قصة سيارات الهايبرد: هل اقتربت النهاية؟

الخميس 28 تشرين الثاني 2024
تصميم محمد شحادة.

اعتقد البعض أن السيارات الهجينة (الهايبرد) هي مجرد مرحلة أو تكنولوجيا انتقالية بين سيارات الوقود والسيارات الكهربائية بالكامل، خصوصًا مع صعود السيارات الكهربائية وانتشارها خلال السنوات القليلة الماضية وتراجع الطلب عالميًا على سيارات الهايبرد. الأمر الذي ينسحب على السوق الأردنية أيضًا، حيث انخفض الإقبال على سيارات الهايبرد في الأعوام الثلاثة الماضية متأثرًا بقرارات رفع الضريبة على الهايبرد والإقبال الواسع منذ العام 2021 على السيارات الكهربائية الصينية منخفضة السعر.

وقد دفعت التوقعات باستمرار انخفاض الطلب على سيارات الهايبرد مع الانتقال السريع للسيارات الكهربائية بعض شركات السيارات للتخلي عن الأولى والتوجه بالكامل نحو الثانية. لكن يبدو اليوم أن هذه التوقعات كانت متسرعة إلى حدٍ ما، فنتائج السوق تقول إن لسيارات الهايبرد جمهورها الخاص غير المستعد بعد للانتقال تمامًا إلى السيارات الكهربائية، وإن بعض المصنّعين ما زالوا مهتمين بتصنيع الهايبرد وتطويرها، وإن كان اهتمامهم اليوم غير منصبٍ على الشكل التقليدي منها.

صعود الهايبرد إلى القمة

رغم أن انتشار سيارات الهايبرد مطلع الألفية كان بمثابة تحوّل عصري في صناعة السيارات، إلا أن فكرتها كانت سابقة على إنتاجها تجاريًا بعقود، فقد صُنعت أول سيارة هجينة تجريبية في العالم قبل أكثر من مائة عام، تحديدًا عام 1901، وهي سيارة Semper Vivus من تصميم مهندس السيارات النمساوي فرديناند بورش. صارت هذه السيارة مصدر إلهام لمصنعي السيارات التي تجمع بين محرك احتراق داخلي ومحرك كهربائي، ورغم عدم إنتاج السيارة تجاريًا إلا أنها أثارت رغبة شركات السيارات في تطوير السيارات الهجينة والكهربائية.

على مدى مائة عام تقريبًا، كانت المشاكل الفنية والهندسية في نظام نقل الحركة في سيارات الهايبرد هي ما منع الشركات من الإنتاج التجاري، لهذا يمكن اعتبار ما فعلته شركة تويوتا اليابانية ثورةً في صناعة الهايبرد، بعدما كشفت عام 1997 عن سيارتها بريوس التي تغلبت فيها على مشكلات هذا النظام مثل قِصَر عمر البطارية، وصارت بريوس نقطة التحول الأولى في إنتاج السيارات الهجينة التقليدية (HEV)؛ أي التي تحتوي على محرك وقود ومحرك كهربائي وبطارية، ويمكن فيها استخدام مصدري الطاقة بشكل مستقل عن بعضهما، وهي اليوم واحدة من أكثر سيارات الهايبرد مبيعًا في العالم، وقد بيع منها حتى منتصف العام 2000، أكثر من 40 ألف سيارة في اليابان وحدها، وكان هذا قبل إطلاقها للأسواق العالمية بعد زيادة الطاقة الإنتاجية إلى ثلاثة آلاف سيارة شهريًا. ورغم أن تويوتا كانت السبّاقة في الإنتاج إلا أن شركة هوندا استطاعت الوصول قبلها إلى الأسواق العالمية، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا، عبر سيارتها الهايبرد الأولى «إنسايت».

أحدثت هذه الانطلاقة تسارعًا في تطور أنظمة الهايبرد، ودفعت الشركات للتسابق في التصنيع والإنتاج، ومن بينها نيسان وسوزوكي وفولفو وجنرال موتورز وفورد وغيرهم. لكن شركة BYD الصينية كانت السبّاقة في تطوير نوع جديد من سيارات الهايبرد نفسها، وهي تلك القابلة للشحن عبر القابس الكهربائي (Plug-in HEV)، فأطلقت عام 2008 سيارة BYD F3-DM التي كانت تقطع 100 كم بالطاقة الكهربائية وحدها قبل التحول إلى محرك الوقود. وبعد عامين أطلقت جنرال موتورز سيارتها الشهيرة من النوع نفسه القابل للشحن (PHEV) عبر سيارتها شيفروليه فولت بمدى كهربائي يصل إلى 56 كم، ومدى عام باستخدام محركيْ الوقود والكهرباء يصل إلى 610 كم.

ورغم تمتعها بمدى كهربائي أطول، وانخفاض سعرها عن سيارة فولت بحوالي 20 ألف دولار، إلا أن مبيعات سيارة بي واي دي كانت دون التوقعات، ولم تستطع الاستمرار في السوق لوجود بعض العيوب في السيارة، ولتخوّف الأسواق العالمية آنذاك من جودة السيارات الصينية. هكذا، قررت بي واي دي التوقف عن إنتاج سيارتها وصب اهتمامها على السيارات الكهربائية فقط، فيما تربعت فولت على عرش سيارات الهايبرد القابلة للشحن، قبل أن تقرر شيفروليه هي الأخرى إنهاء مسيرة فولت عام 2018 والتوجه نحو الاستثمار في السيارات الكهربائية. لكن، لن تمر سنوات كثيرة حتى تتجاوز بي واي دي المشاكل الفنية في سيارتها الهايبرد السابقة، وتفاجئ الأسواق عام 2024 بنسخة جديدة منها تحت اسم BYD QIN L، مجهزة بمحركٍ استثنائي في كفاءته على استهلاك الوقود، يجعل مداها الحركي يصل عند استخدام محركي البنزين والكهرباء إلى 2100 كم في الظروف المثالية، محدثة بذلك قفزة في سيارات الهايبرد عبر هذا الجيل الجديد من السيارات القابلة للشحن.

قبل هذا، وبالمقارنة بين سيارات الهايبرد التقليدية (HEV) وتلك القابلة للشحن (PHEV)، ظلت كفة الإقبال والإنتاج خلال الأعوام الماضية تميل لصالح التقليدية، رغم أن السيارات القابلة للشحن وفرت عبر القدرة على استخدام محرك الوقود، حلًا لمشكلة كانت تقلق سائقي السيارات الكهربائية بالكامل، وهي الحاجة لشحن السيارة على الطرق السريعة، إلا أنه لم يكن يُنصح بها للأشخاص دائمي القيادة لمسافات طويلة، خصوصًا أن تكلفتها كانت تزيد بحدود 5000-15000 دولار عن الهايبرد التقليدية، وأن تحكم السائق بنفسه بتحويل وضع القيادة بين محركي الكهرباء والوقود جعل قيادتها معقدة لدى بعض السائقين، كما أن إعدادات ضبط السيارة وتشغيلها كانت تختلف بين طراز وآخر ضمن الفئة نفسها، على عكس سيارات الوقود والهايبرد التي تتشابه عموما في طرق تشغيلها.

محليًا، بدأ الانجذاب إلى سيارات الهايبرد في السوق الأردني يتوسع في الأعوام 2008-2009 مدفوعًا بإعفاءات ضريبية كلية، ثم توقفت السوق عن استيرادها عام 2010 بعد فرض ضريبة خاصة عليها بنسبة 55%، لكن الإقبال عاد بقوة أكبر بعد خفض الضريبة مجددًا عام 2012 إلى 25٪، مع خفض ضريبي يصل إلى 12.5% على السيارات المشطوبة المستبدلة بسيارة هايبرد. ورغم مخاوف المستهلكين خلال السنوات الأولى حيال البطاريات ونقص مراكز الصيانة المتخصصة بسيارات الهايبرد وارتفاع أسعار قطع الغيار وأجور الإصلاح والصيانة، إلا أن الهايبرد تمكنت خلال فترة وجيزة من الانتشار تدريجيًا في الشوارع، وصولًا إلى الذروة عام 2017 حيث تم التخليص على أكثر من 37 ألف مركبة، متفوقة بذلك للمرة الأولى على مجموع سيارات البنزين والديزل.

الكهرباء تتفوق على الهايبرد

رغم الانتشار الواسع لسيارات الهايبرد في الأسواق العالمية، إلا أن مبيعاتها بدأت بالانخفاض تدريجيًا مع منتصف العقد الماضي. في الولايات المتحدة -على سبيل المثال- كانت تسيطر تويوتا على الحصة الأكبر من سوق السيارات الهجينة التقليدية (HEV) من خلال سياراتها بريوس وكامري وهايلاندر وRAV-4، يليها فورد وهوندا وغيرهما بحصص أقل. لكن مع العام 2014 بدأت مبيعات الهايبرد تنخفض هناك تدريجيًا، حتى وصلت إلى أخفض نقطة على الإطلاق عام 2018، وذلك بالتوازي مع صعود مبيعات السيارات الكهربائية.

كانت الشركات الكبرى حينها بدأت اللحاق بموجة السيارات الكهربائية، حيث قرر بعضها التوجه الكامل نحو الكهرباء مثل فولكس فاجن وجنرال موتورز، وقد تعهدت الأخيرة بالتحول بالكامل إلى المركبات الكهربائية بحلول عام 2035. فيما قررت شركات أخرى زيادة ميزانيّاتها للتوسع في السيارات الكهربائية دون التخلي عن سيارات الهايبرد، مثلما فعلت فورد. بينما لم تشارك شركات أخرى في هذه الموجة، تحديدًا تويوتا، رغم ارتفاع حجم سوق الاستثمارات في السيارات الكهربائية[1]. وقد انتُقِد الرئيس التنفيذي السابق لتويوتا على ما وصفه بالضجة المفرطة حول السيارات الكهربائية والتوجه الكامل نحوها. ومضت الشركة تحت قيادته بالاستثمار في الأنظمة الهجينة والهيدروجينية بدلًا من الكهربائية.

في 2021، ولأول مرة، تفوقت مبيعات السيارات الكهربائية على الهجينة عالميًا، فقد بيعت 4.6 مليون مركبة كهربائية بفضل توسع الطلب في السوق الصينية والأوروبية، وبفضل الأسعار المنخفضة التي قدمتها الصين للعالم، فضلًا عن تطوّر الصناعة وزيادة الثقة لدى المستهلكين. وفي الولايات المتحدة ارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية عام 2023 بنحو 52%، وتجاوزت مبيعاتها حاجز المليون لأول مرة.

وبالعودة إلى السوق المحلي، بدأ التخليص على سيارات الهايبرد في الأردن بالانخفاض منذ 2018 بسبب إعادة فرض الضريبة الخاصة عليها بنسبة 55%، ثم تراجعت الحكومة جزئيًا عن قرارها منتصف العام نفسه حين قررت التدرج في رفع الضريبة على سيارات الهايبرد ذات السعة الأقل من 2500 سي سي، بحيث ترتفع الضريبة من 30٪ إلى 45٪ بين 2018 و2021. على العموم، كانت الضرائب هي العامل الرئيس في انخفاض الطلب على السيارات الهجينة في الأردن قبل عام 2021، أما بعد ذلك فشكلت المنافسة مع السيارات الكهربائية ضغطًا شديدًا على الهايبرد ولم تعد، حتى الآن، مستويات الطلب عليها إلى سابق عهدها.

عودة الهايبرد إلى المنافسة

يمكن القول إن للسيارات الهجينة القابلة للشحن (PHEV) تاريخ من الأداء الضعيف على مستوى المبيعات في بقاع مختلفة من العالم. ففي عام 2016، على سبيل المثال، بيع منها في الصين 200 ألف سيارة فقط، كما بيع في الولايات المتحدة 300 ألف سيارة، ومثلها في أوروبا. لكن يبدو أن الحال تغير مؤخرًا، وأن تسويق السيارات الكهربائية عاد بالفائدة على مبيعات سيارات الهايبرد القابلة للشحن باعتبارها الأقرب عمليًا للسيارات الكهربائية، فيما توفر على أصحابها القلق من انقطاع الشحن.

وقد شهدت الأعوام الأخيرة زيادة ملحوظة في مبيعات الهايبرد القابلة للشحن. حيث بيع منها في الولايات المتحدة عام 2023 حوالي 1.3 مليون سيارة. وبمعدل نمو أكبر، بيع منها 4.5 مليون سيارة في أوروبا. أما في الصين فقد بيع منها 5.8 مليون سيارة. وهو ما يُعزى جزئيًا إلى الإعانات والحوافز التي تقدمها الدول الأوروبية والصين على السيارات الكهربائية والهجينة ما يجعلها أكثر جاذبية للمستهلكين، إضافة إلى أن رفع الاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية المصنعة في الصين إلى ما يصل إلى 45% تقريبًا كان له تأثير كبير في تخفيض الطلب على السيارات الكهربائية لصالح سيارات الهايبرد.

أما في الولايات المتحدة فقد بلغت مبيعات سيارات الهايبرد على اختلاف أنواعها حوالي 1.15 مليون سيارة خلال 2023، وبتقدّم طفيف على حصة سوق المركبات الكهربائية. وبعد سنوات من المكاسب القوية، شهدت السيارات الكهربائية في السوق الأمريكية هذا العام نموًا أبطأ من المتوقع، نظرًا لارتفاع أسعار السيارات الكهربائية هناك مقارنة بالأنواع الأخرى، تحديدا الهايبرد. بالإضافة إلى عدم استعداد شريحة من المستهلكين الأمريكيين على التحول الكامل نحو السيارات الكهربائية، وما يصاحبه من قلق إزاء توفر محطات الشحن في الولايات المتحدة. وهناك حاليًا أكثر من 30 طرازًا من سيارات الهايبرد القابلة للشحن تباع في الأسواق الأمريكية، وتتراوح فئاتها من السيارات الصغيرة (الهاتشباك) إلى سيارات الدفع الرباعي الفاخرة. وقد ارتفعت مبيعات السيارات الهجينة القابلة للشحن العام الماضي بنسبة 60%، محققة زيادة تعلو على مبيعات السيارات الكهربائية أو الهجينة التقليدية.

يُذكر أن تويوتا، التي تمسكت بتطوير سيارات الهايبرد بمعزل عن السيارات الكهربائية، ضاعفت صافي أرباحها خلال عام محققة حوالي 32 مليار دولار للسنة المالية المنتهية في آذار 2024 مستفيدة من الطلب الكبير على سيارات الهايبرد، بينما انخفضت أرباح فورد التي نوّعت استثماراتها، فيما حققت خسائر كبيرة في مجال السيارات الكهربائية.

عمومًا، يلاحظ أن بعض الشركات تنتج حاليًا أنواعًا أكثر تطورًا من التقليدية والقابلة للشحن من حيث كفاءة استهلاك الوقود. فسيارة BYD Qin L التي أطلقت بداية هذا العام لها مدى يصل إلى 2100 كم، بسعر لا يتعدى الـ20 ألف دولار. ورغم أن المدى الكهربائي للسيارة لم يختلف كثيرًا عن مثيلاتها السابقة والبالغ 80-120 كم، إلا أنها تمتلك محرك وقودٍ يعد الأفضل، مع خزان وقود ذي سعة تصل إلى 65 لترًا ما يسمح بتخزين كمية كبيرة من البنزين، وبكفاءة عالية في استهلاك الوقود بمعدلٍ يبلغ 2.9 لتر/100 كم. علمًا بأنه  قد بيع منها في الأيام الثلاثة الأولى من إطلاقها حوالي 5 آلاف سيارة.

يذكر أن عددًا قليلًا جدًا من سيارات BYD Qin L لا يتعدى العشرين في أفضل تقدير دخل إلى السوق المحلية، وقد استوردها بعض التجار للتجربة لكنها لم تلقَ حتى الآن سيطًا بين المستهلكين رغم مميزاتها.

عالميًا، وفي خضم الاحتفاء بهذه السيارة، أعلنت الشركة الصينية المنافسة جيلي أوتو عن قرب إصدار  سيارتها Geely thor والتي ستنافس سيارة BYD QIN L. وقد أعلنت جيلي أن السيارة الجديدة سوف تقطع مسافة تصل إلى 2000 كم بمدى مشترك، فيما يبلغ مدى القيادة الكهربائية نحو 93 كم. وقد يؤشر هذا التنافس بين الشركات الصينية على انفتاحها على إنتاج جيلٍ أكثر حداثة من السيارات الهجينة القابلة للشحن بأسعار معقولة للمستهلكين.

يبدو مستقبل سوق سيارات الهايبرد واعدًا مع تقدم التكنولوجيا وانخفاض التكاليف وتحسن كفاءة المحركات في استهلاك الوقود. وفي حين يُقدّر حجم سوق الهايبرد حاليًا بحوالي 291 مليار دولار أمريكي، تتوقع أبحاث السوق أن يتجاوز 692 مليار دولار أمريكي بحلول نهاية العام 2037. ومن المتوقع أن يشهد قطاع سيارات الهايبرد القابلة للشحن تحديدًا معدلات نمو سنوية سريعة خلال الفترة 2024-2030.

كما يبدو أن الشركات أكثر تيقنًا اليوم بنمو سوق سيارات الهايبرد، ما جعل بعضها تزيد الاستثمار في هذا المجال، فقد أعلنت شركة هيونداي -مثلًا- أنها ستضاعف نطاق إنتاج سيارات الهايبرد وسط تراجع الطلب على السيارات الكهربائية. أما فورد فقد قلصت أهدافها بما يتعلق بمبيعات السيارات الكهربائية، وهو ما ينسحب على كلّ من بورش ومرسيدس بنز. والأمر نفسه تقريبًا بالنسبة لشركة بنتلي موتورز المملوكة من جنرال موتورز، والتي قررت تأجيل خطتها لإنتاج سيارات كهربائية بالكامل مع توجهها للسيارات الهجينة القابلة للشحن.

  • الهوامش

    [1]  بدأ نمو المبيعات والاستثمار في سوق السيارات الكهربائية الكاملة في 2014 ولكنه كان لا يزال في بداياته. أما عام 2019 فقد كان نقطة التحول في سوق السيارات الكهربائية التي بدأت تكتسب زخمًا كبيرًا، مع تدفق استثمارات كبيرة في تكنولوجيا البطاريات والبنية الأساسية للشحن. وتفوقت كذلك على سوق أسهم شركات صناعة السيارات التقليدية الكبرى.

Comments are closed.