غياب شبكة الصرف الصحي في الظليل يتركها «مكرهةً صحية»

الأربعاء 03 آذار 2021
صهريج لنضح الحفر الامتصاصية في الظليل. تصوير رزق صعلوك.

«لولا الخجل من شكوى الجيران من الريحة والحشرات والفيران ما سحبت جورة المجاري»، يقول الخمسيني أبو محمد، أثناء حديثه عن تكلفة سحب المياه العادمة من الحفرة الامتصاصية في بيته، حيث يسكن في بلدة الظليل في محافظة الزرقاء، ويعمل في أحد المصانع فيها، ويتقاضى حوالي 250 دينارًا شهريًا يعيل بها أربعة أبناء، «الجيران بساعدوا يابوي، ولّا ما بقدر أدفع 35 دينار كل مرة أنضح فيها الجورة (..) من وين بدي أجيب؟».

أبو محمد واحدٌ من حوالي 86 ألفًا يسكنون قضاء الظليل، ويعتمدون بشكل أساسي على الحفر الامتصاصية لتصريف المياه العادمة من منازلهم، نظرًا لعدم إنشاء شبكة صرفٍ صحي في القضاء حتى الآن. ويعرّف نظام الصرف الصحي الحفرة الامتصاصية على أنها الحفرة المخصصة في العقارات لجمع المياه المستخلصة من الفضلات السائلة وتصريفها خلال فجوات ومسامات التربة.

وبحسب النظام فإنه إذا تعذّر -لأي سبب كان- وَصْل مجرى الصرف الصحي الخاص، أي داخل حدود العقار، بمجرى الصرف الصحي العام، الذي تملكه سلطة المياه، فإن على مالك العقار أو المتصرف به أن ينشئ على نفقته الخاصة وضمن حدود عقاره حفرة امتصاصية، وعليه تفريغها على نفقته الخاصة.

يقول نضال العوضات، رئيس بلدية الظليل، إن الحفر الامتصاصية هي واحدة من المشكلات التي تواجه سكان القضاء، وتتسبب بانتشار الحشرات والقوارض بين الأحياء السكنية، فضلًا عن الروائح الكريهة التي يسببها فيضان بعض تلك الحفر.

ويعتبر قضاء الظليل من المناطق الأشد فقرًا في الأردن، إذ بلغت نسبة الفقراء فيه عام 2010 حوالي 32%، بحسب تقرير حالة الفقر في الأردن، الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة. ويقول العوضات إنه «مع نسبة الفقر المرتفعة في القضاء يترك بعض السكان الحفر الامتصاصية تفيض وتأخذ مسارها [تنساب]»، مشيرًا إلى وجود 42 مصنعًا و22 مزرعة أبقار في القضاء، معتبرًا أن غياب شبكة الصرف الصحي يشكل ضغطًا على العمل البلدي، ويجعل المنطقة طاردة للسكان والاستثمارات.

يتفق عبدالله أبو هويدي، ممثل قضاء الظليل في مجلس محافظة الزرقاء، مع ما ذهب إليه العوضات، إذ يرى أن الأحوال المادية الصعبة لأهالي القضاء تمنعهم من سحب المياه العادمة من الحفر بشكل مستمر، خصوصًا بعد تشبع التربة المحيطة بالمياه العادمة، ما يستلزم أحيانًا سحبها أكثر من مرة في الشهر، أي بتكلفة تصل إلى 70 دينارًا شهريًا، و«معظم سكان القضاء يتقاضون الحد الأدنى للأجور، في حال وجدوا عمل» يقول أبو هويدي، مضيفًا أن الكثير من سكان القضاء «يتركون الحفر تفيض».

إذا تعذّر وَصْل مجرى الصرف الصحي داخل حدود العقار، بمجرى الصرف الصحي العام، فإن على مالك العقار أو المتصرف به أن ينشئ على نفقته الخاصة وضمن حدود عقاره حفرة امتصاصية، وعليه تفريغها على نفقته الخاصة.

وبحسب أبو هويدي، فإن مجلس محافظة الزرقاء طالب، منذ بدء أعماله عام 2017، بإيصال خدمة الصرف الصرف الصحي إلى قضاء الظليل، لكن نقص المخصصات المالية يحول دون ذلك، خصوصًا أن المشكلة في القضاء -بحسبه- تنسحب على العديد من المناطق في محافظ الزرقاء.

العوضات هو الآخر يقول إن البلدية طلبت من وزارة المياه والريّ مرارًا شمول الظليل بشبكة الصرف الصحي، وكان يأتيهم الردّ نفسه كل مرة: «تحت الدراسة، وبانتظار التمويل اللازم»، ويرى العوضات أن لا بوادر في الأفق لإيصال الشبكة إلى الظليل.

وبحسب قانون الصحة العامة، ونظام منع المكاره داخل مناطق البلديات، فإن انسياب أو طرح أو تفريغ محتويات الحفر الامتصاصية، أو المصارف أو صهاريج النضح، في غير الأماكن المخصصة لها يُعتبر «مكرهةً صحية».

وتَنصح جهاتٌ مختصة في المياه والبيئة بالحفاظ على مسافة آمنة بين الحفر الامتصاصية ومصادر مياه الشرب، بحيث تكون الحفرة على عمق يتراوح بين 1.5 إلى 4 أمتار، على أن يرتفع قاع الحفرة مسافة لا تقل عن 1.5 مترٍ فوق منسوب المياه الجوفية، وأن تكون الحفرة بعيدة عن حركة المرور الكثيفة حتى لا تكون التربة حولها منضغطة، مع إجراء صيانة للحفرة بعد ثلاث إلى خمس سنوات من إنشائها، لمنع التراكم المفرط للمواد الصلبة فيها، فتُفرّغ الحفرة وتُنظف في حال انسدادها وتدهور كفاءتها.

الباحثة في مجال المياه والبيئة والموارد الطبيعية، غيداء العبداللات، تقول إن تسرّب المياه العادمة من الحفر الامتصاصية إلى مصادر المياه العذبة قد يجعلها مياهًا غير صالحة للاستهلاك، وقد تنتقل إليها بعض سلالات البكتيريا التي تتسبب باضطرابات حادة في المعدة في حال شرب المياه الملوثة.

يرى حازم الناصر، وزير المياه والريّ الأسبق، أن هناك أضرارًا محتملة من الحفر الامتصاصية، لكنه يعتقد أن الترهل الإداري في البلديات يزيد من خطورة الأمر إذ تسمح بعضها بإنشاء حفر امتصاصية مخالفة للمواصفات المطلوبة، من ناحية عمق الحفرة وإنشائها بالإسمنت والحديد المسلّح. مضيفًا أن تكلفة شمول كافة مناطق المملكة بشبكة الصرف الصحي العام قد تصل إلى مليارات الدنانير. «هو أمر غير قابل للتنفيذ» يقول الناصر، معتبرًا أن شبكات الصرف الصحي تتركز في المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة.

أما العوضات فيقول إن بلدية الظليل تعمل على مراقبة الحفر الامتصاصية وفقًا لإمكانياتها المتاحة، مشيرًا إلى أنه ليس بمقدور الأهالي في الظليل إنشاء حفر امتصاصية باستخدام الإسمنت والحديد نظرًا لتكلفتها المرتفعة. وهو ما يؤكده سميح المشاقبة، أحد سكان الظليل، الذي يرى أن شروط الحفر الآمنة مكلفة «ومعظم السكان لا قدرة مالية لديهم لإنشائها».

من جهتها، ترى إنعام جودة، مديرة مكتب وزارة البيئة في القضاء، أن الظليل بحاجة لإنشاء شبكة صرف صحي نظرًا لتزايد أعداد السكان، مشيرةً إلى أن الوزارة رصدت خلال السنوات السابقة عددًا من المخالفات التي ارتكبها بعض سائقي صهاريج المياه العادمة بطرح حمولتها من المياه العادمة في الأودية المجاورة للمناطق السكنية، وقد وصل عدد المخالفات المرصودة عام 2020 إلى 189 مخالفة، تنوعت بين التفريغ في غير الأماكن المخصصة والعبث في جهاز التتبع الإلكتروني التي تثبته الوزارة على هذه الصهاريج لمراقبتها، حيث تم تحويل المخالفين إلى الحاكم الإداري أو القضاء، بحسب نوع المخالفة وحجمها.

في المقابل، يقول عمر سلامة، مساعد الأمين العام لشؤون الإعلام في وزارة المياه والريّ، إن تكلفة مشاريع الصرف الصحي مرتفعة، وقد يحتاج إنشاء وإيصال شبكة الصرف الصحي إلى الظليل عشرات ملايين الدنانير، مضيفًا أن هناك مساعٍ لتأمين التمويل اللازم لإنشاء الشبكة في القضاء، دون أن يحدد موعدًا متوقعًا لذلك، مشيرًا إلى أن 68% من مساكن الأردن مشمولة بالصرف الصحي.

كما ينفي سلامة وجود تلوث في المياه الجوفية أو الارتوازية على مستوى المملكة، قائلًا إن «سلامة المياه خط أحمر، ومختبرات الوزارة المركزية تفحص عينات بشكل دوري من جميع مصادر المياه في المملكة، لضمان نوعية المياه وسلامتها».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية