الري بالتنقيط والمياه المعالجة: هل تنقذ التقنية الزراعة؟

الري بالتنقيط والمياه المعالجة: هل تنقذ التقنية الزراعة؟

الثلاثاء 13 تموز 2021

هذا التقرير جزء من ملف خاص أنتجته حبر حول أزمة المياه في الأردن. لقراءة بقية مواد الملف اضغط/ي هنا.

في منطقة أم الجمال في المفرق، يعرض المهندس الزراعي أيمن أبو كشك أرضًا زراعية مساحتها 400 دونمٍ للبيع منذ سنوات، لكن، بحسبه، لا أحد يريد شراء أرض محكوم عليها بالموت.

تعتمد الأراضي الزراعية في مدن المفرق والأزرق والرمثا على آبار المياه الجوفية بشكل أساسي. ويسمح القانون والأنظمة المعمول بها بحفر بئر واحد للأرض الزراعية الواحدة، ويحفر البئر إلى الحدّ الذي تظهر عنده المياه، ولا يجوز للمزارع أن يحفر أعمق من الحد المسموح به. وفي حال جفّ البئر لا يسمح بحفر بئر جديد إلّا وفق اشتراطات حددتها الأنظمة. 

تعتبر هذه الآبار مصادر مائية غير متجددة، كونها لا تعوِّض ما تفقده من مصادر مياه سطحية مثل الأنهار الدائمة أو من الجريان السطحي بفعل الأمطار. وفي ظلّ ضعف الموسم المطري هذا العام، وعدم وجود مصادر بديلة للريّ في العديد من مناطق شمال المملكة، فإن العديد من الأراضي الزراعية مهدّد بالبَوار، بحسب مزارعين من هذه المناطق. وللتعامل مع مشكلة النقص المزمن في المياه، يتم اللجوء إلى خيارات في الري، مثل الري بالتنقيط والري باستخدام المياه المعالجة، لكن هذه الحلول، كما يرى مختصون، ليست مثالية، فبعضها مكلف، وبعضها الآخر يعتمد في جدواه على عدد كبير من العوامل التي تجعل اللجوء إليها مسألة تستلزم تفكيرًا وبحثًا.

الري بالتنقيط

لري أرضه، يستخدم أبو كشك، إضافة إلى البئر المسموح له بحفره، بركة سعتها 20 ألف متر مكعب، يجمّع فيها مياه الأمطار، فتقلل من استخدامه للبئر، إلّا أن البركة هذا العام، وعلى خلاف المواسم السابقة، ظلّت شبه فارغة.

البركة التي يستخدمها أبو كشك في أرضه.

يزرع أبو كشك في أرضه محاصيل مختلفة، ففي جزء منها يزرع اللوزيّات (دراق ومشمش)، وهي محاصيل تقطف في وقتٍ مبكرٍ من الموسم فلا تحتاج كميات كبيرة من المياه، حيث يستهلك الدونم 450 م³ سنويًا، وجزء آخر يزرعه عنبًا، ويعتبر متوسطًا لناحية استهلاكه المياه، إذ يستهلك الدونم الواحد 600 متر مكعب سنويًا، والجزء المتبقي يزرعه بأشجار زيتون يستهلك دونمها الواحد ما بين 400 إلى 500 م³ سنويًا. كما يقوم للحفاظ على المياه، بموازنةٍ بين الأصناف حسب موعد قطافها، فالأصناف المبكرة تقطف بداية الموسم، خلال شهري أيار وحزيران، والمتوسطة يبدأ قطافها في تموز وينتهي في أيلول، والمتأخرة يمتد  قطافها من تشرين الثاني حتى نهاية العام. وبعد قطاف كل نوع حسب موعده، تقل كمية المياه التي تتطلبها النبتة بشكل كبير، «بنصير كل 15 يوم بنمرقله سقيّة، مْحَايَاة بنسميها».

ويستخدم أبو كشك نظام الري بالتنقيط، وهو نظام قائم على شبكة من الأنابيب المتفرّعة بين النباتات، يركّز الريّ على النبتة ومناطق امتداد جذورها، ما يعني كفاءةً في سقاية النباتات. يقول: «استهلاك اللوزيات والعنب من 400 إلى 700 متر مكعب سنويًا، هيك لأنه بنستخدم تقنيات ريّ حديثة، اللي ما بيستخدم وسائل ريّ حديثة بكون [الاستهلاك] عنده أعلى، بيصل 1000 أو 1100 متر مكعب سنويًا».

يحق للمزارع في حال استنزاف مياه البئر أو جفافه في مزرعته المطالبة برخصة بئر بديل، لكن بحسب أبو كشك، فإن حفر بئر جديد يكلّف مبالغ طائلة، تصل أحيانًا إلى 50 ألف دينار، عدا عن تكلفة الطاقة المستخدمة في ضخ المياه من الآبار، والتي يقول أبو كشك إنها تبلغ ستة آلاف دينار شهريًا. ولذا، عندما يتعطل بئر أحد المزارعين لسبب أو لآخر، فإن المزارعين في الأراضي المجاورة لأرضه يمدّونه بمياه تكفي لإدامة حياة الشجر. وفي حال جفاف البئر، يلجأ المزارع لتيبيس أجزاء من أرضه، فيقطع عنها المياه ليوفرها لأجزاء أخرى، مثلما فعل أبو كشك عام 2008 حينما عجز البئر عن تأمين الريّ لكامل مزرعته، فقام بقطع الريّ عن 200 دونم منها، ثم عاد لزراعتها بعد أعوام، بعد أن تمكّن من حفر بئر جديد، وبدأ في استخدام تقنيات الريّ بالتنقيط.

الري بالتنقيط في مزارع أبو كشك.

يرى المهندس الزراعي جعفر عبابنة، الذي عمل في عدة مشاريع في المفرق والأزرق، أن الحل لمشكلة شح المياه يكون بإدارة عملية الريّ بشكل جيد، واستخدام شبكات ريّ حديثة مصممة خصيصًا لكل مزرعة بما يناسبها، بحيث يتمّ الحفاظ على المورد المائي لأطول وقت ممكن. ويضيف أنه قد عمل مع 98 مزارعًا في منطقتي الأزرق والمفرق، على مساحة 11 ألف دونم مروي، ضمن مشاريع بالاشتراك مع منظمات دولية لتقليل استهلاك المياه. وخلال السنوات الثلاثة الأخيرة، استطاعوا عبر تقنية الري بالتنقيط، تقليل استهلاك المياه في هذه المزارع بنسبة وصلت إلى 40%، ما مكّن المزارعين من الحفاظ على مساحة الأرض المزروعة عندهم. لكن أبو كشك يرى أنه ورغم أهمية الاعتماد على التقنيات الحديثة في الري إلّا أن هذا الحل مؤقت، ولا يعني الاستدامة، في ظل عدم توفّر مصادر مياه بديلة.

يستهلك الري حوالي 34% من المياه الجوفية المستخرجة في المملكة،[1] ويبلغ عدد الآبار الجوفية حوالي ثلاثة آلاف بئر. والطلب على حفر الآبار متزايد بسبب زيادة الطلب على المياه ونفاد الآبار القديمة والحاجة لحفر آبار بديلة، حيث سُجّل حفر 106 آبار، بين بئر جديد وبئر بديل، في عام 2019. وكذلك تضاعف عدد الآبار المخالفة التي رصدتها وزارة المياه والري وقامت بردمها حوالي ستة أضعاف، حيث زاد عدد الآبار المردومة من 26 بئرًا عام 2007، إلى 177 بئرًا عام 2017.[2]

يقول نعيم المزاهرة، مساعد المدير العام لشؤون البحث العلمي في المركز الوطني للبحوث الزراعية، إن من أهداف المركز البحث في سبل استدامة مياه الريّ، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المائية المتاحة، بالتوجه لزراعة محاصيل استهلاكها للماء قليل. وبحسبه، فإن تحديد كمية المياه الممنوحة للمزارع تجعله يتقيد بأصناف قليلة الاستهلاك دون الحاجة إلى تحديد أصناف وفرضها بالقانون. كما يدرس المركز حاجة المحاصيل الفعلية من المياه، وبحسبه يختلف استهلاك نفس المحصول للمياه بين منطقة وأخرى، كأن يستهلك دونم محصول البندورة في الأغوار شتاءً 500 متر مكعب، بينما يستهلك دونمها من 700 إلى 800 متر مكعب صيفًا في المناطق المرتفعة. وبناءً على تقدير الحاجة الفعلية للمحاصيل يقوم المركز بتوجيه المزارعين للأصناف تبعًا لمعدلات استهلاكها للمياه موسميًا ومناطقيًا.

يعمل المركز، كذلك، على طرح حلول لرفع كفاءة استهلاك المياه، بإرشاد المزارعين لطرق الريّ الحديثة مثل الريّ بالتنقيط، بالإضافة لإرشادهم لأنماط زراعية أخرى، مثل الزراعة في البيوت البلاستيكية التي تقلل من عملية التبخر، والزراعة المائية، وهي طريقة زراعية حديثة. لكن هذا النمط مكلف جدا بالنسبة للمزارعين لأنه يتطلب إقامة نظام تقني كامل مكوّن من قوالب خاصة توضع فيها المزروعات، وترتبط بنظام تبريد يعمل داخل بيوت معدة لهذه الغاية، بالإضافة إلى أنه يحتاج إلى عمالة خبيرة ومدربة على متابعة الزراعة في البيوت. وبحسب المزاهرة فإن المزارع يمكن أن يستعيد ما أنفقه لإنشاء هذه البيوت وتجهيزها بعد سنوات قليلة في حال تمت زراعتها بمحاصيل نوعية ذات سعر مرتفع في السوق، مثل البندورة الكرزية وخيار البوبو.

المياه المعالجة مصدرًا بديلًا

من بين مصادر المياه البديلة التي يبحثها المركز الري بوساطة المياه المعالجة، وهي مياه ناتجة عن الاستخدامات المنزلية، يتم تكريرها لاستخدامها مجددًا في الصناعة والزراعة. في العام 2017 تم استخدام 144.2 مليون متر مكعب من المياه المعالجة، من أصل 544 مليون متر مكعب استخدمت لأغراض زراعية. لكن في الوقت الحالي لا توجد خطة عمل لاستخدام هذه المياه في مناطق الشمال إلا في نطاق ضيقٍ حول محطات التنقية، بزراعة أصناف محددة غير مخصصة للاستهلاك البشري مثل الأعلاف، خاصة البرسيم المصنف كمستهلك عالٍ للمياه، أو نباتات الزينة، على عكس مناطق وادي الأردن في الأغوار الوسطى.

يعمل إبراهيم الشريف في مزرعته في منطقة في وادي الأردن. يعتمد المزارعون هناك في ريّ مزروعاتهم على مياه معالجة من مياه صرف صحي، آتية من محطة تنقية الخربة السمرا، لتصب في سد الملك طلال وتختلط بمياه الأمطار فيه. لذا، فإن الزراعة في هذه المنطقة لا تشكّل ضغطًا على المياه الجوفية بحسب المزاهرة. لكن بحسب الشريف فإنهم بدأوا يشعرون بشحّ الموسم المطري الماضي من خلال ما قالوا إنه انخفاض في معدل تدفق المياه الواصلة لمزارعهم من سلطة مياه وادي الأردن خلال الأشهر الماضية.

مزارع أبو كشك.

بحسب المزاهرة فإن 90% من المياه المعالجة يتم استغلالها في الزراعة، في وادي الأردن، بعد خلطها بمياه المطر، وحول محطات التنقية في مناطق أخرى. ويقول إنه في ظل ارتفاع كلفة الزراعة المائية التي توفر إلى حد 60% من معدل المياه المستهلكة، واستنزاف المياه الجوفية التي وصلت وضعًا حرجًا، تُشكّل المياه المعالجة لأغراض الريّ حلًا ممكنًا للحد من استنزاف المياه الجوفية واستدامة الزراعة.

لكن في الوقت نفسه، مع استخدام المياه المعالجة، ظهرت مشكلات أخرى كما يقول المزاهرة، خاصة في المناطق التي لا يتم فيها خلط المياه المعالجة بمياه الأمطار. من هذه المشاكل أن هذه المياه لا تناسبها أنظمة الري بالتنقيط، نظرًا لأنها تترك ترسبات أكثر من المياه الجوفية أو السطحية داخل الشبكات وتغلق النقّاطات، مما يعرض شبكات الري للتلف بسرعة أكبر. لتفادي هذه المشكلة، لجأ المزارعون للري السطحي الذي يستهلك كمية مياه كبيرة، وبالتالي اضطروا إلى التوقف عن زراعة بعض المساحات. وتبعًا للزواهرة فإن المركز يعمل حاليًا على تجريب أنظمة سقاية تحت سطحية، أي تمتد تحت عمق معين في التربة، وتفيد بالحد من مخاطر المياه المعالجة على البيئة المحيطة وتقليل التبخر، والاستفادة من كمية المياه المعالجة المتوفرة بالشكل الأمثل.

يحصل الشريف كغيره من المزارعين في وادي الأردن على حصة مياه مرتين في الأسبوع، بمعدل تسعة مليمترات في الثانية، ولمدة ست ساعات. هذا العام، يقول المزارعون إنه ورغم بقاء عدد ساعات التزويد كما كانت عليه الأعوام السابقة، إلّا أنهم شعروا أن معدل تدفق المياه انخفض عن السابق. ويضيف الشريف أنهم تأكدوا من تقليل الكمية من موظفين في وزارة المياه. وقد توجهنا بسؤال حول تغيير كمية تدفق المياه للمزارعين في وادي الأردن للناطق الإعلامي لوزارة المياه إلّا اننا لم نتمكّن من الحصول على ردّ.

لشحّ المياه هذا العام، سيروي الشريف أرضه بشكل اعتيادي حتى انتهاء موسم المزروعات الشتوية في شهر تموز، وبعدها سيقلل استخدام المياه للحد الأدنى أثناء عملية إعادة إعداد الأرض بغسلها وإراحتها. ويقول مزارعون آخرون اعتادوا الزراعة في شهر تموز إنه لا إجابة عندهم على سؤال: هل نزرع صيف هذه السنة أم أننا لن نجد مياهًا كافية للري؟

يقول إلياس سلامة، الخبير المائي، إن الحلول التي يجري تطبيقها حاليًا مؤقتة، وتعتمد على طريقة تفكيرٍ تُركّز على تقليل حجم الاستهلاك بدل زيادة كمية المياه، وهو أمر يراه غير منطقي، خاصة في ظل زيادة السكان والتغير المناخي وغيرها من العوامل، معتبرًا أن التحلية قد تكون الحل الوحيد في هذه الحالة لمشكلة المياه في الأردن.

  • الهوامش

    [1] الكتاب السنوي لعام 2018-2019، صفحة 105. هذه الأرقام لا تشمل الاستخراج غير القانوني للمياه.

    [2] قطاع المياه حقائق وأرقام الصادر عام 2017، صفحة 11.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية