ما الذي حصل في محمية فيفا؟ 

الخميس 09 كانون الثاني 2020
من صفحة الجمعية الملكية لحماية الطبيعة على فيسبوك.

في قرار وصفته الجمعية الملكية لحماية الطبيعة بالمفاجئ، جُرّفت مؤخرًا 1600 دونم واقتُلعت نحو 40 ألف شجرة وشجيرة في محمية فيفا التابعة للأغوار الجنوبية، في الأردن الذي يعد 94% من أراضيه صحراء جافة ويسعى لمكافحة التصحر، بينما صرحت الحكومة أن الإجراء لدواعٍ أمنية.

مدير عام الجمعية الملكية لحماية الطبيعة يحيى خالد قال لحبر إن الجهات المسؤولة عن ضبط الأمن على الحدود منعت موظفي الجمعية من دخول محمية فيفا الحدودية في 20 كانون أول الماضي، لأسباب أمنية. وبعد ثلاثة أيام، وصل الجمعية كتاب من سلطة وادي الأردن يحوي رسالة من شركة البوتاس تطالب فيه بضم أراضي المحمية لمنطقة امتياز الشركة.

ويشرح خالد أن مدير محمية فيفا تفاجأ عند دخوله في الأول من كانون الثاني للمحمية بتجريف نحو 1600 دونم من أراضيها، وتقطيع كمية كبيرة من الأشجار تقدر بنحو 40 ألف شجرة من السدر والطرفة.

يعرّف قانون حماية البيئة المحميات الطبيعية بأنها مناطق مخصصة لحماية أنواع نباتات وحيوانات وطيور وأحياء مهددة بالانقراض يحظر صيدها أو حيازتها خارج حدود هذه المناطق أو لحماية أنواع من الصخور والتربة التي يحظر إزالتها أو حيازتها خارج حدود تلك المناطق.

وتحظر تعليمات تنفيذ نظام المحميات الطبيعية محاولة التحطيب أو قطع الشجر داخل المحميّات.

«إحنا حاليًا مش قادرين نفوت على المحمية إلّا بتصريح أمني»، يضيف خالد الذي لفت إلى أن دخول الجانب الغربي من المحمية الحدودية مع أراضي فلسطين المحتلّة كان يتطلب سابقًا تصريحًا أمنيًا شفويًا لدخول موظفي المحمية، إلّا أن الإجراءات أصبحت مشددة بعد الحادثة.

تبلغ مساحة محمية فيفا نحو 23 كيلو متر مربّع وأعلن عنها كمنطقة محمية في تموز من عام 2011، وفق الجمعية. وتضم المحمية التعداد الأكبر لطائر السد النوبي ذي الأهمية العالمية بسبب مناطق انتشاره المحدودة، ومجموعة أخرى من الطيور النادرة، كما تقوم بحماية سبعة أنواع نباتية منها شجر الآراك، وحيوانات مهددة بالانقراض.

ردود فعل

أثارت هذه الحادثة جدلًا في الإعلام وعلى مواقع وسائل التواصل الاجتماعي. وقد طالب خالد بضرورة وقف أي تجاوز في المحمية، وبضرورة تأهيلها مجددًا. كما طالب الحكومة بإيجاد من يتحمل مسؤولية هذا الإجراء. 

ويرى رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر الشوشان أن المسؤولية القانونية تقع بالدرجة الأولى على وزارة البيئة بالنظر لقانون حماية البيئة ثم على وزارة الزراعة التي يحوي قانونها مواد متعلقة بالثروة الحرجية.

بدوره، يقول وزير البيئة صالح الخرابشة لحبر إن المحمية تقع في منطقة حدودية تتواجد عندها القوات المسلّحة الأردنية كما هو حال الشريط الحدودي، وبالتالي فإن لها ترتيبات واعتبارات خاصة بصفتها منطقة حدودية. وبحسبه فإنه من المسموح دخول المحمية، ووجود ترتيبات حدودية واشتراط منح تصريح أمني لا يعني منع الدخول.

ويلوم الخرابشة الجمعية على عدم إبلاغها الوزارة منذ البداية بمنعهم من دخول المحمية، لافتًا إلى أن الجمعية هي المسؤول عن إدارة المحمية ووزارة البيئة ليس لديها تفاصيل الإجراءات اليومية المتبعة في كل محمية.

تأسست الجمعية الملكية لحماية الطبيعة عام 1966 وفوضتها الحكومة بمسؤولية حماية الحياة البرية والتنوع الحيوي في كافة مناطق المملكة، وقد أنشأت الجمعية تسع مناطق محمية على مساحة 1200 كم مربع.

في المقابل، يقول الرئيس التنفيذي لشركة البوتاس معن النسور لحبر إن الشركة لم تدخل محمية فيفا، ولم تُدخل آلياتها إليها، ولم تقطع أي شجرة. ويضيف إن الشركة تتوسع في شمال منطقة الامتياز (حيث يسمح لها بالعمل) إذ تعمل حاليًا على مشروع يتوقع أن يزيد إنتاجية الشركة بحوالي 140 ألف طن سنويًا.

مصدر حكومي صرّح في بيان رسمي إنه لم تتم إزالة أشجار حرجية وإنما شجيرات شوكية، تحد من مدى الرؤية وإمكانية المراقبة ومن حركة الجنود في عمليات البحث والتفتيش، مما يشكل عائقًا في عمليات الحفاظ على الحدود وقد تستخدم للتسلل والتهريب.

وقال المصدر إن القوات المسلحة الأردنية تعاملت مع العشرات من حالات التسلل خلال الأشهر القليلة الماضي في المنطقة التي أزيلت منها «الشجيرات الشوكية»، واتخذت الإجراءات لأسباب أمنية مرتبطة بطبيعة المنطقة الحدودية.

لاحقًا، صرح قائد المنطقة العسكرية الجنوبية العميد ركن صبحي النعيمات إن المنطقة العسكرية الجنوبية أقرت العمل في 16 كيلو متر، لكنها توقفت عند حدود 6 كيلو مترات، وإن العمل لغايات أمنية ولا علاقة لشركة البوتاس العربية به، بحسب بيان صدر عن الجمعية الملكية لحماية الطبيعة. وأكدت الجمعية في بيانها أن قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية أعلنت عن وقف العمل داخل محمية فيفا.

وشارك في جولة نُظمت السبت لمحمية فيفا كل من الخرابشة والنعيمات وخالد ورئيس مجلس إدارة الجمعية خالد الإيراني ومدير الإدارة الملكية لحماية البيئة العميد أسامة مريان وفريق من الجمعية في جولة نظمت السبت للمحمية.

كما وعد الخرابشة بإعادة تأهيل المحمية في اجتماع عقد الأحد مع لجنة الصحة والبيئة النيابية برئاسة النائب محمد العتايقة ضم وزير الزراعة إبراهيم الشحاحدة وأمين عام سلطة وادي الأردن علي الكوز والشوشان.

 

صورة قديمة للمحمية، وصورة حديثة تظهر ما بعد التجريف

تأثير قطع الأشجار على التغير المناخي

تقول رئيسة جمعية دبين للتنمية البيئية هلا مراد إن هذا التدخل في المحمية وتجريف التربة وقطع الشجر يعد تخريبًا لنظامها البيئي. فيما يقول الشوشان إنه حتى لو كان القطع لأغصان شجر فإنه يؤدي لخلل بيئي.

 كما أن قانون الزراعة يحظر حتى في مناطق خارج حدود المحميات قطع الأشجار والشجيرات الحرجية والنباتات البرية دون ترخيص من وزير الزراعة، ويمنع حرق الأشجار والشجيرات الحرجية والنباتات البرية (…) إلا في حالات يحددها الوزير وبترخيص منه.

وفضلت وزارة الزراعة الاكتفاء برد البيان المنسوب لمصدر حكومي، لكن موظفًا في مديرية الحراج التابعة لوزارة الزراعة -فضل عدم ذكر اسمه- أوضح أن إجراء قطع الأشجار يتطلب تقديم معاملة في قسم الحراج في مديرية الزراعة التابعة للمنطقة.

ويشرح أنه في حال كانت عدد الشجر المنوي قطعه كبيرًا ويحوي أشجارًا معمرة مثل شجر السنديان يتوجب رفع الطلب للمديرية الرئيسية في عمّان ثم لوزارة الزراعة.

ووقع الأردن في 2016 على اتفاق باريس للتغير المناخي في مقر الأمم المتحدة، والذي يهدف للحد من أثر التغير المناخي وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري.

وتحث الاتفاقية في المادة الخامسة منها الدول الأطراف على تعزيز مخزونات الكربون الحرجية والحفاظ على الغابات للحد من الانبعاثات.

وبحسب المختصة في مجال البيئة صفاء الجيوسي فإن تقطيع الأشجار ليس فقط في محمية فيفا وإنما أيضا في عدد من الشوارع سيؤدي لزيادة المخزون الكربوني بعكس ما نصت عليه اتفاقية باريس للحد من أثر التغير المناخي والتي وقع عليها الأردن.

ويوضح الشوشان أن قطع الأشجار في محمية فيفا انتهاك لقوانين محلية ومخالفة لاتفاقيات دولية وقع عليها الأردن إضافة لاتفاقية باريس، كاتفاقية التنوع الحيوي واتفاقية مكافحة التصحر واتفاقية رامسار الدولية لحماية الأراضي الرطبة.

وعلى الصعيد الدولي تصنّف محمية فيفا ومحمية الأزرق كأراض رطبة بموجب اتفاقية رامسار، مما يعني ضرورة الحفاظ عليها لأنها من أهم أدوات مكافحة التغير المناخي إذ تعتبر خزانًا لامتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، يقول الشوشان.

وتشير مراد إلى اجتماع للجنة الوطنية للتنوع الحيوي، وهي لجنة تابعة لوزارة البيئة، وقد أوصت بوقف أي تجريف وتقطيع في المحمية ودراسة الأضرار لإمكانية التأهيل.

مجلس محافظة الكرك قال إن اجتماعًا عُقد بعد حادثة محمية فيفا ضم لجان الزراعة والمياه والبيئة استنكر الاعتداء على المحمية وطالب بإعادة تأهيلها.

مجموعة من الطيور الموجودة في محمية فيفا، من بينهامالك الحزين الرمادي، ودوري البحر الميت، تصوير محمد عصفور

* تنويه: تم تحديث هذا التقرير يوم الإثنين 13 كانون الثاني بعد ظهور تصريحات مستجدة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية