض الأزرق، الذي يبلغ معدل تجدده 24 مليون متر مكعب سنويًا، في حين يضخ منه حوالي 70 مليون متر مكعب سنويًا تقريبًا. وحوض الزرقاء عمان، الذي يتجدد سنويًا بمعدل 88 مليون متر مكعب تقريبًا، ويسحب منه 165 مليون متر مكعب سنويًا.
تصميم مايا عامر.
تراكم هذه الفوارق بين ما يخرج ويدخل إلى الأحواض الجوفية، أدى إلى تناقص مطّرد في كمية المياه في الأحواض الجوفية في مختلف مناطق المملكة، وانخفاضها بالتالي إلى مستويات خطرة، بحسب مصدر مختص في وزارة المياه طلب عدم ذكر اسمه. ويقول المصدر إن هذا هو ما أوصل الأحواض الجوفية في المملكة إلى وضع «حرج جدًا»، ليس فقط على صعيد تناقص كمية المياه فيها، بل على صعيد تردّي نوعيتها أيضًا. فانخفاض مستوى المياه يعني الذهاب إلى أعماق أكبر. ومن المعروف أن المياه تزداد ملوحة مع تزايد العمق.
وحتى الحوضان الوحيدان اللذان لم يتجاوز السحب منهما حدوده الآمنة، وهما الحماد والسرحان في صحراء البادية الشمالية، يقول إن إنتاجيتهما ضعيفة جدًا؛ إذ لا يتجاوز معدل تجدد الحماد ثمانية مليون متر مكعب، وخمسة ملايين متر مكعب للسرحان. وعلاوة على قلة الكمية، فإن مياه هذين الحوضين، شديدة الملوحة، وفيها نسبة عالية من الكبريت. وهذا، بحسبه، لا يجعل لهما قيمة فيما يتعلق بتلبية الحاجة لمياه الشرب. وإن كان هناك احتمال لإمكانية الاستفادة منهما للزراعة «هذا إذا قدروا يتعاملوا مع نوعية المياه».
في موازاة هذا التدهور المستمرّ منذ عقود في كمية المياه الجوفية وفي نوعيتها، ظلت وزارة المياه تستغل كل إمكانية لحفر آبار جديدة ضمن هذه الأحواض لتواصل الضخ منها. والآن يبدو أن الأمور وصلت إلى الحافة. فقد بدأت الوزارة، بحسب المصدر السابق مؤخرًا في الحفر في الموقع الأخير في المملكة، الذي من المؤمل أن يعطي كميات جيدة، وهو مشروع آبار خان الزبيب والشيدية والحسا. بعده، ستكون الفرص المتاحة هي مجرد «بير هون وبير هناك». وهذا المشروع الأخير الذي يتم فيه الحفر على عمق 1200 متر، يقول المصدر إنه جيد فقط فيما يتعلق بالكميات. أمّا من ناحية النوعية، فالمياه مالحة، وفيها نسبة عالية من الإشعاعات، وهي حارة جدًا. وكل هذه خصائص مألوفة لمياه تستخرج على هذا العمق. إذ من المعروف أن نوعية المياه تتردى كلما زاد عمق استخراجها. ومن هنا، يقول إن المشكلة التي تواجه المملكة، ليست فقط في تدهور كمية المياه الجوفية، بل أيضًا في تدهور نوعيتها. والذي يرفع بشكل كبير كلفة التزويد، إذ تضاف كلفة المعالجة. وبالنسبة لهذا المشروع الأخير، هناك أيضًا كلفة إضافية للكهرباء التي تزيد مع ازدياد عمق الضخ. وكلفة تمديدات المياه، بسبب بعد الموقع عن التجمعات الحضرية. ذلك أنه في الوقت الحالي، صار من الصعب جدًا العثور على آبار قريبة من شبكة المياه. وهذا يرفع كثيرًا كلفة التمديد.
كيف وصلنا إلى هنا؟
حتى العام 1980، كان وضع طبقات المياه الجوفية متوازنًا، بضخ لم يكن يتجاوز وقتها 138 مليون متر مكعب سنويًا. لكن السحب الجائر بدأ بعدها، ووصل إلى 200 مليون متر مكعب أوائل التسعينيات، ثم إلى 250 مليون متر مكعب العام 2000.[5] ويتذكر الحريشة، مدير المحمية المائية في الأزرق، أن أوائل الثمانينيات، كانت الفترة التي بدأ فيها ضخ مياه حوض الأزرق باتجاه عمان والزرقاء. ويقول إن المسوحات وقتها بدأت تكشف مباشرة التناقص التدريجي لحجم تدفق مياه الينابيع، ومن بينها الينابيع الرئيسية التي صنع تدفقها واحة الأزرق، وهي المستدهمة والعورة في الجزء الشمالي من المدينة، والقيسية والسودة في الجنوبي. وهو تناقص أفضى بعدها، وخلال عشر سنوات فقط، إلى جفاف العيون ومعها الواحة أوائل التسعينيات. تدفق الينابيع، الذي هو نتاج اندفاع المياه الجوفية إلى السطح، هو أول مؤشر على وضع أي حوض مائي، بحسبه. وكان تدهورها بالتالي نذير خطر، لم يفعل أحد شيئًا إزاءه.
محمية الأزرق الصناعية.
يؤكد كلام الحريشة تقرير[6] أصدره، المعهد الفيدرالي لعلوم الأرض والموارد الطبيعية (BGR) في عام 2017، وهو مؤسسة ألمانية تعمل في الأردن منذ أكثر من 60 عامًا. فقد كان حجم تدفق مياه الينابيع في مختلف مناطق المملكة، أوائل السبعينيات، 249 مليون متر مكعب سنويًا. وبحسب تقرير[7] لوزارة المياه، كشف مسح للفترة بين 2013 و2018، أن المعدل السنوي للتدفق صار 125 مليون متر مكعب سنويًا.
وفق تقرير (BGR)، تزايد عدد الينابيع الجافة سنويًا، كان قد بدأ يصبح نمطًا في الأردن، ابتداءً من العام 1987. وهذا أثر كثيرًا على تزويد مياه الشرب. وخلال العام 2017 فإن 20 مليون متر مكعب فقط من مياه الينابيع أمكن استخدامها لمياه الشرب. وانخفاض كمية التزويد من مياه الينابيع للشرب، لا يعود فقط إلى ظاهرة جفافها، بل أيضًا بسبب أن معظمها، كما يقول التقرير، ملوث بكتيريًا. ومن الينابيع المسجلة في الأردن وعددها 861 نبعًا، استخدمت مياه 23 نبعًا للشرب.
إذن، فإن الخطر المحدق بالمياه الجوفية يكمن أساسًا في تأثيره على التزويد المائي لمياه الشرب للسكان، التي سُجل تراجع حصة الفرد منها، من 3600 متر مكعب سنويًا في العام 1964[8] إلى 500 مترًا مكعبًا العام 1975، ثم إلى 140 مترًا مكعبًا العام 2010.[9] وخلال العام 2019، يقول كرابلية، انخفضت الحصة إلى 95 مترًا مكعبًا.
طيور في محمية الأزرق.
يذكر أن الحد العالمي للندرة المائية، أو الفقر المائي، كما حددته منظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة (FAO) هو 500 متر مكعب سنويًا للفرد. أي أن الفرد في الأردن يحصل على خمس الحصة المصنفة أصلًا حدًّا للفقر المائي. علمًا بأن التزويد المائي الفعلي للفرد للعام 2019 يقول كرابلية، بلغ 123 مترًا مكعبًا لكن الفرق نتيجة الفاقد الفيزيائي للمياه.
والأمور ذاهبة إلى الأسوأ. وفق دراسة نشرتها في نيسان الماضي مجلّة Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS)، فإنه ما لم تتخذ إجراءات حقيقية، فإن حصة الفرد ستنخفض مع نهاية المئوية بما مقداره 50% من الحصة الحالية. وستكون أكثر المناطق تضررًا، أكثرها ازدحامًا بالسكان، في عمان والزرقاء وإربد، إذ «وحتى ضمن سيناريو متفائل»، كما تقول الدراسة، سينخفض مستوى المياه الجوفية في هذه المحافظات بما نسبته 60% تقريبًا. والأمر نفسه في بعض المناطق في الجنوب. وسيكون محدودو الدخل الفئة الأكثر تضررًا، إذ من المتوقع أن تنخفض حصصهم السنوية إلى 15 مترًا مكعبًا تقريبًا.[10]
إذن، لماذا وصلنا إلى هنا؟
لقد كتب الكثير عن النمو السكاني وتغير المناخ والصراع على موارد المياه في المنطقة، بوصفها أبرز العوامل المؤثرة في أزمة المياه في الأردن.
فقد ارتفع عدد سكان المملكة، سواء بسبب النمو الطبيعي، أو تدفق الهجرات بأنواعها إلى المملكة، من مليون نسمة تقريبًا، وفق تعداد العام 1961، إلى 11 مليون نسمة تقريبًا في الوقت الحالي.
وهناك التغير المناخي، في بلد أكثر من 92% من أراضيه عبارة عن صحراء. ولا يزيد معدل هطول الأمطار عن 200 ملم سنويًا.[11] وفي معظم المناطق، يقل المعدل عن 50 ملم سنويًا.[12] وقد شهدت العقود الماضية تراجعًا وتذبذبًا في كمية الهطول المطري، يقول مدير الأحواض المائية في وزارة المياه، ثائر المومني، والسنة الماضية، هطلت الأمطار بنسبة 60% فقط من المعدل طويل الأمد. لكن الأمر لا يتعلق فقط بالكمية، بل أيضًا بتوزيع هذه المياه زمنيًا وعلى المناطق، والذي اختلف خلال السنوات الماضية. إذ، حتى في السنوات التي تكون فيها كمية الهطول المطري ممتازة، صارت هذه الأمطار تأتي، يقول المومني، شديدة ومتركزة في فترات قصيرة، فتتسبب بالفيضانات، ولا تفيد التغذية الجوفية التي تحتاج إلى مطر أخف.
أراضٍ قاحلة كانت في الماضي جزءًا من الواحة الخضراء.
علاوة على ذلك، صارت الأمطار تهطل على مناطق، لا يمكن لاعتبارات فنية إقامة سدود عليها، وهذا يعني ضياعها. وفي ظل الارتفاع المستمر في درجات الحرارة، فإن معظم ما يهطل من أمطار يضيع، إذ تبلغ نسبة الأمطار التي تضيع نتيجة التبخر سنويًا في المملكة، 94% تقريبًا، بحسب المومني. وهذا يعني أن 6% منها فقط تذهب لتغذية السدود ومصادر المياه الجوفية.
أمّا العامل الثالث فهو الصراع على المياه بين دول المنطقة. فأهم الأحواض المائية، السطحية والجوفية مشتركة مع «دول الجوار». وبالنسبة للمياه السطحية، والتي تغذي المياه الجوفية، فالجزء الواقع منها في أراضي المملكة غالبًا ما يكون هو المصب.[13] وهذا يعني أن المنابع متحكم بها من «دول الجوار». مثال على ذلك، يقول المومني، نهر الأردن الذي تتحكم به «إسرائيل»، ونهر اليرموك الذي تتحكم به سوريا. وفي السياق نفسه، يقول المومني، هناك الأحواض الجوفية المشتركة، وهي الديسي والسرحان والأزرق، وعمان الزرقاء [واليرموك والحماد]. وهذه أيضًا، تسحب منها كميات كبيرة من المياه، بالتحديد في حوضي الديسي المشترك مع السعودية، والمقام عليه في الجانب السعودي عدد كبير جدًا من الآبار، وحوض اليرموك المشترك مع سوريا، والتي أقامت عليه أيضًا عددًا كبيرًا جدًا من الآبار.
كيف كان شكل الاستجابة؟
لقد التفتت استراتيجيات المياه المتعاقبة لأهمية المياه الجوفية، وضرورة ضبط نزيفها. وكان هذا محور العديد من السياسات الخاصة بالمياه الجوفية. كما صدرت ابتداءً من الستينيات تشريعات تنظم استعمال هذا المورد المائي. ولكن، دائمًا كان هناك نقد مفاده وجود تناقض بين ما تبشر به السياسات، وما يحدث فعليًا على الأرض. بحسب تقرير أصدره المعهد الدولي لإدارة المياه (IWMI) في عام 2016، فإن أسلوب إدارة قطاع المياه في الأردن يتسم بـ«الرخاوة». ويتمثل هذا في «التراخي في إنفاذ القوانين والتشريعات، والافتقار إلى العدالة والشفافية»، ما أدى إلى استمرار استنزاف موارد المياه الجوفية.[14]
في موازاة هذا التدهور المستمرّ منذ عقود في كمية المياه الجوفية وفي نوعيتها، ظلت وزارة المياه تستغل كل إمكانية لحفر آبار جديدة ضمن هذه الأحواض لتواصل الضخ منها.
إدارة ملف المياه الجوفية قضية متشعبة تبعًا لتشعب استعمالاتها. إذ سبق القول إنها تستنزف لتغطية كل أنواع الاستعمالات، من شرب وزراعة وصناعة وسياحة وثروة حيوانية. يركز هذا التقرير على إدارة أحد المفاصل المهمة في هذه القضية، وهي الآبار الجوفية الزراعية الخاصة، بوصفها نموذجًا لهذه الإدارة. فهذه الآبار، والتي تتركز بشكل أساسي في المناطق المرتفعة شمال وشرق ووسط المملكة، تشكل ما نسبته 67% مجموع الآبار الجوفية في المملكة لكل الاستعمالات. وهي تستهلك، حسب أرقام وزارة المياه، من خلال ما هو مرخص وغير مرخص، ثلث موازنة المياه الجوفية. في حين أن الاستهلاك الفعلي، كما سيوضح هذا التقرير، يتجاوز هذا بكثير. حسام حسين، الباحث في جامعة أوكسفورد البريطانية، والذي اشترك العام الماضي في إعداد ورقة علمية عن المياه الجوفية في الأردن،[15] يقول إن زراعة المناطق المرتفعة كانت بالفعل عاملًا أساسيًا في استنزاف موارد المياه الجوفية. وسببًا لانخفاض مستواها، وتردي نوعيتها. وبحسب الأمين العام السابق لوزارة المياه، علي صبح، فإن المشكلة هي أن معظم هذه المياه، تذهب إلى أنماط محاصيل تزرع في غير بيئتها الملائمة، وتستهلك كميات كبيرة من المياه الجوفية العذبة. ثم تباع بأثمان لا تعكس القيمة الحقيقية للمياه التي استهلكتها، ولكنها مع ذلك تحقق ربحًا للمزارع، لأنه لم يدفع الثمن الحقيقي لهذه المياه. ومن الأمثلة على ذلك الزيتون المروي المزروع على مساحات شاسعة في المناطق المرتفعة، ويستهلك كميات هائلة من المياه الجوفية سنويًا.
لم يكن المزارعون في الماضي يدفعون ثمنًا للمياه الجوفية. لكن ابتداءً من العام 1966 بدأت محاولات تحديد سقف للكمية السنوية المسموح بسحبها من كل بئر، إلّا أن هذا لم يطبق إلا جزئيًا. ثم، مع إنشاء سلطة المياه، منتصف الثمانينيات، حُدّد سقف ضخ المياه بـ75 مليون متر مكعب سنويًا، رفعت خلال التسعينيات، في بعض الحالات، إلى 100 مليون متر مكعب. وكان قبلها قد صدر قرار بأن يدفع أصحاب الآبار الجوفية، ثمنًا للمياه التي يسحبونها فوق السقف المحدد. لكن من دون تطبيق حقيقي لهذا.[16] إلى أن صدر في عام 2002 نظام[17] نص على تقاضي أثمان المياه بغض النظر عن السقف. لكنه منح لكل مالك بئر كمية مجانية هي 150 ألف متر مكعب سنويًا.[18] على أن تباع الـ200 ألف متر مكعب التالية بخمس فلسات لكل متر مكعب. وما يزيد عن ذلك يباع بستة قروش للمتر المكعب. في حين وضعت تعرفة خاصة أكثر تشددًا لآبار الأزرق، بسبب حراجة وضعها؛ فالكمية المجانية أقل، كما أنها ليست موحدة، بل تحدد لكل بئر وفق معايير. وتكون التعرفة قرشين لما تجاوز كمية المياه المجانية إلى 100 ألف متر مكعب. وما زاد على ذلك، يباع بستة قروش للمتر.
جزء مما شكل سابقًا واحة الأزرق.
والمشكلة هي أن قسمًا كبيرًا من هذه المحاصيل، مثل البطيخ والشمام والبندورة والفواكه، يذهب للتصدير، يقول كرابلية. وهذا يعني أن الأردن في الحقيقة يصدّر مياهه العذبة الشحيحة إلى الخارج بأسعار بخسة. ثم يكون على السلطات مسؤولية تأمين مياه الشرب للسكان بأسعار تصل إلى دينار ونصف للمتر المكعب الواحد.
ويمثل ما يعرف بشركات الجنوب الزراعية مثالًا على ما سبق. فمنتصف الثمانينيات منحت الحكومة أربع شركات زراعية تراخيص لتأسيس مشاريع زراعية تستخدم مياه الديسي. ونصت التراخيص على أن تزرع نصف الأراضي بالقمح والشعير. لأن فكرة المشروع كانت أصلًا أن يحقق جزءًا من الأمن الغذائي للمملكة.[19] لكن هذه المزارع تحوّلت بعدها لزراعة محاصيل مثل البطيخ والبطاطا.[20] لم تخضع المشاريع لنظام لمراقبة كميات الضخ، وبحلول العام 2013، كان الحوض قد انخفض 25 مترًا. وهذا مستوى خطير من الانخفاض، يقول المومني، خصوصًا في حوض غير متجدد كالديسي. ورغم أن ثلاثًا من هذه الشركات الأربع أغلقت، عندما بدأ العمل على سحب مياه الديسي لعمان، لكن الشركة الأضخم بينها، وهي شركة رم، مازالت قائمة.[21]
إذن، في الوقت الذي يتم فيه التخطيط لترشيد المياه الجوفية، فإن التطبيق على الأرض يسير باتجاه معاكس. ومن ذلك يقول المصدر المختص في وزارة المياه، إن قرارات حكومية شجعت على حفر الآبار الجوفية، من خلال تشجيع زراعات تعتمد عليها في مناطق لا تتحمل ذلك، مثل الأزرق والمفرق والحلابات والظليل، والتي يمكن القول إنها الآن جافة.
ويمثل باسم،* وهو مزارع في الأزرق، مثالًا نموذجيًا على تناقض السياسات مع تطبيقاتها. يمتلك باسم وعائلته مزرعتين، ويتضمن اثنتين أخرتين، بمساحة إجمالية 2200 دونم. بدأت عائلته مشروع الزراعة في الأزرق في عام 1998، قادمين من الحلابات، التي كانت عائلته قد أنشأت فيها مزرعة، ثم تحولوا إلى الأزرق، بعد أن شحّت مياه الحلابات. في الأزرق أقاموا مزرعة زيتون على أرض مساحتها 200 دونم من أراضي الخزينة، امتلكوها فيما بعد، مستفيدين من سياسة حكومية تسمح لمن قام بـ«إحياء» أراضي الدولة بأن يمتلكها.
بحسب المدير السابق لدائرة الأراضي والمساحة، المهندس نضال السقرات، يتيح قانون[22] إدارة أملاك الدولة لشخص استأجر أرض خزينة بغرض الزراعة، أن يحصل على تفويض بها مدته عشر سنوات. ويعني التفويض أن الأرض تصبح ملكه، لكن من دون أن يكون له حق التصرف بها بالبيع أو التأجير. بعدها تسجل الأرض له ملكية خالصة. يقول السقرات إنه بهذه الطريقة استُملِكت مساحات شاسعة من أراضي الخزينة، بشكل أساسي في المناطق الصحراوية. حيث حفر أصحابها فيها آبارًا وأنشأوا مزارع.
امتلكت عائلة باسم 200 دونمًا في عام 2008 مقابل 25 دينار للدونم. وكانت قد زرعتها بالزيتون. وهو صنف لا يشكل الأزرق بيئته الطبيعية، حيث لا يمكن أن ينمو بعلًا. بل يعتمد، كما يقول باسم، على الري المستمر، الأمر الذي يقول إنه لم يكن آنذاك مشكلة. صحيح أن المسطحات المائية في المدينة كانت وقتها قد جفت، لكن المياه الجوفية لم تكن قد وصلت إلى وضع التدهور الحالي. وكان بالإمكان، الحصول على المياه على عمق 50 أو 60 مترًا. وهو أمر لم يعد متاحا حاليًا. إذ يحتاج مالكو الآبار الآن، بشكل متواصل إلى تعميق آبارهم للوصول إلى المياه، بحسبه. وهذا يرفع كلفة الكهرباء اللازمة للضخ. والأهم، أن المياه تصبح، كما تقدم أكثر ملوحة. وقتها كانوا يعتمدون وغيرهم من المزارعين طريقة الري بالقنوات أو كما تسمي «الغمر»، والتي تستهلك تقريبًا عشرة أضعاف كمية الري بالتنقيط، التي تحول إليها قسم من المزارعين بعد أن شحّت المياه. وإلى جانب الزيتون، أنتجت مزارعه البطيخ والشمام والبندورة والبرسيم.
توزيع الآبار الجوفية في المملكة. تصميم مايا عامر.[23]
يبلغ عدد الآبار الجوفية، لمختلف الاستعمالات، بحسب أرقام وزارة المياه 3183 بئرًا.[24] وهذا الرقم، يقول كرابلية، يمثل الآبار العاملة فقط. فمجموع الآبار المحفورة في المملكة هو تسعة آلاف بئر تقريبًا. أي أن هناك ما يقارب ستة آلاف بئر، إما جفت تمامًا، أو لم تعد كميات المياه الناتجة فيها مجدية اقتصاديًا مقارنة بكلفة الكهرباء المستخدمة في سحبها، أو قد يكون البئر قد وصل إلى عمق كبير، وتملحت مياهه، ولم تعد صالحة للزراعة.
عدد الآبار الزراعية الخاصة، وفق الأرقام الرسمية، 2125 بئرًا، تمثّل ما نسبته 67% من مجمل الآبار الجوفية في المملكة. ويقول كرابلية، إن الرقم الرسمي يشمل فقط الآبار المعروفة للسلطات، سواء كانت آبار مرخصة، أو تلك المحفورة بشكل غير قانوني، وعددها 600 بئر تقريبًا، والتي رغم حفرها بشكل غير قانوني، سمح لها بالعمل، ضمن تنظيم معين (سيوضحه التقرير لاحقًا). ويضاف إلى جميع ما سبق عدد غير معروف من الآبار المحفورة أيضًا بشكل غير قانوني، لكن السلطات لا تعرف عنها.
وفق الأرقام الرسمية، استهلكت الآبار الزراعية الخاصة عام 2019 ما مجموعه 209 ملايين متر مكعب، تشكل ما نسبته 34% من مجمل استعمالات المياه الجوفية.[25] لكن حسين، يلفت إلى أن قياس كميات المياه المسحوبة من الآبار الزراعية، كان التحدي الأساسي الذي حاولت وزارة المياه التعامل معه، من خلال السياسات والتشريعات المختلفة، التي نظمت منح تراخيص الآبار، وتركيب عدادات عليها. وفي هذا السياق، تلفت ورقة العمل إلى أن الأرقام الرسمية الخاصة بحجم استهلاك المياه الجوفية، والتي تشير إلى تراجع معدلات استهلاك المياه الجوفية، تتعارض مع دراسات مستقلة أثبتت أن الواقع هو العكس. وهذه التشريعات والسياسات كان لها «أثر محدود» فيما يتعلق بضبط استنزاف الزراعات للمياه الجوفية.
مثال على ذلك أنه في عام 2009، وفي وقت كان الرقم الرسمي المسجل لاستهلاك المياه الجوفية لكافة الاستعمالات 537 مليون متر مكعب، فإن التقديرات المستندة إلى حسابات حاجة المحاصيل من المياه أظهرت أن الاستخدام الفعلي كان 960 مليون متر مكعبًا.[26] وتقول وزارة المياه إن الفرق يذهب للزراعة في الأراضي المرتفعة. بحسب وثيقة استدامة المياه الجوفية التي أصدرتها الوزارة عام 2016، أثبتت مسوحات تمت بواسطة تقنيات الاستشعار عن بعد أن هناك 225 مليون متر مكعب تقريبًا زيادة عن الأرقام المسجلة، تستعمل سنويًا للأغراض الزراعية، في المناطق المرتفعة وحدها.[27]
لقد أوقفت وزارة المياه منح تراخيص آبار زراعية خاصة جديدة ابتداءً من العام 1992، كإجراء هدفه ضبط استنزاف المياه الجوفية، يقول المومني. لكنها تأذن لأصحاب الآبار التي طرأت أي مشاكل فنية على آبارهم فيما يعيق سحب المياه، بحفر آبار بديلة عنها. في حين يسمح لمن شحت المياه في آبارهم بتعميقها. ويظل الحفر المخالف، يقول المومني، هو «أكبر تحدٍ» في ما يتعلق بإدارة قطاع المياه الجوفية. والوزارة، بحسبه، تحاول ضبط الأمور، لكنها في النهاية، لا تستطيع وضع «حارس على كل نقطة».
لقد نص نظام العام 2002 على وجوب توقف أصحاب الآبار المخالفة عن استخراج المياه، وردم هذه الآبار خلال فترة لا تزيد عن سنة من تاريخ نفاذ النظام. لكنه نفسه، وضع استثناء، هو وجود «أسباب اقتصادية أو اجتماعية تبرر استمرار استخراج المياه من هذه الآبار». وقرر أن استمرارها يكون فقط «لمدة معينة»، تحددها أسس يقررها مجلس الوزراء.
ويقول الأمين العام السابق لوزارة المياه، المهندس علي صبح، إن وزارة المياه اقترحت بالفعل أسسًا أرسلتها إلى مجلس الوزراء. وكانت الصعوبة آنذاك تكمن في وجود استثمارات مقامة على هذه الآبار، وكثير منها كان مصدر معيشة عائلات. والذي حدث وقتها هو أن مجلس الوزراء شكل لجانًا لدراسة هذه الأسس، ولكن لم يتمخض الأمر عن شيء.
الآن، الآبار المخالفة، موجودة كواقع تسلم به الحكومات المتعاقبة، تنظمه وتحميه التشريعات. فوفق نظام العام 2002، لا يجوز أن تقل المسافة بين أي بئرين عن كيلومتر. وهذا، كما يشرح صبح، لاعتبارات فنية، تتعلق بحماية الطبقات الجوفية من الهبوط. النظام يستثني من ذلك الآبار المخالفة، لأنها هنا، يقول صبح، أمرًا واقعًا.
وقد حدد النظام السابق الذكر تعرفة خاصة للآبار المخالفة، أعلى من الآبار المرخصة. ويذكر أن الآبار المخالفة هنا، هي فقط المسجلة لدى وزارة المياه، والتي لم تردمها الوزارة، كما هو مفترض، للأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي نص عليها نظام العام 2002، كما هو مذكور سابقًا. التعرفة بحسب النظام 15 قرشًا لأول 10 آلاف متر مكعب، و25 قرشًا لحد 30 ألف متر مكعب. وما زاد عن ذلك، تعرفته نصف دينار عن المتر المكعب. لكن، وفي استمرار لنهج السير عكس السياسات، فإن هذه التعرفة مرشحة للتخفيض بشكل جذري؛ إذ نشر ديوان الرأي والتشريع، في كانون الأول 2017، مسودة نظام معدل لنظام مراقبة المياه الجوفية، تتضمن تخفيضًا لشرائح الاستهلاك المختلفة، فتبدأ التعرفة بقرشين ونصف للمتر المكعب في الشريحة الأولى، وتصل في أقصاها إلى 25 قرشًا لمن يتجاوز استهلاكه 150 ألف متر مكعب. ويقول صبح إن هذا التوجه يمثّل «واقعية» في التعامل مع ظاهرة الآبار المخالفة. فالتعرفة بقيمتها الحالية رتّبت على أصحاب هذه الآبار ذممًا بالملايين، هي في الحقيقة «ملايين على ورق»، لأن هؤلاء يمتنعون عن دفعها بحجة عجزهم عن دفع مبالغ بهذا الحجم. ومن هنا، فإن الهدف من خفض التعرفة هو حفزهم لأن يدفعوا ثمن استهلاكهم للمياه. لكن المومني يقول إن وراء هذا التوجه «ضغوطات من متنفذين»، ومن نواب في المجلس. وهو توجه، يتناقض مع سياسة الحد من استنزاف المياه الجوفية التي كانت أصلًا الدافع وراء رفع تعرفة الآبار المخالفة.
في الأثناء، هناك مشكلة الآبار المخالفة غير المسجلة. وهذه أطلقت وزارة المياه حملة لإغلاقها في عام 2013. بين العامين 2013 و2017، تقول[28] الوزارة إنها ردمت 1221 بئرًا مخالفًا. لكن تقرير الـ(IWMI) السابق الذكر، يقول إن ما حدث فعلًا لم يكن كما صوّرته الحكومة. فخلال الحملة التي «روجتها الحكومة في الإعلام بوصفها قصة نجاح»، الكثير من الآبار التي قيل إنها أغلقت، كانت أصلًا «مهجورة»، أو بمستوى إنتاجية متدنٍ. أي أنها «لم تعد مفيدة لمالكيها». ويؤكد ذلك ما نقلته ورقة حسين عن أحد كوادر وزارة المياه، ردّا على سؤال إن كانت الآبار المخالفة تغلق فعلًا، فكانت إجابة هذا الموظف إنه لم يسمع أبدًا أن هناك بئرًا محفورًا بالكامل، ويعمل بالفعل قد أغلق. يستثنى من ذلك منطقة الديسي.
هناك خلل عميق في التطبيق، يقول المصدر المختص، بسبب عدم وجود «إرادة للتغيير». وينعكس هذا الخلل في التطبيق على شكل شبه غياب للتنسيق بين الجهات المختلفة الشريكة. لأن وزارة المياه هي في النهاية طرف واحد من عدة أطراف في القضية. وهناك قرارات مفصلية في ترشيد المياه الجوفية ليست من اختصاصها. ومنها مثلًا التدخل في تحديد أنماط الزراعة، وتوجيهها بما يتناسب مع سياسة الترشيد. ويشير إلى الأمر نفسه وزير المياه محمد النجار، الذي قال في مقابلة تلفزيونية، قبل عامين، إن جزءًا من العجز عن التعامل مع قضية الآبار المخالفة مثلا، هو أن الأجهزة الأمنية ليست متعاونة مع الوزارة في تنفيذ قرارات الإغلاق. وأيضًا في السياق نفسه، يشير صبح إلى غياب التنسيق، ويقول إن قطاع المياه في المملكة لا يدار بوصفه منظومة متكاملة، تشمل كل المؤسسات الأطراف فيه.
لقد أكد تقرير الـ(IWMI) ما قاله المصدر المختص، وأشار إلى «نقص الإرادة السياسية فيما يتعلق بإنفاذ القوانين والأنظمة، ما تسبب بفقدان الثقة بسيادة القانون، وخلق تبعًا لذلك، إحساسًا بالحصانة لدى منتهكيه».
لكن الأمر لا يتعلق فقط بإنفاذ القوانين القائمة، بل يتعلق أيضًا بتنفيذ أهداف الاستراتيجيات الوطنية التي تجمع على أن مياه الشرب هي رأس الأولويات. وفق حسين، ليس هناك مفرٌ من تحويل جزء من حصص المياه المخصصة للزراعة لتغطية الاحتياجات البلدية. لكنه ينبه هنا إلى ضرورة التفرقة بين الأنواع المختلفة للأنشطة الزراعية. وتوجيه أسئلة مثل: ما نوع المحصول الذي نرويه؟ من يأكله؟ ومن يربح منه؟. فهناك مشاريع زراعية صغيرة توفر العيش لأصحابها من عائلات المجتمعات المحلية، وهذه ضرورة، وهناك في المقابل، شركات زراعية كبرى، تستهلك المياه الجوفية لإنتاج محاصيل تكون بطبيعتها كثيفة استهلاك المياه، ثم تصدرها. وهذا لا يجوز أن يستمر. وبهذا المعنى، فإن أي تخطيط للمستقبل يجب أن يحقق التوازن بين الأمن المائي، واعتبارات التنمية الريفية.
تمّ إنتاج هذا التقرير بدعم ماليّ من مؤسّسة هينرش بُل – فلسطين والأردن. الآراء المقتبسة في التقرير لا تعبّر بالضرورة عن رأي مؤسّسة هينرش بُل.
-
الهوامش
[1] الموازنة المائية 2019، الموقع الإلكتروني لوزارة المياه.
[2] المصدر السابق.
[3] المصدر السابق.
[4] قطاع المياه الأردني، حقائق وأرقام 2017، الموقع الإلكتروني لوزارة المياه.
[5] Water Resources, Use and Management in Jordan-A focus on Groundwater. Emad Al-Karablieh, Amer Salman 2016.
[6] Groundwater Assessment of Jordan (2017), Ministry of Water and Irrigation (MWI), Federal Institute for Geosciences and Natural Resources (BGR).
[7] الكتاب السنوي للمياه، السنة المائية 2018-2019. الموقع الإلكتروني لوزارة المياه.
[8] التقرير السنوي 2019 لوزارة المياه.
[9] Water Resources, Use and Management in Jordan-A focus on Groundwater. Emad Al-Karablieh, Amer Salman 2016.
[10] A coupled human-natural system analysis of freshwater security under climate and population change. Jim Yoona, Christian Klassertb, Philip Selbyc, Thibaut Lachautd , Stephen Knoxc, Nicolas Avissed, Julien Harouc , Amaury Tilmantd , Bernd Klauerb , Daanish Mustafae , Katja Sigelb , Samer Talozif , Erik Gawelb,g, Josue Medell´ın-Azuarah, Bushra Batainehi, Hua Zhangj, and Steven M. Gorelickk. PNAS April 6, 2021.
[11] الاستراتيجية الوطنية للمياه 2016-2025.
[12] The National Climate Change Adaptation Plan of Jordan 2021.
[13] الموازنة المائية 2019، الموقع الإلكتروني لوزارة المياه.
[14] Water Resources, Use and Management in Jordan-A focus on Groundwater. Emad Al-Karablieh, Amer Salman 2016.
[15] Between Regulation and Targeted Expropriation: Rural to Urban Groundwater Reallocation in Jordan 2020.Timothy Liptrot, Hussam Hussein.
[16] Groundwater Governance in Jordan, the case of Azraq Basin. A policy White Paper. 2017. François Molle, Emad Al Karablieh, Majd Al Naber, Alvar Closas, Amer Salman.
[17] نظام مراقبة المياه الجوفية لسنة 2002.
[18] Groundwater Governance in Jordan, the case of Azraq Basin. A policy White Paper. 2017. François Molle, Emad Al Karablieh, Majd Al Naber, Alvar Closas, Amer Salman.
[19] Between Regulation and Targeted Expropriation: Rural to Urban Groundwater Reallocation in Jordan 2020.Timothy Liptrot, Hussam Hussein.
[20] Water Resources, Use and Management in Jordan-A focus on Groundwater. Emad Al-Karablieh, Amer Salman 2016.
[21] Between Regulation and Targeted Expropriation: Rural to Urban Groundwater Reallocation in Jordan 2020.Timothy Liptrot, Hussam Hussein.
[22] قانون إدارة أملاك الدولة لسنة 1974.
[23] A coupled human-natural system analysis of freshwater security under climate and population change. Jim Yoona, Christian Klassertb, Philip Selbyc, Thibaut Lachautd , Stephen Knoxc, Nicolas Avissed, Julien Harouc , Amaury Tilmantd , Bernd Klauerb , Daanish Mustafae , Katja Sigelb , Samer Talozif , Erik Gawelb,g, Josue Medell´ın-Azuarah, Bushra Batainehi, Hua Zhangj, and Steven M. Gorelickk. PNAS April 6, 2021.
[24] الموازنة المائية 2019، الموقع الإلكتروني لوزارة المياه.
[25] المصدر السابق.
[26] Water Valuation Study: Disaggregated Economic Value of Water in Industry and Irrigated Agriculture in Jordan. International Resources Group (IRG), Dr. Imad Karablieh, 2012.
[27] سياسة استدامة المياه الجوفية 2016. الموقع الإلكتروني لوزارة المياه.
[28] قطاع المياه الأردني، حقائق وأرقام 2017. الموقع الإلكتروني لوزارة المياه.