نشر هذا التقرير في موقع Energy Monitor في 12 آذار 2024.
شيئًا فشيئًا، يتجه المزيد من الناس نحو السيارات الكهربائية. لكن وتيرة هذا التحول لا تزال بحاجة إلى تسريع إن كان للعالم أن يحقق هدفه في خفض صافي الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050. رغم التحسينات الهائلة في السيارات الكهربائية، لا يزال العديد من السائقين مترددين في التخلي عن راحة سياراتهم التي تعمل بالوقود. فبالإضافة إلى التكلفة، برزت مخاوف من نقص محطات الشحن ومن عمر البطارية كعوائق رئيسية أمام المستهلكين الأمريكيين عند شراء سيارة كهربائية بحسب استطلاع أجرته شركة إيبسوس موري العام الماضي. بالنسبة لمصنعي السيارات، يعود ذلك بدرجة كبيرة إلى محدودية مدى سير وعمر بطاريات أيونات الليثيوم التي تعمل عليها السيارات الكهربائية حاليًا.
لكن فريقًا من العلماء في جامعة هارفارد يعتقدون أنهم خطوا خطوة مهمة نحو حل هذه المعضلات. إذ طور باحثون في كلية الهندسة والعلوم التطبيقية بطارية جديدة «صلبة الحالة» يمكن شحنها في نفس الوقت الذي يستغرقه ملء خزان الوقود، وتستوعب ثلاثة إلى ستة أضعاف دورات شحن التي تستوعبها البطارية المعتادة للسيارات الكهربائية.
لطالما اعتبرت بطاريات الحالة الصلبة الحل السحري من أجل الانتقال إلى وسائل النقل الكهربائية على نطاق واسع، وقد تسارع السباق لتسويقها تجاريًا في السنوات الأخيرة. تعمل شركات مثل تويوتا وفولكس فاغن على تطوير بطارياتها الخاصة التي تأمل في إدخالها إلى السيارات بحلول نهاية العقد. ومع الدَفعة التي حصل عليها آخر ابتكار من جامعة هارفارد، هل أصبحت بطاريات الحالة الصلبة قادرة أخيرًا على الارتقاء إلى السمعة التي حظيت بها؟
ميزات البطاريات الصلبة مقارنة بالسائلة
تهيمن بطاريات أيونات الليثيوم على الصناعة اليوم، إذ تُستخدم في كل شيء من الهواتف وأجهزة الحاسوب المحمولة إلى السيارات الكهربائية وأنظمة تخزين الطاقة. نجح الباحثون والمصنعون في خفض أسعار بطاريات أيونات الليثيوم بنسبة 90% خلال العقد الماضي، ويعتقدون أنه لا يزال بإمكانهم جعلها أرخص، وصنع بطارية ليثيوم أفضل.
تستخدم هذه البطاريات كهرلًا سائلًا (liquid electrolyte) لتحريك الأيونات بين قطبي البطارية، المصعد والمهبط، عند التفريغ والشحن. لكن هذا السائل قابل للاشتعال ويمنع إضافة مواد تطيل عمر البطارية. يعتقد الباحثون أن أحد الحلول هو استخدام الكهارل الصلبة بدل السائلة.
تَعد بطاريات الحالة الصلبة بمجموعة واسعة من المزايا مقارنة بنظيراتها السائلة. فهي توفر كثافة طاقة أعلى، بمعنى أنها تستطيع تخزين المزيد من الطاقة لكل وحدة حجم أو وزن، مما يؤدي إما إلى عمر بطارية أطول أو إلى حزم بطاريات أصغر حجمًا وأخف وزنًا. كما تَعد بدورة حياة أطول، أي تحمل المزيد من دورات الشحن والتفريغ دون أن تتلف، ما يزيد عمر البطارية. كما يُمكّن استخدام الكهارل الصلبة من الشحن بسرعة أعلى بكثير دون تعرض البطارية لخطر التلف، نظرًا إلى أن النقل الأيوني فيها أشد فعالية.
يمكن أن تعمل بطاريات الحالة الصلبة عبر نطاق درجات حرارة أوسع من البطاريات السائلة، مما يسمح باستخدامها بشكل أفضل في الظروف الجوية القاسية. وتعتبر بطاريات الحالة الصلبة أكثر أمانًا بشكل عام لأن الكهارل الصلبة تقلل من خطر حدوث التماس الكهربائي وارتفاع درجة الحرارة الذي يمكن أن يؤدي إلى حرائق أو انفجارات في البطاريات السائلة. أخيرًا، يمكن تصنيع الكهارل الصلبة من مجموعة واسعة من مواد أرخص وأكثر صداقة للبيئة.
بشكل عام، لدى بطاريات الحالة الصلبة القدرة على إحداث انقلاب في صناعة البطاريات من خلال تحسين معايير الأداء والسلامة وعمر البطارية مقارنةً ببطاريات أيونات الليثيوم التقليدية. «نظرًا لكثافة الطاقة العالية، ستكون بطاريات الحالة الصلبة أنسب للمركبات الكهربائية من أنظمة تخزين الطاقة [الثابتة]، ويمكن أن تكون مساهمًا رئيسيًا في انتقال وسائل النقل الثقيلة إلى الطاقة الكهربائية»، يقول تيو لومباردو، مصمم نماذج الطاقة للنقل في الوكالة الدولية للطاقة.
«قفزة للأمام»
طور باحثو كلية الهندسة والعلوم التطبيقية في جامعة هارفارد بطارية بحجم طابع بريدي باستخدام تصميم للخلية على شكل جيب (pouch cell)، بدل التصميم الشائع على شكل زر أو عملة معدنية (coin cell). احتفظت البطارية بسعة 80% بعد ستة آلاف دورة شحن وكان أدائها جيدًا في درجات حرارة منخفضة. تفوقت هذه البطارية على بطاريات الحالة الصلبة الأخرى، حيث وجد الباحثون طريقة لتصنيعها باستخدام مصعد من معدن الليثيوم، الذي يمتلك عشرة أضعاف قدرة مصعد الجرافيت الشائع.
استطاع التصميم الجديد متعدد الطبقات والمواد على التغلب على مشكلة «التشعبات» المنتشرة، وهي هياكل تشبه الجذور، تنمو من سطح المصعد إلى الكهرل، ويمكنها أن تخترق الحاجز الذي يفصل قطب البطارية المقابل، أو المهبط، مما يؤدي إلى حدوث تماس كهربائي في البطارية، واحتراقها في بعض الأحيان.
يمكن لعمر البطارية الأطول -الذي يعادل حوالي 30 عامًا- أن يقلل تكلفة المركبات الكهربائية بشكل ملحوظ، بينما توفر القدرة على شحن البطارية في غضون دقائق كثافة طاقة استثنائية يمكن أن تناسب استخدامات أخرى.
«لقد تمكننا من شحن البطارية خلال خمس إلى عشر دقائق بما يكفي لستة آلاف دورة. عادةً ما يستغرق شحن بطاريات السيارات الكهربائية عدة ساعات، وتتراوح عدد دوراتها بين ألف وألفي دورة»، يقول شين لي، الأستاذ المشارك في علوم المواد في كلية الهندسة والعلوم التطبيقية في جامعة هارفارد، والباحث الرئيسي في المشروع. «يظهر بحثنا أيضًا أنه يمكنك استخدام مواد أخرى كمصعد، مثل الفضة أو المغنيسيوم أو السيليكون. إنها بالتأكيد قفزة إلى الأمام نحو توسيع نطاق الإنتاج الضخم لبطاريات الحالة الصلبة».
«من المختبر إلى العالم الحقيقي»
مع ذلك، لم يقنع هذا الاختراق الجميع. يقول لومباردو: «إن التحدي الحالي الذي تواجهه بطاريات الحالة الصلبة هو التنفيذ والتوسع، وليس الوصول لشيء أفضل على مستوى الخلية».
من المنظور الهندسي، يكمن التحدي الذي لم يتمكن قطاع الصناعة من التغلب عليه بعد في تصنيع حزمة بطارية الحالة الصلبة القادرة على تحمل ضغط عالٍ للغاية، والقادرة في الوقت نفسه على «التنفس»، أي التوسع والتقلص. يقول لومباردو: «إن حل هذه المشكلة يمكن أن يلغي مكاسب كثافة الطاقة التي تحققها بطاريات الحالة الصلبة، لذا فهذا سؤال يحتاج إلى جواب من قبل قطاع الصناعة في السنوات القادمة من خلال عملية التوسع».
من منظور السلامة، هناك مشكلة أخرى يتعين على الشركات المصنعة للبطاريات الحالة الصلبة التغلب عليها وهي أنه حتى لو لم تشتعل بطارية الحالة الصلبة عند حدوث تماس كهربائي، هناك مواد أخرى في المحرك قابلة للاشتعال. يقول لومباردو: «مرة أخرى، هذا تحدٍ هندسي يجب اختباره والتحقق منه على المستوى الصناعي».
أخيرًا، يشكل بناء سلسلة توريد لبطاريات الحالة الصلبة عقبة كبيرة. وفقًا للومباردو، تتطلب هذه السلاسل مواد عالية الجودة وبكميات كبيرة جدًا، لأن البطارية لا تعمل عند وجود حتى كمية ضئيلة من الملوثات. يقول: «يستغرق بناء هذه [السلاسل] وقتًا طويلًا.. أيضًا لأن حقل البطاريات الأوسع ينمو بشكل متسارع، لذا فإن بطارية الحالة الصلبة لا تدخل سوقًا ثابتًا، بل سوقًا تتحسن فيه كل التكنولوجيا بسرعة جنونية، بما في ذلك بطارية أيونات الليثيوم التقليدية، وهذا هو السوق الذي تحتاج إلى اكتساب بعض المساحة فيه».
لدى بطاريات الحالة الصلبة القدرة على إحداث انقلاب في صناعة البطاريات من خلال تحسين معايير الأداء والسلامة وعمر البطارية مقارنةً ببطاريات أيونات الليثيوم التقليدية
يشير لومباردو إلى أن نجاح بطاريات الحالة الصلبة لن يأتي من خلال إنجازات أكاديمية جديدة، «على الرغم من أهمية هذه الدراسة»، بل من خلال إيجاد حلول من قبل قطاع الصناعة للتحديات الهندسية المتبقية ولتطوير سلسلة التوريد الخاصة بها. «تتمتع بطاريات الحالة الصلبة بإمكانات كبيرة، لكن كيفية حل قطاع الصناعة للتحديات [الهندسية] ستحدد إذا ما كانت ستهيمن على سوق بطاريات السيارات الكهربائية أو أن استخدامها سيبقى محصورًا في سيارات وشاحنات المسافات الطويلة جدًا».
وفقًا لبحث حديث أجرته شركة فوكس (Focus)، وهي منصة لتحليل الذكاء الاصطناعي تتنبأ بالاختراقات التكنولوجية بناءً على بيانات براءات الاختراع العالمية، فإن تكنولوجيا بطاريات الحالة الصلبة تتحسن بمعدل 31% من سنة لأخرى. رغم أن هذه الوتيرة مبهرة، إلا أن ليست كافية حاليًا لتجاوز الشركات القائمة، نظرًا إلى أن بطاريات أيونات الليثيوم تتحسن بنسبة مماثلة تبلغ 30.5%.
تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن بطاريات الحالة الصلبة ستلعب دورًا مهمًا في التحول إلى صافي الانبعاثات الصفري، خاصة عبر إزالة الكربون من وسائل النقل الثقيلة من خلال استخدامها في الشاحنات الكهربائية على سبيل المثال. «لكن من المهم ألا نبالغ في تقدير هذه الصناعة أو نقلل من شأنها»، يقول لومباردو، متوقعًا أنه إذا نجحت بطاريات الحالة الصلبة في تحقيق إمكاناتها، فسيكون ذلك في ثلاثينيات القرن الحالي. «الآن، هناك حاجة ملحة لنقلها من المختبر إلى العالم الحقيقي».
من جانبه، يعتقد لي أن الحالة الصلبة لن تصبح شائعة قبل عام 2030. «لا تزال هناك العديد من العوائق التقنية التي يتعين التغلب عليها قبل ذلك.. إن الإنجازات [الأخيرة] لا تقرّب بالضرورة موعد 2030، بل تجعل ذلك الموعد ممكنًا».